١٥ - بداءة كل خليقة
هذه هي الآية الأخيرة من الآيات التي تبدو مناقضة للإيمان بأن المسيح هو الله، وفيها نقرأ كلمات المسيح «وَٱكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ ٱللاَّوُدِكِيِّينَ: هٰذَا يَقُولُهُ ٱلآمِينُ، ٱلشَّاهِدُ ٱلأَمِينُ ٱلصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ ٱللّٰهِ» (رؤ ٣: ١٤).
وأعترف أنها أصعب الآيات في كل العهد الجديد، ولكنني تذللت أمام الرب وصليت إليه قائلاً: «ٱكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ» (مز ١١٩: ١٨). وتنازل الرب بروحه فأرشدني وكشف عن عيني لتفسير هذه الآية كما أرشدني لتفسير ما سبقها من آيات.
والآن ماذا تعني العبارة «بداءة خليقة الله» هل تعني أن المسيح هو أول مخلوق خلقه الله؟
يقيناً: لا. فالمسيح هو الخالق الأزلي الأبدي.
إذاً ما الذي تعنيه هذه الكلمات؟
هنا لا بد لنا من العودة إلى سفر التكوين وهناك نقرأ الكلمات: «وَقَالَ ٱللّٰهُ: نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦).
ولنا أن نسأل: هل لله صورة وشبه حتى يعمل الإنسان على مثالهما؟ وكيف يمكن أن يكون الإنسان جسداً ويكون في ذات الوقت على صورة الله؟ والله روح كما قال المسيح للسامرية: «الله روح» (يو ٤: ٢٤).
فهل للروح وجه وعينان ويدان؟
كيف عمل الله الإنسان على صورته وشبهه وهو روح لا صورة له ولا شبيه؟
هنا نستمع إلى صوت بولس الرسول يقول: «فَإِنَّ ٱلرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ ٱللّٰهِ وَمَجْدَهُ» (١ كو ١١: ٧).
الرجل صورة الله ومجده. كيف يمكن أن يكون هذا؟ والله لا صورة له ولا شبيه؟
وكيف نوفق بين هذه الآيات؟
لقد كشف الله عن عينيّ فرأيت هذا الحق الواضح الجميل.
إن الله ليس له صورة مادية فهو روح.. ولكنه عمل الإنسان على الصورة التي كان ابنه مزمعاً أن يتجسد فيها في ملء الزمان وعلى هذا يكون المسيح في صورته الإنسانية هو بداءة خليقة الله.
بمعنى أنه كان في فكر الله قبل أن يخلق الإنسان، بل قبل تأسيس العالم، أن يتجسد المسيح في الصورة التي عمل الله على شبهها الإنسان. وهكذا خلق الله الإنسان على الصورة التي كان سيتجسد المسيح بها، فأصبح المسيح الإنسان بهذا الاعتبار هو «بداءة خليقة الله». ويوضح بطرس الرسول هذا الحق في كلماته «عَالِمِينَ أَنَّكُمُ ٱفْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ ٱلْبَاطِلَةِ ٱلَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ ٱلآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ ٱلْمَسِيحِ، مَعْرُوفاً سَابِقاً قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، وَلٰكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ» (١ بط ١: ١٨ - ٢٠). فالصورة الإنسانية التي كانت في فكر الثالوث العظيم عن المسيح حين يتجسد، هي الصورة التي خلق عليها الإنسان البشري، وعلى هذا يكون شكل جسد المسيح هو «بداءة خليقة الله» ويساعدنا هذا التفسير أن نفهم معنى الكلمات «وَقَالَ ٱللّٰهُ نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تك ١: ٢٦). ففيها نرى «وحدانية الثالوث منذ الأزل» وتجسد «ابن الله» في «ملء الزمان».
فالذي قال: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، هو الله، والذي خلق الإنسان هو المسيح خلقه على الصورة التي كان سيتجسد بها في ملء الزمان من مريم العذراء، فالمسيح إذاً هو الله والإنسان في آن معاً، هو الخالق لكل ما في السماء، وما على الأرض بل لكل ما يحويه العالم الواسع العريض.
أخطر سؤال
والآن بعد أن ظهر لك شخص المسيح الكريم بمجده وبهائه. وبعد أن رأيته في كمال لاهوته. فما الذي ستفعله؟
إنه لا مفر لك من إعلان موقف واضح بإزائه.
قديماً سأل بيلاطس الوالي الروماني هذا السؤال: «فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ؟» (مت ٢٧: ٢٢).
ولا بد أن تسأل نفسك هذا السؤال، فقضية المسيح هي قضية كل إنسان، وعلى أساس جوابك وموقفك بإزاء المسيح المصلوب يتحدد مصيرك الأبدي.
«لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يو ٣: ١٧ و١٨).
«لأَنَّكَ إِنِ ٱعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ» (رو ١٠: ٩).
فليتك تقبل المسيح اليوم مخلصاً شخصياً لنفسك.
وتعترف به أمام الآخرين رباً وفادياً لحياتك.
فتنجو من الغضب الآتي.
ففي هذا الإيمان الوطيد.
مفتاح الرجاء السعيد.