منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور الحياة

اخبار . رياضة . فن .فيديو. طب. برامج. موضة. طفل. حوادث. بحث. فيس .بوك . تويتر. يوتيوب. جوجل . ادنس. ربح .نت .افلام . ترانيم . مسرحيات. عظات
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 هل المسيح هو الله

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:36 pm

حتمية العودة إلى الكتاب المقدس

ونؤكد من البداية حتمية العودة إلى الكتاب المقدس، ذلك لأننا بعيداً عن الكتاب المقدس لا نستطيع بحال من أن نعرف حقيقة المسيح، فالعقل وحده لا يستطيع أن يدرك حقيقته إذ لا بد من إعلان سماوي يعين العقل على الوصول إلى الحق الصراح، لأنه «أَيْنَ ٱلْحَكِيمُ؟ أَيْنَ ٱلْكَاتِبُ؟ أَيْنَ مُبَاحِثُ هٰذَا ٱلدَّهْرِ؟ أَلَمْ يُجَهِّلِ ٱللّٰهُ حِكْمَةَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ؟ لأَنَّهُ إِذْ كَانَ ٱلْعَالَمُ فِي حِكْمَةِ ٱللّٰهِ لَمْ يَعْرِفِ ٱللّٰهَ بِٱلْحِكْمَةِ، ٱسْتَحْسَنَ ٱللّٰهُ أَنْ يُخَلِّصَ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةِ ٱلْكِرَازَةِ، لأَنَّ ٱلْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَٱلْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلٰكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُّوِينَ: يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ، فَبِٱلْمَسِيحِ قُّوَةِ ٱللّٰهِ وَحِكْمَةِ ٱللّٰهِ» (١ كورنثوس ١: ٢٠ - ٢٤).
ولقد ظهر في ألمانيا فيما بين سنة (١٧٤٣ - ١٨١٩) فيلسوف اسمه «جاكوبي» وكانت كتاباته رداً على فلسفة «اسبينوزا» الذي نادى بأن العقل وحده هو باب المعرفة الوحيد، وقد قال «جاكوبي»: «إن العقل غير المعان بالوحي الإلهي لا بد أن يقود الإنسان إلى الإلحاد، وذلك لأنه بطبيعته الخاصة، لا يستطيع أن يعالج سوى الأشياء ذات الحدود، وأجزاء الأشياء، وهو يضع هذه الأجزاء معاً ليكشف ما بينها من روابط، ولكنه يعجز عن الحصول على مادة الحقيقة الخام، لا سيما الحقيقة التي تشمل الأشياء جميعاً مضموناً بعضها إلى بعض في وحدة كاملة متكاملة».
وعند «جاكوبي» أن الله الذي يمكن إثباته بالمنطق وحده لا يمكن أن يكون الله، لأن الحصول عليه بالمعرفة عن طريق العقل يتضمن معنى سيطرة العقل. والخالق الأعظم لا يمكن أن يسيطر عليه أو يحتويه عقل. إن حقيقة الله ليس سبيلها الفكرة المنطقية تتلوها أخرى، إن الله قد تنازل سبحانه وتعالى فأعلن عن ذاته بالوحي الذي سجله الكتاب المقدس.
ونقول بيقين أنه بدون الرجوع إلى الكتاب المقدس بأسفاره الستة والستين من سفر التكوين إلى سفر رؤيا يوحنا، يصبح الحديث عن المسيح مجرد لغو وهراء.
ولا عبرة بأن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا قد أصابه التحريف.. إذ أننا نسأل أمام هذا الادعاء قائلين:
لمصلحة من حدث هذا التحريف؟ ومن الذي قام به وأحدثه في الكتاب الكريم؟ وفي أي تاريخ حرّفه المحرفون؟
فإذا قلنا إن اليهود هم الذين حرفوه... رد علينا العقل المتزن والمنطق السليم قائلاً: كيف يمكن لليهود أن يحرفوا الكتاب المقدس. ويبقوا فيه اللعنات الرهيبة التي تنصب على رؤوسهم كشعب متمرد ضال؟ أفما كان بالأولى جداً أن يحذف المحرفون من الكتاب المقدس هذه اللعنات، وأن يحولوها بتحريفهم إلى بركات؟! إن المرء يكفيه أن يقرأ ما جاء في الأصحاح السادس والعشرين من سفر اللاويين ليرى بنفسه فظاعة اللعنات التي يصبها الله على هذا الشعب حين يسلك معه بالخلاف.
تعال معي لنقرأ بعض ما جاء في هذا الأصحاح: «وَإِنْ كُنْتُمْ بِذٰلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِٱلْخِلاَفِ فَأَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِٱلْخِلاَفِ سَاخِطاً، وَأُؤَدِّبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ، فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيكُمْ، وَلَحْمَ بَنَاتِكُمْ تَأْكُلُونَ. وَأُخْرِبُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ وَأَقْطَعُ شَمْسَاتِكُمْ وَأُلْقِي جُثَثَكُمْ عَلَى جُثَثِ أَصْنَامِكُمْ، وَتَرْذُلُكُمْ نَفْسِي. وَأُصَيِّرُ مُدُنَكُمْ خَرِبَةً وَمَقَادِسَكُمْ مُوحِشَةً، وَلاَ أَشْتَمُّ رَائِحَةَ سُرُورِكُمْ» (لاويين ٢٦: ٢٧ - ٣١).
ويسأل العقل المتزن أيضاً: كيف يمكن لليهود أن يحرفوا الكتاب المقدس ولا ينزعوا من صفحاته كذب إبراهيم أبيهم، وزنى داود ملكهم وقتله لأحد قادتهم، وتدهور سليمان حكيمهم؟
إن وجود الحوادث التي تؤكد كذب إبراهيم، وزني داود، وإنحراف سليمان، أصدق دليل على أن الكتاب المقدس هو كتاب الله الذي لا يخشى وجه إنسان مهما عظم مركز ذلك الإنسان.
وإذا قلنا: إن المسيحيين حرّفوا الكتاب المقدس؟ سأل العقل المفكر: أي جزء من الكتاب حرفه المسيحيون؟
يقيناً إنه لم يكن في وسعهم أن يحرفوا العهد القديم، لوجود هذا الكتاب أصلاً بين أيدي اليهود، فهو كتابهم قبل أن يكون كتاب المسيحيين، وثابت من التاريخ أن العهد القديم قد تُرجم إلى اللغة اليونانية نحو سنة ٢٨٥ قبل الميلاد بواسطة سبعين عالماً من علماء اليهود بأمر من «بطليموس فيلادلفوس» وصارت هذه الترجمة معروفة باسم «الترجمة السبعينية». وقد انتشرت هذه الترجمة قبل ميلاد المسيح، فمن المستحيل إذا أن يحرف المسيحيون كتب العهد القديم. كذلك من المستحيل الاعتقاد بأن اليهود قد حرفوا العهد الجديد. ذلك لأن العهد الجديد يؤكد أنهم هم الذين صلبوا المسيح ويصب الويلات على الكتبة والفريسين منهم، فلو أن اليهود حرفوه لحذفوا منه كل هذه الأجزاء.
أما إذا ادعى مدعي بأن المسيحيين قد حرفوا العهد الجديد فإن هذا الادعاء ينهار أمام عدة حقائق.
الحقيقة الأولى: هي بقاء التوافق العجيب بين العهد القديم والعهد الجديد، وفي هذا أقوى الدليل على أن يداً بشرية لم تمتد بالتحريف لكتاب الله الكريم، فمن المعروف أن العهد الجديد مستتر في نبوات العهد القديم، وإلا فضح العهد القديم أي تحريف في العهد الجديد.
والحقيقة الثانية: هي أن المسيحيين قد لاقوا بسبب إيمانهم بحقائق العهد الجديد أفظع أنواع العذاب، فقد جرّ عليهم إيمانهم بالمسيح وفدائه، وسلطانه على القلب والفكر... الألم، والتشريد، والاضطهاد، والموت. ومن الممكن للإنسان البشري أن يكذب لمصلحة خاصة أو للنجاة من مأزق خطير، لكن ليس من الممكن أو القبول أن يستمر الإنسان في كذبه حتى يقوده الكذب إلى الموت، ولقد مات الملايين من المسيحيين بسبب إيمانهم بما جاء في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.. فهل يعقل أن يقوم المسيحيون الذين اشتهروا في القرون الأولى للمسيحية بأخلاقهم الفاضلة، وقداسة حياتهم، ورضاهم بالتضحية بحياتهم من أجل المسيح بسرور ورضى، بتحريف الكتاب المقدس وهو الكتاب الذي ينتهي آخر أسفاره بالكلمات «لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُّوَةِ هٰذَا ٱلْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هٰذَا يَزِيدُ ٱللّٰهُ عَلَيْهِ ٱلضَّرَبَاتِ ٱلْمَكْتُوبَةَ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هٰذِهِ ٱلنُّبُّوَةِ يَحْذِفُ ٱللّٰهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ، وَمِنَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ ٱلْمَكْتُوبِ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ» (رؤيا يوحنا ٢٢: ١٨ - ١٩).
والحقيقة الثالثة: إنه رغم الاختلافات العقائدية التي انتشرت في الكنائس المسيحية منذ عصر الرسل، إلا أنها اتفقت جميعاً في مجمع قرطاجنة الذي عُقد سنة ٣٩٧ على قانونية أسفار العهد الجديد كما هي بين أيدينا.
والحقيقة الرابعة: أنه لا يعقل أن يعطي الله الناس كتاباً من وحيه ثم لا يحفظ هذا الكتاب بقدرته من التحريف على طول الزمان..
نقرأ في سفر إشعياء الكلمات «صَوْتُ قَائِلٍ: نَادِ. فَقَالَ: بِمَاذَا أُنَادِي؟ كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ ٱلْحَقْلِ. يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلّزَهْرُ، لأَنَّ نَفْخَةَ ٱلرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ. حَقّاً ٱلشَّعْبُ عُشْبٌ! يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلّزَهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلَهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلأَبَدِ» (إشعياء ٤٠: ٦ - ٨). كذلك نقرأ في إنجيل متى الكلمات: «اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلٰكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» (متى ٢٤: ٣٥) ونقرأ في إنجيل يوحنا الكلمات: «قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ» (يو ١٧: ١٧).
فالله إذاً قد ضمن بقاء كلمته بلا تحريف إلى مدى الأدهار، وأوصى شعبه القديم قائلاً: «كُلُّ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي أُوصِيكُمْ بِهِ ٱحْرِصُوا لِتَعْمَلُوهُ. لاَ تَزِدْ عَلَيْهِ وَلاَ تُنَقِّصْ مِنْهُ» (تث ١٢: ٣٢).
وهنا يجدر بنا أن نذكر أن نسخ الكتاب المقدس اليونانية الموجودة بين أيدينا حتى اليوم هي:
(١) النسخة الفاتيكانية: خطت في أوائل القرن الرابع وهي الآن في مكتبة الفاتيكان في رومية.
(٢) النسخة السينائية: خطت في أواخر القرن الرابع للمسيح على رقوق مرهفة في أربعة أعمدة على الصفحة، وقد وجدها العالِم الألماني «تشندروف» في دير سانت كاترين عند سفح جبل سيناء، وأُهديت هذه النسخة إلى القيصر نيقولا الثاني أمبراطور روسيا فأمر بطبعها ونشرها، وظلت النسخة الأصلية في ليننجراد إلى أن بيعت مؤخراً للمتحف البريطاني بمئة ألف جنيه استرليني.
(٣) النسخة الاسكندرية: خطت في القرن الخامس للميلاد وبقيت في حوزة بطاركة الاسكندرية حتى سنة ١٦٢٨ حين أُهديت إلى «شارلس الأول» ملك بريطانيا، وهي الآن محفوظة في المتحف البريطاني.
وفي مطلع عام ١٩٤٧ عثر العلماء في وادي القمران من شرق الأردن على مخطوطات من العهد القديم على جانب عظيم من الأهمية، فقد عثروا على سفر إشعياء بكامله باللغة العبرية، ويرجع هذا المخطوط في تقدير العلماء إلى القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد وقد ظهر أن هذا السفر يتفق تماماً مع سفر إشعياء الذي بين أيدينا، ومنذ ذلك التاريخ والباحثون يعثرون على الكثير من أسفار الكتاب المقدس مما يعود إلى سنة ١١٠ و١٧٠ بعد الميلاد وكل اكتشافاتهم تؤكد صدق الكتاب الكريم وخلوه من التحريف.
فإذا تأكد وجود نسخ قديمة للكتاب المقدس كله تعود إلى ما قبل القرن الرابع للميلاد وما زالت بين أيدينا إلى اليوم، وعرفنا أن الإسلام ظهر في القرن السادس للميلاد، ورأينا بوضوح أن القرآن يؤكد سلامة الكتب المقدسة التي بين يدي اليهود والمسيحيين، أو بمعنى أدق سلامة الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، كان في وسعنا أن نقول بيقين إنه حتى القرن السادس للميلاد لم يحرف الكتاب المقدس ولم يأته الشك من بين يديه ولا من خلفه إذ لا يقبل إنسان عاقل القول بأن نبي الإسلام يحض المسلمين على قبول كتاب امتدت إليه يد التحريف.
فتعال معي لنقرأ ما جاء في القرآن:
ففي سورة المائدة نقرأ:
«قُلْ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ» (سورة المائدة ٥: ٦٨).
«وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ» (سورة المائدة ٥: ٤٣).
«إِنَّا أَنْزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ» (سورة المائدة ٥: ٤٤).
«وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاءهُ ٱلإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ» (سورة المائدة ٥: ٤٦).
«وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ» (سورة المائدة ٥: ٤٧).
وفي سورة الجاثية نقرأ: «وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُّوَةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ» (سورة الجاثية ٤٥: ١٦).
وفي سورة الأسراء نقرأ: «وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً» (سورة الأسراء ١٧: ٥٥).
وفي سورة النساء نقرأ: «وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً» (سورة النساء ٤: ١٦٣).
هذا كله يؤكد لنا أن الكتاب المقدس بكلا عهديه لم يحرف حتى ظهور الإسلام وإلا ما حث الإسلام المسلمين أن يقيموا التوراة والإنجيل قائلاً لهم: « لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ» (سورة المائدة ٥: ٦٨).
متى إذاً حدث التحريف في الكتاب المقدس؟
بغير شك أن العقل والمنطق السليم يدعوان إلى نبذ دعوى التحريف، إذ لا يعقل أن يُحرف كتاب قد تداولته الأيدي، وانتشرت نسخه في أرجاء الأرض، وصار العهد القديم كتاباً مقدساً عند اليهود، والعهدان معاً كتاباً مقدساً لدى جميع المسيحيين، أقول لا يعقل أن يُحرف الكتاب المقدس بعد هذه القرون، لأنه لو حدث التحريف لظهرت النسخ المتضاربة بين أيدي اليهود والمسيحيين، لكن ما نراه هو أنه رغم اختلاف المسيحيين في اعتقاداتهم فإنهم جميعاً يدينون بكتاب واحد لا تختلف نسخه باختلاف طوائف المسيحيين.. كما أنه لو حدث التحريف في العهد القديم لدافع عنه المؤمنون به من المسيحيين وأوضحوا الفرق بين النسخة السليمة والنسخة المحرفة، وعلى هذا يمكننا أن نقول بيقين إن الكتاب المقدس لم تمتد إليه يد التحريف، وأنه في اللغات الأصلية التي كتب بها كلمة الله المعصومة تماماً من كل خطأ.
وهنا قد ينبري أحدهم قائلاً: وما قولك في الإنجيل المسمى «إنجيل برنابا»؟ ونترك الإجابة على هذا السؤال للأستاذ عباس محمود العقاد، وننقلها بأمانة علمية كما نشرها في صحيفة الأخبار بعددها الصادر في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٩ وقال فيها بالحرف الواحد ما يلي:
«حقيقة واحدة يمكن الجزم بها وهي أن «إنجيل برنابا» لم يكن موافقاً كل الموافقة للأناجيل الأخرى في جوهره وأصوله، لأنه لم يعتمد مع تلك الأناجيل عند إفرارها. أما فيما عدا هذه الحقيقة فالواضح لدينا أن الإنجيل المترجم إلى اللغة الانجليزية قد أضيفت إليه زيادات غير قليلة، وقد لوحظ في كثير من عباراته أنها كُتبت بصيغة لم تكن معروفة قبل شيوع اللغة العربية في الأندلس وما جاورها، وأن وصف الجحيم فيه يستند إلى معلومات متأخرة لم تكن شائعة بين اليهود والمسيحيين في عصر الميلاد، ولسنا نعني بذلك ما قيل من أن وصف الجحيم في إنجيل برنابا منقول من قصة دانتي الشاعر الإيطالي عن الكوميديا الإلهية، فإن الوصفين لا يتفقان عند المقابلة بينهما، وأن اشعار دانتي نفسه قد نقل صورة الجحيم في قصته من مصادر معروفة له ولغيره، ومنها ما يرجع إلى أشعار هوميروس وقصائد شعراء الرومان وأساطير التلمود.
فليست المشابهة بين وصف برنابا ووصف دانتي هي على الشك في بعض عبارات الإنجيل المختلف عليه، وإنما نشك في كتابة برنابا لتلك العبارات لأنها من المعلومات التي تسربت إلى القارة الأوروبية نقلاً عن المصادر العربية، وليس من المألوف أن يكون السيد المسيح قد أعلن البشارة أمام الالوف باسم «محمد رسول الله» ولا يسجل هذا الإعلان في صفحات هذا الإنجيل .
كذلك تتكرر في الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهودي المطلع على كتب قومه، ولا يرددها المسيحي المؤمن بالأناجيل المعتمدة في الكنيسة الغربية، ولا يتورط فيها المسلم الذي يفهم ما في إنجيل برنابا من المناقضة بينه وبين نصوص القرآن.
ولهذا يخطر لنا أن الزيادات قد أُضيفت بقلم كاتب لم يقصد ترويج هذا الإنجيل بين اليهود أو المسيحيين أو المسلمين، ولكنها زيدت لإلقاء الشبهة عليه ووقف سريانه بين طائفة فيها فيسهل قبولها والاستناد إليها.
ولا نقول إن هذا الظن هو الظن الوحيد الذي يخطر على البال، فإن الزيادة قد تكون بقلم يهودي أو مسيحي أسلم فأحب أن يعدل الكتاب بما يوافق معتقده، ولم يشمله كله بالتعديل لصعوبة تعديل كتاب كامل على نسق واحد، فبقيت فيه مواضع التناقض والاختلاف أ. هـ».
فإنجيل برنابا إذاً إنجيل دخيل لا يتفق مع سائر الأناجيل، ولم يقبله المسيحيون، كما أنه يناقض كما يقول الأستاذ العقاد قرآن المسلمين، ولذا فنحن نستبعده على أساس من العقل والمنطق والقانون.
أما إذا أصر مكابر على ادعائه بتحريف الكتاب المقدس، فإننا نرد عليه ببساطة قائلين: هات لنا نسخة الكتاب المقدس غير المحرفة، ونحن نلقى بالنسخة المحرفة بعيداً، فالبينة على من ادعى كما يقول رجال القانون.
لا بد إذاً من اعتمادنا الكلي على الكتاب المقدس، ويقيناً التام بأنه موحى به من الله، لنعرف في كلماته الوضاءة حقيقة المسيح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:37 pm

قضية مصيرية

إن السؤال الذي طالما ردده الكثيرون عبر السنين هو: هل كان المسيح حقاً هو «الله» ظاهراً في صورة إنسان؟
ولو أن إجابة هذا السؤال اتصلت بمجرد المعرفة العقلية فقط، ولم يكن لها علاقة بالمصير الابدي للإنسان، إذاً لما كان هناك داع للكتابة عن حقيقة المسيح.. أما وأن علاقة الفرد بالمسيح ومعرفته بحقيقته، وقبوله لشخصه، هي في مفهوم الكتاب المقدس الطريق الوحيد لتحديد المصير الأبدي للإنسان، وتغيير اتجاهه الطبيعي، ومنحه الاتزان النفسي، فهذا كله يعطي أهمية كبرى لا تعلوها أهمية أخرى في الحياة البشرية لمعرفة حقيقة المسيح.
ذلك لأن الكتاب المقدس يؤكد بوضوح لا إبهام فيه، أن الذي لا يؤمن بالمسيح باعتباره «ابن الله» والله الظاهر في الجسد لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله.
فتعال معي لنقرأ كلمات الكتاب المقدس الكريم:
«اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱلابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِٱلابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ ٱللّٰهِ» (يوحنا ٣: ٣٦).
«وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ. وَأَمَّا هٰذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ» (يو ٢٠: ٣٠ و٣١).
«يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلنَّاصِرِيِّ، ٱلَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال ٤: ١٠ و١٢).
«إِنْ كُنَّا نَقْبَلُ شَهَادَةَ ٱلنَّاسِ فَشَهَادَةُ ٱللّٰهِ أَعْظَمُ، لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ شَهَادَةُ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا عَنِ ٱبْنِهِ. مَنْ يُؤْمِنُ بِٱبْنِ ٱللّٰهِ فَعِنْدَهُ ٱلشَّهَادَةُ فِي نَفْسِهِ. مَنْ لاَ يُصَدِّقُ ٱللّٰهَ فَقَدْ جَعَلَهُ كَاذِباً، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱلشَّهَادَةِ ٱلَّتِي قَدْ شَهِدَ بِهَا ٱللّٰهُ عَنِ ٱبْنِهِ. وَهٰذِهِ هِيَ ٱلشَّهَادَةُ: أَنَّ ٱللّٰهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ هِيَ فِي ٱبْنِهِ. مَنْ لَهُ ٱلابْنُ فَلَهُ ٱلْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ فَلَيْسَتْ لَهُ ٱلْحَيَاةُ»(١ يو ٥: ٩ - ١٢).
من كل هذه الكلمات الإلهية الواضحة يتبين لنا خطورة القضية التي نحن بصددها.. فهي ليست قضية عقائدية، أو عقلية، ولكنها قضية مصيرية، فالإنسان يستطيع أن يحيا حياته كلها دون أن يعرف شيئاً عن بوذا، أو كنفوشيوس، أو زرادشت، أو غيرهم من زعماء الأديان، ولا يؤثر جهله هذا في مصيره بعد الموت، أما إذا تجاهل المسيح، ولم يتعرف به. ويقبله مخلصاً شخصياً لنفسه فإنه سوف يهلك إلى الأبد في الجحيم كما يؤكد ذلك يوحنا الرسول في إنجيله بالكلمات «لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يوحنا ٣: ١٧ و١٨).
وبغير شك إن شخصاً يقرر قبوله أو رفضه المصير الأبدي للإنسان يتحتم أن يكون هو الله، لأن الله وحده هو الذي في يده تقرير مصير الإنسان.
والآن ما هي الأسباب التي تقودنا في يقين إلى «حتمية الإيمان بأن المسيح هو الله؟».
(١) السبب الأول هو الإيمان بالله كما أعلن ذاته في الكتاب المقدس: من الأمور التي يؤكدها الكتاب المقدس أن «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يو ١: ١٨)، وأنه «ٱلَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ ٱلْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، ٱلَّذِي لَهُ ٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (١ تي ٦: ١٦) وفي القديم تاق موسى أن يرى الله فقالَ «أَرِنِي مَجْدَكَ» (خر ٣٣: ١٨) وأجابه الله وقال «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» (خر ٣٣: ٢٠).
وعلى هذا فليس بين البشر من نقبل ادعاءه لو قال إنه رأى الله، وبالتالي ليس في مقدور أحد أن يخبرنا عن : من هو الله؟ وماذا يشبه الله؟ وما هي سجاياه؟ إلا الله ذاته.
وقد تنازل جلّ شأنه فأعلن ذاته على صفحات الكتاب المقدس وأرانا أنه «إله واحد» في «ثالوث عظيم» وأن وحدانيته ليست وحدانية مجردة، أي لا تتصف بصفة من الصفات، بل هي «وحدانية جامعة» فيها كل ما يلزم لكماله واستغنائه بذاته عن كل شيء في الوجود.
ووحدانية الله ظاهرة في الكتاب المقدس في وضوح لا غموض فيه، فتعال معي لنقرأ كلمات الكتاب الكريم.
«إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تث ٦: ٤).
«هَكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ.. أَنَا ٱلأَوَّلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرِي» (إش ٤٤: ٦).
«أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلَهَ سِوَايَ» (إش ٤٥: ٥).
«لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ» (مت ٤: ١٠).
«أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ» (يعقوب ٢: ١٩).
كل هذه الآيات تؤكد «وحدانية الله» أما الإعلان عن «وحدانية الله في ثالوث عظيم» فقد جاء تدريجياً في ثنايا العهد القديم، وجاء بألفاظ صريحة لا إبهام فيها على صفحات العهد الجديد.
وهنا قد يخطر ببالنا هذا السؤال: لماذا لم يعلن الله بألفاظ صريحة في العهد القديم عن وحدانيته في ثالوث عظيم؟
ونجيب: إن الله لم يعلن صراحة عن وحدانيته في ثالوث عظيم في العهد القديم لأن الشعب الإسرائيلي الذي أعطاه الله العهد القديم كان قد خرج من مصر الوثنية. وكان في مصر الوثنية أكثر من ثالوث.. كانت هناك مجموعات من الآلهة تتكون كل مجموعة منها من ثلاثة آلهة.. المجموعة الأولى كانت مكونة من: آمون، وخنسو، وموت. والمجموعة الثانية كانت مكونة من: إيزيس، وأوزوريس، وهورس. والمجموعة الثالثة كانت مكونة من: خنوم، وساتيت، وعنقت، فلو أن الله الحكيم أعلن للإسرائيلين الخارجين من مصر عن ذاته في ثالوثه العظيم، لغلبت الأفكار المتوارثة والمنقولة من مصر الوثنية حقيقة الإعلانات الإلهية، ولاعتقد الإسرائيليون بوجود ثلاثة آلهة، ولهذا اقتضت حكمة الله أن يعلن عن وحدانيته في ثالوثه العظيم تدريجياً بقدر ما رأى في حكمته من استعداد الشعب القديم لتقبل الإعلان الكامل عن شخصه الكريم.
ورغم ما عمله الله لإبعاد كل صور التعدد من أذهان الشعب القديم، فإن الشعب الإسرائيلي الخارج من مصر صنعوا عجلاً مسبوكاً وسجدوا له.. وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر، كما نقرأ في سفر الخروج «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: ٱذْهَبِ ٱنْزِلْ! لأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ ٱلَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. زَاغُوا سَرِيعاً عَنِ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلاً مَسْبُوكاً وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هٰذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ ٱلَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ» (خر ٣٢: ٧ و٨).
وبغير شك أن وجود عقيدة «الثالوث» في ديانات الهنود، والمصريين والفينيقيين، والصينيين، يؤكد أن مصدر الاعتقاد واحد هو إعلان الله ذاته منذ البدء للإنسان، لكن البشر شوهوا ما وصل إليهم من حق عن الله، واستبدلوه بثالوث من ابتكار عقولهم التي انحرفت عن إعلانات الله، وهذا ما يؤكده بولس الرسول في كلماته: «لأَنَّ غَضَبَ ٱللّٰهِ مُعْلَنٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ ٱلنَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، ٱلَّذِينَ يَحْجِزُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلإِثْمِ. إِذْ مَعْرِفَةُ ٱللّٰهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ ٱللّٰهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا ٱللّٰهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلٰهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ، وَأَبْدَلُوا مَجْدَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَفْنَى، وَٱلطُّيُورِ، وَٱلدَّوَابِّ، وَٱلّزَحَّافَاتِ. لِذٰلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى ٱلنَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. ٱلَّذِينَ ٱسْتَبْدَلُوا حَقَّ ٱللّٰهِ بِٱلْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا ٱلْمَخْلُوقَ دُونَ ٱلْخَالِقِ، ٱلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى ٱلأَبَدِ. آمِينَ» (رومية ١: ١٨ - ٢٥).
ومن هذه الكلمات المنيرة نرى أن الناس قد عرفوا الله في ثالوثه العظيم، ولكنهم في ظلام عقولهم الغبية الحمقاء أبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بثالوث من ابتكار مخيلاتهم المريضة، وهكذا حل التقليد الزائف الرذيل مكان الجوهر الأزلي الأصيل في عقول البشر الذين طمس قلوبهم الظلام.
لكن حقيقة وحدانية الله الجامعة تبقى واضحة لكل ذي عينين، وها هو الله جل شأنه يعلن على صفحات الكتاب المقدس عن وحدانيته في ثالوث عظيم، متدرجاً في إعلانه بحسب ما رأى من استعداد في البشر لتقبل هذا الحق الثمين.
- وأول إعلان عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في غرة سفر التكوين: فهناك نقرأ الكلمات: «فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ» (تك ١: ١) وفي الأصل العبري جاءت كلمة «خلق» بالمفرد، بينما ورد اسم «الله» بالجمع، إذ تقول الآية في الأصل العبري «في البدء خلق إلوهيم السموات والأرض وكلمة «إلوهيم» هي جمع للاسم العبري «إلوه» أي إله. وتؤكد الصيغة اللفظية للآية «وحدانية الله في ثالوث عظيم» هذا واضح من كلمة «خلق» التي تؤكد «الوحدانية» و «إلوهيم» التي تؤكد وجود الثالوث في هذه الوحدانية.
- الإعلان الثاني عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم خلق الله الإنسان: بعد أن أعد الله الأرض للسكنى. فأنبت فيها النبات وخلق الحيوان، حان وقت خلقه للإنسان فقال جل شأنه: «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦) وأمام ألفاظ هذه الصيغة يدور في الذهن أكثر من سؤال:
مع من كان الله يتحدث حين قال «نعمل»؟
وهل هناك من يعادله حتى يستشيره فيم يعمل، وهو المكتوب عنه: «مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً؟» (رو ١١: ٣٤)؟!.
وكيف يمكن أن يكون الإنسان على صورة الله وشبهه. والله لا شبيه له كما قال إشعياء النبي: «فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟» (إش ٤٠: ١٨).
وما دلالة «النون» في «نعمل» و «النا» في «صورتنا» وفي «كشبهنا»؟
وكيف يمكن أن يكون الإنسان جسداً، ويكون في ذات الوقت على صورة الله مع أننا نقرأ أن: «اَللّٰهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يو ٤: ٢٤).
ولا يمكننا أن نجد إجابة شافية عن هذه الأسئلة إلا إذا وضحت أمامنا حقيقة «وحدانية الله الجامعة» ففيها نرى الآب والابن والروح القدس في حديث واحد يبدو في كلمة «نعمل» ونرى الثالوث العظيم يقرر الصورة التي سيخلق عليها الإنسان، وهي ذات الصورة التي كان المسيح سيأتي بها متجسداً، ولقد قيل عن المسيح «الذي هو صورة الله غير المنظور، وهو في ذات الوقت «الله الابن» الذي تجسد في ملء الزمان.
وقد يقول قائل: إن ألفاظ هذه الصيغة لا تعني أكثر من أن الله استخدم «لغة التعظيم» فتكلم كما يتكلم الملك فيقول «نحن.. ملك» لكن القائل بهذا القول يعلن عن جهله بالتاريخ القديم، فالتاريخ القديم يؤكد لنا أنه لم يكن للملوك عادة أن يتكلموا بلغة الجمع أي بلغة التعظيم. ففرعون ملك مصر إذ تحدث إلى يوسف قال له «قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ» (تك ٤١: ٤١) ولم يقل «قد جعلناك على كل أرض مصر»، وفي سفر دانيال نقرأ حديث الملك نبوخذ نصر، وقد كان ملكاً جباراً يتمتع بكل جبروت الحكم الأوتوقراطي، ومع ذلك فهو لم يستعمل لغة التعظيم عندما تكلم عن نفسه بل تحدث إلى الكلدانيين قائلاً: «قَدْ خَرَجَ مِنِّي ٱلْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِٱلْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ تُصَيَّرُونَ إِرْباً إِرْباً» (دا ٢: ٥) ولم يقل الملك العظيم «قد خرج منا القول» فلغة التعظيم ليست هي لغة الكتاب المقدس، ولا كانت لغة تعظيم الملوك في القديم، فالقول بأن الله استخدم في هذه الآية أو غيرها لغة التعظيم مردود من واقع الكتاب المقدس والتاريخ القديم.
- الإعلان الثالث عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم سقوط الإنسان: بعد أن سقط آدم وحواء بعصيانهما الله بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر نقرأ الكلمات: «وَقَالَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ: هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً ٱلْخَيْرَ وَٱلشَّرَّ» (تك ٣: ٢٢). وهنا تظهر الوحدانية في ثالوث إذ تؤكد الكلمات: «وقال الرب الإله» وحدانية الله، وتعلن الكلمات: «قد صار كواحد منا» «الثالوث في الوحدانية» وإلا فما معنى قول الله «هوذا الإنسان قد صار كواحد منا»؟ ومع من كان الله يتحدث بهذا الحديث؟
- الإعلان الرابع عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم بدأ الناس في بناء برج بابل: يرينا سفر التكوين صورة للبشرية بعد الطوفان تتحدث بلسان واحد ولغة واحدة، وتفكر في الاستقلال عن إله السماء، وعن هذا نقرأ الكلمات: «وَقَالُوا: هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ بِٱلسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا ٱسْماً لِئَلاَّ نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ. فَنَزَلَ ٱلرَّبُّ لِيَنْظُرَ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلْبُرْجَ ٱللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. وَقَالَ ٱلرَّبُّ: هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهٰذَا ٱبْتِدَاؤُهُمْ بِٱلْعَمَلِ. وَٱلآنَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ» (تك ١١: ٤ - ٧).
هنا أيضاً نجد «الوحدانية في ثالوث» والثالوث يظهر في الكلمات «هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم» إذاً مع من كان الله يتكلم بهذا الكلام؟
- الإعلان الخامس عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في قصة بلعام وبالاق: فبعد أن بنى «بالاق» «لبلعام» سبعة مذابح وهيأ له سبعة ثيران وسبعة كباش نقرأ الكلمات «فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالاَقَ: قِفْ عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ، فَأَنْطَلِقَ أَنَا لَعَلَّ ٱلرَّبَّ يُوافِي لِلِقَائِي، فَمَهْمَا أَرَانِي أُخْبِرْكَ بِهِ. ثُمَّ ٱنْطَلَقَ إِلَى رَابِيَةٍ. فَوَافَى ٱللّٰهُ بَلْعَامَ» (عد ٢٣: ٣ و٤).
ولم يلعن بلعام شعب الله القديم كما أراد بالاق بل باركه، وهنا نقرأ الكلمات: «فَقَالَ بَالاَقُ لِبَلْعَامَ: مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟ لِتَشْتِمَ أَعْدَائِي أَخَذْتُكَ، وَهُوَذَا أَنْتَ قَدْ بَارَكْتَهُمْ. فَأَجَابَ: أَمَا ٱلَّذِي يَضَعُهُ ٱلرَّبُّ فِي فَمِي أَحْتَرِصُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ بَالاَقُ: هَلُمَّ مَعِي إِلَى مَكَانٍ آخَرَ تَرَاهُ مِنْهُ. إِنَّمَا تَرَى أَقْصَاءَهُ فَقَطْ، وَكُلَّهُ لاَ تَرَى. فَٱلْعَنْهُ لِي مِنْ هُنَاكَ. فَأَخَذَهُ إِلَى حَقْلِ صُوفِيمَ إِلَى رَأْسِ ٱلْفِسْجَةِ، وَبَنَى سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ. فَقَالَ لِبَالاَقَ: قِفْ هُنَا عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ وَأَنَا أُوافِي هُنَاكَ فَوَافَى ٱلرَّبُّ بَلْعَامَ وَوَضَعَ كَلاَماً فِي فَمِهِ وَقَالَ: ٱرْجِعْ إِلَى بَالاَقَ وَتَكَلَّمْ هٰكَذَا» (عدد ٢٣: ١١ - ١٦).
وفي هذه المرة الثانية لم يلعن بلعام الشعب وتضايق بالاق «َفقَالَ بَالاَقُ لِبَلْعَامَ: لاَ تَلْعَنْهُ لَعْنَةً وَلاَ تُبَارِكْهُ بَرَكَةً... ٱبْنِ لِي هٰهُنَا سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَهَيِّئْ لِي هٰهُنَا سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ. فَفَعَلَ بَالاَقُ كَمَا قَالَ َلْعَامُ، وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ... وَرَفَعَ بَلْعَامُ عَيْنَيْهِ... فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ ٱللّٰهِ» (عدد ٢٣: ٢٥ - ٣٠ و٢٤: ١ و٢).
ويثبت النص الإلهي ثلاث تسميات للإله الواحد جاءت في هذه العبارات:
«فَوَافَى ٱللّٰهُ بَلْعَامَ» (عدد ٢٣: ٤).
«فَوَافَى ٱلرَّبُّ بَلْعَامَ» (عدد ٢٣: ١٦).
«فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ ٱللّٰهِ» (عدد ٢٤: ٢).
ويسأل المرء أمام هذه الوضوح: ما معنى هذه التسميات الثلاث للإله الواحد؟ أليس الله هو الرب وهو روح الله؟
ونجيب أن النص يظهر الثالوث بصورة أكيدة، ونحن نرى فيه - في نور العهد الجديد - أن «الله» هو «الآب» وأن «الرب» هو «المسيح» وأن «روح الله» هو «الروح القدس»، وهكذا يظهر الله في وحدانيته الجامعة في هذه القصة من سفر العدد.
- الإعلان السادس عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في سفر إشعياء: وأول إعلان جاء في هذا السفر نراه في رؤيا إشعياء المجيدة، التي رأى فيها السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع واعترف أمام قداسة الله بنجاسة شفتيه، ونرى واحداً من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، قد جاء ومس بها فم إشعياء وقال «إِنَّ هَذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَٱنْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ» (إشعياء ٦: ٧)، وبعد أن تطهر إشعياء من خطيته، وأصبح إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد سجل هذه الكلمات المنيرة:
«ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ ٱلسَّيِّدِ: مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» (إش ٦: ٨).
ويرى القارئ أن «وحدانية الله» تظهر في كلماته التي جاءت بصيغة المفرد «من أرسل» وأن ثالوثه العظيم يظهر في صيغة الجمع «من يذهب من أجلنا»؟
ونأتي إلى إعلان آخر في سفر إشعياء جاء فيه هذه العبارات:
«اِسْمَعْ لِي يَا يَعْقُوبُ... أَنَا هُوَ. أَنَا ٱلأَوَّلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ، وَيَدِي أَسَّسَتِ ٱلأَرْضَ وَيَمِينِي نَشَرَتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. أَنَا أَدْعُوهُنَّ فَيَقِفْنَ مَعاً. اِجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ وَٱسْمَعُوا. مَنْ مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِهَذِهِ؟ قَدْ أَحَبَّهُ ٱلرَّبُّ. يَصْنَعُ مَسَرَّتَهُ بِبَابِلَ، وَيَكُونُ ذِرَاعُهُ عَلَى ٱلْكِلْدَانِيِّينَ. أَنَا أَنَا تَكَلَّمْتُ وَدَعَوْتُهُ. أَتَيْتُ بِهِ فَيَنْجَحُ طَرِيقُهُ. تَقَدَّمُوا إِلَيَّ. ٱسْمَعُوا هَذَا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ فِي ٱلْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَٱلآنَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ» (إشعياء ٤٨: ١٢ - ١٦).
عجيب هذا الإعلان الإلهي عن «وحدانية الثالوث العظيم» ففيه نجد الخالق يتكلم قائلاً:
«أنا هو. أنا الأول وأنا الآخر. ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات».
وهذه الكلمات تنطبق تماماً على الرب يسوع المسيح الذي قال عنه يوحنا الرسول: «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يو ١: ٣) وقال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «وَأَنْتَ يَا رَبُّ فِي ٱلْبَدْءِ أَسَّسْتَ ٱلأَرْضَ، وَٱلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ» (عب ١: ١٠).
فالمسيح هو الخالق الذي يده أسست الأرض ويمينه نشرت السموات.
ثم يقول هذا الخالق: «أنا هو» وهي ذات الكلمة التي قالها المسيح لليهود: «لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ... مَتَى رَفَعْتُمُ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهٰذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي. وَٱلَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي ٱلآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ» (يو ٨: ٢٤ و٢٨ و٢٩).
ويتابع هذا الخالق العظيم حديثه قائلاً: «أنا الأول وأنا الآخر» وهي ذات الكلمات التي قالها الرب ليوحنا الرسول في جزيرة بطمس: «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ. ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ» (رؤ ١: ١١).
ثم يقول منذ وجوده: «أنا هناك» وهذا دليل ساطع على أزلية المسيح، الذي عندما سأله اليهود: «لَيْسَ لَكَ خَمْسُونَ سَنَةً بَعْدُ، أَفَرَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ؟» أجابهم قائلاً: «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يو ٨: ٥٧ و٥٨) وعبارة «أنا كائن» تؤكد أزليته.
وأخيراً يتكلم هذا الخالق الأزلي قائلاً: «والآن السيد الرب أرسلني وروحه» ومن يكون السيد الرب الذي أرسله؟
إنه يتحدث عن الله الآب كما قال في إنجيل يوحنا: «لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَٱلآبُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي» (يو ٨: ١٦).
وعن من يقول: «وروحه» إنه يقيناً يتحدث عن الروح القدس الذي اشترك في إرسالية المسيح كما نقرأ في سفر إشعياء: «رُوحُ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي ٱلْقَلْبِ... لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ» (إش ٦١: ١ و٢) وقد أكد الرب أن هذه الكلمات تمت في شخصه حين جاء إلى العالم ولذا نقرأ في إنجيل لوقا: «وَدَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ ٱلسِّفْرَ وَجَدَ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ: رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ...فَٱبْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ ٱلْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هٰذَا ٱلْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لو ٤: ١٦ - ٢١).
في هذا النص يظهر الثالوث العظيم في وضوح وجلاء فنرى:
- الآب مرسلاً للابن لإتمام مقاصده.
- الابن متكلماً عن إرسال الآب والروح القدس له.
- الروح القدس مشتركاً في هذه الإرسالية العظمى.
- الإعلان السابع عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء على صفحات العهد الجديد: فتعال معي لنقرأ هذه الكلمات: «فَلَمَّا ٱعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ ٱلْمَاءِ، وَإِذَا ٱلسَّمَاوَاتُ قَدِ ٱنْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ ٱللّٰهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ » (مت ٣: ١٦ و١٧).
والكلمات ترينا الآب متكلماً من السماء، متحدثاً عن الابن الصاعد من الماء والروح القدس في هيئة جسمية مثل حمامة.
ونأتي الآن إلى إعلان ثان جاء في أمر المسيح الكريم بالكلمات: «فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ وَٱلابْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (مت ٢٨: ١٩).
وفي هذا الأمر ملاحظة جديرة بالاعتبار هي أن المسيح لم يقل في أمره «وعمدوهم بأسماء الآب والابن والروح القدس» بل «باسم»، فالله واحد، لكننا نجد في وحدانيته الجامعة الثالوث العظيم.
وأخيراً نكتفي بإعلان ثالث جاء في كلمات بولس الرسول في ختام رسالته الثانية إلى القديسين في كورنثوس إذ قال: «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللّٰهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ» (٢ كو ١٣: ١٤).
وهكذا نرى الله في «وحدانيته الجامعة» معلناً عن ذاته في ثنايا كتابه الكريم.
وإذا وضعنا في أذهاننا أن «الله روح» (يو ٤: ٢٤) وأنه لا شبيه له كما قال إشعياء النبي في سفره: «فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ» (إش ٤٠: ١٨) وكما قال داود النبي في المزمور: «لاَ مِثْلَ لَكَ بَيْنَ ٱلآلِهَةِ يَا رَبُّ» (مز ٨٦: ٨) استطعنا أن نقبل كيف أن «الآب» هو «الله» وأن «الابن» هو «الله» وأن «الروح القدس» هو «الله» وأن الثالوث إله واحد.
فنحن نقرأ في الكتاب المقدس عن «الآب» أنه الله «وَٱللّٰهُ نَفْسُهُ أَبُونَا» (١ تسا ٣: ١١)، ونقرأ عن «الابن»، أنه الله «وَأَمَّا عَنْ ٱلابْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ» (عب ١: ٨) ونقرأ عن «الروح القدس» أنه الله «فَقَالَ بُطْرُسُ: يَا حَنَانِيَّا، لِمَاذَا مَلأَ ٱلشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ... أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى ٱلنَّاسِ بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ» (أع ٥: ٣ و٤).
والكتاب المقدس يؤكد لنا أن كل واحد في الثالوث متميز عن الآخر، دون انفصال لأحدهم عن الآخر، وهو أمر يتميز به الله الواحد الذي لا مثيل ولا شبيه له.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:39 pm

العقل ووحدانية الثالوث

وهنا قد يسأل أحدهم قائلاً: هل يوافق العقل البشري على هذه الوحدانية الجامعة في الله الواحد؟
ونجيب أن وحدانية الله في ثالوث ليست شيئاً ضد العقل، فإن العقل يسلم بالوحدانية الجامعة في كثير من الأشياء المحيطة به دون أن يبدي على ذلك احتجاجاً أو تمرداً.
- فاليوم المكون من ٢٤ ساعة هو يوم واحد، لكن هذا اليوم الواحد يجمع بين المساء والصباح «وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْماً وَاحِداً» (تك ١: ٥). والعقل يقبل هذه الوحدانية الجامعة للمساء والصباح بلا اعتراض.
- ولكي يستطيع الإنسان أن يحصل على حجم مكعب واحد، فلا بد أن يعرف طوله وعرضه وارتفاعه، ومع أن الطول قياس قائم بذاته، والعرض قياس قائم بذاته، والارتفاع قياس قائم بذاته لكن هذه الأبعاد تكون الحجم الكلي للمكعب الواحد، ولا يمكن معرفة حجم المكعب بغير معرفتها، والعقل يقبل هذه الوحدانية الجامعة في المكعب الواحد بلا اعتراض.
ويدهش المرء إذ يجد أن الرقم (١) وهو الرقم الذي يرمز إلى الله في الكتاب المقدس «اٰلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تث ٦: ٤) يتميز بخاصية لا يتميز بها غيره من الأرقام، فبينما نجد أن حاصل ضرب ١٠x١٠x١٠=١٠٠٠ نجد أن حاصل ضرب ١x١x١= ١، فأي رقم غير الواحد يُضرب في رقم آخر يتزايد بكيفية واضحة إلا رقم (١) فإنه يستمر واحداً مهما ضربته في نفسه، مع أنه يتزايد بالجمع بصورة أكيدة، والعقل يقبل هذه العملية الحسابية بلا اعتراض.
- والزمن كما يقول «دكتور ناثان وود» في كتابه «أسرار العالم الطبيعي»، هو واحد في ثالوث، لأنه يتكون من «الماضي والحاضر والمستقبل»، والمستقبل هو شيء مجهول لا يقدر البشر على رسم صورة حقيقة له، فكيف يعلن المستقبل عن ذاته، إنه يعلن عن ذاته بالحاضر، والحاضر يمر، فيصبح في التاريح ماضياً، وهكذا ندرك الحاضر بالماضي، وندرك المستقبل بالحاضر، ومع ذلك فقد كانت هناك لحظة كان فيها الماضي والحاضر والمستقبل في قياس واحد بالنسبة للزمن.. فالثلاثة الأيام القادمة هي الآن في قياس واحد بالنسبة للوقت، وغداً يصبح «الغد» حاضراً، وبعد غد يصبح «أمساً» ويصبح اليوم الذي يليه «حاضراً» واليوم الذي يليه «مستقبلاً» والعقل يقبل هذه الوحدانية الجامعة في الزمن بغير اعتراض.
- وفي عالم المحسوسات يقبل العقل دون اعتراض أن يفهم أن هناك ثلاثة مصابيح كهربائية في قوة وتحدٍ، وتشع نوراً واحداً، وتضيء حجرة واحدة، وتستمد قوى إشعاعها من «مصدر» واحد.
يقول «دافيد كوبر» إن نظرة مدققة للخليقة التي تحيط بنا، تؤكد لنا أن الله الواحد في ثالوثه العظيم، قد ترك طابعه على كل أجزاء هذا الكون الفسيح.
- ففي علم الحساب نجد أن المقاييس تتم بثلاثة أبعاد: الطول، والعرض والارتفاع.
- وفي علم الكلام نجد أن أقسام الكلم ثلاثة: الاسم، والفعل، والحرف. وأنه يلزمنا لتكوين جملة مفيدة ثلاثة: الفعل، والفاعل والمفعول به.
- ويتألف الزمن من ثلاثة: الماضي، والحاضر، والمستقبل.
- وفي الطبيعة نجد هذه الممالك الثلاث: المملكة الحيوانية، والمملكة النباتية، والمملكة المعدنية.
- وتتميز المادة بخواصها الثلاث: الصلب، والسائل، والغازي. وإذا كان لنا إلمام بعلم تكوين الجنين Embryology لعرفنا أن الجنين يتكون من ثلاث طبقات الإكتودرم Ectoderm أي الطبقة الخارجية، والميزودرم Mesoderm أي الطبقة الوسطى، والإندودرم Endoderm أي الطبقة الداخلية.
- والعقل البشري واحد لكنه مثلث التركيب، فهو يتألف من الفهم، والشعور، والإرادة. فالفهم هو القوة المفكرة، والشعور هو القوة المتأثرة، والإرادة هي القوة المقررة، والقوى الثلاث في العقل الواحد.
- والكون المحيط بنا يتكون من ثلاثة: السماء والأرض والبحر (رؤيا ١٠: ٦).
إن العقل يقبل الوحدانية الجامعة في كل هذه الأشياء بلا اعتراض، ويسلم بها كل التسليم، ومع ذلك يجب أن نقرر في وضوح أن اللاهوت ليس شيئاً مادياً يقع تحت حسنا، فنضعه في المخابير المدرجة لنعرف كميته، ونوعيته، وكيفيته، بل هو فوق متناول مقاييسنا المادية، وهذه حقيقة قررها بولس الرسول وهو يخاطب الأثينيين في أريوس باغوس فقال: «ٱلإِلٰهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هٰذَا، إِذْ هُوَ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ، لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِٱلأَيَادِي، وَلاَ يُخْدَمُ بِأَيَادِي ٱلنَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ، إِذْ هُوَ يُعْطِي ٱلْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ شَيْءٍ. وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ ٱلنَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ ٱلأَرْضِ، وَحَتَمَ بِٱلأَوْقَاتِ ٱلْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، لِكَيْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً. لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ. فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ ٱللّٰهِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ أَنَّ ٱللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ صِنَاعَةِ وَٱخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ» (أع ١٧: ٢٤ - ٢٩).
إذاً فاللاهوت لا يمكن أن يكون شيئاً مادياً مما يقع تحت حسنا، وما ينطبق على الماديات من التغير لا ينطبق عليه، فقد تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ومع أنه من المستحيل علينا إدراك كنه اللاهوت بعقولنا، فقد رأى الله في حكمته أن يعلن لنا عن شخصه في تشبيهات تتفق مع قصور أذهاننا، فشبه نفسه بالشمس، والنور، والنار.
ففي مزمور ٨٤: ١١ نقرأ: «لأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱللّٰهَ شَمْسٌ وَمِجَنٌّ».
وفي رسالة يوحنا الأولى ١: ٥ نقرأ: «إِنَّ ٱللّٰهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّةَ».
وفي الرسالة إلى العبرانيين ١٢: ٢٩ نقرأ: «لأَنَّ إِلٰهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ».
وفي هذه التشبيهات الثلاثة نرى وحدانية الثالوث بصورة واضحة.
وسنكتفي هنا بالحديث عن الشمس كتشبيه يقرب للعقل البشري الله المتعالي عن كل تشبيه.
يقول القس «كلارنس لاركن» في كتابه «عالم الروح»: «إننا إذا تأملنا الشمس وجدناها تظهر في ثلاثة أشياء «الحرارة» و «النور» و «التأثير الكيميائي»، وهذه الثلاثة تكون الشمس، فالحرارة وحدها ليست الشمس، ولا النور وحده هو الشمس، ولا التأثير الكيميائي وحده هو الشمس، لكن الشمس هي الثلاثة معاً.
ونحن لا نرى حرارة الشمس لكننا نشعر بها، ونحن نستطيع رؤية نور الشمس. وهذا النور هو الذي يجعل الشمس ظاهرة للعيان، ونحن لا نستطيع أن نرى التأثير الكيميائي للشمس، ولكن قوة هذا التأثير تظهر في نمو النباتات. وتحويل بعض المواد في جسم الإنسان إلى فيتامين «D» الضروري لنمو العظام كما تظهر على اللوحة الفوتوغرافية التي تنطبع عليها صور الأشخاص والأشياء.
ولكي يبدو التشبيه واضحاً بالنسبة لانطباعه على الثالوث العظيم، يمكننا القول إن «الحرارة » تشير إلى «الله الآب» فنحن لا نقدر أن نراه ولكننا نشعر به «لأن الله محبة» (١ يو ٤: ١٦، ويوحنا ٣: ١٦) والمحبة يمكننا أن نشعر بها لكننا لا نراها.
و «النور» يشير إلى «الله الابن» فابن الله هو الذي أظهر لنا من هو الله «لأَنَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ ٱلَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ ٱللّٰهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (٢ كو ٤: ٦). «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو ١: ١٨) «َبِٱلإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي ٱلرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي ٱلْعَالَمِ، رُفِعَ فِي ٱلْمَجْدِ» (١ تي ٣: ١٦) فبدون الابن ما كان في مقدورنا معرفة من هو الله وما هي سجاياه، لكن ابن الله جاء ليعلن لنا من هو الله «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يو ١٤: ٩).
و «التأثير الكيميائي» للشمس يشير إلى «الله الروح القدس» فالروح القدس هو الذي يعطي الحياة والقوة، ويطبع صورة الله على اللوحة الحساسة لقلب الإنسان.
وكما أن حرارة الشمس وحدها ليست هي الشمس، ونور الشمس وحده ليس هو الشمس، والتأثير الكيميائي للشمس وحده ليس هو الشمس، ولكن لا بد من الثلاثة لوجود الشمس، مع أن كل واحد من هذه العوامل له عمله الخاص به، هكذا يمكننا تطبيق ذلك بخشوع على الآب والابن والروح القدس الإله الواحد في ثالوث عظيم، لكي ندرك كيف يقوم كل واحد في الثالوث الإلهي بعمله الخاص به في برنامج الخلق والفداء وسيادة هذا الكون العظيم.
وكما تظهر حرارة الشمس، أو نورها، أو تأثيرها الكيميائي بقوة خاصة بحسب فصول السنة، فحرارة الشمس تظهر في قوتها في الصيف أكثر منها في الشتاء. هكذا كل واحد في الثالوث الإلهي يظهر بقوة خاصة بالنسبة إلى كل تدبير من التدبيرات الإلهية.
- فالآب ظهر في تدبير العهد القديم.
- والابن ظهر إبان خدمته على الأرض بالجسد.
- والروح القدس يظهر في تأثيره المبارك في هذا التدبير.
وإذا عرفنا أن قرص الشمس يصدر منه النور والتأثير الكيميائي بلا تقدم أو تتابع في الوجود الزمني، بمعنى أنه حيثما يوجد قرص الشمس يوجد أيضاً نور الشمس، ويوجد تأثيرها الكيميائي، ولا يمكن أن توجد الشمس منفصلة عن نورها أو تأثيرها الكيميائي، لخرجنا بنتيجة واضحة، أن النور والتأثير الكيميائي صادران من الشمس، وموجودان فيها بلا تقدم أو تتابع في هذا الوجود.
وعلى هذا القياس نقول إن «الثالوث الإلهي» أزلي، كما قال موسى في صلاته «يَا رَبُّ، مَلْجَأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ ٱلْجِبَالُ أَوْ أَبْدَأْتَ ٱلأَرْضَ وَٱلْمَسْكُونَةَ، مُنْذُ ٱلأَزَلِ إِلَى ٱلأَبَدِ أَنْتَ ٱللّٰهُ» (مز ٩٠: ١ و٢).
ويقيناً أن الإيمان بالوحدانية الجامعة في الثالوث الإلهي الكريم، يحل كل الأسئلة العويصة التي تعترض العقل البشري عندما يفكر في الله.
فبغير شك أن الله يتصف بصفات تظهر في أسمائه الحسنى فهو:
«الملك. القدوس. السلام. المؤمن. المهيمن. العزيز. الجبار. المتكبر. الخالق. البارئ. المصور. الغفار. القهار. الوهاب. الرزاق. الفتاح. العليم. القابض. الباسط. الخافض. الرافع. المعز. المذل. السميع. البصير. الحكيم. العدل. اللطيف. الخبير. الحليم. العظيم. الغفور. الشكور. العلي. الكبير.الحفيظ. المقيت. الحسيب. الجليل. الكريم. الرقيب. المجيب. الواسع. الحكيم. الودود. المجيد. الباعث. الشهيد. الحق. الوكيل. القوي. المتين. الولي. الحميد. المحصي. المبدئ. المعيد. المحيي. المميت. الحي. القيوم. الواجد. الماجد. الواحد. الصمد. القادر. المقتدر. المقدم. المؤخر. الأول. الآخر. الظاهر. الباطن. الوالي. المتعالي. التواب. المنتقم. العفو. الرؤوف. مالك الملك. ذو الجلال والإكرام. المقسط. الجامع. الغني. المغني. المانع. الضار. النافع. النور. الهادي. البديع. الباقي. الوراث. الرشيد. الصبور».
وهو الجامع في ذاته لكل ما هو لازم لكماله واستغنائه بذاته عن كل شيء في الوجود.
والإنسان المفكر يسأل: إن الله هو «السميع. البصير. الودود. المحب. المتميز بالعلم والكلام» لأنه ذات عاقلة لا بد أن يتميز بهذه الصفات، وقد علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وقد قال سبحانه «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦).
والآن: من ذا الذي كان يسمعه الله ويبصره، ويحبه، ويتودد إليه، ويتكلم معه قبل أن يخلق الملائكة والناس؟
وكيف عمل الله الإنسان على صورته، وهو جل شأنه روح سرمدي، والإنسان قد خُلق على صورة جسدية.
وعقيدة الإله الواحد في ثالوث عظيم تعطينا الجواب الشافي على كل سؤال يخطر بأذهاننا من جهة الله، وترينا أن الله الآب كان يسمع ويبصر الله الابن والله الروح القدس، وأن كل واحد في الثالوث كان يتكلم مع الآخر فالثالوث أزلي، وهذا واضح من الكلمات: «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦) ومن الكلمات: «هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا» (تك ٣: ٢٢) وأن الآب والابن والروح القدس كانوا يتشاورون معاً (اقرأ أع ٢: ٢٣ و٤: ٢٨) فليس بين مخلوقات الله من هو كفؤ لأن يستشيره الله «لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ ٱلرَّبِّ، أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً» (رو ١١: ٣٤) كذلك ترينا أن الآب أحب الابن وكان موضوع «وده» قبل خلقه للملائكة والناس، كما قال المسيح بكلمات صريحة «لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ» (يو ١٧: ٢٤) ثم تظهر لنا كما قلنا فيما سبق من حديث معنى خلقه الإنسان على صورة الله، فترينا أن الله الابن كان مزمعاً أن يأخذ صورة الإنسان، وعلى الصورة التي كان مزمعاً أن يأخذ صورة الإنسان، وعلى الصورة التي كان مزمعاً أن يأتي بها إلى العالم عمل الإنسان، وأصبحنا نستطيع فهم الكلمات القائلة: «فَخَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللّٰهِ خَلَقَهُ» (تك ١: ٢٧) فالمسيح هو «الله الابن» الذي تجسد في هيئة الإنسان كما قال عنه يوحنا البشير: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (يو ١: ١ و١٤) وكما قال عنه بولس الرسول: «ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ» (كو ١: ١٥ و١٦).
وهكذا صار الله «الباطن» هو الله «الظاهر» عندما تجسد في المسيح كما قال بولس الرسول: «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (١ تي ٣: ١٦).
وهنا لا بد لنا أن نجيب على سؤال قد يخطر ببالنا هو: ألا يحمل اسم «الآب» في صيغته ما نفهم منه أنه كان موجوداً قبل الابن؟ وهذا يعني أن «الابن» ليس أزلياً كأبيه؟
ويمكن أن يكون هذا الكلام صحيحاً لو أن العلاقة بين الآب والابن في اللاهوت كانت علاقة جسدية، مرتبطة بالتوالد الجسدي، وحاشا لأذهاننا أن تصل إلى هذا الدرك من التفكير، فالله جل شأنه لم تكن له صاحبة، حتى ينجب منها ولداً، لكن اسم «الآب» يعني الأبوة الروحية التي تتفق مع ذات الله لأن «الله روح».
يعني المحبة الفائقة الأزلية التي تبادلها الآب والابن كما قال المسيح بفمه المبارك مخاطباً الآب «لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١٧: ٢٤).
ومن الواضح أن «الآب» أزلي، ولذا فلا بد أن يكون «الابن» أزلياً، وإلا كانت أبوة الله حادثة في الزمان، وصفة اكتسبها بعد ولادة الابن، تعالى الله عن كل نقص علواً كبيراً.
يقول الدكتور «M.R. De Haan» في قصة ذكرها في كتابه: «إن أحد خدام الإنجيل. حضر اجتماعه مرة رجل كان يقاطعه ويقول له بصوت عال «إنه لا يستطيع أن يثبت له أن المسيح هو ابن الله الأزلي». وقال ذلك الرجل أن يسوع هو بكر كل خليقة ولذا فلا يمكن أن يكون هو الله، لأن الآب الأزلي وهو أقدم في الوجود من ابنه، وعلى هذا لا يكون الابن أزلياً كأبيه، وإذ لم يكن المسيح أزلياً، فليس هو الله.
ولاحظ خادم الإنجيل كلمات الرجل «الآب الأزلي وهو أقدم في الوجود من ابنه» ثم أعطاه هذه الإجابة فقال: «هذا هو موضع خطئك يا صديقي، وسأثبت لك أن المسيح هو الله من كلماتك. لقد أسميت الله «الآب الأزلي»، وكيف يمكن أن يكون الله «الآب الأزلي» دون أن يكون معه «الابن الأزلي»؟ إن أزلية الأبوة في الآب تحتم أزلية البنوة في الابن. لقد قلت إن الابن لا يمكن أن يكون أزلياً كأبيه، لكن دعني أسألك متى أصبح والدك أباً لك.. في نفس اللحظة التي أصبحت فيها ابناً له، وليس قبل، إذاً فلا بد أن يكون للآب الأزلي، ابناً أزلياً وإلا ما كان الآب هو الآب الأزلي.. وسكت ذلك الرجل المعترض» .
لقد قال المسيح له المجد: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يو ١٠: ٣٠) وقال أيضاً: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يو ١٤: ٩).
هنا نجد أنفسنا ملزمين أن نجيب على سؤال آخر قد يخطر بأذهاننا وهو: ألا يمكن أن تكون بنوة المسيح لله كبنوة الملائكة والمؤمنين؟ ونقول إن الكتاب يذكر أن الملائكة هم بنو الله كما نقرأ في سفر أيوب: «عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ ٱلصُّبْحِ مَعاً، وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي ٱللّٰهِ» (أي ٣٨: ٧)، كذلك يذكر أن المؤمنين قد صاروا أبناء الله (غلا ٣: ٢٦).
:وبنوة الملائكة لله جاءت على أساس أنه خالقهم «وَعَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: ٱلصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ» (عب ١: ٧ ومز ١٠٤: ٤).
وبنوة المؤمنين لله جاءت على أساس إيمانهم بالمسيح يسوع «لأَنَّكُمْ جَمِيعاً أَبْنَاءُ ٱللّٰهِ بِٱلإِيمَانِ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلا ٣: ٢٦) فبنوة الملائكة والمؤمنين ليست بنوة أصلية بل مكتسبة، أما المسيح له المجد فقد سمي «ابن الله الوحيد» كما نقرأ عنه: «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو ١: ١٨). «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يو ٣: ١٦). «بِهٰذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ فِينَا: أَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ» (١ يو ٤: ٩).
وتسمية المسيح باسم «الابن الوحيد» تبعد أي وجه للمقارنة بين بنوته لله وبنوة الملائكة والناس.
وقد سمي المسيح «ابن الله» ليس على أساس تناسله من الله، فالتناسل عمل من أعمال الجسد، وحاشا لله أن يتناسل، فهو لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وهو «روح» يملأ السموات والأرض ولا يُحد، لكن المسيح سمي «ابن الله» باعتبار أنه هو الذي أظهر لنا الله «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو ١: ١٨) وباعتبار أنه معادل لله، وهذا ما فهمه اليهود من كلمات المسيح التي قال فيها: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» (يو ٥: ١٧)، فقد فهموا أن أبوة الله له وبنوته لله تعني معادلته لله كما نقرأ «فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ ٱلسَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ» (يو ٥: ١٨)، وهذا يرينا أن بنوة المسيح فريدة لا يمكن أن يرقى إليها الملائكة أو البشر، الأمر الذي يؤكده كاتب الرسالة إلى العبرانيين وهو يقارن بين المسيح والملائكة في الكلمات: «لأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: أَنْتَ ٱبْنِي أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ؟ وَأَيْضاً: أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْناً؟ وَأَيْضاً مَتَى أَدْخَلَ ٱلْبِكْرَ إِلَى ٱلْعَالَمِ يَقُولُ: وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ ٱللّٰهِ. وَعَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: ٱلصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ. وَأَمَّا عَنْ ٱلابْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. قَضِيبُ ٱسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ» (عب ١: ٥ - ٨).
والكلمات ترينا الحقائق التالية:
[list=orderedlist]
[*]إن أحداً من الملائكة مهما سمت رتبته لا يمكن أن يرقى إلى عظمة «ابن الله».
[*]إن الملائكة يسجدون للمسيح ابن الله الأمر الذي يؤكد لاهوته.
[*]إن المسيح قد سُمي «الله» بكلمات لا لبس فيها كما نقرأ «وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور» وكل هذه الحقائق تؤكد لنا بنوية المسيح الفريدة التي لا يدانيه فيها الملائكة أو الناس.
[/list]
كتب بوردمان وهو يشرح تعليم الكتاب المقدس عن «الثالوث الإلهي العظيم» قال: إن «الأب» هو ملء اللاهوت غير المنظور «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يو ١: ١٨)، و «الابن» هو ملء اللاهوت متجسداً «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً» (يو ١: ١٤) «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً» (كو ٢: ٩) و «الروح القدس» هو ملء اللاهوت عاملاً في حياة البشر «بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ ٱللّٰهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. فَأَعْلَنَهُ ٱللّٰهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ ٱلرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ ٱللّٰهِ» (١ كو ٢: ٩ و١٠).
إننا نعود مؤكدين أن الإيمان بالوحدانية الجامعة يتفق مع أصول المنطق السليم. فمن مباحث المنطق الرئيسية، دراسة مشكلة «التصورات، والاحكام» فهناك مثلاً تصورات «مشخصة» وأخرى «مجردة»، كما أن هناك أحكاماً «كلية» وأخرى «جزئية».
والتصورات «المشخصة» هي تصورات ترتبط بالواقع، مثل تصورنا مثلاً لأشياء مادية وواقعية، حين نتصور «تمثال رمسيس» في مدينة القاهرة، أو «تمثال الحرية» على شواطئ أمريكا. ولكن التصورات «المجردة» هي تصورات لا ترتبط بالواقع المحسوس، مثل تصورنا «للحرية» أو «الإنسانية» أو «المسئولية» وكلها تصورات مجردة عن الواقع.
ويقيناً أنه ليس في قدرة العقل البشري المحدود أن يتصور الله غير المحدود، ولذا رأى الله في حكمته أن يعلن عن ذاته العلية للإنسان في الكتاب المقدس، وقد أكد الكتاب المقدس وحدانية الله في ثالوث عظيم، فصار هذا الإعلان أصلاً موضوعاً يتقبله المؤمن بوحي الكتاب المقدس دون حاجة إلى برهان.
وإذ تبين لنا أن الإيمان بالله الواحد في «ثالوث عظيم» ينبع من الكتاب المقدس، نقول إذاً بأن الادعاء بأن هذه العقيدة ليست من المسيحية بل من الفلسفة الاغريقية، إنما هو ادعاء باطل، وأن القائلين بأن عقيدة «الثالوث» قد تأسست على الفلسفة الافلاطونية الحديثة قد ابتعدوا تماماً عن الصواب، ذلك لأن الأفلاطونية الحديثة لا تعلم بالمساواة بين الآب والابن والروح القدس في الجوهر والرتبة، بينما يعلم الكتاب المقدس بصورة أكيدة بهذه المساواة، وكذلك فإن الأفلاطونية الحديثة لم تظهر إلا في أواخر القرن الثالث، والتعليم بالله الواحد في ثالوث عظيم قد جاء على لسان المسيح قبل هذا التاريخ بوقت طويل حين قال لتلاميذه: «فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ وَٱلابْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (مت ٢٨: ١٩).
هذا كله يأتي بنا إلى نتيجة حتمية هي: أنه إذا كان الكتاب المقدس يؤكد أن الله واحد في ثالوث عظيم، وأن كل واحد في هذا الثالوث هو الله، وأن المسيح واحد في هذا الثالوث، فيتحتم علينا إذاً أن نؤمن بأن المسيح هو الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:40 pm

(٢) السبب الثاني هو الإيمان بحتمية فداء الله للإنسان:

إننا نعتقد بحتمية الإيمان بأن المسيح هو الله على أساس إيماننا بحتمية فداء الله للإنسان، ونؤمن بحتمية الفداء على أساس إيماننا بعدل الله ورحمة الله.
فالله إله عادل كما يقول داود النبي: «لأَنَّ ٱلرَّبَّ عَادِلٌ وَيُحِبُّ ٱلْعَدْلَ» (مز ١١: ٧) وهو في ذات الوقت إله رحيم كما نقرأ: «ٱلرَّبُّ إِلٰهٌ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ، بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلإِحْسَانِ وَٱلْوَفَاءِ. حَافِظُ ٱلإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ ٱلإِثْمِ وَٱلْمَعْصِيَةِ وَٱلْخَطِيَّةِ. وَلٰكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً» (خر ٣٤: ٦ - ٧).
ومع أنه جل شأنه قادر على كل شيء، إلا أنه ملتزم بالعمل في حدود صفاته، ولا يمكن أن يكون سبحانه غير هذا إلا إذا تصورنا إلهاً فوضوياً يتصرف بغير مبادئ أو قوانين، وهو تصور خاطئ تعالى الله عنه علواً كبيراً.
فالغفران الإلهي للإنسان الخاطئ يحتم أن يوفق الله بين عدله ورحمته، وهذا هو أساس إيماننا بحتمية الفداء.
ذلك لأنه إذا غفر الله خطية الإنسان على أساس رحمته وحدها، لاستهان الإنسان بعدالة الله ووصاياه، وأصبح فعل الخطية سهلاً لديه، إذ يرى أن الله لم يتكلف شيئاً لمنحه غفراناً لخطاياه.
وإذا نفذ الله في الإنسان حكمه ضد خطاياه على أساس عدله وحده، لرأى الإنسان «الله» إلهاً جباراً منتقماً، ولأصبح بتأثير إحساسه بقسوة الله عنيداً، قاسياً، بليد الشعور ولاستمر في عناده ومعاصيه حتى الهلاك.
وإذن فلا بد من الفادي ولا بد من الفداء.
واين يمكن أن يوجد الفادي الذي يرضى عدل الله، ويعلن رحمته؟
إنه لا يمكن أن يكون مجرد إنسان؟
لأن الإنسان خاطئ بطبيعته وتصرفاته كما يقرر ذلك داود في المزمور بالكلمات: «اَلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ ٱللّٰهِ؟ ٱلْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً، لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (مز ١٤: ٢ و٣) وكما يقول في موضع آخر «إِنَّمَا بَاطِلٌ بَنُو آدَمَ. كَذِبٌ بَنُو ٱلْبَشَرِ. فِي ٱلْمَوَازِينِ هُمْ إِلَى فَوْقُ. هُمْ مِنْ بَاطِلٍ أَجْمَعُون» (مزمور ٦٢: ٩) وكما يقول ميخا النبي عن شعب الله القديم: «أَحْسَنُهُمْ مِثْلُ ٱلْعَوْسَجِ وَأَعْدَلُهُمْ مِنْ سِيَاجِ ٱلشَّوْكِ» (ميخا ٧: ٤) وكما قال بولس الرسول: «لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. إِذِ ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ» (رو ٣: ٢٢ و٢٣)
ليس بين البشر إذاً من هو لفداء البشرية...
فلا إبراهيم الخليل، ولا موسى الكليم، ولا إشعياء النبي، ولا إيليا، ولا إرميا ولا أي واحد من الأنبياء كان باستطاعته فداء الإنسان، لأنهم جميعاً بشر، «في الموازين هم إلى فوق».
ولنبدأ قضية الفداء من أولها حتى نقف على كل دقائقها...
عندما خلق الله آدم وحواء ميزهما بميزة «حرية الإرادة» وأمرهما جل شأنه بعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، وكان هذا الأمر الإلهي لامتحان حرية إرادة الإنسان، وسقط الإنسان في الامتحان بإغراء الشيطان الذي تكلم في الحية وأغرى حواء بالأكل من الشجرة المحرمة «َأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ» (تك ٣: ٦).
ومع أننا لا نعلم شيئاً عن طبيعة ثمر شجرة «معرفة الخير والشر» إلا أننا نعلم أن تغييراً كيميائياً قد حدث في دم آدم وحواء نتيجة الأكل من هذا الثمر، فلوث هذا الدم بجراثيم الخطية والإثم «فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان» (تك ٣: ٧)، وبغير شك أن ما حدث في دم آدم وحواء من تغيير كان بمثابة تسمم لهذا الدم نتج عنه الموت كما قال الله لآدم «وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ» (تك ٢: ١٧)، وبالتناسل انتقل هذا الدم الملوث بالخطية إلى جميع ذرية آدم، وهذا هو التعليل الكتابي لوجود الميل الطبيعي لعمل الشر في كل إنسان، إذ قد لوث ثمر شجرة معرفة الخير والشر دم الإنسان بجراثيم الخطية وانتقلت هذه الجراثيم بالتناسل إلى ذرية آدم، فأصبح كل إنسان يولد بطبيعة ساقطة يسميها الكتاب المقدس «الإنسان العتيق» (أفسس ٤: ٢٢) نسبة إلى آدم «الإنسان القديم» و «الأب الاول» للبشرية ويسميها كذلك «الخطية الساكنة في الجسد» (رومية ٧: ١٦ و١٧) باعتبار أن الخطية الموروثة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من طبيعة الإنسان وأخضعت جسده للموت.
وهذا ما قرره بولس الرسول في كلماته: «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ» (رو ٥: ١٢) وما أكده داود في كلماته: «هَئَنَذَا بِٱلإِثْمِ صُّوِرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مز ٥١: ٥).
هكذا سقط الإنسان الذي خلقه الله على أحسن تقويم، لكن الخطية نزلت به إلى أسفل سافلين، فانحدرت البشرية إلى مهاوي الشر والرذيلة، التي نراها في الحروب، والخيانات والنجاسة، والتفرقة العنصرية والكراهية، إلى نهاية قائمة الخطايا السوداء.
والآن ماذا يفعل الله بذلك الإنسان الشرير الأثيم، الذي أصبحت نفسه أمارة بالسوء؟!
كيف يوفق جل شأنه بين عدله الذي يطالبه بتوقيع القصاص على الإنسان وهو قصاص رهيب أبدي عظيم، يتناسب مع عدله وقداسته، نراه في كلماته: «هَا كُلُّ ٱلنُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ ٱلأَبِ كَنَفْسِ ٱلاِبْنِ. كِلاَهُمَا لِي. اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال ١٨: ٤) «لأَنَّ أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رو ٦: ٢٣) والموت في مفهوم الكتاب المقدس لا يعني مجرد خروج الروح من الجسد، بل يعني الوجود الأبدي بعيداً عن الله، كما قيل عن المرأة المتنعمة: «وَأَمَّا ٱلْمُتَنَعِّمَةُ فَقَدْ مَاتَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ» (١ تي ٥: ٦) وكما وصف بولس الرسول حالة الخطاة قائلاً: «وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِٱلذُّنُوبِ وَٱلْخَطَايَا» (أفسس ٢: ١) وكذلك كما وصفهم بالكلمات: «إِذْ هُمْ مُظْلِمُو ٱلْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ ٱللّٰهِ» (أفسس ٤: ١٨).
أجل كيف يوفق الله بين عدله الذي يطالبه بتوقيع القصاص وبين رحمته التي تطالبه بأن يصفح عن خطية الإنسان؟
وحين نسأل كيف يوفق الله بين عدله ورحمته، فيكون «باراً» و «يبرر» الإنسان الأثيم، نحن لا ننتقص من قدرته جل شأنه، ولا نضعه سبحانه وتعالى في موقف الإنسان الضعيف الذي وجد نفسه فجأة في مأزق دقيق، فأخذ يضرب يميناً وشمالاً لعله يجد مخرجاً، حاشا.
فالواقع أن الله لم يفاجأ بسقوط الإنسان في الخطية وعصيانه لأمره، لأنه كان يعلم مقدماً بهذا السقوط كما قال يعقوب: «مَعْلُومَةٌ عِنْدَ ٱلرَّبِّ مُنْذُ ٱلأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ» (أع ١٥: ١٨) وكان قد رتب مقدماً فداء الإنسان كما يقرر بطرس الرسول قائلاً: «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلٰكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ» (١ بطرس ١: ١٨ - ٢٠).
والفداء ليس بدعاً في المسيحية، لكنه موجود بصور مختلفة في جميع الأديان، ووجوده في الديانات الوثنية والسماوية يدل على وحدة مصدره مع ما حدث في مفهومه من خلاف نتيجة ابتعاد الإنسان عن الحق الذي أعلنه له الله.
ففي الوثنية فداء انحرف به الإنسان حتى صار يقدم أولاده فداء عن نفسه، وقد حرم الله الذبائح البشرية إذ كلم شعبه القديم قائلاً: «مَتَى دَخَلْتَ ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ، لاَ تَتَعَلَّمْ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ رِجْسِ أُولٰئِكَ ٱلأُمَمِ. لاَ يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ ٱبْنَهُ أَوِ ٱبْنَتَهُ فِي ٱلنَّارِ» (تث ١٨: ٩ و١٠).
وفي اليهودية فداء يظهر في كلمات موسى للعبرانيين في القديم: «وَيَكُونُ مَتَى أَدْخَلَكَ ٱلرَّبُّ أَرْضَ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ كَمَا حَلَفَ لَكَ وَلآبَائِكَ وَأَعْطَاكَ إِيَّاهَا، أَنَّكَ تُقَدِّمُ لِلرَّبِّ كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَكُلَّ بِكْرٍ مِنْ نِتَاجِ ٱلْبَهَائِمِ ٱلَّتِي تَكُونُ لَكَ. ٱلذُّكُورُ لِلرَّبِّ. وَلٰكِنَّ كُلَّ بِكْرِ حِمَارٍ تَفْدِيهِ بِشَاةٍ. وَإِنْ لَمْ تَفْدِهِ فَتَكْسِرُ عُنُقَهُ. وَكُلُّ بِكْرِ إِنْسَانٍ مِنْ أَوْلاَدِكَ تَفْدِيهِ» (خر ١٣: ١١ - ١٣).
وفي الإسلام فداء كما يسجل الدكتور أحمد الشرباصي في كتابه «الفداء في الإسلام» فيقول: «القرآن هو أساس الإسلام ودستوره.. يلفت أبصارنا وبصائرنا إلى وجود التضحية والفداء منذ مطلع الخليقة. فهو يحدثنا في سورة المائدة فيقول: «وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ آدَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ» (المائدة ٥: ٢٧). وفي القربان هنا معنى التضحية والفداء، لأن القربان هو ما يتقرب به الإنسان إلى الله، وصار في التعارف اسماً للنسيكة، أي الذبيحة وجمعه قرابين» .
- و «مادة» الفداء في لغة العرب تدل على جعل شيء مكان شيء حمي له، تقول: فديته أفديه كأنك تحميه بنفسك أو بشيء يعوض عنه، فيقال فديته بمالي، وفديته بأبي وأمي، كأنه اشتراه بما قدم، ومن هنا جاءت كلمة «الفدية» وهي ما يقي به الإنسان نفسه من مال يبذله في عبادة قصر فيها، ككفارة اليمين، أو كفارة الصوم، أو غيرها.
- والفداء أيضاً فكاك الأسير، والمفاداة هي أن تفتك الأسير بأسير مثله.
- وهناك كلمات تُستعمل بمعنى كلمة الفداء، مثل كلمة «البذل» وإن كانت كلمة «البذل» تدل في أصلها على «ترك صيانة الشيء» ولعل السر في هذا الاستعمال أن الإنسان حين يفدي عقيدته أو أمته بنفسه، يكون كأنه قد ترك صيانة نفسه فقدمها رخيصة من أجل ما يؤمن به.
وكذلك تستعمل كلمة «التضحية» بمعنى الفداء، والضحية أو الأضحية في الشرع هي الذبيحة التي يقدمها الإنسان لمقصد ديني، ولعل استعمال كلمة «التضحية» بمعنى الفداء كان على تشبيه الإنسان الذي يقدم روحه فداء لعقيدته، بمن يذبح هذه الروح ويجعلها ضحية وفداء، وعلى هذا جاء في شأن الذبيح اسماعيل: «وفديناه بذبح عظيم» أي جعلنا هذا المذبوح فداء له، وخلصناه به من الذبح ا. ه.
فالفداء كما شرحه الدكتور الشرباصي يتمثل في تقديم القربان الذي يتقرب به الإنسان إلى الله، ففي القربان معنى التضحية والفداء، وهو يعني «جعل شيء مكان شيء حمى له» وهو «شراء شيء بما تقدمه عوضاً عنه» وهو «فكاك الأسير بمثله» وهو «خلاص من كان سيذبح بواسطة ذبيح سواه».
ومن طبيعة الإنسان أن يعظم الفداء إذ تتجلى فيه أعلى مراتب التضحية.
منذ سنوات ذكرت صحيفة الأهرام خبراً تحت عنوان «الأم التي ماتت من البرد لتنقذ طفلها» فقالت: «ضحت الأم بحياتها لتنقذ طفلها البالغ من العمر عشرة أشهر من الموت برداً».
وقعت هذه القصة المؤثرة في مدينة «بوسنيا» التي تحيط بها الجبال. في يوجوسلافيا كانت «اليجابيسيك» في طريقها إلى زوجها ومعها طفلها الصغير وابنتها «إيفيتا» التي تبلغ من العمر الثالثة عشرة من عمرها، عندما هاجمتهم عاصفة ثلجية شديدة، فسارعت الأم بخلع ثوبها الوحيد ولفت الطفل به واحتضنته في صدرها العاري، بينما جرت «إيفيتا» تصرخ طالبة النجدة دون جدوى، وعندما عادت الفتاة وجدت أمها ميتة وقد تحجرت أصابعها فوق الطفل وهي تضمه في قوة إلى صدرها.
ويقف الإنسان معجباً بتضحية هذه الأم، مع أنها تضحية إنسان لأجل إنسان تتضاءل تماماً أمام «الذبح العظيم» الذي فدى به الله الإنسان، عندما سلم ابنه الوحيد للموت على الصليب.
ومنذ وقت ليس ببعيد كتب أحدهم كتاباً بعنوان «كيف.. ولماذا» ؟ ذكر فيه عدة أسئلة تتعلق بقضية الفداء فقال: «لنا أن نسأل كيف يحاسب المسيح على خطيئة لم يرتكبها؟ وأي شريعة ترضى بذلك؟.. ثم إذا كان الصلب والقتل هو للتكفير عن خطيئة آدم وذريته.. فلنا أن نسأل ما موقف البشر منذ آدم إلى عهد المسيح؟.. هل كانوا في عذاب إلى أن افتداهم بنفسه؟ ثم يا ترى ما موقف البشر بعد المسيح؟.. وإلى الآن.. وإلى أن تقوم الساعة؟ هل يشملهم فداءه أم يكون الفداء فقط لمن سبقوه؟ فإذا كان يشملهم فكل من أخطأ لن يحاسب، فيستوي القاتل والمقتول.. والسارق والمسروق.. وهذا أمر يتنافى مع ما جاء به الدين.. أي دين.. ويجافي ما في الأناجيل نفسها. وإذا كان لا يشملهم فهل يأتي فداء آخر؟ أم لا يأتي.. فإذا لم يأت.. لا تتحقق بذلك العدالة بين البشر قبل المسيح وبعده.. وإذا كان سيأتي فداء.. فلماذا يظل بعض الناس في ظل عذابهم مما فعلوا بعد الموت مدداً أطول من غيرهم تتناسب وبعد مدة موتهم عن قيام الفداء؟ ثم كيف يقدم الله سبحانه وتعالى الفداء ليكون سبباً للمغفرة. أليس هو الذي يملك المغفرة وحده؟ فإن شاء غفر وإن شاء لا يغفر.. أرأيت إنساناً أخطأ ابنه أو تابعه.. فبدلاً من أن يعتذر المخطئ. أو يفرض صاحب الحق عليه الجزاء نجده يختار غيره من الصالحين الطاهرين المستقيمين فيوقع عليه أقسى العقاب.. الصلب والقتل جزاء جرم ارتكبه من لا يعرفه ولا دخل له في ذنبه. والقياس مع الفارق.. الفارق الكبير جداً ولهذا فإن عقيدة الكفارة والفداء أصبحت موضع بحث وجدل بين المسيحيين أنفسهم، وظهرت بعض الآراء التي تعارض هذه العقيدة منها ما يقوله «روي ديسكون سميث» في كتابه «ضوء جديد على البعث» ونصه: «لا يوجد متدين مهما كان مذهبه أو فرقته يعتقد أن الله العظيم قد أرسل ابنه الوحيد إلى هذه البشرية التي لا توازي في مجموعها منذ بدء الخلق إلى نهايته كوكباً من الكواكب المتناهية في الصغر لكي يعاني موتاً وحشياً فوق الصليب لترضيه النقمة الإلهية، ولكي يساعد جلالته على أن يغفر للبشرية على شرط أن تعلن البشرية اعترافها بهذا العمل الهمجي الذي لا يستسيغه عقل ألا وهو الداء» ا. ه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 2 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:41 pm

ونجيب على أسئلة الكاتب فيما يلي من سطور فنقول:
كيف يحاسب المسيح على خطيئة لم يرتكبها؟ وأي شريعة ترضى بذلك؟ فنقول لو كان المسيح مجرد إنسان بريء قد احتمل العقوبة عن الإنسان الأثيم لكانت قصة الصلب أفظع مأساة همجية سجلها التاريخ، ولما رأينا في صليب المسيح أية معاني تبين حب الله للإنسان، بل العكس لكان هذا الصلب إعلاناً عن ظلم الله الذي أراد أن يحل مشكلة الخطيئة ويوفق بين عدله ورحمته وإذ به بدل الإنسان لمذنب الأثيم.
لكننا نرى في الكتاب المقدس أن المسيح ليس مجرد إنسان بل أنه ابن الله الأزلي خالق الإنسان، ومع كونه «ابن الله» و «الله الابن» ارتضى طوعاً واختياراً أن يموت عوضاً عن الإنسان الذي هو خالقه لكي يفدي بموته الإنسان، وقد تمثلت في موته على الصليب كل معاني الفداء.
- فبواسطة ذبيحة المسيح على الصليب استطاع الإنسان أن يتقرب إلى الله كما قال بولس الرسول: «وَلٰكِنِ ٱلآنَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ» (أفسس ٢: ١٣).
- وبواسطة ذبيحة المسيح على الصليب وجد الإنسان الحمى الذي يحتمي به من عدل الله كما نقرأ في الكلمات: «إِذاً لاَ شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رو ٨: ١).
- وبواسطة ذبيحة المسيح على الصليب اشترى المسيح الإنسان كما نقرأ في ترنيمة سفر رؤيا يوحنا الموجهة إلى شخص المسيح الكريم «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ ٱلسِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ» (رؤ ٥: ٩).
- وبواسطة ذبيحة المسيح على الصليب تحرر الأسير كما قال بفمه المبارك: «رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ» (لو ٤: ١٨).
- وبواسطة ذبيحة المسيح على الصليب نجا الإنسان من الموت الأبدي إذ حمل المسيح الموت عنه كما قال بولس الرسول «لأَنَّ ٱلْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي ٱلْوَقْتِ ٱلْمُعَيَّنِ لأَجْلِ ٱلْفُجَّارِ» (رو ٥: ٦).
وقد تمثل البذل في قمته الشامخة في فداء المسيح للبشر، فقد ترك المسيح صيانة نفسه فقدم ذاته فدية عن كثيرين كما قال بفمه المبارك: «لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (مر ١٠: ٤٥)، وهو قد فعل ذلك ليس رغماً عنه بل طواعية واختياراً كما قال في كلماته الوضاءة: «لِهٰذَا يُحِبُّنِي ٱلآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً» (يو ١٠: ١٧ و١٨).
أما الشريعة التي رضيت بموت المسيح، فهي شريعة حب الله للناس الخطاة، وشريعة الحب فوق كل قانون بشري: «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يو ٣: ١٦). «فَإِنَّهُ بِٱلْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ. رُبَّمَا لأَجْلِ ٱلصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضاً أَنْ يَمُوتَ. وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رو ٥: ٧ و٨).
ونصل الآن إلى الجزء الثاني من أسئلة مؤلف كتاب «كيف ولماذا؟» وفيه يقول: ما موقف البشر منذ أيام آدم إلى عهد المسيح؟ هل كانوا في عذاب إلى أن افتداهم بنفسه؟ وما موقف البشر بعد المسيح؟.. وإلى أن تقوم الساعة.. هل يشملهم فداءه؟
ونجيب قائلين: «إن جميع الذين غفر الله خطاياهم منذ آدم إلى عهد المسيح، نالوا هذا الغفران بدم المسيح الكريم، تماماً كالذين نالوا الغفران بعد موت المسيح، والذين سوف ينالونه حتى تقوم الساعة. ذلك أنه من البديهيات الأولية أنه لا يوجد عند الله ماضي، وحاضر ومستقبل في حساب الزمن، فالمستقبل كاللوح المفتوح معروف ومكشوف لعيني الله العارف بكل شيء كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذٰلِكَ ٱلَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا» (عب ٤: ١٣) وكما قال داود النبي: «يَا رَبُّ، قَدِ ٱخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ... لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا لأَنَّكَ أَنْتَ ٱقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي... لَمْ تَخْتَفِ عَنْكَ عِظَامِي حِينَمَا صُنِعْتُ فِي ٱلْخَفَاءِ وَرُقِمْتُ فِي أَعْمَاقِ ٱلأَرْضِ. رَأَتْ عَيْنَاكَ أَعْضَائِي، وَفِي سِفْرِكَ كُلُّهَا كُتِبَتْ يَوْمَ تَصَّوَرَتْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهَا» (مز ١٣٩: ١ و٢ و٤ و١٣ - ١٦) وتؤكد هذه الكلمات أن الله يعرف تفاصيل حياة كل إنسان قبل أن يولد ذلك الإنسان كما قال الله لإرميا النبي: «قَبْلَمَا صَّوَرْتُكَ فِي ٱلْبَطْنِ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ ٱلرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيّاً لِلشُّعُوبِ» (إر ١: ٥).
وبهذه المعرفة السابقة وضع الله خطايا البشر على يسوع المسيح لكي يتمتع بفدائه الذين يؤمنون بهذا الفداء كما قال إشعياء النبي: «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إش ٥٣: ٦).
ذكر الدكتور «توم مالون» راعي كنيسة عمانوئيل المعمدانية ببونتياك - بأمريكا هذه القصة قال: «حضرت سيدة إلى غرفة الصلاة ذات ليلة، وكانت مشكلتها بخصوص الغفران.. إنها لم تكن متيقنة من نوالها الخلاص. قالت: دكتور مالون.. هذا ما يزعجني.. إنني أستطيع أن أرى كيف يمكن أن يغفر لي الرب خطاياي التي فعلتها في الماضي، وقد تقدمت الليلة لقبول المسيح ونوال الخلاص. ولكني أعلم أنني ما زلت أعيش في عالم الخطية، وأعيش مع زوج غير مخلّص، وأشتغل في عالم أناس غير مخلصين، فما الذي سأفعله بخطاياي التي سأعملها مستقبلاً»؟ هكذا عبرت عن المشكلة التي تقلق الكثيرين.. ماذا عن الخطايا التي أرتكبها بعد؟ كيف أحصل على غفران هذه الخطايا؟ قلت لها: «عندما مات المسيح منذ حوالي ألفي سنة كانت كل خطاياك مستقبلة، أعني خطاياك التي سقطت فيها في الماضي كانت مستقبلة، ولم تكوني قد سقطت فيها بعد لأنك لم تكوني قد أتيت إلى العالم بعد.. وعندما مات المسيح على صليب الجلجثة مات لأجل خطايا القائمتين «خطايا الماضي» و «خطايا المستقبل» وهكذا فإن غفران الله «كامل وتام».
إن المؤمن المتجدد الذي فعل خطية عليه أن يبادر بالاعتراف بها أمام الله وإلا فقد شركته معه «إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (١ يو ١: ٩).
والآن لماذا تقول هذه الآية: إن الله «أمين وعادل» بدلاً من أن تقول «إن اعترفنا بخطايانا فهو رحيم ورؤوف حتى يغفر لنا خطايانا»؟ إن السبب هو أن المسيح عندما مات على الصليب، حمل كل خطاياي الحاضرة والمستقبلة ذلك لأن خطاياي كلها كانت مستقبلة حين مات المسيح... وعندما أعترف لله بخطاياي، فلكي يكون الآب أميناً مع ابنه الذي سدد مطاليب العدل الإلهي بموته على الصليب لا بد أن يغفر لي كل ما أعترف به من خطايا. إن هذه الآية خاصة بالمؤمن الذي أخطأ ضد الله بعد أن نال الخلاص.
الآن لكي نؤكد أن جميع الذين نالوا الغفران وخلصوا منذ آدم إلى عهد المسيح، نالوه بدم المسيح الكريم، يجب أن نعود إلى القصة من البداية، فعندما سقط آدم وحواء كساهما الله بجلد حيوان بريء ذبحه ليأخذ جلده لسترهما كما تقول الكلمات «وَصَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ لآدَمَ وَٱمْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا» (تك ٣: ٢١) وبهذه الكيفية أعلن الله للإنسان منذ سقوطه أن الوسيلة الوحيد لخلاصه وستر عريه هي «دم البديل» وبهذا عرف «آدم» أن الدم وحده هو الطريق الوحيد للستر، وأنه «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!» (عب ٩: ٢٢).
وقبل أن يطرد الله آدم وامرأته من جنة عدن أسمعهما حديثه إلى الحية وكان يحمل في كلماته الوعد بمجيء المخلص المجيد، فقال للحية: «وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ ٱلْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ» (تك ٣: ١٥). وهكذا خرج آدم وامرأته من الجنة بعد أن تأكدا أن الفداء والخلاص «بالدم» وأن ذلك الدم هو «دم المخلص الموعود» الذي سيولد بطريقة معجزية لا كما يولد سائر البشر بل يولد من عذراء لم يمسسها بشر، ولذا يُسمى نسل المرأة، وقد تم وعد الله في شخص المسيح كما قال بولس الرسول «وَلٰكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلّزَمَانِ، أَرْسَلَ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِنَنَالَ ٱلتَّبَنِّيَ» (غلا ٤: ٤ و٥).
ويعلن لنا الكتاب المقدس أن «آدم» قد لقن مبدأ «الفداء بالدم» لذريته، وأكد لهم «مجيء الفادي الكريم» معلناً لهم أن «أجرة الخطية هي موت» وأنه لا يمكن لإنسان أن يخلص من هذا الموت بالصوم، أو الصلاة، أو تعذيب النفس بالحرمان، أو الإحسان إلى إنسان مسكين، لان طريق الخلاص الوحيد هو «الفداء بالدم» دم طاهر كريم يفدي دم الإنسان الملوث بجراثيم الخطية والإثم.
ويرينا العهد القديم أن مبدأ الفداء «بالبديل» هو مبدأ إلهي، فبعد أن وُلد اسحق لإبراهيم بطريقة معجزية، إذ ولدته أمه بعد أن انتهى كل رجاء بشري في أن تلد كما نقرأ في الكلمات: «بِٱلإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا أَيْضاً أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ، وَبَعْدَ وَقْتِ ٱلسِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ ٱلَّذِي وَعَدَ صَادِقاً» (عب ١١: ١١)، طلب الله من إبراهيم أن يقدم إسحق ابنه محرقة له، معتبراً إياه الابن الوحيد لإبراهيم باعتباره الابن الذي كان في قصد الله أن يعطيه له من سارة امرأته حسب إرادته الصالحة، فقال له «خُذِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ ٱلَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَٱذْهَبْ إِلَى أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ ٱلْجِبَالِ ٱلَّذِي أَقُولُ لَكَ» (تك ٢٢: ٢) وكان هذا الطلب الإلهي لامتحان إبراهيم.. وقد نجح إبراهيم في الامتحان عن طريق «الإيمان» كما نقرأ «بِٱلإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ - قَدَّمَ ٱلَّذِي قَبِلَ ٱلْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ» (عب ١١: ١٧ و١٨).
ولما وضع إبراهيم اسحق على المذبح، وأخذ السكين ليذبحه، ناداه ملاك الرب من السماء وقال «لا تمد يدك إلى الغلام.. لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني».
وهنا تسترعي انتباهنا في المشهد هذه الكلمات: «فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكاً فِي ٱلْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ ٱلْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضاً عَنِ ٱبْنِهِ» (تك ٢٢: ١٣).
ونرى في هذه الكلمات أن «الكبش» جاء بتدبير إلهي، وأنه مات «عوضاً أو «بديلاً» عن «اسحق» ففداء المسيح للبشرية على الصليب هو تدبير الله العزيز الحكيم» إذ فوق الصليب مات المسيح بدافع حبه «عوضاً» عن الإنسان الخاطئ كما قال بولس الرسول: «ٱبْنِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلا ٢: ٢٠)، وفي المسيح يمكننا أن نرى «الذبح العظيم» لأن أي حيوان يقدم فدية عن البشر لا يمكن أن يكون ذبحاً عظيماً.
لقد قدم الله مواعيده الصادقة بمجيء الفادي، وبالإيمان في مواعيد الله المؤكدة لمجيء الفادي خلص المؤمنون قبل عهد المسيح. أجل بهذا الإيمان خلص «هابيل» الابن الثاني لآدم، وتقبل الله قربانه الذي تقرب به إليه كما نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين «بِٱلإِيمَانِ قَدَّمَ هَابِيلُ لِلّٰهِ ذَبِيحَةً أَفْضَلَ مِنْ قَايِينَ، فَبِهِ شُهِدَ لَهُ أَنَّهُ بَارٌّ، إِذْ شَهِدَ ٱللّٰهُ لِقَرَابِينِهِ» (عب ١١: ٤) وهكذا نقرأ في سفر التكوين «فَنَظَرَ ٱلرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ» (تك ٤: ٤).
لكن منذ مطلع الخليقة وقد حاول الإنسان أن يبتدع لنفسه ديناً من قلبه الأثيم، ومن وحي غروره، فظن أنه يستطيع أن يخلص من خطاياه بحسناته وأعمال يديه، وكان الرائد الأول للديانة الإنسانية هو «قايين» الذي لم يتقبل الله قربانه، وذلك لثلاثة أسباب:
أولها: إن طريقه لم يكن طريق الإيمان، فهو لم يصدق الله ولم يؤمن بمواعيده بمجيء المخلص. ثانياً: أنه أراد أن يرضي الله ويخلص من خطاياه بأعمال يديه، فقدم «مِنْ أَثْمَارِ ٱلأَرْضِ قُرْبَاناً لِلرَّبِّ» (تك ٤: ٣) ولكن الله رفض قربانه لأنه كان من عمل إنسان لوثته الخطية من باطن قدمه إلى هامته. وثالثها: أنه قدم قربانه من ثمار أرض لعنها الله بسبب خطية الإنسان (تك ٣: ١٧).
ويسجل سفر التكوين هذا الرفض الإلهي لقربان قايين بالكلمات: «وَلٰكِنْ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ» (تك ٤: ٥).
لقد كانت ديانة «قايين» ديانة شيطانية، ورغم غطاء الأعمال الصالحة الذي أراد «قايين» أن يستر به نفسه العارية، فقد انكشف الغطاء عن نفس مجرمة، إذ قام على أخيه هابيل وذبحه، وعن هذا يقول يوحنا الرسول «لَيْسَ كَمَا كَانَ قَايِينُ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ وَذَبَحَ أَخَاهُ. وَلِمَاذَا ذَبَحَهُ؟ لأَنَّ أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً، وَأَعْمَالَ أَخِيهِ بَارَّةٌ» (١ يو ٣: ١٢).
وهكذا يتبين لنا في وضوح وجلاء أنه منذ عهد آدم كان الخلاص بالدم، وإذ نسير مع تدرج التاريخ نرى الله يرسل أنبياءه لشعبه العظيم لكي يذكروا هذا الشعب بمجيء الفادي الكريم، بل نراه يأمر شعبه القديم بتقديم مختلف الذبائح والقرابين، وكل ذبيحة ترمز إلى ناحية من نواحي عمل المسيح الذي أتمه بموته على الصليب (إقرأ الأصحاحات الأولى من سفر اللاويين.
وقد كان مقدم «القربان» أو «الذبيحة» يضع يده على رأس المحرقة، كأنه يعلن أن خطاياه قد انتقلت إليها، وكان الكاهن يذبح الذبيحة ليؤكد لمقدمها أن «أجرة الخطية هي موت»، ثم يضع الذبيحة بعد ذبحها فوق الحطب الذي على نار المذبح ليؤكد لمقدمها أن الخطية أنتجت الموت الجسدي، والطرح في جهنم النار في ذات الوقت كما نقرأ في سفر رؤيا يوحنا: «وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ» (رؤ ٢٠: ١٥) (اقرأ لاويين ١: ٤ - ٩).
وهكذا أعلن الله في كتابه الكريم أن المسيح سيولد من عذراء (إشعياء ٧: ١٤)، وأنه سيولد في مدينة بيت لحم (ميخا ٥: ٢) وأنه سيموت مثقوب اليدين والرجلين على الصليب (مزمور ٢٢: ١٦) وأنه سيُدفن في قبر رجل غني (إشعياء ٥٣: ٩)، وأن موته سيكون لحمل خطية كثيرين (إشعياء ٥٣: ٥ و٦ و١١ و١٢) وأنه سيقوم من بين الأموات بعد ثلاثة أيام (متى ١٢: ٤٠ و١٦: ٢١).
وبهذه النبوات رسم الكتاب المقدس منذ القديم صورة مضيئة للمسيح صانع الفداء العظيم. هذا المسيح الذي به دخل المؤمنون إلى مكان راحتهم فلم يذهبوا إلى العذاب كما ظن مؤلف ذلك الكتاب. هذا المسيح الذي جعله الله «آية» إذ وُلد من عذراء لم يمسسها بشر، و «رحمة منه» إذ بموته رحم الله البشر الآثمين، وإلا فأي رحمة جاء بها المسيح لو لم يكن قد مات من أجل خطايانا على الصليب؟
هذا يأتي بنا إلى آخر أسئلة مؤلف كتاب: «كيف ولماذا؟» وهو يقول في هذا السؤال: ثم كيف يقدم الله سبحانه وتعالى الفداء ليكون سبباً للمغفرة؟ أليس هو الذي يملك المغفرة وحده؟ فإن شاء غفر وإن شاء لا يغفر؟
ونجيب قائلين: إنه كان لا بد من الفداء للغفران، ليكون الله «باراً» و «يبرر» الذين يؤمنون! يقول دكتور توم مالون: «كيف يمكن لله أن يغفر خطايا الإنسان؟» لا بد أن يكون هناك أساساً للغفران.. إذا ارتكب صبي خطأ ما وأحضروه لأبيه، فإن الوالد الشرير الضعيف هو الذي يقول لابنه على غير أساس وبدون توقيع عقوبة عليه «حسناً يا ولدي، لا تفكر في هذا الأمر مرة ثانية، لقد سامحتك».
إن غفراناً من هذا الطراز لا بد أن يخرج للعالم جيلاً مستهتراً بكل مبادئ الأخلاق والقوانين.. لكننا الآن نقف أمام إله قدوس، قال عنه الكتاب المقدس: «عَيْنَاكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا ٱلشَّرَّ، وَلاَ تَسْتَطِيعُ ٱلنَّظَرَ إِلَى ٱلْجَوْرِ» (حب ١: ١٣).
هنا الله القدوس... إله النور.. إله العدل.. الإله الكلي الطهارة وأمامه الإنسان الخاطئ، الفاسد، النجس، الضعيف. فكيف يمكن أن يتلاقى الله القدوس مع الإنسان النجس؟
أين الأساس الذي بموجبه يقول الله للإنسان: «مغفورة لك خطاياك»؟ كيف يكون الله «باراً» و «يبرر» في ذات الوقت الإنسان الشرير؟
دعني أصور لك الأمر، لنفرض أننا في قاعة المحكمة، وها هو مجرم جريمته القتل يقف في قفص الاتهام، وها هي هيئة المحكمة تدخل فيسود هدوء عجيب.. لكن أنظر ها هو القاضي يقول للمجرم الأثيم: «إننا نعلم أنك ارتكبت الجريمة، ولكننا سنغفر لك، هذه مشيئتنا ورغبتنا على غير أساس من القانون، فلا تعد تفكر في جريمتك على الإطلاق».
إن الحاضرين في المحكمة سيصرخون: أي قاضي مستهتر هذا القاضي الذي يغفر للقاتل على غير أساس للغفران؟ وأي مجتمع هذا الذي يفقد سطوة القانون؟
والآن ما هو الأساس الذي بموجبه يغفر الله خطايا الناس، وكلها أكبر من جريمة القتل لأنها موجهة ضد الله القدوس الخالق العظيم؟
هنا يشرح بولس الرسول بالروح القدس حكمة الله فيقول: «وَأَمَّا ٱلآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ ٱللّٰهِ بِدُونِ ٱلنَّامُوسِ، مَشْهُوداً لَهُ مِنَ ٱلنَّامُوسِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، بِرُّ ٱللّٰهِ بِٱلإِيمَانِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. إِذِ ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ، مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي قَدَّمَهُ ٱللّٰهُ كَفَّارَةً بِٱلإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ ٱللّٰهِ. لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي ٱلّزَمَانِ ٱلْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلإِيمَانِ بِيَسُوعَ» (رو ٣: ٢١ - ٢٦).
أجل لقد غفر الله للإنسان على أساس موت المسيح على الصليب حسب غنى نعمته «ٱلَّذِي فِيهِ لَنَا ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ» (أفسس ١: ٧) وأمام عظمة هذا العمل الفدائي الإلهي هتف بولس الرسول قائلاً: «يَا لَعُمْقِ غِنَى ٱللّٰهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ ٱلْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ ٱلاسْتِقْصَاءِ» (رو ١١: ٣٣).
«فَإِنَّ كَلِمَةَ ٱلصَّلِيبِ عِنْدَ ٱلْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ ٱلْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُّوَةُ ٱللّٰهِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: سَأُبِيدُ حِكْمَةَ ٱلْحُكَمَاءِ وَأَرْفُضُ فَهْمَ ٱلْفُهَمَاءِ. أَيْنَ ٱلْحَكِيمُ؟ أَيْنَ ٱلْكَاتِبُ؟ أَيْنَ مُبَاحِثُ هٰذَا ٱلدَّهْرِ؟ أَلَمْ يُجَهِّلِ ٱللّٰهُ حِكْمَةَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ؟ لأَنَّهُ إِذْ كَانَ ٱلْعَالَمُ فِي حِكْمَةِ ٱللّٰهِ لَمْ يَعْرِفِ ٱللّٰهَ بِٱلْحِكْمَةِ، ٱسْتَحْسَنَ ٱللّٰهُ أَنْ يُخَلِّصَ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةِ ٱلْكِرَازَةِ، لأَنَّ ٱلْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَٱلْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلٰكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُّوِينَ: يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ، فَبِٱلْمَسِيحِ قُّوَةِ ٱللّٰهِ وَحِكْمَةِ ٱللّٰهِ» (١ كورنثوس ١: ١٨ - ٢٤).
أجل لقد ظهرت في فداء المسيح «قوة الله» المنتصرة على الشيطان (كولوسي ٢: ١٤ و١٥). وكما ظهرت «حكمة الله» التي على أساسها أعطي للإنسان الغفران.
فالذبائح الدموية في العهد القديم لم تكن سوى رمز للذبيح الأعظم، لكنها في ذاتها لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَاراً كَثِيرَةً تِلْكَ ٱلذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، ٱلَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ ٱلْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ ٱلْخَطِيَّةَ. وَأَمَّا هٰذَا (أي المسيح) فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ ٱلْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى ٱلأَبَدِ عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ» (عب ١٠: ١١ و١٢).
وقديماً قال داود وهو يترجى رحمة الله: «لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى» (مز ٥١: ١٦) وكذلك قال المزمور التاسع والاربعون «ٱلأَخُ لَنْ يَفْدِيَ ٱلإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلاَ يُعْطِيَ ٱللّٰهَ كَفَّارَةً عَنْهُ. وَكَرِيمَةٌ هِيَ فِدْيَةُ نُفُوسِهِمْ، فَغَلِقَتْ إِلَى ٱلدَّهْرِ» (مز ٤٩: ٧ و٨)، وقال ميخا النبي أيضاً: «بِمَ أَتَقَدَّمُ إِلَى ٱلرَّبِّ وَأَنْحَنِي لِلإِلَهِ ٱلْعَلِيِّ؟ هَلْ أَتَقَدَّمُ بِمُحْرَقَاتٍ، بِعُجُولٍ أَبْنَاءِ سَنَةٍ؟ هَلْ يُسَرُّ ٱلرَّبُّ بِأُلُوفِ ٱلْكِبَاشِ، بِرَبَوَاتِ أَنْهَارِ زَيْتٍ؟ هَلْ أُعْطِي بِكْرِي عَنْ مَعْصِيَتِي، ثَمَرَةَ جَسَدِي عَنْ خَطِيَّةِ نَفْسِي؟» (ميخا ٦: ٦ و٧).
ومن كل هذه الكلمات نرى أن الإنسان منذ القديم قد أدرك عجز الذبائح الحيوانية، وعجزه عن فداء نفسه إذ أن الحيوان مهما كانت فصيلته لا يمكن أن يعادل في قيمته الإنسان، كما أن الإنسان الخاطئ لا يقدر أن يفدي نفسه أو أن يفديه سواه من البشر الخطاة، ولذا تمنى الإنسان منذ القديم أن يجد المصالح الذي يصالحه مع الله، كما عبر أيوب وهو في عمق آلامه وبلواه قائلاً: «لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَاناً مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ فَنَأْتِي جَمِيعاً إِلَى ٱلْمُحَاكَمَةِ. لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا!» (أي ٩: ٣٢ و٣٣).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هل المسيح هو الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 7انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» هل المسيح هو الله-7
» هل المسيح هو الله-5
» هل المسيح هو الله-6
» هل المسيح هو الله-4
»  هل المسيح هو الله-10

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور الحياة  :: المنتديات المسيحية العامة - Christian public forums :: معلومات دينية-
انتقل الى: