منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور الحياة

اخبار . رياضة . فن .فيديو. طب. برامج. موضة. طفل. حوادث. بحث. فيس .بوك . تويتر. يوتيوب. جوجل . ادنس. ربح .نت .افلام . ترانيم . مسرحيات. عظات
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 هل المسيح هو الله

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:42 pm

لقد تمنى أيوب أن يجد مصالحاً يضع يده على يده كإنسان، ويضع يده على يد الله كإله، أو في تعبير أدق تمنى أن يتجسد «الله» في صورة إنسان، لكي يصالحه مع نفسه.
وفي تجسد المسيح وموته على الصليب تمت المصالحة التي تمناها أيوب وهو يتكلم بلسان الإنسان الباحث عن الطريق إلى الله، كما قال بولس الرسول: «وَلٰكِنَّ ٱلْكُلَّ مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ. إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ ٱللّٰهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (٢ كو ٥: ١٨ - ٢١). وكما قرر في رسالته إلى تيموثاوس قائلاً: «لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ» (١ تي ٢: ٥ و٦).
ويقول دكتور كامبل مورجان أستاذ الكتاب المقدس: إن الكلمة اليونانية (Antiulutron) المترجمة إلى «فدية» لا توجد في كل العهد الجديد إلا في هذه الآية، وفوق ذلك فإنها كلمة غير معروفة في اللغة اليونانية الكلاسيكية، ويبدو لي أحياناً أن الروح القدس قد قاد بولس لصياغة كلمة جديدة باستخدامه لهذه الكلمة.
وعند فحص الكلمة «فدية» نرى أنها تشير إلى عمل بواسطته رفعت الخطية التي فصلت بين الله والإنسان بل إلى عمل رفع الإنسان من منطقة الوجود العقلي إلى منطقة الوجود الروحي، وهذا يعني أن المسيح قد أعاد بفدائه إمكانية الشركة المباشرة بين الله والناس، يجد أن الشر الذي أعمى عينيه، وأفقده الاحساس السليم بالله، قد أُزيل، وأن التعامل المباشر بينه وبين الله أصبح اختباراً عملياً في حياته، فنوال بركات الفداء مشروط بالتوبة الحقيقية عن الخطية، والإيمان القلبي الشخصي بيسوع المسيح «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى ٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ ٱلْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (أع ٢: ٣٨) وهذا الإيمان القلبي يحدث تغييراً حقيقياً في الحياة والاتجاهات كما قال بولس الرسول: «إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (٢ كو ٥: ١٧).
ففداء المسيح لا يشجع الخاطئ على الاستمرار في خطاياه بل على العكس يغير حياته، ويعطيه قلباً جديداً يتجه إلى الله.
وإذا قال مؤلف كتاب كيف ولماذا؟ إن الصلب كان عملاً همجياً ووحشياً، أجبناه: أجل لقد كان كذلك من جانب الإنسان، الإنسان الذي ظهر في قمة شره يوم اختار باراباس اللص للحرية، وطلب من بيلاطس أن يصلب يسوع المسيح القدوس، ولقد كان المسيح له المجد قادراً على حماية نفسه والتنحي عن الصليب، لكنه ارتضى أن يموت طوعاً نيابة عن البشر، ولأنه خالق البشر بل خالق كل الأشياء ففي قدرته إذاً أن يفدي خليقته لأنه يزيد عنها قيمة لو وضعت أمامه في كفة الميزان، لذا كان في دمه الكفاية للتكفير عن خطايا العالم كله كما قال عنه يوحنا الرسول «وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً» (١يو ٢: ٢) أجل كان هو «الذبح العظيم» الذي فدى بدمه الإنسان.
وقد عرف الله مقدماً وحشية الإنسان وهمجيته، عرف «أَنَّ كُلَّ تَصَّوُرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ» (تك ٦: ٥) ولكنه حوّل بحكمته شر الإنسان وهمجيته لخير البشرية الرازحة تحت أثقال أوزارها كما قرر بطرس في كلماته القائلة: «هٰذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» (أع ٢: ٢٣) وهذه هي الحكمة الإلهية التي أوضحها بولس بالكلمات: «وَلٰكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُّوِينَ: يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ، فَبِٱلْمَسِيحِ قُّوَةِ ٱللّٰهِ وَحِكْمَةِ ٱللّٰهِ» (١ كو ١: ٢٣ و٢٤).
لقد سمح الله القادر على كل شيء للناس الضعفاء أن يكونوا المحكمة، والقاضي، والمحلفين، والنيابة، ومنفذي القانون، حتى ينفذوا في ابنه حكم الموت الذي كان لا بد أن ينفذ فيهم، وحتى يروا مدى فظاعة ما فعلته الخطية بهم إذ جعلتهم يصلبون ابن الله الذي أحسن إليهم، وذلك عندما يتأكدون من حقيقة الشخص الذي مات لأجلهم.
وفي القديم عامل أبناء يعقوب أخاهم يوسف بالشر فباعوه عبداً للتجار الاسماعيليين، الذين باعوه بدورهم إلى «فوطيفار» في مصر، ولكن الله حول شرهم لخير يوسف وخير الناس وخيرهم. ولما أتوا إليه بعد موت أبيه قائلين «أَبُوكَ أَوْصَى قَبْلَ مَوْتِهِ قَائِلاً: هٰكَذَا تَقُولُونَ لِيُوسُفَ: آهِ! ٱصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ عَبِيدِ إِلٰهِ أَبِيكَ... فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ ٱللّٰهِ؟ أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً، أَمَّا ٱللّٰهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا ٱلْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْباً كَثِيراً» (تك ٥٠: ١٦ - ٢٠).
هكذا كان أيضاً في «صلب المسيح» قصد به صالبوه شراً، وقصد به الله فداء أبدياً، ولأن الفادي لا بد أن يكون إلهاً وإنساناً في وقت واحد لكي يتمم بحق عملية الفداء، إذ لا يعقل ولا يُستساغ أن يكون الحيوان أياً كان نوعه أو فصيلته فداء للإنسان، ولأن الفداء أمر حتمي لينال به الإنسان الغفران. فلهذا السبب يتحتم الإيمان بأن المسيح هو الله.
(٣ ) السبب الثالث لحتمية الإيمان بأن المسيح هو الله، هو حتمية إعلان الله عن ذاته للإنسان: من أول مبادئ علم اللاهوت، إن فكرة الإنسان عن الإله الذي يعبده تطبع أثرها العميق في حياته العملية، لأن الناس يتمثلون في حياتهم اليومية بالإله الذي يعبدونه كما قال كاتب المزمور في الكلمات: «لِمَاذَا يَقُولُ ٱلأُمَمُ: «أَيْنَ هُوَ إِلٰهُهُمْ؟» إِنَّ إِلٰهَنَا فِي ٱلسَّمَاءِ. كُلَّمَا شَاءَ صَنَعَ. أَصْنَامُهُمْ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. لَهَا مَنَاخِرُ وَلاَ تَشُمُّ. لَهَا أَيْدٍ وَلاَ تَلْمِسُ. لَهَا أَرْجُلٌ وَلاَ تَمْشِي، وَلاَ تَنْطِقُ بِحَنَاجِرِهَا. مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا» (مز ١١٥: ٢ - ٨).
لذا فمنذ البدء تاق الإنسان أن يرى الله وتجسد شوقه في كلمات قديسي القدم، فقال أيوب: «مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ!» (أي ٢٣: ٣) وقال موسى: «أَرِنِي مَجْدَكَ» (خر ٣٣: ١٨) وقال إشعياء: «لَيْتَكَ تَشُقُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ» (إش ٦٤: ١) وقال فيلبس: «أَرِنَا ٱلآبَ وَكَفَانَا» (يو ١٤: ٨).
وشوق الإنسان لرؤية الله ليس أمراً غريباً، فلقد خلق الله الإنسان على صورته، وقبل أن يسقط الإنسان في الخطية كانت له علاقة مباشرة مع الله، فلقد كان الله يأتي إليه في الجنة، ويبدو أن الإنسان في برارته قد رأى الله، فلما سقط أثرت الخطية في ذهنه، وتشوهت الصورة الحقيقية التي كانت في فكره عن الله، فكان لا بد أن يعمل الله شيئاً ليعيد صورته الصحيحة إلى ذهن الإنسان، وقديماً عبر المرنم العبري عن شوقه إلى الله بالكلمات: «كَمَا يَشْتَاقُ ٱلإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ ٱلْمِيَاهِ هٰكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا ٱللّٰهُ» (مز ٤٢: ١).
وقد يقول قائل: إننا نستطيع أن نرى الله في الطبيعة التي خلقها ويقيناً أن «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللّٰهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مز ١٩: ١) لكن قدرة الله الظاهرة في الطبيعة تشعر الإنسان بتفاهته، بل تشعره ببعد الله عنه وعدم اهتمامه به كما عبر دواد عن ذلك بالكلمات «إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، ٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ ٱلَّتِي كَّوَنْتَهَا، فَمَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ!» (مز ٨: ٣ و٤).
إذاً فقد كان من المحتم أن يتجسد الله ليعلن للإنسان أنه قريب منه، ويظهر له عنايته به، ويؤكد له اهتمامه بدقائق حياته، ويشبع في ذات الوقت أشواق قلبه.
وتجسد الله كان دائماً هو رجاء الإنسان، فالوثنيون آمنوا بإمكان تجسد الله فقالوا عن بولس وبرنابا: «إِنَّ ٱلآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِٱلنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا» (أع ١٤: ١١).
واليهود آمنوا بإمكانية ظهور الله في الجسد فنحن نقرأ في سفر التكوين عن ظهور الرب لإبراهيم في الكلمات: «وَظَهَرَ لَهُ ٱلرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ ٱلْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ ٱلنَّهَارِ» (تك ١٨: ١).
وكذلك نقرأ عن ظهور الله لمنوح وامرأته في صورة رجل في الكلمات: «فَأَسْرَعَتِ ٱلْمَرْأَةُ وَرَكَضَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَهَا: هُوَذَا قَدْ تَرَاءَى لِيَ ٱلرَّجُلُ» وبعد أن صعد الرجل في لهيب المذبح إلى السماء، أدرك منوح أن ذلك الرجل كان هو الله ظاهراً في صورة رجل فقال لامرأته «نمُوتُ مَوْتاً لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا ٱللّٰهَ» (قض ١٣: ١٠ و٢٢).
وقد كتب الدكتور «أحمد زكي» في عدد ديسمبر سنة ١٩٥٦ من مجلة الهلال في مقال بعنوان «الله والناس» هذه الكلمات:
«إن العامة تستجيب للأشياء بمقدار ما تحسها، وغير المحسوس أقل في وعيهم درجة، ولو ملأ السماء والأرض.
وفي سبيل إيضاح المبهم، وتجسيد ما لا يتجسد، نسبت الأديان جميعاً إلى الله ما يأتلف والتجسيد، تقريباً لمعنى الله من أفهام العامة، والعامة بعد هم جمهور الناس في كل زمان، وإلى زماننا هذا.
وأعطى القرآن لله يداً:
«إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» (سورة الفتح ٤٨: ١٠).
وأعطى القرآن لله وجهاً:
«كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ» (سورة الرحمن ٥٥: ٢٦ و٢٧).
وأعطى القرآن لله عيناً:
«قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُّوٌ لِي وَعَدُّوٌ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي» (سورة طه ٢٠: ٣٦ - ٣٩).
وما كان لله يد تأخذ وتعطي
وما كان لله وجه يبقى وقد فنيت الوجوه
وما كان لله عين ترى، ثم لا ترى
إنه التجسيد الذي لا بد منه» ا.ه
كانت الأم تعلم طفلها أن الله موجود في السماء، وذات يوم تطلع الصغير إلى السماء وبكى، فلما سألته أمه عن سر بكائه قال:
«أريد يا ماما أن يفتح الله السماء وينزل لكي أراه».
ولقد تجسد «الله» في المسيح لكي يعلن عن ذاته وصفاته للناس كما قال بولس «وَبِٱلإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي ٱلرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي ٱلْعَالَمِ، رُفِعَ فِي ٱلْمَجْدِ» (١ تي ٣: ١٦).
في كتاب ظهر سنة ١٩٦٦ تهجم أحدهم على عقيدة التجسد فقال: «لو كان المسيح إلهاً حقاً لكان ظهور الله في تلك الصورة البشرية داعية إلى التشويش على التفكير الإنساني في سبيل التعرف على الله إذ أن الله بظهوره في تلك الصورة المجسدة قد أعلن ذاته، وكشف للناس عن وجهه، وصار قريباً مدانياً لهم، بعد أن ظل دهوراً طويلة، محجباً عنهم، في بهائه وجلاله، لا تناله الأبصار ولا تحتويه العقول!
فهذا الإعلان - في الواقع - فوق أنه داعية لشرود العقل، وتشتت الفكر في ذات الله - هو إعلان يقلل من شأن الله، وينقص قدره ويذهب بالكثير من جلاله وعظمته، وما تتلقى النفوس من مشاعر الولاء والخضوع لله الكبير المتعال. حين تنظر إليه من وراء حجاب!
فالنفس البشرية طلعة، تتوقد اشواقها إلى المجهول، وتتحرك نزعاتها إلى عالم الغيب، فإذا انكشف لها المجهول، أو ظهر لها الغيب سكنت نزعاتها، وبردت أشواقها نحو هذا الشيء، الذي كانت تسعى إليه وتجد في البحث عنه!
«ولو ظهر الله للناس عياناً - على يقين استحالته - لسقطت هيبته من النفوس بعد حين، ولجاء اليوم الذي يصبح «الله» وهو يغدو ويروح بين الناس، كواحد من الناس!» ا.ه
وكلمات من هذا الطراز تصدق على البشر لكنها لا تصدق على الله، لان البشر تزداد هيبتهم حين يختفون وراء حجاب، وتسقط هيبتهم حين يندمجون بين الناس فتظهر عيوبهم وخطاياهم، أما الله جل وعلا فإن هيبته تزداد في أي صورة يظهر بها للناس ولذا فعندما جاء يهوذا التلميذ الخائن، والجند، والخدام من عند رؤساء الكهنة والفريسين بمشاعل ومصابيح وسلاح للقبض على المسيح نقرأ حينئذ الكلمات «فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ» رَجَعُوا إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى ٱلأَرْضِ» (يو ١٨: ٤ - ٦).
فهل رأيت متهماً يذهب الجنود للقبض عليه، فيتراجعون أمام بهاء مجده، ويسقطون أمام جلاله على الأرض؟
لقد حدثنا التاريخ عن القبض على نابليون، وعن موت الدكتاتور الإيطالي «موسوليني» الذي داسه شعبه بالأقدام... فلم نر جنوداً في مركز القوة يسقطون أمام واحد منهما على الأرض... لكن المسيح له المجد، أسقط ببهائه ومجد لاهوته الجنود الذين جاؤوا للقبض عليه، لكي يعلن لنا أنه سلم ذاته للموت ليس عجزاً منه بل طوعاً واختياراً لفدائنا.
وحجة القائل أن تجسد الله يسقط هيبته، حجة باطلة، فالناس سوف يقضون أبديتهم مع الله وفي رحابه، يرونه ويتحدثون إليه ويزدادون خشوعاً قدامه وإجلالاً لشخصه تبارك اسمه.
إن الطبيعة تعلمنا أنه من الممكن للأعلى أن ينزل إلى الأدنى، بينما يستحيل على الأدنى أن يرتقي من ذاته إلى الأعلى. يقول «م. ه. فنلي» في كتابه «منطق الإيمان» : «إننا نقسم العالم حولنا إلى ممالك ثلاث: المملكة المعدنية، والمملكة النباتية، والمملكة الحيوانية، والمعدني لن يرتقي ليدخل الممكلة النباتية، لكن النباتي ينحدر إلى المعدني ليستمد منه غذاءه كنبات.. والنباتي بدوره أيضاً لن يتعدى حدود مملكته إلى المملكة الحيوانية، ولكن الحيواني يتنازل فيجعل مما دونه طعاماً له فيصبح النباتي عندئذ جزءاً من نظام أعلى منه، هكذا الإنسان يقف متحيراً عاجزاً عن اكتشاف أسرار عالم الروح، إلا إذا نزل «الروحاني فأظهر نفسه للإنسان» وهذا تماماً ما فعله الله حينما تنازل وأظهر نفسه في شخص يسوع المسيح» .
وهذا هو ما قاله الكتاب المقدس عن حقيقة تجسد الله في شخص المسيح الكريم.
ففي إنجيل يوحنا نقرأ: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ... وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً... اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يو ١: ١ و١٤ و١٨).
وفي ذات الإنجيل يقول فيلبس للمسيح: «يا سيد أرنا الآب وكفانا» فيرد عليه قائلاً: «يَا سَيِّدُ، أَرِنَا ٱلآبَ وَكَفَانَا». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هٰذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا ٱلآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي ٱلآبِ وَٱلآبَ فِيَّ» (يو ١٤: ٨ - ١٠).
ويكتب بولس الرسول إلى القديسين في كورنثوس قائلاً: «فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبّاً، وَلٰكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيداً لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ. لأَنَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ ٱلَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ ٱللّٰهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ » (٢ كو ٤: ٥ و٦).
ومرة ثانية يكتب لهم: «ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (٢ كو ٥: ١٩).
إننا لا نستطيع أن نرى الله في وجه الملاك ميخائيل أو الملاك جبرائيل، ولا نستطيع أن نرى الله في وجه موسى أو إشعياء.
لكننا نستطيع أن نرى الله في «وجه يسوع المسيح» كما قال بفمه المبارك «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يو ١٤: ٩).
منذ القديم سأل البشر: من هو الله؟
سألوا: هو هو إله قدوس؟
وجاء المسيح إلى أرضنا فرأينا في شخصه القدوس أن الله «قدوس» كما قال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ ٱنْفَصَلَ عَنِ ٱلْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ» (عب ٧: ٢٦).
سألوا: هل الله قادر على كل شيء؟ هل يمكنه أن ينتصر على الطبيعة؟ والمرض؟ وأن يهزم الموت؟ وأن يحطم قوات الظلام؟
ورأينا المسيح يسكت البحر، ويشفي الأبرص، ويقيم لعازر من القبر، ويحرر الناس من سلطان الشيطان.
سألوا: هل يحب الله بني الإنسان؟
وجاء المسيح ليعلن لنا حب الله لبني الإنسان قائلاً: «لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يو ٣: ١٧ و١٨).
وهكذا رأينا الله في كل صفاته وسجاياه معلناً ذاته في شخص ابنه يسوع المسيح كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: «اَللّٰهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ ٱلآبَاءَ بِٱلأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ» (عب ١: ١).
وهنا لا بد أن نقول أن هناك فرقاً كبيراً بين الإيمان بأن المسيح هو «الله» والإيمان بأن المسيح «شخص إلهي»، فالفرق بين «لاهوت المسيح Deity» وبين «إلهية المسيح Divinity» فرق كبير، فقد يكون المرء إلهياً دون أن يكون إلهاً. وسنوضح هذا حين نشرح الآيات الخاصة بلاهوت المسيح، لكننا هنا نكتفي بضرورة العناية باختيار ألفاظنا في الحديث عن المسيح في عالم امتلأ بالأفكار العصرية عن شخصه الكريم فالعصريون يؤمنون «بإلهية المسيح» بمعنى أنه «شخص إلهي» ولكنهم لا يؤمنون بلاهوت المسيح بمعنى أنه «الابن» الذي ظهر في الجسد.
لقد سمى المسيح باسم «الكلمة Logos» والحديث عن هذا الاسم يحتاج إلى مجلدات لكننا نكتفي هنا بالقول بأن هذا الاسم «الكلمة» يعني:
(١) القوة الخالقة «بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ صُنِعَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ» (مز ٣٣: ٦) «وَقَالَ ٱللّٰهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ» فَكَانَ نُورٌ» (تك ١: ٣) ويعني (٢) «الفكر أو العقل الإلهي» ويعني (٣) القوة الحافظة والحاملة لهذا الوجود (عب ١: ٣) ويعني (٤) التعبير المفهوم عن الله لذهن الإنسان.
سأل شاب مستر جرينفيلد هذا السؤال: هل تقدر أن تفسر لي: لماذا سمي يسوع المسيح «الكلمة»؟
أجاب مستر جرينفيلد: «أعتقد أن الكلام واسطة التفاهم بين البشر، والمسيح هو «الكلمة» لأنه واسطة التفاهم بين الله والناس» (١ تي ٢: ٥).
هنا قد يعترض أحدهم بالقول: كيف تتصور أن يرضى الله بأن يتجسد في صورة الإنسان، وأن يسمح للناس أن يلطموه على وجهه، ويبصقوا عليه، ويجلدوه، ويصلبوه على صليب؟
وأقول: إن الله قد سمح للناس أن يفعلوا به كل هذا، ليظهر لهم مدى عمق الشر في قلوبهم.. هل يمكنك أن تتصور إنساناً يجول محسناً على الفقراء، شافياً المرضى، ماسحاً للدموع من عيون الحزانى، فاعلاً كل ما هو جليل وجميل. ثم يجتمع عليه الناس فيضربوه ويقتلونه.. بأي حكم تحكم على هؤلاء الناس، وأي تصور تراه للشر الأسود الجاثم في قلوبهم؟!!
هكذا جاء المسيح يطعم الجياع، ويشفي المرضى، ويقيم الموتى، فاختار الناس الحرية والحياة للص اسمه «باراباس» وقادوا المسيح إلى الموت على الصليب، وهكذا أظهر الله مدى ما فعلته الخطية بالناس إذ عضوا اليد التي أطعمتهم، وضربوا الفم الذي حدثهم بالخير والحق والجمال، وقتلوا ذاك الذي وهبهم الصحة والبركة والحياة.
لكن أحدهم قد يصيح قائلاً: كلا ما قتلوه! لقد قتلوا شخصاً شبيهاً به..: قتلوا يهوذا تلميذه الخائن الذي ألقى عليه الله شبه المسيح أما المسيح فقد نجا من موت الصليب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:44 pm

ونرد على هذا الادعاء مستعينين بأفكار «م.ه. فنلي» مع ما كتبناه في مجلة الأخبار السارة سنة ١٩٥٩ في هذا الموضوع فنقول:
(١) إنه من التجديف الصريح على الله أن نظن بأنه وهو الأمين المنزه عن الكذب قد خدع الناس، فغير شكل «يهوذا» إلى شكل المسيح، وبذلك غرر بملايين البشر على مدى القرون، الأمر الذي يقود الناس إلى الاعتقاد أن الله لن يعاقب الناس أيضاً على ما اقترفوه من خداع فقد سبقهم - حاشا جل شأنه - في عمل أكبر خدعة في التاريخ هي خدعة تغيير شكل يهوذا إلى شكل المسيح.
(٢) لا يستسيغ العقل أن يقبل بأن أتباع المسيح وحوارييه قد رضوا بالموت في سبيله من أجل خدعة لا أصل لها في حقيقة الإيمان المسيحي، إذ أنهم كانون يموتون بالملايين ورجاءهم الوحيد هو إعلانهم الجهري بأن المسيح مات لأجلهم على الصليب.
(٣) من المستحيل أن يكون الشخص الذي صُلب على الصليب شخصاً غير المسيح، فالأقوال السبعة التي نطق بها المصلوب تؤكد حقيقة شخصيته، ولا يعقل أن ينادي يهوذا الخائن الأثيم الله القدوس العظيم قائلا: «يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لو ٢٣: ٣٤) فالتاريخ يسجل عن الذين ماتوا موت الصليب أنهم سمموا الهواء النقي بشتائمهم القذرة، وتجديفهم الشنيع، أما ذاك المصلوب فقد رددت الأرجاء صدى انتصاره الساحق في معركة الصليب حين قال: «قَدْ أُكْمِلَ» (يو ١٩: ٣٠)
وفي اللغة اليونانية الأصلية تتألف هذه العبارة من كلمة واحدة هي «تتلستي» وكانت كلمة شائعة الاستعمال في الحياة التجارية فعند تسديد «كمبيالة» لاستحقاق دفعها كان المستفيد يكتب على وجهها كلمة «تتلستي» التي تعني «سددت، انتهت، كملت، ألغيت» إذن فلم تكن صرخة المسيح وهو يصارع الموت اشتغاثة يائس تثير الشجن. استسلم بعدها إلى «إغماء» طويل كما يدعي العصريون بل بالحري كانت هتاف منتصر سدد مطاليب عدل الله ومحى صك الخطايا عن كل من يقبلوه، وإذن فلم يكن المصلوب يهوذا بل كان المسيح الفادي الكريم.
(٤) إن العهد القديم سبق فأنبأ عن تسليم يهوذا للمسيح وعن مصيره الأبدي فقال: «فَأَقِمْ أَنْتَ عَلَيْهِ شِرِّيراً، وَلْيَقِفْ شَيْطَانٌ عَنْ يَمِينِهِ... َوَظِيفَتُهُ لِيَأْخُذْهَا آخَرُ... أَحَبَّ ٱللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ، وَلَمْ يُسَرَّ بِٱلْبَرَكَةِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ» (مز ١٠٩: ٦ - ٢٠ اقرأ أعمال ١: ١٦ - ٢٠). وقال في موضع آخر، أيضاً: «رَجُلُ سَلاَمَتِي، ٱلَّذِي وَثَقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ» (مز ٤١: ٩) وقد تحدث المسيح عن يهوذا قبل أن يسلمه بقليل فقال: «إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ» (مت ٢٦: ٢٤).
(٥) حضرت «مريم أم يسوع» ساعة الصلب وجاز في نفسها سيف الألم كما أنبأها «سمعان الشيخ» (لو ٢: ٢٥) فلو كان «يهوذا» هو الذي صُلب وشبه لليهود أنه المسيح إذن لأحس «قلب الأم» بهذه الحقيقة ولذهبت لتوها تخبر التلاميذ أن الذي على الصليب ليس هو ابنها يسوع المسيح.
(٦) كان صلب المسيح موضوع النبوات، وقد تمت النبوات فيه فمن المستحيل أن يكون الذي صُلب هو يهوذا، فيهوذا لم يمت مصلوباً لكننا نقرأ عنه الكلمات: «حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا ٱلَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ ٱلثَّلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخِ... ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ» (مت ٢٧: ٣ و٥) فكيف يكون يهوذا قد مات مصلوباً، ومات مخنوقاً في ذات الوقت!؟
(٧) تؤكد الظواهر التي حدثت في الطبيعة وقت صلب المسيح، بأن المصلوب لا يمكن أن يكون يهوذا، بل لم يكن مجرد إنسان لأنها ظواهر خارقة لم تحدث قط عند صلب إنسان، وقد سجلها متى بالكلمات: «وَمِنَ ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ إِلَى ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ. وَنَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: إِيلِي إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي (أَيْ: إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) فَقَوْمٌ مِنَ ٱلْوَاقِفِينَ هُنَاكَ لَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: إِنَّهُ يُنَادِي إِيلِيَّا. وَلِلْوَقْتِ رَكَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَخَذَ إِسْفِنْجَةً وَمَلأَهَا خَلاًّ وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ. وَأَمَّا ٱلْبَاقُونَ فَقَالُوا: ٱتْرُكْ. لِنَرَى هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا يُخَلِّصُهُ. فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ. وَإِذَا حِجَابُ ٱلْهَيْكَلِ قَدِ ٱنْشَقَّ إِلَى ٱثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. وَٱلأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَٱلصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، وَٱلْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلرَّاقِدِينَ وَخَرَجُوا مِنَ ٱلْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ. وَأَمَّا قَائِدُ ٱلْمِئَةِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ يَحْرُسُونَ يَسُوعَ فَلَمَّا رَأَوُا ٱلّزَلْزَلَةَ وَمَا كَانَ، خَافُوا جِدّاً وَقَالُوا: حَقّاً كَانَ هٰذَا ٱبْنَ ٱللّٰهِ» (مت ٢٧: ٤٥ - ٥٤).
فهذه الظواهر الخارقة.. زلزلة الأرض.. تشقق الصخور.. شق حجاب الهيكل. لا يمكن أن تكون قد حدثت مصادفة، ولا يمكن أن تحدث عند موت إنسان مجرم أثيم كيهوذا.. وعلى هذا نؤكد بيقين بأن المصلوب كان المسيح «ابن الله».
(٨) تؤكد ظهورات المسيح بعد القيامة أنه هو الذي صلب، إذ عندما شك توما في قيامته وقال للتلاميذ رفقائه: «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ» (يو ٢٠: ٢٥)
جاء يسوع: «ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً. أَجَابَ تُومَا: رَبِّي وَإِلٰهِي. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا» (يو ٢٠: ٢٧ - ٢٩).
ومع ظهور المسيح لتوما ولآخرين، ظهر كذلك «لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ» (١ كو ١٥: ٦) مما يؤكد بما لا يعطي مجالاً للشك قيامته المجيدة.
هكذا يظهر لنا بيقين أن الذي صلب على الصليب لم يكن يهوذا الاسخريوطي التلميذ الخائن، الذي خنق نفسه على غصن شجرة فثقل جسمه عليه وسقط فانسكبت أحشاؤه كلها (أعمال ١: ١٨). ولم يكن أي شخص آخر ألقى الله عليه شبه المسيح بل أن الذي صلب حقاً ويقيناً كان هو المسيح، «ابن الله» الإعلان الكامل الذي أعلن فيه ذاته وحبه وقدرته للإنسان. وهكذا يتحتم علينا الإيمان بأن المسيح هو الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:45 pm

الفصل الثاني: أسس الإيمان بأنّ المسيح هو الله

نرى لزاماً علينا بعد أن تحدثنا عن «حتمية الإيمان بأن المسيح هو الله» أن نفرد هذا الفصل للحديث عن الأسس التي بنينا عليها هذا الإيمان، والتي تضيف إلى ما تقدم أدلة جديدة لا يأتيها الشك من بين يديها ولا من خلفها.
فنحن لا نؤمن بأن المسيح هو الله على أسس وراثية تناقلها الأبناء عن الآباء، لكننا نؤمن قلبياً بهذا الحق على أسس قوية مبنية أصلاً على إعلانات كلمة الله.
فإذا سألني واحد: لماذا نؤمن بأن المسيح هو الله؟ فإنني أجيبه على أسس من الحق الواضح المعلن في الكتاب المقدس.. وإليك هذه الأسس في وضوح صريح.
(١) إنني أومن بأن المسيح هو الله على أساس ميلاده المعجزي من عذراء: لقد خلق الله آدم خلقاً مباشراً من تراب ونفخ فيه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية، تم أخذ ضلعاً من أضلاعه وبناها إمرأة وأحضرها إلى آدم، وكان السبب وراء خلقه المرأة من الرجل هو تأكيد «وحدة الجنس البشري» فالرجل والمرأة كلاهما من تراب لا فضل لأحدهما على الآخر من حيث المادة التي خلقها منها الله، فلم يكن خلق المرأة من الرجل لمجرد إثبات قدرة الله «فقد ثبتت هذه القدرة بخلق آدم من العدم والتراب» بل كان هذا الخلق لإثبات وحدة الإنسانية جمعاء.
أما ولادة «يسوع المسيح» من عذراء لم يمسسها بشر، فكانت معجزة فريدة قصد الله في حكمته أن تتم، لكي يولد المسيح إنساناً دون أن يرث خطية الإنسان.
وواضح أن كل البشر قد ورثوا الخطية لأنهم توارثوا دم آدم الذي أفسدته الخطية كما نقرأ في الكلمات «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ» (رو ٥: ١٢). فالبشر جميعاً يحملون في عروقهم دم آدم الأثيم كما يقرر بولس الرسول في كلماته «وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ ٱلنَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ ٱلأَرْضِ» (أع ١٧: ٢٦)، لقد كان آدم هو «نبع» النهر الذي جاء منه البشر. وما دام النبع قد تلوث بالخطية، فكل قطرة ماء تجري في النهر حملت جراثيم الخطية.
يقول «الدكتور M.R. Dehaan»: إن من الحقائق العلمية الثابتة أن الدم الذي ينتج في جسد الجنين ينتج عن طريق الأب، فالبويضة غير المخصبة لا يمكن أن تكون دماً لأن البويضة نفسها ليس بها من العناصر الضرورية ما يعدها لإنتاج الدم، بدليل أن بيضة الدجاجة غير المخصبة لا تخرج كتكوتاً. فالجنين لا يأخذ نقطة واحدة من دم الأم، فالأم تمد الجنين بالعناصر المغذية لبناء الجسم الصغير الذي تضمه أحشاؤها ولكن كل الدم الذي فيه قد نتج عن طريق الأب، فمنذ لحظة الحمل إلى لحظة الولادة لا تمر نقطة دم واحدة من الأم إلى الجنين، إذ أن كل عمل الأم هو إمداد الجنين بالمواد اللازمة لبناء جسمه مثل البروتينات، والكربوهيدرات، والأملاح، والمعادن، وهذه تمر بسهولة من الأم إلى الجنين، دون أن تعطي الأم للجنين نقطة دم واحدة. والدم موجود في الجنين ينتج داخله أصلاً من الأب كبذرة حياة، وكلما نما جسمه عن طريق الغذاء الذي تقدمه الأم ازداد الدم اللازم لذلك الجسم.
ولما كان المسيح له المجد قد تجسد في أحشاء عذراء لم تعرف رجلاً، فجسده البشري لم تجر في عروقه نقطة دم ملوثة بالاثم، لأنه لم يرث خطية آدم الساقط كما قرر يوحنا الرسول في الكلمات: «وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ» (١ يو ٣: ٥) وكما قال بطرس الرسول وهو يؤكد نقاوة وطهارة دم المسيح في كلماته: «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (١ بط ١: ١٨ - ٢٠). ولهذا فإن دم المسيح الزكي الكريم يطهر الذين يؤمنون به من كل خطية. إن ولادة المسيح من عذراء كان غرضها الأساسي فداء الإنسان، ولأن الفداء لا يمكن أن يتممه سوى الله، فالمسيح إذاً هو «الله الابن» الذي أخذ صورة إنسان.
ولو كان المسيح مجرد إنسان فلماذا لم يولد كما يولد سائر البشر؟ لماذا لم يولد بالتناسل الطبيعي كما ولد إبراهيم وموسى وإيليا وإشعياء وسائر الرسل والأنبياء؟
لقد رنت أجراس النبوة منذ لحظة سقوط الإنسان مؤكدة ميلاد المسيح من عذراء، ففي سفر التكوين تحدث الله إلى الحية قائلاً: «وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ ٱلْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ» (تك ٣: ١٥) وفي سفر إشعياء أوضحت النبوة بما لا يعطي مجالاً للشك بأن المسيح سيولد من عذراء بالكلمات: «وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» (إش ٧: ١٤).
والآن تعال معي لنقلب صفحات العهد الجديد ونقرأ القصة البسيطة الرائعة التي تحدثنا عن كيف تجسد «ابن الله» من فتاة عذراء. إن القصة مذكورة في إنجيل متى في هذه العبارات: «أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فَكَانَتْ هٰكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلٰكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ٱبْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتَكَ، لأَنَّ ٱلَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». وَهٰذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ ٱلرَّبِّ بِٱلنَّبِيِّ: «هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّٰهُ مَعَنَا)» (مت ١: ١٨ - ٢٣).
والقصة تحمل لنا أجمل الحقائق وأسماها، فملاك الرب قد أخبر يوسف أن الذي حُبل به في مريم العذارء هو من الروح القدس، فلم يمسسها بشر ولم تك بغياً، ويخبره بأن هذا الوليد سيدعى «يسوع» «لأنه يخلص شعبه من خطاياهم»، ويسجل متى فكر الروح القدس عن ولادة المسيح المعجزية من مريم العذراء إنها إتماماً لنبوة سابقة هي نبوة إشعياء التي ذكرناها في بداية حديثنا، والتي سجلها إشعياء قبل ميلاد المسيح بحوالي سبعمئة سنة.. فالمسيح له المجد هو «عمانوئيل» الذي تفسيره «الله معنا» ولذا قال عنه بولس الرسول: «وَبِٱلإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (١ تي ٣: ١٦). وقال مشيراً إلى عمله الفدائي وهو يخاطب قسوس كنيسة أفسس «احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أع ٢٠: ٢٨).
ويكشف «لوقا» النقاب عن بشارة جبرائيل الملاك لمريم العذارء بالكلمات: «وفي الشهر السادس (أي الشهر السادس لحمل أليصابات زوجة زكريا الكاهن بيوحنا المعمدان) «أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ ٱلْمَلاَكُ مِنَ ٱللّٰهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ ٱلْجَلِيلِ ٱسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ ٱسْمُهُ يُوسُفُ. وَٱسْمُ ٱلْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا ٱلْمَلاَكُ وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا ٱلْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ. فَلَمَّا رَأَتْهُ ٱضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ ٱلتَّحِيَّةُ! فَقَالَ لَهَا ٱلْمَلاَكُ: لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللّٰهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟ فَأَجَابَ ٱلْمَلاَكُ: اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُّوَةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذٰلِكَ أَيْضاً ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللّٰهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِٱبْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهٰذَا هُوَ ٱلشَّهْرُ ٱلسَّادِسُ لِتِلْكَ ٱلْمَدْعُّوَةِ عَاقِراً، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى ٱللّٰهِ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ: هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ. فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا ٱلْمَلاَكُ» (لوقا ١: ٢٦ - ٣٨).
هذه القصة الكاملة لولادة المسيح المعجزية، فلكي يحمي الله مريم العذراء من الموت رجماً كزانية حملت سفاحاً كما أمر الرب موسى بالكلمات: «إِذَا كَانَتْ فَتَاةٌ عَذْرَاءُ مَخْطُوبَةً لِرَجُلٍ، فَوَجَدَهَا رَجُلٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَٱضْطَجَعَ مَعَهَا، فَأَخْرِجُوهُمَا كِلَيْهِمَا إِلَى بَابِ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ وَٱرْجُمُوهُمَا بِٱلْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَا» (تث ٢٢: ٢٣ و٢٤). أعطى إعلاناً خاصاً في حلم لخطيبها يوسف ليأخذها زوجة، فتلد هذا الوليد العجيب في كنفه، وتحت اسمه، ولكنه من الجهة الأخرى أكد أن هذا الوليد ليس كسائر البشر، فهو «يسوع المخلص» وهو في ذات الوقت «ابن الله» وأكد الكتاب في كلمات صريحة بأن يوسف لم يمس مريم قبل أن تلد المسيح بالكلمات «فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امرأته. ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع».
فأنا أومن بأن المسيح هو الله، على أساس ولادته المعجزية من عذراء، فهو لم يولد كما يولد سائر البشر بل هيأ الله له جسداً خاصاً كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين «لِذٰلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى ٱلْعَالَمِ يَقُولُ: ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ، وَلٰكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً» (عب ١٠: ٥). ولم تكن ولادته بالجسد هي بداية حياته، فقد كان موجوداً منذ الأزل كما قال بفخه المبارك «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يو ٨: ٥٨) وكما تحدث عنه أجور ابن متقية في سفر أمثال قائلاً: «مَن صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ؟ مَن جَمَعَ ٱلرِّيحَ في حُفْنَتَيْهِ؟ مَن صَرَّ ٱلْمِيَاهَ في ثَوْبٍ؟ مَن ثَبَّتَ جَمِيعَ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ؟ مَا ٱسْمُهُ وَمَا ٱسْمُ ٱبْنِهِ إِنْ عَرَفْتَ؟» (أم ٣٠: ٤) فهو «الله الابن» الأزلي الأبدي، الأول والآخر، البداية والنهاية.
(٢) إنني أومن بأن المسيح هو الله على أساس إعلانات الفلك والنجوم عن مجيئه: نقرأ في سفر التكوين الكلمات: «وَقَالَ ٱللّٰهُ: لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَاراً فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى ٱلأَرْضِ. وَكَانَ كَذٰلِكَ.فَعَمِلَ ٱللّٰهُ ٱلنُّورَيْنِ ٱلْعَظِيمَيْنِ: ٱلنُّورَ ٱلأَكْبَرَ لِحُكْمِ ٱلنَّهَارِ، وَٱلنُّورَ ٱلأَصْغَرَ لِحُكْمِ ٱللَّيْلِ، وَٱلنُّجُومَ. وَجَعَلَهَا ٱللّٰهُ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَلِتَحْكُمَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، وَلِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَٱلظُّلْمَةِ» (تك ١: ١٤ - ١٨).
ويقول دكتور «Charles S. Bauer» إن الكلمة «آيات» المذكورة في النص جاءت في العبرية «othoth» التي معناها «الآتي» ولو أنك درست الأصل العبري للكلمة لرأيت أنها ترينا أن نجوم السماء عملت لكي تتحدث عن شخص آت. والكلمة «أوقات» تعني في العبرية «أوقات معينة» فهي تتحدث عن شخص سيأتي في وقت معين كما قال بولس الرسول «وَلٰكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلّزَمَانِ، أَرْسَلَ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ ٱمْرَأَةٍ» (غلا ٤: ٤) «لأَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ فِي ٱلْوَقْتِ ٱلْمُعَيَّنِ لأَجْلِ ٱلْفُجَّارِ» (رو ٥: ٦).
ولذا فليس بعجيب أن نقرأ عن مجيء المجوس من المشرق للسجود للمسيح الوليد كما سجل متى في إنجيله بالكلمات: «وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ ٱلْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ ٱلْمَوْلُودُ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي ٱلْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ» (مت ٢: ١و٢).
لقد رنم داود قديماً في مزموره قائلاً: «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللّٰهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلاَماً، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً» (مز ١٩: ١ و٢) ومجد الله الذي تتحدث به السموات والفلك، ليس هو مجده في الخليقة فقط، بل مجده في الفداء أيضاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:47 pm

هناك اثنتي عشرة مجموعة من النجوم الثابتة في السماء تدور في منطقة البروج سأوردها بحسب ترتيبها الزمني:
[list=orderedlist]
[*]برج العذراء
[*]برج الميزان
[*]برج العقرب
[*]برج القوس
[*]برج الجدي
[*]برج الدلو
[*]برج الحوت
[*]برج الحمل
[*]برج الثور
[*]برج الجوزاء
[*]برج السرطان
[*]برج الأسد
[/list]

فماذا تقول هذه البروج؟

إن هذه البروج تتحدث عن «قصة الفداء» فبرج العذراء يتحدث عن ميلاد المسيح من عذراء، وبرج الميزان يرينا أن البشر قد وزنوا بالموازين فوجدوا ناقصين، وبرج العقرب وقد ترجم في الإنجليزية Serpant أي الحية، يرينا الحية القديمة التي سممت حياة الإنسان بالخطية، وبرج القوس يرينا المسيح الظافر المنتصر الذي سحق رأس الحية بموته على الصليب، وبرج الجدي يتحدث عن ناحية من نواحي عمل المسيح على الصليب كما نقرأ في لاويين ٩: ٣، وبرج الدلو يتحدث عن المسيح ينبوع الماء الحي كما نقرأ في يوحنا ٤: ١٤ و٧: ٣٧ - ٣٩ ورؤ ٢٢: ١٧، وبرج الحوت يرينا المسيح المدفون المقام من الأموات «لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هٰكَذَا يَكُونُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي قَلْبِ ٱلأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» (متى ١٢: ٤٠) وبرج الحمل يرينا المسيح حمل الله الذي يرفع خطية العالم يو ١: ٢٩، وبرج الثور يرينا المسيح ذبيحة الخطية كما نقرأ في لاويين ٤: ١٣ - ١٥، وبرج الجوزاء أو التوأمان يرينا المسيح في يوم عرسه (رؤ ١٩: ٧ - ٩) كما يرينا إياه وقد صالح العبرانيين والأمم مع الله بالصليب (أفسس ٢: ١٦)، وبرج السرطان يرينا الإنسان العتيق سرطان الجنس البشري الذي سيمحو الله ذكره من تحت السماء، وأخيراً برج الأسد الذي يرينا النصرة النهائية للمسيح كما نقرأ في الكلمات: «هُوَذَا قَدْ غَلَبَ ٱلأَسَدُ ٱلَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ ٱلسِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ ٱلسَّبْعَةَ» (رؤ ٥: ٥) وسيأتي اليوم القريب الذي نسمع فيه الهتاف الجميل «قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ ٱلْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤ ١١: ١٥).
فإذا كانت النجوم في بروجها تتحدث عن المسيح، وداود يقول في المزمور: «السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه» فالمسيح إذاً ليس مجرد إنسان، إنه الله الابن المسيطر على الكون «حَامِلٌ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عب ١: ٣) وعلى أساس إعلانات الفلك والنجوم عن المسيح فأنا أومن بأنه الله، فالفلك لم يتحدث قط بهذه الصورة الرائعة عن كائن من بني الإنسان.
(٣) إنني أومن بأن المسيح هو الله على أساس حياته المنزهة عن الخطأ والمعصومة عن الزلل: يصف يوحنا الرسول المسيح بالكلمات: «وَتَعْلَمُونَ أَنَّ ذَاكَ أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ» (١ يو ٣: ٥) ويصفه بطرس الرسول بالكلمات: «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكاً لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُواتِهِ. ٱلَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ» (١ بط ٢: ٢١ و٢٢) ويصفه بولس الرسول بالكلمات: «ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً» (٢ كو ٥: ٢١).
فالمسيح ليس فيه خطية، ولم يفعل خطية. ولم يعرف خطية، لقد تسامى فوق البشر بخلو حياته من الخطأ - أي خطأ - واتصف بالصلاح المطلق، وليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله.
ذات يوم جاء شاب غني إليه وقال له: «أَيُّهَا ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ؟» فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ ٱللّٰهُ» (مت ١٩: ١٦ و١٧).
وكأن المسيح له المجد يقول لذلك الشاب: أتدعوني صالحاً بمقياس الصلاح البشري؟ أم تدعوني صالحاً بمقياس الصلاح الإلهي؟ وإذا كنت تقصد إنني صالح بمقياس الصلاح الإلهي فهذا يعني إنني الله، لأنه ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله، فإذا اعترفت بحق بصلاحي بالمقياس الإلهي وجب عليك أن تعترف بأنني الله.
أجل، كان المسيح صالحاً، منزهاً عن الخطأ، لأنه كان الله الابن المتجسد في صورة إنسان.
يقال إن الفضل ما شهدت به الأعداء، ولقد تحدى المسيح أعداءه علانية قائلاً: «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟» (يو ٨: ٤٦) ولم يستطع أعداؤه أن يمسكوا عليه زلة، أو يجدوا في حياته شبه خطأ أو شر.
ودراسة دقيقة للأصحاح الثامن من إنجيل يوحنا ترينا القيمة العظمى لهذا التحدي من جانب المسيح، ففي بداية الأصحاح نقرأ: «ثُمَّ حَضَرَ أَيْضاً إِلَى ٱلْهَيْكَلِ فِي ٱلصُّبْحِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. وَقَدَّمَ إِلَيْهِ ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱمْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِناً. وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي ٱلْوَسَطِ قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هٰذِهِ ٱلْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ ٱلْفِعْلِ، وَمُوسَى فِي ٱلنَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هٰذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟» قَالُوا هٰذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ» (يو ٨: ٢ - ٦).
كان المسيح مشغولاً بإشاعة النور، وكان الكتبة والفريسيون يقومون بتدبير المؤامرات في الظلام.
رجال دين.. ومتآمرون.. يا للتناقض.
أتوا إليه بامرأة أمسكوها وهي تزني في ذات الفعل، ومن عجب أنهم لم يحضروا شريكها في الجريمة مع أن الناموس يقول «إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعاً مَعَ ٱمْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْلٍ، يُقْتَلُ ٱلاثْنَانِ: ٱلرَّجُلُ ٱلْمُضْطَجِعُ مَعَ ٱلْمَرْأَةِ وَٱلْمَرْأَةُ» (تث ٢٢: ٢٢) ولكن هؤلاء الفريسيين لم يحضروا الرجل الشريك في الجريمة وهذا يؤكد أن قصدهم لم يكن الدفاع عن الناموس، بل الإيقاع بالمسيح «قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه» وكان الموقف دقيقاً فإذا قال المسيح ارجموها ظهر واضحاً أن لا فرق بينه وبين موسى... فبأي جديد أتى إليهم؟! وإذا قال لا ترجموها اتهموه بالحض على عصيان الناموس واشتكوا عليه... ولكن المسيح «ٱلْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْعِلْمِ» (كو ٢: ٣) «وَأَمَّا يَسُوعُ فَٱنْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى ٱلأَرْضِ. وَلَمَّا ٱسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، ٱنْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَّوَلاً بِحَجَرٍ!» ثُمَّ ٱنْحَنَى أَيْضاً إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى ٱلأَرْضِ» .
هل انحنى في ذلك الوقت ليكتب خطاياهم ويصفها أمام عيونهم؟
ربما.. ولكن الأمر المؤكد نقرأه في الكلمات: «وَأَمَّا هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا وَاحِداً فَوَاحِداً، مُبْتَدِئِينَ مِنَ ٱلشُّيُوخِ إِلَى ٱلآخِرِينَ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَٱلْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي ٱلْوَسَطِ» (يو ٨: ١ - ٩).
لقد انسحب الكتبة والفريسيون الذين أحضروا المرأة الزانية، انسحبوا بعد أن أيقظ المسيح ضمائرهم بكلماته، وأظهر لهم خباياهم وخطاياهم، فهرب الفريسيون أمام نور عينيه - كدت أقول - أمام نار عينيه لأنهم كلهم في الموازيين إلى فوق.. لكنهم خطاة وأثمة.
«وبقي يسوع وحده مع المرأة».
أجل بقي وحده لأنه القدوس المنزه عن الخطأ.
بقي وحده لأنه وحده له حق الدينونة والقضاء.
وغفر للمرأة الساقطة، واهباً إياها قوة لحياة الطهر والنقاء.
هذه هي بداية الأصحاح، ونرى هناك كيف أعلن المسيح للكتبة والفريسيين شر قلوبهم، وإذ نستمر إلى قلب الأصحاح نسمع كلمات المسيح لليهود «أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ ٱلْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ٱلْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِٱلْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو ٱلْكَذَّابِ. وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي أَقُولُ ٱلْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي. مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟» (يو ٨: ٤٤ - ٤٦). وكأن الروح القدس وهو يضع هذه الآية في هذا المكان أراد أن يقارن بين المخلوقات الساقطة والإله القدوس، بين الذين لوثتهم الخطية، وذاك الذي قال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين إنه «قُدُّوسٌ بِلاَ شَرٍّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ ٱنْفَصَلَ عَنِ ٱلْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ» (عب ٧: ٢٦) بين المسيح، وبين خلائقه.
وكأن المسيح يقول في هذه المقارنة: ها أنا قد كشفت لأفضل من فيكم من المتدينين، للكتبة والفريسين شر حياتهم فهربوا أمام نور عينيّ.. لكن «من منكم يبكتني على خطية؟».. من منكم يستطيع أن يذكر لي زلة؟ أو هفوة أو كلمة نابية؟ أو نظرة دنسة؟ أو موقفاً ضعيفاً؟ «من منكم يبكتني على خطية؟».
وأمام طهارة حياة المسيح جملتها وتفصيلها.. في ظاهرها وباطنها.. أمام عصمة المسيح عن الزلل.. أمام نقاوة المسيح في ذاته وتصرفاته، يرى أعظم الأنبياء والقديسين نفسه بأنه قزم أمام عملاق.. فليس بين الأنبياء من خلت حياته من الخطأ والزلل، وليس بين القديسين من لم تزل قدمه ذات يوم كما قرر إشعياء النبي بكلماته «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء ٥٣: ٦).
أما المسيح فهو يقف فريداً في نقاوة حياته ولذا فقد شهد عنه بيلاطس الوالي الروماني قائلاً: «لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً» (يو ١٨: ٣٨).
وقال عنه قائد المئة الذي أشرف على صلبه «بِٱلْحَقِيقَةِ كَانَ هٰذَا ٱلإِنْسَانُ بَارّاً!» (لو ٢٣: ٤٧).
وعلى أساس حياته الخالية من الخطأ والمعصومة من الزلل نقرر في يقين أنه «ابن الله» أنه «الله أُظهر في الجسد».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مريم بنت العدرا
نائبة المدير
نائبة المدير
مريم بنت العدرا


عدد المساهمات : 4605
نقاط : 11089
السٌّمعَة : 65
تاريخ التسجيل : 02/08/2012
العمر : 34
الدولة : مصر

هل المسيح هو الله - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هل المسيح هو الله   هل المسيح هو الله - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين نوفمبر 28, 2016 3:48 pm

(٤) إنني أومن بأن المسيح هو الله على أساس علمه بكل شيء: يتميز الله عن سائر مخلوقاته بثلاث صفات هي: «العلم بكل شيء»... «القدرة على كل شيء»... «الحضور في كل مكان».. ولذا فنحن نراه يتحدى الناس في سفر إشعياء بالكلمات: «مَا هِيَ ٱلأَوَّلِيَّاتُ؟ أَخْبِرُوا فَنَجْعَلَ عَلَيْهَا قُلُوبَنَا وَنَعْرِفَ آخِرَتَهَا، أَوْ أَعْلِمُونَا ٱلْمُسْتَقْبِلاَتِ. أَخْبِرُوا بِٱلآتِيَاتِ فِيمَا بَعْدُ فَنَعْرِفَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ» (إش ٤١: ٢٢ و٢٣).
وكأن الله جل شأنه يقول: إن دليل الألوهية هو العلم بكل شيء، بالأوليات والمستقبلات، والعهد الجديد يرينا أن المسيح له المجد عالم بكل شيء.
فقد علم كل شيء عن الإنسان: وهذا واضح في الكلمات: «وَلَمَّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ ٱلْفِصْحِ، آمَنَ كَثِيرُونَ بِٱسْمِهِ، إِذْ رَأَوُا ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي صَنَعَ. لٰكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعَ. وَلأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ ٱلإِنْسَانِ، لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي ٱلإِنْسَانِ» (يو ٢: ٢٣ - ٢٥).
وقد علم كل شيء عن نثنائيل: والقصة مذكورة في إنجيل يوحنا الأصحاح الأول بالكلمات: «فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: وَجَدْنَا ٱلَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي ٱلنَّامُوسِ وَٱلأَنْبِيَاءُ: يَسُوعَ ٱبْنَ يُوسُفَ ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّاصِرَةِ. فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: أَمِنَ ٱلنَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟ قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: تَعَالَ وَٱنْظُرْ. وَرَأَى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ عَنْهُ: هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لاَ غِشَّ فِيهِ. قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟ أَجَابَ يَسُوعُ: قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ ٱلتِّينَةِ، رَأَيْتُكَ. فَقَالَ نَثَنَائِيلُ: يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» (يو ١: ٤٥ - ٤٩).
هل كان نثنائيل تحت التينة يصلي بعيداً عن عيون الناس فأدهشه أن عرف المسيح سره؟ أو هل كانت هناك ذكريات خاصة بطفولة نثنائيل كان مكانها تحت التينة، فلما أعلن المسيح معرفته بها صاح نثنائيل «يا معلم أنت ابن الله. أنت ملك إسرائيل».
إن ما يهمنا هو أن المسيح قد رأى نثنائيل تحت التينة، وأن هذه المعرفة العجيبة دفعت نثنائيل للاعتراف بأن المسيح هو «ابن الله».
وقد علم كل شيء عن المرأة السامرية: قابل المسيح هذه المرأة عند بئر يعقوب وبدأ معها الحديث قائلاً: «أعطيني لأشرب» (يو ٤: ٧) فقالت له المرأة السامرية «كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية لان اليهود لا يعاملون السامريين».
وفجأة أصبح طالب الماء هو نفسه معطي الماء الحي إذ قال المسيح للمرأة: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ ٱللّٰهِ، وَمَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً. قَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ: يَا سَيِّدُ، لاَ دَلْوَ لَكَ وَٱلْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ ٱلْمَاءُ ٱلْحَيُّ؟ أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، ٱلَّذِي أَعْطَانَا ٱلْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟» (يو ٤: ١٠ - ١٢).
أجل إنّ يسوع أعظم من يعقوب.. لأن يعقوب أعطاهم بئر ماء عادي ككل الآبار، لكن يسوع له المجد يعطي من يأتي إليه ماء حياً لا يستطيع نبع أرضي أن يخرج مثله، ولذا فقد أجابها قائلاً: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هٰذَا ٱلْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً وَلٰكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى ٱلأَبَدِ، بَلِ ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (يو ٤: ١٣ و١٤).
ودفعت كلماته المرأة إلى طلب هذا الماء العجيب، ولكنها بعقلها المادي المغلف بضباب الجهل ظنت أنه مجرد نوع جديد من المياه فقالت: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هٰذَا ٱلْمَاءَ، لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ٱذْهَبِي وَٱدْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى هٰهُنَا» (يو ٤: ١٥ و١٦).
ورأت المرأة نفسها في موقف حرج، فهي امرأة ذات ماض، وهذا اليهودي الغريب الذي يتحدث إليها يقترب من كشف النقاب عن ماضيها الأسود الأثيم الأليم.. وأرادت أن تهرب من نظرات عينيه الفاحصتين، وأن تنهي حديثها معه فقالت له: «لَيْسَ لِي زَوْجٌ» (يو ٤: ١٧).
وعندئذ أعلن لها المسيح علمه بكل شيء، وفي أسلوب رقيق كشف لها عن ماضيها دون أن يجرحها فقال لها: «لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَٱلَّذِي لَكِ ٱلآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هٰذَا قُلْتِ بِٱلصِّدْقِ» (يو ٤: ١٨).
وأحنت المرأة رأسها فلا سبيل للإنكار أمام عيني فاحص القلوب والكلى، وأجدى من الإنكار الاعتراف الصادق في هذا المقام ولذا قالت المرأة «يا سيد أرى أنك نبي» وكأنها تقول له: «أنت تعلم كل شيء عني.. أنت تعرف آثامي وآلامي.. أنت نبي» لقد ظنت في جهلها أنه مجرد نبي، ولكن المسيح أعلن لها أنه «مسيا» وهو الاسم اليوناني للمسيح الذي ينتظره العبرانيون لأن «المسيح» هو الاسم العبراني «للمسيا» ولقد ذهبت المرأة بعد هذه المقابلة تنادي لأهل مدينتها: «هَلُمُّوا ٱنْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هٰذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ؟» (يو ٤: ٢٩). ولما أثارت فضولهم وأتوا إْيه واستمعوا إلى حديثه «فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ... وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هٰذَا هُوَ بِٱلْحَقِيقَةِ ٱلْمَسِيحُ مُخَلِّصُ ٱلْعَالَمِ» ( يو ٤: ٣٩ و٤٢).
وقد علم المسيح بموت لعازر وهو بعيد عنه: أرسلت الأختان مرثا ومريم رسالة عاجلة إلى المسيح قالتا فيها: «يَا سَيِّدُ، هُوَذَا ٱلَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ» (يو ١١: ٣). «فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: هٰذَا ٱلْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ، لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ بِهِ. وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ» (يو ١١: ٤ - ٦).
هل مررت في اختبار كهذا؟ هل وقعت في ضيقة أردت منها مخرجاً شريعاً فأرسلت إلى الرب صلاة تلغرافية تخبره فيها بمحنتك وحاجتك للمعونة، وإذ بالرب يتأنى عليك ويتأخر - في تقديرك - في المجيء لمعونتك؟ إن محنتك في هذه الحالة ليست الدمار إنها لمجد الله، ليتمجد ابن الله بها.. أجل فالمجد الذي يعود إلى الله يشاركه فيه ابنه الوحيد، فهو واحد مع الآب.
بعد ذلك قال المسيح لتلاميذه: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لٰكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ». فَقَالَ تَلاَمِيذُهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى». وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ ٱلنَّوْمِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ عَلاَنِيَةً: «لِعَازَرُ مَاتَ» (يو ١١: ١١ - ١٤).
مات.. وكيف عرفت يا سيد؟
وكأنني أسمع الرب يجيب تلاميذه بالكلمات: أنا موجود هناك، كما أنا موجود معكم، أنا مع الأختين الحزينتين الباكيتين كما أنا معكم يا تلاميذي.. «لِعَازَرُ مَاتَ. وَأَنَا أَفْرَحُ لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا» (يو ١١: ١٤ و١٥). قال هذا لانه علم مسبقاً أنه سيقيم لعازر من قبره. لقد عرف المسيح بموت لعازر دون أن يخبره أحد، لأنه الله الموجود في كل مكان، العالم بكل شيء.
وقد علم المسيح بكل ما سيحدث له من آلام وأعلن كذلك قيامته نقرأ في إنجيل يوحنا هذه الكلمات: «أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ ٱلْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ إِلَى ٱلآبِ» (يو ١٣: ١) ونقرأ أيضاً: «فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ» (يو ١٨: ٤).
لم يأخذه أحد على غرة.
- لقد عرف أن يهوذا التلميذ الخائن سيسلمه، لذلك قال لتلاميذه «أَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلٰكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذٰلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ» (يو ١٣: ١٠ و١١).
- وعرف أنه سيذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم، وقد جاء إعلانه عن علمه بما سيأتي عليه من آلام بعد أن اعترف بطرس بلاهوته بكلماته الصريحة «أنت هو المسيح ابن الله الحي» وهنا نقرأ الكلمات: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لٰكِنَّ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ... مِنْ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ (أي بعد أن أعلن الآب لاهوت ابنه لبطرس) ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومَ» (متى ١٦: ١٦ - ٢١). أجل علم المسيح بكل ما سيأتي عليه من آلام وأخبر تلاميذه بما سيحدث له قبل حدوثه، كما أعلن معرفته بقيامته.
وقد علم المسيح أن الحواري بطرس سينكره وهذا ما نقرأه في إنجيل متى بالكلمات «حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ ٱلرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ ٱلرَّعِيَّةِ. وَلٰكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. فَقَالَ بُطْرُسُ لَهُ: وَإِنْ شَكَّ فِيكَ ٱلْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَداً. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: وَلَوِ ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» (مت ٢٦: ٣١ - ٣٥).
وقد صدقت النبوءة وأنكر بطرس المسيح، وها نحن نقرأ عن إنكاره هذه الكلمات: «وَبَعْدَ قَلِيلٍ جَاءَ ٱلْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: حَقّاً أَنْتَ أَيْضاً مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ! فَٱبْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لاَ أَعْرِفُ ٱلرَّجُلَ! وَلِلْوَقْتِ صَاحَ ٱلدِّيكُ. فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ ٱلَّذِي قَالَ لَهُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرّاً» (مت ٢٦: ٧٣ - ٧٥).
وقد علم المسيح بكل حوادث الضيقة العظيمة التي تسبق مجيئه مع قديسيه إلى هذه الأرض: وقد شرحها في إنجيل متى الأصحاح الرابع والعشرين، كما تحدث عنها لعبده يوحنا في سفر الرؤيا بتفصيل يذهل العقل.
ويكفي هنا أن نذكر كلمات قليلة من حديثه تاركين لمن يريد التوسع العودة إلى الكتاب المقدس لدراسة هذه التفاصيل لنفسه فقد قال بفمه المبارك «وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ، وَٱلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَٱلنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، وَقُّوَاتُ ٱلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُّوَةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (مت ٢٤: ٢٩ و٣٠).
أجل إن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد لأنه عالم بكل شيء، وأمام علمه نقول مع داود: «عَجِيبَةٌ هٰذِهِ ٱلْمَعْرِفَةُ فَوْقِي. ٱرْتَفَعَتْ، لاَ أَسْتَطِيعُهَا» (مز ١٣٩: ٦). وقد اعترف بطرس بعلم المسيح بكل شيء في هذه الكلمات: «فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هٰؤُلاَءِ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ لَهُ: ٱرْعَ خِرَافِي. قَالَ لَهُ أَيْضاً ثَانِيَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ لَهُ: ٱرْعَ غَنَمِي. قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱرْعَ غَنَمِي» (يو ٢١: ١٥ - ١٧). وكأننا نسمع بطرس يقول بهذا الاعتراف الواضح: أيمكن أن تُخفى عليك عواطف قلبي؟ أنت تعلم كل شيء.. أنت تعرف كل شيء.. أنت «الله» فاحص القلوب والكلى.
وهذا ما نقرأه في سفر رؤيا يوحنا في الكلمات: «فَسَتَعْرِفُ جَمِيعُ ٱلْكَنَائِسِ أَنِّي أَنَا هُوَ ٱلْفَاحِصُ ٱلْكُلَى وَٱلْقُلُوبَ، وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ» (رؤيا ٢: ٢٣).
وأمام علم المسيح بكل شيء أومن بأن المسيح هو «الله».
(٥) إنني أومن بأن المسيح هو الله على أساس حضوره في كل مكان: يترنم داود لله في المزمور قائلاً: «أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ، وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ ٱلصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي ٱلْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضاً تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ» (مز ١٣٩: ٧ - ١٠).
فمن صفات الله: الوجود في كل مكان، والمسيح قد أعلن بكلمات صريحة عن وجوده في كل مكان ولذا فأنا أومن أنه الله.
بعد أن خاطب بولس قسوس كنيسة أفسس قائلاً: «ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ يَشْهَدُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ قَائِلاً: إِنَّ وُثُقاً وَشَدَائِدَ تَنْتَظِرُنِي. وَلٰكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ. وَٱلآنَ هَا أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ وَجْهِي أَيْضاً، أَنْتُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِينَ مَرَرْتُ بَيْنَكُمْ كَارِزاً بِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ... وَلَمَّا قَالَ هٰذَا جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ جَمِيعِهِمْ وَصَلَّى. وَكَانَ بُكَاءٌ عَظِيمٌ مِنَ ٱلْجَمِيعِ، وَوَقَعُوا عَلَى عُنُقِ بُولُسَ يُقَبِّلُونَهُ مُتَوَجِّعِينَ، وَلاَ سِيَّمَا مِنَ ٱلْكَلِمَةِ ٱلَّتِي قَالَهَا: إِنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا وَجْهَهُ أَيْضاً» (أع ٢٠: ٢٣ - ٣٨).
لقد عرف قسوس كنيسة أفسس أنهم لن يحظوا بحضور بولس معهم مرة أخرى.. لن يستمعوا إلى تعاليمه الثمينة.. لن يأخذوا منه هبة روحية لثباتهم.. فبكوا.. عرفوا أن الموت سينهي خدمة هذا الرسول العظيم.
وفي الرسالة إلى القديسين في فيلبي، وهي الرسالة التي كتبها بولس في أخريات أيامه نقرأ كلماته: «لأَنَّ لِيَ ٱلْحَيَاةَ هِيَ ٱلْمَسِيحُ وَٱلْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ. وَلٰكِنْ إِنْ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ فِي ٱلْجَسَدِ هِيَ لِي ثَمَرُ عَمَلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي! فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ ٱلاثْنَيْنِ: لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً. وَلٰكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي ٱلْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ» (في ١: ٢١ - ٢٤).
وكأن بولس يقول بكلماته هذه: أنا لا يمكنني أن أكون في السماء وفي الأرض، لا أستطيع أن أخدمكم بعد أن أذهب لأكون مع الرب.. لن يكون في مقدوري أن أكون واسطة تقدمكم وفرحكم في الإيمان وأنا موجود مع المسيح في المجد «لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً. وَلٰكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي ٱلْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ» (في ١: ٢٤).
وها هو بطرس الرسول يعلن ذات الموقف بكلماته: «وَلٰكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقّاً مَا دُمْتُ فِي هٰذَا ٱلْمَسْكَنِ أَنْ أُنْهِضَكُمْ بِٱلتَّذْكِرَةِ، عَالِماً أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي قَرِيبٌ كَمَا أَعْلَنَ لِي رَبُّنَا يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً. فَأَجْتَهِدُ أَيْضاً أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ خُرُوجِي تَتَذَكَّرُونَ كُلَّ حِينٍ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ» (٢ بط ١: ١٣ - ١٥).
فبطرس أعلن أنه طالما كان موجوداً في الجسد على الأرض فواجبه أن ينهض القديسين بالتذكرة.. وأعلن أن خلع جسده صار قريباً، وأوصاهم أن يتذكروا كلماته، فلن يكون في مقدوره الاتصال بهم بعد أن يخلع مسكنه.
فالأنبياء والرسل والقديسون كلهم مضوا.. وأنهى الموت خدمتهم وعلاقتهم بالأرض وسكانها.
أما الرب يسوع المسيح فهو الموجود في كل مكان.
- إنه قد وعد تلاميذه قائلاً: «لأَنَّهُ حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (مت ١٨: ٢٠).
- وقال لتلاميذه القديسين: «فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ وَٱلابْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (مت ٢٨: ١٩ و٢٠).
- وقال لنيقوديموس: «وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ إِلاَّ ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلسَّمَاءِ» (يو ٣: ١٣).
ولقد أكدت كل الحوادث أن مواعيد الرب يسوع المسيح أمينة وصادقة. ففي إنجيل يوحنا نرى الرب وهو يؤكد لتلاميذه حقيقة حضوره الدائم معهم في الكلمات: «وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، وَهُوَ أَّوَلُ ٱلأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ ٱلأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ ٱلتَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ ٱلْخَوْفِ مِنَ ٱلْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسَطِ، وَقَالَ لَهُمْ: سَلاَمٌ لَكُمْ» (يو ٢٠: ١٩).
لقد كان التلاميذ في خوف من اليهود ولذلك أغلقوا الأبواب والنوافذ.. فمن أين دخل المسيح؟
لقد دخل ورفع يديه وآثار الجروح فيهما وقال: «سَلاَمٌ لَكُمْ. وَلَمَّا قَالَ هٰذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ ٱلتَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا ٱلرَّبَّ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: سَلاَمٌ لَكُمْ. كَمَا أَرْسَلَنِي ٱلآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا. وَلَمَّا قَالَ هٰذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: ٱقْبَلُوا ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ» (يو ٢٠: ١٩ - ٢٣).
«أَمَّا تُومَا، أَحَدُ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ، ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلتَّوْأَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُ ٱلتَّلاَمِيذُ ٱلآخَرُونَ: قَدْ رَأَيْنَا ٱلرَّبَّ» (يو ٢٠: ٢٤ و٢٥).
ويمكنني أن أتصور توما وهو يقول متعجباً: رأيتم الرب؟ وكيف دخل الرب إلى هنا؟.. الأبواب مغلقة.. ولا فتحة واحدة في المكان يمكنه الدخول منها؟!
ويرد التلاميذ قائلين: «دخل ورأيناه.. أرانا يديه وجنبه وسمعنا صوته.. قال لنا: سلام لكم.. وأرسلنا لتبشير العالم الهالك الأثيم.. توما ليتك كنت معنا».
ويرد توما وهو يهز رأسه قائلاً: كلا إن عقلي ليس على غرار عقولكم.. أنتم أصحاب عقليات تتأثر بسرعة.. أكاد أقول إنها عقليات ضعيفة.. أنتم غلبتكم العاطفة فتصورتم في أوهامكم أنكم رأيتم الرب.. أما أنا فإنني رجل واقعي مثقف «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ ٱلْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ» (يو ٢٠: ٢٥).
وكان المسيح موجوداً عندما تحدث توما بكلماته إلى رفاقه، وسمع كل ما قاله توما، ولو أن توما لم يره بعينيه.
«وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَٱلأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسَطِ وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكُمْ. ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً» (يو ٢٠: ٢٦ و٢٧).
وامتلأ توما وباقي التلاميذ عجباً. هل كان الرب معهم حين نطق توما بكلماته؟ كيف سمع كلماته بالحرف الواحد.. وكيف جاء ليلبي مطاليب عقله؟
:وأشرق النور على قلب توما وهتف قائلاً «ربي وإلهي».
«قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا» (يو ٢٠: ٢٩).
أجل إن الرب يسوع المسيح موجود في كل مكان. وهو رفيق رحلة الحياة لكل مؤمن، ولقد كان الإحساس بحضوره الدائم هو سر سلام القديسين ونصرتهم.. إصغ إلى كلمات بولس وهو يكتب لتلميذه الحبيب تيموثاوس قائلاً: «فِي ٱحْتِجَاجِي ٱلأَوَّلِ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مَعِي، بَلِ ٱلْجَمِيعُ تَرَكُونِي. لاَ يُحْسَبْ عَلَيْهِمْ. وَلٰكِنَّ ٱلرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَّوَانِي، لِكَيْ تُتَمَّ بِي ٱلْكِرَازَةُ، وَيَسْمَعَ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ، فَأُنْقِذْتُ مِنْ فَمِ ٱلأَسَدِ. وَسَيُنْقِذُنِي ٱلرَّبُّ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ رَدِيءٍ وَيُخَلِّصُنِي لِمَلَكُوتِهِ ٱلسَّمَاوِيِّ. ٱلَّذِي لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. آمِينَ» (٢ تيمو ٤: ١٦ - ١٨).
أجل إنني أومن بأن المسيح هو الله على أساس حضوره في كل مكان، وهذه صفة لا تتوفر لأحد من البشر.. إنها صفة من صفات الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هل المسيح هو الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 7انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» هل المسيح هو الله-7
» هل المسيح هو الله-5
» هل المسيح هو الله-6
» هل المسيح هو الله-4
»  هل المسيح هو الله-10

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور الحياة  :: المنتديات المسيحية العامة - Christian public forums :: معلومات دينية-
انتقل الى: