منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور الحياة

اخبار . رياضة . فن .فيديو. طب. برامج. موضة. طفل. حوادث. بحث. فيس .بوك . تويتر. يوتيوب. جوجل . ادنس. ربح .نت .افلام . ترانيم . مسرحيات. عظات
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 هل المسيح هو الله

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله Empty
مُساهمةموضوع: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:29 pm

كلمة الناشر عن الكاتب والكتاب في الطبعة الثانية

اخترنا أن نصدر هذه الطبعة الثانية من كتاب «هل المسيح هو الله؟!» تلبية لطلب الكثيرين، وإيماناً منا بقيمة هذا الكتاب وأهميته، والجهد الضخم الذي بذله المؤلف في كتابته، وحاجة الجيل الجديد من المسيحيين إليه.
وكتاب «هل المسيح هو الله؟!» يتميز بأنه دراسة تحليلية لأخطر قضية من قضايا المسيحية «قضية لاهوت المسيح»، وفيه يخاطب المؤلف القلب والعقل معاً، ويقدم إجابة واضحة مدعمة بمواقع الآيات في الكتاب المقدس عن السؤال الخالد الذي ستردده الأجيال جيلاً بعد جيل «هل المسيح هو الله؟!».
ومؤلف هذا الكتاب «القس لبيب ميخائيل» رئيس المجمع المعمداني الكتابي العام بجمهورية مصر العربية، هو كاتب ألمعي وخطيب قدير، حباه الله موهبة الكتابة وموهبة الخطابة، وقد درس اللاهوت والصحافة، ومؤلفاته التي بلغت الأربعين تتجه دائماً إلى ناحية بحث القضايا الهامة والعويصة في المسيحية وفي الحياة.
ومن أشهر مؤلفاته التي لاقت رواجاً كبيراً كتاب «مشكلة الألم» وقد طُبع هذا الكتاب مرتين، واستقبلته الصحف اليومية المصرية وعلى رأسها صحيفة «الأهرام» عند ظهور طبعته الأولى سنة ١٩٤٩ استقبالاً حاراً وكتبت عنه الكثير.
وإلى جوار «مشكلة الألم» كتب المؤلف كتبه العديدة التي سدت فراغاً كبيراً في المكتبة المسيحية، منها: «قضية الصليب» و «صوت الاختبار» و «المجيء الثاني للمسيح والاحداث العالمية القادمة» و «المسيحية والسعادة النفسية» و «الكتاب المقدس والإنسان المعاصر» و «يقين الخلاص» و «طريقك إلى السلام» وغيرها من الكتابات والمؤلفات.
وقد اشتغل «القس لبيب ميخائيل» أستاذا لعلم الوعظ، وعلم الرعاية، وتاريخ الكنيسة، بمعهد اللاهوت الخاص بالقاهرة لمدة ثلاث سنوات.
وقام بالوعظ في اجتماعات كثيرة في أنحاء جمهورية مصر استمع إليه فيها المئات والألوف، واستخدمه الرب بقوة فتجدد بواسطة خدمته المباركة الكثيرين، منهم من يعملون الآن في خدمة الإنجيل.
وقد سافر القس لبيب ميخائيل إلى عدة دول أوروبية وعربية وقام بالوعظ في الكثير من اجتماعاتها، فوعظ في بعض كنائس انجلترا، والعراق، ولبنان، كما زار سوريا، والأردن، وألمانيا، وإيطاليا، وقبرص، ورودس، وقد أعطته رحلاته نظرة شاملة للحياة ولمشاكل الناس، وأكسبت كتبه ومقالاته حيوية وواقعية.
ومع المؤلفات الكثيرة والكتابات التي ظهرت للقس لبيب ميخائيل في كثير من الصحف والمجلات، فإنه يصدر مجلة «الأخبار السارة» منذ أكثر من عشرين سنة، وهو صاحبها ورئيس تحريرها وهي تلاقي إقبالاً ورواجاً، ولها في أنحاء العالم العديد من المشتركين، وتعتبر مشعلاً مضيئاً بالحق والنور في العالم المسيحي المتكلم بالعربية.
ولما نفدت نسخ الطبعة الأولى من كتاب «هل المسيح هو الله؟!» ونظراً للإلحاح المتزايد في طلب إعداة طبعه، رأينا أن نقدمه في هذه الطبعة الثانية لقرائنا، وكلنا أمل في أن تسد حاجة القراء، ونقدمه كذلك وكلنا ثقة ويقين في إلهنا المبارك أنه سيجعله بنعمته وعمل روحه سبب إنارة وبركة للكثيرين.
القاهرة في ١٥ أكتوبر ١٩٧٢
الناشر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:30 pm

مقدمة الطبعة الأولى

هذا كتاب عن المسيح..
وما أكثر ما كُتب عن المسيح وما سوف يُكتب عنه حتى يجيء.
وأعترف أنني لم أكتب كلمة واحدة من هذا الكتاب، إلا بعد أن قرأت الكثير من الكتب المنتشرة في المكتبات الإنجليزية والعربية والتي تتحدث عن المسيح.
قرأت ما كتبه عنه الذين حاربوه، ووقفوا منه موقف العداء.
وقرأت ما كتبه عنه الذين أحبوه، وشهدوا من واقع اختبارهم بأن المسيح حقيقة حية، وبأنه ما زال يغير الذين يقبلونه ويؤمنون به.
وقرأت كذلك حجج الذين أرادوا أن يتجاهلوه، فادعوا أن يسوع المسيح أسطورة، وأنه لم يظهر قط في دنيا الواقع على مسرح التاريخ.
وأعجبي ما كتبه جبران خليل جبران الشاعر اللبناني في كتابه «يسوع ابن الإنسان» ووضعه على لسان مريم المجدلية حين أنطقها بالحديث عن المسيح في هذه العبارات: «لقد كنت امرأة طلقت نفسها... كنت ملكاً مشاعاً لجميع الرجال، وفي ذات الوقت لم يمتلكني رجل... وأطلقوا عليّ اسم «الزانية» و «المرأة المسكونة بسبعة شياطين»...ولكن عندما التقت عينا يسوع المسيح في فجر نورهما بعيني تلاشت كل نجوم ليلي، وصرت «مريم» و «مريم» فقط، المرأة التي تدهورت إلى الحضيض، ثم عادت في نور عيني المسيح لترى نفسها من جديد» .
«لقد نظر إليّ المسيح وقال: الرجال الآخرون يحبون ذواتهم في القرب منك، ولكنني أحبك لذاتك... الرجال الآخرون يرون فيك جمالاً سوف يذبل بأسرع مما يذبل شبابهم، ولكنني أرى فيك الجمال الذي لا يذبل، ولا يخجل من أن ينظر إلى نفسه في المرآة.. إنني أحب فيك روحك التي لا يراها الآخرون.. وعرفت في ذلك اليوم أن نظرات عينيه الطاهرتين قد ذبحت الحية الرقطاء الساكنة في قلبي، وصرت من لحظة ذلك اللقاء امرأة جديدة.. صرت مريم المجدلية».
وأعجبني ما كتبه عنه عباس محمود العقاد في كتابه «الله» إذ قال: «لم يشهد التاريخ قبل السيد المسيح رسولاً رفع الضمير الإنساني كما رفعه، ورد إليه العقيدة كما ردها إليه. فقد جعله كفؤاً للعالم بأسره بل يزيد عليه، لأن من ربح العالم وفقد ضميره فهو مغبون في هذه الصفقة الخاسرة «لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟... والطهر كل الطهر في نقاء الضمير، فمناط الخير كله فيه، ومرجع اليقين كله إليه «فليس شيء من خارج الإنسان يدنسه. بل ما يخرج من الإنسان هو الذي يدنس الإنسان».
وأعجبني كذلك ما كتبه في كتابه «حياة المسيح في التاريخ وكشوف العصر الحديث» إذ قال «كانت الدعوة المسيحية رسالة لازمة تعلم الناس ما هم في حاجة إلى أن يتعلموه كلما غرقوا في لجة راكدة من الحروف الميتة والأشكال المتحجرة، تعلمهم أن العقيدة مسألة فكرة وضمير، لا مسألة حروف وأشكال... وهذه رسالة السيد المسيح في ذلك العصر الموبوء بجموده وريائه على السواء، لأن الرياء إنما هو في باطنه جمود على وجهه طلاء».
وهزني ما قاله نابليون لطبيبه وهو في منفاه ونقله أحد خدام الإنجيل بالكلمات: لقد أسس الاسكندر وقيصر وشرلمان وأنا أمبراطوريات عظمى ولكن بمحض القوة العسكرية. أما يسوع المسيح فهو وحده الذي أسس دولة من طراز جديد على المحبة الخالصة.. وإلى يومنا هذا نجد الملايين مستعدين لأن يجودوا بحياتهم جود السماح من أجله.. لقد خبرت البشر وعرفتهم وأشهد أن كلا منا إنسان، لكن يسوع المسيح أعظم من إنسان.. كان في مقدوري وأنا في أبان سطوتي أن ألهب نار الحماسة في قلوب الكثيرين ليضحوا بحياتهم في سبيلي، وذلك بقوة شخصيتي وتأثير كلامي وأنا أتقدم صفوفهم... أما يسوع المسيح فقد استطاع بعد مبارحته الأرض بألف وثمانمائة عام أن يطالب الملايين بأن يقدموا له قلوبهم بغير قيد ولا شرط ففاز منهم بكل ما طلب. ولم تقو يد الزمن الجامدة على أن تطفئ جذوة النار المتقدة في قلوبهم بعد أن باعدت الأجيال الطويلة بينه وبينهم. هذا هو لغز الناصري الذي يحيرني، وسوف أظل حائراً حتى أسلم بأنه شخص إلهي بل هو «الله بالذات».
كل هذا الكلام أعجبني وأثار تفكيري، ومعه قرأت الكلام المسموم الذي يحاول كاتبوه عبثاً تشويه شخصية المسيح الكريم.
ولهذا قررت بعد أن سكبت قلبي أمام الله، وانفردت بكتابي المقدس وبالكتب الأخرى لوقت طويل، أن أكتب هذا الكتاب لأجيب على صفحاته عن السؤال الذي طالما تردد عبر السنين: هل كان المسيح حقاً هو «الله»؟ وقد قصدت بهذا الكتاب أن أساعد الإنسان المعاصر لمعرفة المسيح بأسلوب العصر، فخاطبت عقله وقلبه معاً، وحاولت أن أوقفه مواجهة مع ذلك الشخص المجيد المبارك الفريد.
ويتميز هذا الكتاب أنه جمع بين دفتيه تفسيراً واضحاً للآيات التي تبدو مناقضة في ظاهر كلماتها للإيمان بأن المسيح هو الله... وأنه تحاشى في ذات الوقت التعقيد السفسطي الذي يصعب فهمه على الإنسان العادي، وأنه أعطى جواباً كافياً لصاحب العقل العلمي.
وإنني أضع هذا الكتاب بين يدي الرب، أضعه بكل خشوع وتهيب، مؤكداً لقارئي الكريم أنه إن وجد في الكتاب ما يفيد فالفضل يرجع إولاً وأخيراً لربي، وأنه إن اكتشف فيه أي قصور أو تقصير فإن هذا يرجع إلى ضغفي وإنسانيتي.
وكل رجائي أن أكون قد تمكنت بنعمة إلهي من أن أقود النفوس المخلصة الباحثة عن الحق بخصوص المسيح، أن تتأكد حقيقة شخصيته وتتيقن لاهوته ومحبته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:32 pm

الفصل الأول: حتمية الإيمان بأنّ المسيح هو الله

يجد الباحث في المسيحية عدداً من القضايا الخطيرة وأخطر قضية في المسيحية هي «قضية لاهوت المسيح» ، ونعنى بقولنا «لاهوت المسيح» إيماننا بأن المسيح الذي وُلد من مريم العذارء في بيت لحم اليهودية، وعاش على أرض فلسطين وصُلب فوق موضع الجمجمة الذي يُسمى بالعبرانية جلجثة هو «الله الابن» وهو «ابن الله».
فإذا كان المسيح هو «الله الابن» حقاً، وهو «ابن الله» الذي تجسد في ملء الزمان في صورة إنسان، إذاً فالمسيحية ديانة إلهية صحيحة في مفاهيمها ومبادئها وادعاءاتها وقضاياها، أما إذا كان المسيح مجرد إنسان، أو نبي كسائر الأنبياء، فهذا يعني أن المسيحية ديانة منهارة من أساسها، وبالتالي أنها غير ذات موضوع.
فمع أن المسيحية تختلف عن غيرها من الديانات، بمبادئها، ومثلها، وتعاليمها، وروح الحب والتسامح الذي يتمثل فيها، إلى أنها تنفرد بقولها بأن المسيح مؤسسها هو الإعلان الكامل والكافي للسؤال القديم: من هو الله؟ وما هي سجاياه؟ فالمسيحية تؤكد في وضوح لا غموض فيه أن «ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (٢ كو ٥: ١٩).
ويقيناً أننا إذا قلبنا صفحات التاريخ، وأوقفنا أمامنا جميع عمالقة العالم العظام، فإننا لن نجد شخصاً أثار اهتمام الناس، وأزعج ضمائرهم، وألهب تفكيرهم، وهز عقولهم هزاً عنيفاً كشخص المسيح الكريم.
ومنذ فجر المسيحية انقسم البشر في موقفهم تجاه المسيح إلى ثلاثة أفرقة. فريق الذين أحبوه، وفريق الذين حاربوه، وفريق الذين تجاهلوه.
أما الذين أحبوه فهؤلاء هم الذين اقتربوا إليه، ووثقوا تماماً أن آثامهم قد وضعت عليه، فقبلوه مخلصاً شخصياً لهم، فسرت في حياتهم قوته التي غيرتهم، فأفرغوا عند قدميه أحلى ترنيماتهم، وأعذب موسيقاهم، وأجمل أفكارهم فأناروا العالم بالنور الذي استمدوه من شخصه المبارك الكريم.
وأما الذين حاربوه، فلم يستطيعوا أن يواجهوا نوره، فداروا حوله، وافتروا عليه بشتى الأقاويل.
قالوا عنه: إنه ليس ابناً شرعياً لأمه مريم، وأنها قد حملت به سفاحاً من جندي من الجنود الألمان الذين كانوا يحتلون الناصرة إبان حكم الرومان.
وقالوا عنه: إنه في سني اختفائه، وهي السنين التي لم يشأ الوحي أن يكشف له الستار عنها ذهب إلى الهند، وتعلم حكمة الهنود، وأتقن قدرات مهنتهم ومشعوذيهم، ثم عاد إلى فلسطين ليمارس بين بني وطنه ما تعلمه منهم، وصنع معجزاته بقوة هذا السحر الهندي القديم.
وقالوا عنه: إنه مجرد إنسان عبقري عظيم سبق عصره بمثله وتفكيره، وجاء إلى هذا العالم الفسيح كما جاء سائر العباقرة الأفذاذ مثله كمثل سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وكونفوشيوس، على السواء.
وقالوا عنه: إنه تميز بشخصية مغناطسية جبارة، هي سر تأثيره القوي على الذين اتصلوا به، وتحدثوا إليه.
وقالوا عنه: إنه كان يشفي المرضى الذين أتوا إليه بقوة الإيحاء مستخدماً نظرات عينيه، والتأثير السحري لكلماته.
وقالوا عنه: إنه لم يكن إنساناً حقيقياً، وأن جسده البشري لم يكن مثل أجسادنا بل كان مجرد ظهور. والقائلون بهذا الرأي جماعة ظهرت في فجر التاريخ باسم «جماعة دوكيون». (وكلمة «دوكيون» من كملة «دوكي» اليونانية ومعناها «يظهر أو ظهور»). ومثل هذا الاعتقاد ينفي عن المسيح تحمله لآلام الصلب، ويجعل منه مجرد شبح وهمي ظهر على الأرض ثم عاد إلى السماء.
وقالوا عنه: إنه أكثر من إنسان وأقل من إله، وهذا هو قول «آريوس» الذي أنكر في القرون الأولى للمسيحية لاهوت المسيح وأشاع ضلالته الكبرى قائلاً: إن المسيح هو أول شخص خلقه الله.
وقالوا عنه: إنه نبي عظيم، ورسول كريم، جاء في الناس مبشراً ونذيراً ولكنه لم يوجد قط قبل ميلاده، وأن مثله كمثل آدم خلقه الله وقال له كن فكان، وأنه ورث الخطية من امه العذراء.
وأما الذين تجاهلوه فقالوا عنه: «إن العلم قرر منذ عهد طويل أن يسوع المسيح لم يوجد على الإطلاق، وأن الصورة التي رُسمت لمؤسس المسيحية المزعوم ليست سوى أسطورة خرافية، وانعدام شخصية المسيح التاريخية تؤكده حقيقة أولية، وهي أن المؤرخين والكتاب الذين عاشوا في الوقت الذي قيل إن المسيح قد عاش فيه ودعا لشريعته، لم يذكروا أي شيء عنه بالمرة. إن يسوع المسيح لم يكن له وجود إطلاقاً وأنه ليس سوى شخصية خرافية، وأن ما كتبه الرسل في الأناجيل مليء بالأقوال المتعارضة وليس جديراً بأي اعتبار».
وفي وسط ضوضاء هذه الافتراءات والادعاءات، والأقاويل يرتفع صوت المسيحيين الحقيقيين قائلاً: إن المسيح هو «الله الابن» وهو «ابن الله» الكائن منذ الأزل مع الآب والروح القدس، وأنه في ملء الزمان أخذ صورة عبد وصار في شبه الناس، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصيب ليقوم بعمل الفداء العظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:34 pm

القول الحق في شخص المسيح

والآن ما هو القول الحق في شخص المسيح الكريم؟
هل هو أسطورة خرافية لم يكن لها وجود في التاريخ؟
هل هو مجرد إنسان عبقري، ومعلم عظيم، ونبي مقتدر ظهر على أرضنا. مثله مثل سائر العباقرة والأنبياء على السوء؟
أم أن «يسوع المسيح» هو «الله» الذي تجسد في صورة إنسان؟
إن غرضنا هو فحص هذه القضية الخطيرة بدقة وإخلاص، لنتيقن على أساس سليم حقيقة شخص المسيح، حتى نجيب كل من يسألنا عن سبب رجائنا فيه، وإيماننا به كما قال بطرس الرسول: «بَلْ قَدِّسُوا ٱلرَّبَّ ٱلإِلٰهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِماً لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ ٱلرَّجَاءِ ٱلَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ» (١ بط ٣: ١٥).
ولكي يكون فحصنا أميناً، لا بد لنا أن نوقف «مسيح الكتاب المقدس» أمامنا وندرس شخصيته في أقواله، وأعماله وسجاياه.
فإذا تبين لنا أن المسيح مجرد إنسان قبلناه كإنسان.
وإذا تبين لنا أن المسيح معلم عبقري عظيم قبلناه كمعلم عبقري عظيم.
وإذا تبين لنا أن المسيح مجرد نبي مقتدر قبلناه كنبي.
أما إذا تحدانا المسيح بأقواله، وسجاياه، ومعجزاته، فلمسنا لاهوته من خلال إنسانيته، وتأكدنا يقيناً أنه «الله» الذي تجسد في صورة الإنسان، عندئذ ليسجد كل واحد منا في حضرته القدسية قائلاً له مع توما الرسول «رَبِّي وَإِلٰهِي» (يو ٢٠: ٢٨).

المسيح شخصية تاريخية

وقبل أن نتعمق في دراسة قضية لاهوت المسيح، نرى لزاماً علينا أن نفند ادعاء القائلين بأن شخصية المسيح شخصية خرافية، والواقع أن ادعاء من هذا الطراز يعلن عن جهالة قائلة. ليس فقط من الناحية الدينية، بل من الناحية العلمية التاريخية كذلك.
ونقول أولاً إن المسيح الذي وُلد في بيت لحم من مريم العذراء، لم يظهر هناك بغير مقدمات، وإنما سبق ظهوره الكثير من النبوات التي ملأت صفحات العهد القديم من سفر التكوين إلى سفر ملاخي، وقد أشاعت هذه النبوات بصراحة ألفاظها، والتحديد الكامل لمعالم الشخصية التي تحدثت عنها روح انتظار هذه الشخصية الفريدة التي حددت النبوات أنها ستولد من عذراء، وستولد في «بيت لحم» بالذات .
والمسيح حين وُلد في العالم وُلد في «ملء الزمان» كما قال بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية: «وَلٰكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلّزَمَانِ، أَرْسَلَ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِنَنَالَ ٱلتَّبَنِّيَ» (غلا ٤: ٤ و٥).
وتعني الكلمة «ملء الزمان» الوقت الذي تهيأ فيه العالم لاستقبال المسيح، ويؤيد التاريخ أنه في وقت ولادة المسيح كان في العالم شعوب ثلاثة هي صاحبة النفوذ في ذلك العصر: الرومان، واليونان، واليهود. وقبيل ميلاد المسيح هيأ الرومان عالماً مشتبكاً، فبدلاً من وجود شعوب منفصلة متباعدة تتبادل الريب والشكوك ألفى المسيح عالماً ممهداً خلواً من الحواجز والعقبات، إذ كانت روما قد أدمجت الدول المتنافسة في أمبراطورية واحدة، وشقت الطرق الرومانية كل رقاع العالم المتمدن، وصانت قوة القياصرة السلام العالمي، وهكذا تهيأت الطريق لمجيء الملك السماوي، وتهيأت الطرق لرسله ليحملوا رسالة حبه للعالم الفسيح.
أما اليونان فعند اقتراب اليوم الذي جاء فيه المسيح فقد قاموا وهم لا يدرون بنصيبهم في إعداد الطريق أمام الملك الآتي، وذلك لأن اللغة اليونانية الجميلة اللينة كانت قد أصبحت اللغة الرئيسية في الأمبراطورية فتعلمت كل الشعوب المحيطة بحوض البحر الأبيض اللغة اليونانية، وصارت اليونانية هي اللغة الرسمية في كل العالم المتمدن فتهيأت الأداة لنقل إنجيل المسيح الجليل.
أما اليهود فقد كان عملهم هو الاحتفاظ بأقوال الله والنبوات التي تتحدث عن مجيء المخلص الموعود كما قال بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية: «إِذاً مَا هُوَ فَضْلُ ٱلْيَهُودِيِّ، أَوْ مَا هُوَ نَفْعُ ٱلْخِتَانِ؟ كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَّوَلاً فَلأَنَّهُمُ ٱسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ ٱللّٰهِ» (رو ٣: ١ و٢)، ولقد كان سبي اليهود إلى بلاد العالم هو الطريق لنقل هذه النبوات إلى سائر الشعوب، وهكذا تهيأ العالم لمجيء المسيح الكريم.
وإنه لمما يدعو إلى التفكير أن نرى هذه الشعوب الثلاثة وقد اتحدت وهي لا تدري لإعداد الطريق قبيل مجيء المسيح، وفي هذا أقوى دليل على وجود يد إلهية تسيطر على أحداث التاريخ لتصيغ منها ما يتفق مع البرنامج الإلهي للعالم.
وهناك أكثر من دليل يرضى عنه العقل، ويصادق عليه المنطق السليم، لتأكيد أن المسيح شخصية حقيقية عاشت على مسرح التاريخ.
فالمسيح شخصية تاريخية حقيقية لأن كتاب العهد القديم وهو الكتاب المقدس عند اليهود الذين رفضوا المسيح في مجيئه الأول، يعلن بوضوح عن ميلاده ويرسم معالم شخصيته التي نراها في جلالها في كتابات العهد الجديد: عشرات النبوات جاءت عن المسيح في العهد القديم متحدثة بدقة متناهية عن ميلاده، ورسالته، وطريقة موته، وقيامته، وصعوده إلى السماء، ومجيئه الثاني ليملك على هذه الأرض. وكانت معاني هذه النبوات واضحة تماماً في صيغتها ومفهومها للدارسين لها، لنأخذ على سبيل المثال نبوة منها وهي الخاصة بمكان ميلاد المسيح.. فتعال معي لنقرأ ما ذكره إنجيل متى: «َلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ ٱلْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ ٱلْمَوْلُودُ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي ٱلْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ ٱضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ ٱلشَّعْبِ، وَسَأَلَهُمْ: أَيْنَ يُولَدُ ٱلْمَسِيحُ؟ فَقَالُوا لَهُ: فِي بَيْتِ لَحْمِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، لأَنَّهُ هٰكَذَا مَكْتُوبٌ بِٱلنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ ٱلصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ» (مت ٢: ١ - ٦).
والنبي الذي ذكر اسم المدينة التي سيولد فيها المسيح هو ميخا النبي الذي عاش قبل ميلاد المسيح بسبعمائة سنة، وهذه بالحرف كلمات نبوته: «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ» (ميخا ٥: ٢).
هذه واحدة من النبوات التي تمت بحرفيتها في المسيح، وليس يعقل كما أنه ليس من المستطاع أن يرسم كُتّاب العهد الجديد، وهم في غالبيتهم شرذمة من غير العلماء أو المثقفين، وصورة تنطبق كل الانطباق على الصورة التي تنبأ بها العهد القديم، لو لم يكن المسيح شخصية حقيقية رأوها، وعاشروها ولمسوها، ولهذا تحدثوا عنها بيقين كما قال يوحنا الرسول تلميذ المسيح الحبيب: «اَلَّذِي كَانَ مِنَ ٱلْبَدْءِ، ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ، ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، ٱلَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ ٱلْحَيَاةِ... ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ» (١ يو ١: ١ و٣).
ومع هذا كله فإننا نجد ظاهرة جديرة بالعناية والتفكير في الكتاب المقدس هي ظاهرة الكلمات الصريحة التي تتحدث عن اختيار الله لإسرائيل وتفضيلهم على الشعوب الأخرى التي عاصرتهم، ثم الحديث عن اللعنات والغضب الإلهي الذي أدركهم، فلماذا اهتم الكتاب المقدس بالتاريخ اليهودي، والديانة اليهودية، والشعب اليهودي. وما علة اختيار الله لهم، ثم تشتيتهم وصب اللعنات عليهم بسبب عصيانهم؟ (تثنية ٢٨: ١٥ - ٦٨) والجواب الوحيد الذي نجده في الكتاب المقدس ويرضى عنه العقل بارتياح: هو أن الله قد اختار هذا الشعب في القديم، وكرمهم هذا التكريم، لأن المسيح مخلص العالم كان مزمعاً أن يأتي منهم كما كتب بولس الرسول قائلاً: «إِنَّ لِي حُزْناً عَظِيماً وَوَجَعاً فِي قَلْبِي لاَ يَنْقَطِعُ! فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُوماً مِنَ ٱلْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ ٱلْجَسَدِ، ٱلَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلَهُمُ ٱلتَّبَنِّي وَٱلْمَجْدُ وَٱلْعُهُودُ وَٱلاشْتِرَاعُ وَٱلْعِبَادَةُ وَٱلْمَوَاعِيدُ، وَلَهُمُ ٱلآبَاءُ، وَمِنْهُمُ ٱلْمَسِيحُ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ، ٱلْكَائِنُ عَلَى ٱلْكُلِّ إِلٰهاً مُبَارَكاً إِلَى ٱلأَبَدِ. آمِينَ» (رو ٩: ٢ - ٥).
فلكي يتمم الله ما قاله بخصوص المسيح، اختار هذا الشعب، وتحفظ عليه، وأحاطه بالعناية حتى جاء منه المسيح مخلص العالم، وفي هذا أصدق دليل على أن المسيح شخصية حقيقية.
والمسيح شخصية تاريخية حقيقية بدليل وجود المسيحية:
لا جدال في أن المسيحية ديانة شائعة بين أكثر من ثلث سكان الكرة الأرضية. فمن ذا الذي أوجد هذا الدين المؤثر المنتشر العجيب؟
لقد أوجد «بوذا» البوذية، وأوجد «كنفوشيوس» الكنفوشية، وأوجد «زرادشت Zoroaster» الزرادشتية. وإذا تابعنا التفكير المنطقي السليم الذي يحتم أن يكون لكل دين مؤسس أو نبي أو زعيم، وجب أن نؤمن بوجود مؤسس للمسيحية هو بلا شك شخص المسيح الكريم.
وقد قال «العقاد» في هذا الصدد ما يلي: «متى حدث في تاريخ الأديان أن أشتاتاً مبعثرة من الشعائر والمراسم تلفق نفسها وتخرج في صورة مذهب مستقل دون أن يعرف أحد كيف تلفقت، وكيف انفصلت كل منها عن عبادتها الأولى، ومن هو صاحب الرغبة وصاحب المصلحة في هذه الدعوة، وكيف برز هذا العامل التاريخي الديني على حين فجأة قبل أن ينقضي جيل واحد، ولماذا كان يخفى مصادر الشعائر والمراسم الأولى ولا يعلنها إلا منسوبة إلى شخص المسيح؟.. إن الدعوة المسيحية فيها وجهة نظر متناسقة وقوام شخصي مرسوم.. وقد جاءت في أوانها وفاقاً لمطالب زمانها بحيث تكون الغرابة أن يخلو الزمن من رسول يقوم بالدعوة ويصلح لأمانتها، لا أن يوجد الرسول ونستغرب أن يكون، ولو أن مؤلفاً بعد ذلك العصر أراد أن يخلق رسولاً يوافق رسالته المنشودة لوقف به الخيال دون ذلك التوفيق المطبوع».
فالمسيحية بوجودها القوي، وكيانها الرائع، وتأثيرها البالغ الذي أحدثته في العالم إذ أخرجته من بربريته وحبه للدماء، وأشرقت عليه بأنوار المحبة النازلة من السماء دليل عملي على حقيقة شخصية المسيح.
أجل لقد صار العالم بعد المسيحية غير العالم الذي كان قبلها، فقد رفعت المسيحية قدر المرأة، بعد أن كانت سلعة من سقط المتاع تُشترى وتُباع، صار لها اعتبارها وكرامتها.. وألغت المسيحية تعدد الزوجات. فأعطت بذلك للأسرة استقراراً وأمناً، كذلك جعلت الفرد يشعر بقيمته فلم يعد وجهاً ضائعاً بين الوجوه في زحام الحياة، بل عرف أنه كيان مستقل يهتم به الله ويرعاه «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يو ٣: ١٦).
ووجود المسيحية بهذا التأثير الفعال دليل واضح على حقيقة وجود المسيح، أما إذا أردنا أن ننكر شخصية المسيح التاريخية فهذا يوجب علينا أن ننكر كذلك بوذا، وكنفوشيوس، وزرادشت، وغيرهم من مؤسسي الديانات الموجودة في أرضنا، بل يوجب علينا أن نجد علة ترضى عنها عقولنا لوجود المسيحية، وأن نفسر كيف انتصرت المسيحية، وقد لاقى أتباعها الكثير من صنوف الاضطهاد والعذاب والاستشهاد، وكانوا في غالبيتهم شرذمة من الجهلاء والضعفاء، وعلى الوثنية التي كانت تحميها الدولة الرومانية بقوتها العسكرية، مع أن المسيحية في انتصارها وانتشارها لم يقم أتباعها بغزوة من الغزوات، ولم يشهروا سيفاً، ولم يستخدموا ضغطاً مادياً لإرغام الناس على اعتناقها والإيمان بمسيحها.
ويقيناً أننا لن نستطيع أن نجد تعليلاً لكل ما احدثته المسيحية من تغيير في عالمنا إلا باعترافنا أنه حدث بتأثير شخص حقيقي عاش فعلاً على هذه الأرض، وأن هذا الشخص هو المسيح الكريم.
وهناك دليل آخر يؤكد أن المسيح شخصية تاريخية هو دليل المبادئ السامية التي نطق بها: ولقد تعلمنا من نظرية «الأواني المستطرقة» أن السائل لا يرتفع إلى أعلى من المستوى الذي انحدر منه.. وعلى هذا القياس نسأل: أين هو الإنسان البشري الذي يقدر أن يقول ما قاله المسيح في كلماته «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ» (مت ٥: ٢٧ و٢٨) أو أن يقول «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ ٱلأَيْمَنِ فَحَّوِلْ لَهُ ٱلآخَرَ أَيْضاً» (مت ٥: ٣٨ و٣٩) أو أن يرفع من قدر الفقير حتى وأنت تتصدق عليه فيقول: «اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ ٱلنَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَّوِتْ قُدَّامَكَ بِٱلْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ ٱلْمُرَاؤُونَ فِي ٱلْمَجَامِعِ وَفِي ٱلأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ ٱلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً» (مت ٦: ١ - ٤). أو أن يجعل الصلاة صلة خفية بين الإنسان وخالقه، ليست لمجرد التظاهر، بل للتعبد بنقاء وطهر فيقول «وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَٱلْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي ٱلْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا ٱلشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَٱدْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا ٱلْكَلاَمَ بَاطِلاً كَٱلأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ» (مت ٦: ٥ - ٨).
إن المبادئ السامية التي نطق بها المسيح، وسجلتها الأناجيل هي أصدق دليل على أن شخصية المسيح شخصية تاريخية حقيقية، إذ ليس في وسع إنسان بشري مهما كانت عبقريته، أو سمت أخلاقياته أن ينطق بمثل هذه المبادئ، وأن يسلط علينا نوره الفاحص ليرينا شر قلوبنا، ونجاسة تصرفاتنا.
بقي علينا أن نرد على الذين يقولون بأن المؤرخين والكتاب الذين عاشوا في الوقت الذي عاش فيه المسيح ودعا لشريعته لم يذكروا أي شيء عنه بالمرة، فنقول أن أصحاب هذا الادعاء ينسون أو يتناسون أن المسيحية عاشت في القرون الثلاثة الأولى للميلاد في وسط اضطهاد لا مثيل له، وكان المسيحيون يعتبرون طائفة مغضوباً عليها من حكام الدولة الرومانية، ومن كهنة الديانة اليهودية.. فأي مؤرخ كان يجرؤ في مثل هذه الظروف أن يكتب بإفاضة عن المسيحية سيما وأن أتباعها كانوا في غالبيتهم من الفقراء المشردين الذين عاشوا في سراديب القبور Catacombs ولم يكن لهم تأثيراً يُذكر في أمور هذا العالم الشرير.
ومع ذلك فإننا نجد لمحات في كتب التاريخ القديم، جاءت في صيغ لا تعرض أصحابها للاضطهاد والتعذيب، نذكرها للشكاك لا لاعتقادنا بأهميتها، فإن عندنا العهد الجديد من الكتاب المقدس وفيه كل الصدق وكل اليقين بخصوص حقيقة المسيح، وإنما نذكرها لنسكت بها اعتراض المعترضين.
فقد جاء في تاريخ «فلافيوس يوسيفوس» المؤرخ اليهودي الذي عاش بين سنة ٣٧ - ٧٠ ميلادية هذا الكلمات: «إنه في ذلك العهد عاش يسوع، وهو إنسان قديس حكيم - إن جاز أن نسميه إنساناً، لأنه كان يصنع معجزات كثيرة، وكان معلماً لأناس يقبلون الحق بسرور، كان هو المسيح. ولما حكم عليه بيلاطس بالصلب، بناء على طلب الرؤساء بيننا. لم يتركه الذين أحبوه أولاً، لأنه ظهر لهم حياً بعد ثلاثة أيام، كما سبق الأنبياء فأنبأوا عنه. وجماعة المسيحيين الذين سموا باسمه ما زالت باقية حتى هذا اليوم».
وقد ذكر الأستاذ محمد أبو زهرة في كتابه «محاضرات في النصرانية (الطبعة الثانية ١٩٤٩) ما يلي: «جاء في كتاب تاريخ الحضارة. قد كتب بلين، وكان والياً في آسيا إلى الأمبراطور تراجان (الذي دام حكمه من سنة ٩٨ - ١١٧ ميلادية) كتاباً يدل على الطريقة التي كان يعامل بها المسيحيون قال: «جريت مع من اتهموا بأنهم نصارى على الطريقة الآتية، وهو أني أسألهم إذا كانو مسيحيون فإذا أقروا أعيد عليهم السؤال ثانية وثالثة مهدداً بالقتل، فإن أصروا أنفذ عقوبة الإعدام فيهم مقتنعاً بأن غلطهم الشنيع، وعنادهم الشديد، يستحقان هذه العقوبة، وقد وجهت التهمة إلى كثيرين بكتب لم تذيل بأسماء أصحابها فأنكروا أنهم مسيحيين، وكرروا الصلاة للأرباب الذين ذكرت أسماءهم أمامهم، وقدموا الخمور والبخور لتمثال أتيت به عمداً مع تمائيل الأرباب، بل أنهم شتموا المسيح، ويُقال أن من الصعب إكراه المسيحيين الحقيقيين، ومنهم من اعترفوا بمسيحيتهم، ولكنهم كانوا يثبتون بأن جريمتهم في أنهم اجتمعوا في بعض الأيام قبل طلوع الشمس على عبادة المسيح على أنه رب، وعلى إنشاد الترانيم إكراماً له، وتعاهدوا فيما بينهم لا على ارتكاب جرم، بل على ألا يسرقوا، ولا يقتلوا، ولا يزنوا وأن يوفوا بعهودهم».
وذكر أيضاً «ديل وإيلين روتين» في كتابهما «هل نستطيع أن نعرف؟» المطبوع سنة ١٩٦٨ ما سجله المؤرخ «تاسيتوس Tacitus» وهو أعظم المؤرخين اللاتينيين وقد عاش في النصف الأول من القرن الثاني، وكتب عن الشائعات التي حامت من ان نيرون نفسه كان المسؤول عن الحريق الهائل الذي التهم روما سنة ٦٤ ميلادية فقال:
«لكن لم يكن باستطاعة كل العزاء الذي يمكن أن يأتي من إنسان، ولا كل الهدايا التي يمكن أن يمنحها الأمير، ولا كل التكفير الذي يمكن أن يقدم للآلهة، أن يساعد نيرون على نفي الاعتقاد الشائع بأنه هو الذي أمر بهذا الحريق. لذلك رغبة منه في طمس الإشاعة، اتهم كذباً وعاقب بأقسى أنواع العذاب أولئك الأشخاص الذين كانوا يدعون مسيحيين، والذين أبغضوا بسبب تكاثرهم الهائل، وقد حكم بالموت على المسيح مؤسس هذا الاسم، ومات كمجرم بيد بيلاطس البنطي والي اليهودية، فانتشرت مرة أخرى البدعة الوبيلة، ليس في اليهودية وحدها حيث بدأت، بل في مدينة رومية كلها أيضاً».
ومع كل ما تقدم من وثائق تاريخية صحيحة المصادر، فإنه يمكن لمن يريد الرجوع إلى كتب التاريخ أن يقرأ ما سجله «ثالوس» حوالي سنة ٥٢ ميلادية، وسيتونيوس، ولوسيان، فكلهم أكدوا حقيقة وجود المسيح والمسيحية.
وكل شهادات التاريخ تؤكد أن المسيح شخصية حقيقية، وأن المسيحيين الذين عاشوا في القرن الأول للميلاد كانوا يجتمعون لعبادته على أنه رب، وعلى إنشاد الترانيم لحمده، مما يؤكد أن المسيحيين في القرن الأول للميلاد آمنوا بالمسيح على أنه «الله الابن» الذي تجسد لفدائهم، وفي هذا ما يهدم ادعاء المدعين بأن عقيدة ألوهية المسيح دخيلة على المسيحية، وقد لاقى المسيحيون في القرون الثلاثة الأولى للميلاد بسبب عبادتهم للمسيح، واعترافهم به إلهاً مباركاً كائناً على الكل أفظع أنواع العذاب، حتى لقد كانوا يضعون بعضهم في جلود الحيوانات ويطرحونهم للكلاب فتنهشهم، وصلبوا بعضهم، وألبسوا بعضهم ثياباً مطلية بالقار، وجعلوهم مشاعل يُستضاء بها. وكان الأمبراطور نيرون نفسه يسير في ضوء تلك المشاعل الإنسانية.
لقد كان المسيح شخصية حقيقية فرض نفسه على الزمن، وانتشر تأثيره إلى ما وراء حدود فلسطين، فوصل إلى أوروبا وآسيا، وبعض أجزاء أفريقيا، ووصلت أخباره إلى بلاد العرب وذاعت في القرن السادس للميلاد، واحتلت جزءاً غير قليل من القرآن الذي يؤمن به المسلمون، نكتفي هنا بذكر ما جاء منها في سورة مريم بهذه الكلمات: «وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً فَٱتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً فَأَجَاءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً وَهُّزِي إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنْسِيّاً فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ اِمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلّزَكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ذَلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ» (سورة مريم ١٩: ١٦ - ٣٤).
والآن لنعد إلى الكتاب المقدس ونقلب صفحاته في تدقيق، لنواجه بأنفسنا شخص المسيح الجليل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:35 pm

التلاميذ يتساءلون

ذات مرة كان المسيح مع تلاميذه في سفينة، وذهب إلى مؤخر السفينة ونام على وسادة، وحدث نوء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب إلى السفينة حتى صارت تمتلئ... وهنا أسرع التلاميذ إليه وقد ملأهم الخوف والفزع وأيقظوه قائلين: «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟ فَقَامَ وَٱنْتَهَرَ ٱلرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: ٱسْكُتْ. اِبْكَمْ. فَسَكَنَتِ ٱلرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. وَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هٰكَذَا؟ كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟ فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيماً، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ هُوَ هٰذَا؟ فَإِنَّ ٱلرِّيحَ أَيْضاً وَٱلْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!» (مرقس ٤: ٣٨ - ٤١).

المسيح يسأل

تظهر على صفحات الأناجيل حقيقة جديرة بالانتباه هي أن المسيح كان يدفع المحيطين به للتفكير الجاد في حقيقة شخصه، وأنه بدلاً من أن يكشف لهم النقاب عن شخصيته بكلمات مباشرة تنساب من بين شفتيه، كان يسألهم عن اعتقادهم فيه ليدفعهم لاكتشاف حقيقته بأنفسهم، والاعتراف بما آمنوا به بخصوصه بشفاههم، بعد أن يلاحظوا بدقة قدسية حياته، وصلاح تصرفاته، وانطباق نبوات العهد القديم على شخصيته، وبعد أن يتفكروا بتأمل عميق في كلماته وخارق معجزاته.
ذات مرة جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس وهناك «سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ: مَنْ يَقُولُ ٱلنَّاسُ إِنِّي أَنَا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ؟ فَقَالُوا: قَوْمٌ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ ٱلأَنْبِيَاءِ. قَالَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنْتَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لٰكِنَّ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضاً: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هٰذِهِ ٱلصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ ٱلْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا» (مت ١٦: ١٣ - ١٨).
ونرى في هذه الكلمات أولاً أن بطرس قد اعترف ليسوع «ابن الإنسان» - و «يسوع» هو الاسم الإنساني للمسيح - بأنه وهو «ابن الإنسان» في تجسده هو أيضاً «المسيح ابن الله الحي» في حقيقة شخصه، وكلمة «المسيح» تعني الممسوح أو المقام من الله بالمسحة، وكأن بطرس يعلن صراحة بأن «يسوع ابن الإنسان» هو في ذات الوقت «المسيح ابن الله الحي» الذي تنبأ عنه المزمور الثاني بالكلمات: «لِمَاذَا ٱرْتَجَّتِ ٱلأُمَمُ وَتَفَكَّرَ ٱلشُّعُوبُ فِي ٱلْبَاطِلِ؟ قَامَ مُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَتَآمَرَ ٱلرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلَى ٱلرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَ» (مز ٢: ١ - ٣) وتنبأ عنه دانيال بالكلمات: «َبَعْدَ ٱثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ ٱلْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ» (دا ٩: ٢٦) ونرى في ذات الوقت بأن المسيح لم يكتف بأن يسمع ما يقوله البعيدون عنه بخصوص شخصه، بل سأل تلاميذه المقربين إليه، ليعطيهم فرصة للإفصاح العلني عن ما يعتقدونه فيه، فلما أجابه بطرس قائلاً: «أنت هو المسيح ابن الله الحي» باركه على هذا الإعلان العظيم، وأكد له أن هذا الإعلان لم يأته من مصدر بشري بل من الآب الذي في السموات، وهو بهذا قد صادق على اعتراف بطرس مؤكداً لتلاميذه أنه حقاً ويقيناً «المسيح ابن الله الحي».
وذات مرة اجتمع الفريسيون حوله فسألهم قائلاً: «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي ٱلْمَسِيحِ؟ ٱبْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ٱبْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِٱلرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ٱبْنَهُ؟ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ» (مت ٢٢: ٤٢ - ٤٦).
ومن هذا النص الصريح نرى أن المسيح سأل الفريسيين عن اعتقادهم فيه، ليدفعهم بالتفكير والبحث في نبوات العهد القديم بأن يعرفوا حقيقة شخصه الكريم. سألهم: كيف يكون المسيح رب داود وابن داود في ذات الوقت؟ ولو فحص الفريسيون العهد القديم بتدقيق، لرأوا أن المسيح هو «رب داود» باعتباره «الله الابن» الذي خلق داود، وأنه «ابن داود» من جهة الجسد كما قرر بولس الرسول ذلك فيما بعد بالكلمات: «بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. ٱلَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ» (رومية ١: ١ و٣).

دراسة نسب المسيح

وهنا يجدر بنا أن نقف قليلاً لدراسة سلسلة نسب المسيح في إنجيلي متى ولوقا، لكي نشرح ما قد يبدو من تناقض في السلسلتين لغير العلماء وغير الدارسين. ففي إنجيل «متى» نجد أن «متى» قد عاد بالمسيح إلى إبراهيم الذي يُعتبر أبا للشعب اليهودي، وهو نفسه الذي أعطاه الرب مواعيده قائلاً: «وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلأَرْضِ» (تك ٢٢: ١٨) وعاد به في ذات الوقت إلى «داود الملك» ليعلن لنا أنه الوارث الشرعي لعرشه كما قال الملاك جبرائيل للعذارء مريم وهو يبشرها بأنها ستلد المسيح قائلاً: «وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ» (لو ١: ٣١ و٣٢).
أما في إنجيل لوقا فقد عاد البشير هناك بالمسيح إلى آدم متخذاً سلسلة نسبه من «مريم أمه» ليرينا أن «ٱلإِنْسَانُ ٱلأَوَّلُ مِنَ ٱلأَرْضِ تُرَابِيٌّ. وأن المسيح هو ٱلإِنْسَانُ ٱلثَّانِي ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (١ كو ١٥: ٤٧).
وهاك عدة ملاحظات جديرة بالعناية في دراسة سلسلة نسب المسيح في بشارتي متى ولوقا نذكرهما فيما يلي مستعينين بما كتبه في ذلك بنيامين بنكرتن، وهـ. س. هفرن.
(١) إنه بينما يذكر متى أن إبراهيم ولد إسحق وإسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا... حتى يصل إلى يوسف رجل مريم بأنه هناك يقول: «وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ ٱلَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ» (مت ١: ١٦) وهنا نلاحظ أن متى لم يقل: «ويوسف ولد يسوع» على غرار ما سبق من نسب، بل قال: «ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع» مؤكداً بهذا بأن يسوع ليس ابناً طبيعياً ليوسف بل أنه وليد مريم العذراء التي ولدته بالروح القدس.
(٢) لم يذكر متى من أولاد يعقوب الاثني عشر إلا يهوذا لأن منه جاء المسيح (تك ٤٩: ١٠).
(٣) لم يذكر متى أسماء النساء اللواتي افتخر بهن اليهود كسارة ورفقة، ولكنه ذكر أسماء نساء لم يقدر اليهود أن يفتخروا بهن، الأولى «ثامار» التي ذكرت لترينا أن خلاص الله هو للخطاة (متى ٩: ١٣) والثانية «راحاب» التي ترينا أن الخلاص بالإيمان (عب ١١: ٣١) والثالثة «راعوث» وهي ترينا أن الخلاص لكل من ياتي للاحتماء بالرب (را ١: ١٢) والرابعة «بثشبع» التي ترينا أن الخلاص هو بالنعمة وأبدي (٢ صم ١١ و١٢، مز ٢٣: ٣، عب ١٠: ٣٨ و٣٩).
(٤) نجد في سلسلة نسب المسيح في إنجيل متى أشخاصاً من مختلف الطبقات الاجتماعية، ففيها نجد راحاب الزانية. وإسحق الشاب الطاهر محب السلام، وقد رتب الله ذلك حتى يكون المسيح بحق «ابن الإنسان» أي «ابن الإنسانية» سواء أكانت الإنسانية الرفيعة، أو الإنسانية الوضيعة لأن المسيح جاء مشاركاً البشرية بكافة طبقاتها «كابن الإنسان» ومخلصاً وفادياً لها باعتباره «ابن الله».
(٥) في متى ١: ٨ نقرأ «يورام ولد عزيا» ولا يقصد بذلك ان يورام هو أبو عزيا، ولكن المقصود أن عزيا سليل يورام، لأن ما بين يورام وعزيا لا يذكر ثلاثة ملوك وردت أسماؤهم في السلسلة الواردة في (١ أخبار ٣: ١١ و١٢) وهم أخزيا ويوآش وأمصيا، وحذف أسماء هؤلاء الملوك كان قضاء إلهياً عليهم حسب الوعيد الإلهي القائل «وَيَمْحُو ٱلرَّبُّ ٱسْمَهُ مِنْ تَحْتِ ٱلسَّمَاءِ» (تث ٢٩: ٢٠). «َمَعَ ٱلصِّدِّيقِينَ لاَ يُكْتَبُوا» (مز ٦٩: ٢٨) من ثم لم يعترف الشعب بملكهم عليه إذ ثار وقتلهم (٢ أخبار ٢٢: ٨ و٩ و٢٤: ٢٥، ٢٥: ٢٧ و٢٨) وأسقطهم من جدول النسب الملكي. وقد قاد الروح القدس متى إلى هذا الأمر حين كتب إنجيله. لأنه كان يكتب هذا الإنجيل لليهود، وحذف بعض الأسماء من جداول الأنساب لبعض الأسباب كان أمراً مألوفاً لدى اليهود كما هو واضح من مقابلة ما جاء في سفر عزرا ٧: ١ - ٥ وأخبار الأيام الأول ٦: ٣ - ١٥).
ونلاحظ كذلك أن «عزيا» هو نفسه الملك «عزريا» وهذا واضح من مقارنة ٢ ملوك ١٥: ١ و٢ «فِي ٱلسَّنَةِ ٱلسَّابِعَةِ وَٱلْعِشْرِينَ لِيَرُبْعَامَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، مَلَكَ عَزَرْيَا بْنُ أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا. كَانَ ٱبْنَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ٱثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَٱسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا مِنْ أُورُشَلِيمَ» مع ما جاء في ٢ أخبار ٢٦: ١ - ٣ «وَأَخَذَ كُلُّ شَعْبِ يَهُوذَا عُزِّيَّا وَهُوَ ٱبْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً وَمَلَّكُوهُ عِوَضاً عَنْ أَبِيهِ أَمَصْيَا... كَانَ عُزِّيَّا ٱبْنَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ٱثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. وَٱسْمُ أُمِّهِ يَكُلْيَا مِنْ أُورُشَلِيمَ» ومن المألوف في الكتاب المقدس أن يكون للشخص اسمان كما كان اسم ابن داود الثاني وهو ابن أبجيايل امراة نابال الكرملي «كيلآب» (٢صم ٣: ٣) و «دانيئيل» ١ أخبار ٣: ١ في ذات الوقت وكما كان لدانيال اسم آخر وهو «بلطشاصر» (دا ١: ٦).
(٦) في متى ١: ١١ نقرأ «يكنيا وإخوته» والمقصود بإخوته هنا أعمامه الذين منهم «متنيا» أو «صدقيا» الذي جلس على العرش بعده، ويُدعى في (٢ أخبار ٣٦: ١٠) أخاه.
(٧) في متى ١: ١٢ نقرأ: «يكنيا ولد شألتئيل» وهذا لا يتعارض مع ما قيل في إر ٢٢: ٣٠: «ٱكْتُبُوا هٰذَا ٱلرَّجُلَ عَقِيماً» لأن هذا العقم هو من جهة الجلوس على العرش لا من جهة النسل كما قيل في الآية «اكتبوا هذا الرجل عقيماً رجلاً لا ينجح في أيامه لأنه لا ينجح من نسله أحد جالساً على كرسي داود وحاكماً بعد في يهوذا» ولم يأخذ شألتئيل ولا أحد من نسله العرش إلى أن جاء المسيح.
(٨) في متى ١: ١٢ نقرأ «شألتئيل ولد زربابل» والواضح من ١ أخبار ٣: ١٩ أن زربابل هو بن فدايا بن شألتئيل وقد حُذف اسم «فدايا» من الجدول بحسب عادة اليهود لسبب ما كما ذكرنا آنفاً.
(٩) في متى ١: ١٣ نقرأ «زربابل ولد أبيهود» وفي لوقا ٣: ٢٧ «يوحنا بن ريسا بن زربابل» وبالرجوع إلى (١ أخبار ٣: ١٩) نجد أن زربابل كان له ابنان «مشلام وحنانيا» وعلى ذلك يكون «مشلام» هو الاسم الثاني لأبيهود جد يوسف أو لعله حُذف لقصد إلهي من سفر أخبار الأيام كما يقول «قاموس وستمنستر Westmimister Dictionary» و «حنانيا» هو الاسم الثاني «ليوحنا» جد مريم العذارء ومعنى الاسمين واحد وهو «الرب رؤوف».
أما ريسا فمحذوف حسب عادة اليهود في جداولهم، ومن هنا يتبين لنا أن زربابل هو الجد المتوسط لعائلتي يوسف ومريم، كما أن داود هو الجد الأول لهما.
(١٠) الأسماء المذكورة في متى ١: ١٣ - ١٥ غير موجودة في أسفار العهد القديم، لأن أصحابها وجدوا بعد اختتام أسفار العهد القديم في فترة توقف الوحي بين ملاخي ويوحنا المعمدان، ومما لا شك فيه أن هذه الأسماء تطابق ما جاء في السجلات العائلية التي كان اليهود يعنون عناية تامة بها لحفظ أنسابهم وكان الذين يهملون هذه السجلات يرذلون كما نقرأ في سفر عزرا «هٰؤُلاَءِ فَتَّشُوا عَلَى كِتَابَةِ أَنْسَابِهِمْ فَلَمْ تُوجَدْ، فَرُذِلُوا مِنَ ٱلْكَهَنُوتِ» (عزرا ٢: ٦٢). وبغير شك أن الله قد رتب أن تحفظ سلسلة أنساب المسيح سليمة من آدم إلى أن وصلت إليه، وكان الأشخاص الذين تتكون منهم هذه السلسلة يمتازون بصفة واحدة لجميعهم هي صفة «الإيمان» سواء كان الشخص هو «راحاب الزانية» التي قبلت الجاسوسين بسلام، أو «داود» مرنم إسرائيل الحلو، وهذا السجل المتقن الذي يحوي أنساب هذه الأجيال ويربطها معاً يؤكد لنا وحي الكتاب المقدس.
(١١) أعيد اسم داود الملك في فاتحة المجموعة الثانية من مجموعة الأسماء لأنه المورث الأصلي والأول للعرش، ورأس العائلة المالكة، وبذلك تكون هذه المجموعة أربعة عشر اسماً كسابقتها، وأصبحت المجموعة الثالثة أيضاً كسابقتيها بإضافة اسم ربنا يسوع المسيح في ختامها كالوارث الحقيقي والأخير للعرش، كما نقرأ: «يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِ دَاوُدَ» (مت ١: ١) وكما قيل أيضاً «وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ» (لو ١: ٣٢).
(١٢) كلمة جيل التي وردا مراراً في الأصحاح الأول من إنجيل متى معناها دور من حياة العائلة بمعدل حياة الشخص أو مدة حكم الملك، وتأتي بمعان أخرى منها: جملة الناس العائشين معاً في وقت واحد (تك ٧: ١) أو مدة من الزمن تساوي مائة سنة (تك ١٥: ١٣ - ١٦)، أو صنف من الناس (تث ٣٢: ٥) أو وقت من الأوقات (لو ١: ٥٠).
(١٣) لا يجب أن يفوتنا الفرق بين سلسلة نسب المسيح الواردة في (مت ١: ١ - ١٧) وتلك الواردة في (لوقا ٣: ٢٣ - ٣٨).
(أ) فالأولى هي سلسلة نسب يوسف بن سليمان بن داود، والثانية سلسلة نسب مريم العذراء بنت ناثان بن داود، وقد ذكر متى سلسلة النسب متصلة بيوسف رجل مريم، لا على اعتبار أنه والده الجسدي بل على اعتبار أنه رجل مريم التي وُلد منها يسوع، وبالتالي على اعتبار أن يسوع منتسب إليه قانوناً ولذا يصبح الوارث الشرعي لعرش داود أبيه وهذا يوضحه ما جاء في إنجيل لوقا بالكلمات «وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ٱبْنَ يُوسُفَ» (لو ٣: ٢٣) وما قالته مريم أمه له حين ذهبت مع زوجها يوسف تفتش عنه في الكلمات: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هٰكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!» (لو ٢: ٤٨).
(ب) متى كتب إنجيله لليهود عن «مسيا» الذي ينتظرونه ابن داود فبدأ بإبراهيم أبي اليهود، أما لوقا فكتب إنجيله لليونان عن المسيح «ابن الإنسان» فوصل به إلى آدم أبي الجنس البشري كله.
(ج) في إنجيل متى نقرأ أن «يعقوب ولد يوسف رجل مريم» ولكننا نقرأ في إنجيل لوقا أن «يوسف بن هالي». فكيف نوفق بين هذين النصين؟ وكيف يكون يوسف بن يعقوب وبن هالي في آن واحد؟! والحل البسيط هو أن يوسف كان بن يعقوب بالتناسل الطبيعي، لكنه كان ابن هالي شرعاً لأنه تزوج ابنته مريم العذراء ولذا وضع اسمه بدلاً عن اسمها كعادة اليهود، ومن هنا نتبين أن «يوسف ومريم» كانا من سبط يهوذا ومن العائلة المالكة.
(د) جاء في متى ١: ١٢ أن «يكنيا ولد شألتئيل» بينما نقرأ في لوقا ٣: ٢٧ أن «شألتئيل بن نيري» ولا تعارض في القولين فإن شألتئيل هو ابن يكنيا فعلاً، وابن نيري شرعاً لأنه أخذ ابنته زوجة فوضع اسمه مكان اسمها كعادة اليهود.
وهكذا يظهر لنا أن المسيح قد جاء من نسل «داود» وتمت في شخصه المبارك النبوات الواردة بهذا الخصوص.
والأن لنعد من جديد إلى أسئلة التلاميذ والمسيح.. فالتلاميذ يتساءلون وهم يرون سلطان المسيح الفائق على الطبيعة قائلين: «من هو هذا؟» والمسيح يسألهم: «من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟» «وأنتم من تقولون إني أنا؟» ويسأل الفريسين قائلاً: «ماذا تظنون في المسيح؟» وكل هذا ليثير تفكير تلاميذه والمحيطين به ليتأكدوا بأنفسهم من حقيقة شخصه.
فمن واجبنا إذاً أن نلم بكل المعلومات عن شخصية المسيح الفريدة، لنعرف حقيقتها الأكيدة.
ويستطيع المرء إذا تجرد عن الهوى، وبذل الجهد الضروري، وطرح جانباً التعصب الأعمى، وما توراثه من آراء خاطئة، ودرس الكتاب المقدس بذهن مفتوح ، أن يتبين في وضوح حقيقة شخص المسيح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هل المسيح هو الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 7انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» هل المسيح هو الله-7
» هل المسيح هو الله-5
» هل المسيح هو الله-6
» هل المسيح هو الله-4
»  هل المسيح هو الله-10

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور الحياة  :: المنتديات المسيحية العامة - Christian public forums :: معلومات دينية-
انتقل الى: