(٦) إنني أومن بأن المسيح هو الله على أساس قدرته الشخصية لعمل المعجزات: المعجزة ضرورة لإثبات النبوة، وهذا واضح من الكلمات: «فَأَجَابَ مُوسَى: وَلٰكِنْ هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي وَلاَ يَسْمَعُونَ لِقَوْلِي، بَلْ يَقُولُونَ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ ٱلرَّبُّ. فَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: مَا هٰذِهِ فِي يَدِكَ؟ فَقَالَ: عَصاً. فَقَالَ: ٱطْرَحْهَا إِلَى ٱلأَرْضِ. فَطَرَحَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ فَصَارَتْ حَيَّةً، فَهَرَبَ مُوسَى مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى: مُدَّ يَدَكَ وَأَمْسِكْ بِذَنَبِهَا (فَمَدَّ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ، فَصَارَتْ عَصاً فِي يَدِهِ) لِكَيْ يُصَدِّقُوا أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ لَكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ آبَائِهِمْ، إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ أَيْضاً: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي عُبِّكَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، وَإِذَا يَدُهُ بَرْصَاءُ مِثْلَ ٱلثَّلْجِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: رُدَّ يَدَكَ إِلَى عُبِّكَ (فَرَدَّ يَدَهُ إِلَى عُبِّهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ عُبِّهِ، وَإِذَا هِيَ قَدْ عَادَتْ مِثْلَ جَسَدِهِ) فَيَكُونُ إِذَا لَمْ يُصَدِّقُوكَ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ ٱلآيَةِ ٱلأُولَى، أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ صَوْتَ ٱلآيَةِ ٱلأَخِيرَةِ» (خر ٤: ١ - ٨).
والكلمات ترينا أن موسى خشي أن لا يصدقه شعبه حين يدعي النبوة. فأيده الله بالمعجزات لتكون دليلاً حياً على صدق نبوته.
وكل نبي أرسله الله إلى هذه الأرض أجرى معجزات، لكنه لم يفعلها بقوته الشخصية بل بقوة الله، أما المسيح له المجد فقد أجرى المعجزات بقوة لاهوته لأنه ابن الله والله الابن.
لقد أظهر سلطانه الإلهي على الطبيعة: يحتفظ لنا التاريخ بقصة عن الملكة فيكتوريا التي اشتهرت بتقواها ومحبتها لكلمة الله، وكانت تلقب باسم «ملكة انكلترة وأمبراطورة ما وراء البحار» إنها كانت ذات يوم واقفة على شاطئ البحر وإذ بموجة شديدة تبلل ثيابها بالماء، وهنا نظرت الأمبراطورة إلى البحر الهائج وقالت: اسكت ابكم.. ولكن البحر زاد هياجاً وجاءت موجة شديدة أخرى وبللتها بكيفية أشد. وهنا ابتسمت الملكة وقالت: «يسمونني أمبراطورة ما وراء البحار وها أنذا آمر البحر فلا يطيعني... شخص واحد فقط هو ملك الملوك ورب الأرباب هو الرب يسوع المسيح الذي أمر البحر فأطاعه».
ذات يوم قال المسيح لتلاميذه «وَقَالَ لَهُمْ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ لَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ: «لِنَجْتَزْ إِلَى ٱلْعَبْرِ». فَصَرَفُوا ٱلْجَمْعَ وَأَخَذُوهُ كَمَا كَانَ فِي ٱلسَّفِينَةِ. وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضاً سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ. فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ ٱلأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى ٱلسَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. وَكَانَ هُوَ فِي ٱلْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِماً» (مر ٤: ٣٥ - ٣٨).
لماذا لم يوقظ التلاميذ المسيح قبل أن تمتلئ السفينة بالماء؟ لعلهم ظنوا أنهم يستطيعون بمجهودهم أن يقوموا بعمل يجعل السفينة في أمان، ويتركوه نائماً في هدوء! ولكن عبثاً تحاول أن تحل مشاكلك بدون المسيح. إنك حينئذ تزيدها تعقيداً.
وتحت ضغط الريح العاصفة، والأمواج التي تضرب إلى السفينة اضطر التلاميذ أن يلجأوا إلى المسيح فأيقظوه وقالوا له: يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟
فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت. ابكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم.
وفي عتاب لطيف قال المسيح لتلاميذه: «ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكم؟ فخافوا خوفاً عظيماً وقال بعضهم لبعض من هو هذا؟ فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه».
إن ذاك الذي أسكت البحر، هو نفسه الرب الذي سأل أيوب قديماً قائلاً: «وَمَنْ حَجَزَ ٱلْبَحْرَ بِمَصَارِيعَ حِينَ ٱنْدَفَقَ فَخَرَجَ مِنَ ٱلرَّحِمِ. إِذْ جَعَلْتُ ٱلسَّحَابَ لِبَاسَهُ وَٱلضَّبَابَ قِمَاطَهُ وَجَزَمْتُ عَلَيْهِ حَدِّي وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ وَمَصَارِيعَ، وَقُلْتُ: إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى، وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟» (أي ٣٨: ٨ - ١١).
ولما نتابع معجزات المسيح في إنجيل يوحنا، نجدها معجزات لا يرقى الشك إليها. لقد أزعجنا العصريون الذين يشكون في صدق الكتاب المقدس، بادعائهم القائل: إن المسيح كان شخصاً عبقرياً، وكان يتميز بشخصية مغناطسية، وأنه بالقوة المغناطسية التي امتلكها أثر في المفلوجين المرضى بالشلل النفسي، فأعاد إليهم الثقة بأنفسهم، وهكذا أعطاهم القدرة على العودة لممارسة حياتهم الطبيعية من جديد.
ولكن المعجزات التي سجلها إنجيل يوحنا كانت فوق العبقرية، كانت فوق القوى المغناطسية. كانت فوق القدرة العقلية. كانت فوق الإيحاء وكل أساليب علم النفس في العلاج. كانت معجزات إلهية في كل ما أحاط بها، وفي كل تفاصيلها.
فقد أظهر المسيح فيها قدرته على شفاء المرضى حتى دون أن يرى المريض: ذات يوم جاء يسوع إلى قانا الجليل «فَجَاءَ يَسُوعُ أَيْضاً إِلَى قَانَا ٱلْجَلِيلِ، حَيْثُ صَنَعَ ٱلْمَاءَ خَمْراً. وَكَانَ خَادِمٌ لِلْمَلِكِ ٱبْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرِنَاحُومَ. هٰذَا إِذْ سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى ٱلْجَلِيلِ، ٱنْطَلَقَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ ٱبْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفاً عَلَى ٱلْمَوْتِ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ!» (يو ٤: ٤٦ - ٤٨).
ويتوسل الرجل إلى المسيح قائلاً: «يَا سَيِّدُ، ٱنْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ٱبْنِي» (يو ٤: ٤٩) وعندئذ ينطق المسيح بعبارة قصيرة تعلن عن الاهوته وقدرته فيقول لخادم الملك: «اذهب. ابنك حي».
«فَآمَنَ ٱلرَّجُلُ بِٱلْكَلِمَةِ ٱلَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ، وَذَهَبَ» (يو ٤: ٥٠).
ويبدو أن إيمانه كان عظيماً لدرجة أنه لم يسرع إلى بيته في ذلك اليوم، إذ تيقن أن ابنه قد دبت فيه الصحة من جديد، وأنه لا داعي للإسراع لرؤيته، ولذا قضى يومه في قانا الجليل لعله قضاه في زيارة أصدقائه.
«وَفِيمَا هُوَ نَازِلٌ ٱسْتَقْبَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: إِنَّ ٱبْنَكَ حَيٌّ. فَٱسْتَخْبَرَهُمْ عَنِ ٱلسَّاعَةِ ٱلَّتِي فِيهَا أَخَذَ يَتَعَافَى، فَقَالُوا لَهُ: أَمْسٍ فِي ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّابِعَةِ تَرَكَتْهُ ٱلْحُمَّى. فَفَهِمَ ٱلأَبُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ ٱلَّتِي قَالَ لَهُ فِيهَا يَسُوعُ إِنَّ ٱبْنَكَ حَيٌّ. فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ» (يو ٤: ٥٠ - ٥٣).
لقد شفى المسيح ابن خادم الملك بكلمة من فمه، ودون أن يراه فلم يكن هناك أي مجال لممارسة قواه المغناطسية كما يدعي العصريون، بل كانت المعجزة دليلاً ناطقاً على قدرته الإلهية، ولذا آمن خادم الملك وبيته كله.
وأظهر قدرته على شفاء الأمراض المستعصية: فهناك «وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ ٱلضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. فِي هٰذِهِ كَانَ مُضْطَجِعاً جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ ٱلْمَاءِ. لأَنَّ مَلاَكاً كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَاناً فِي ٱلْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ ٱلْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَّوَلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ ٱلْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ ٱعْتَرَاهُ. وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً» (يو ٥: ٢ - ٥).
هذا عمر طويل قضاه الرجل في مرض استعصى على الطب أن يجد له علاج.
«هٰذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعاً، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً، فَقَالَ لَهُ: أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» وقد يبدو السؤال غريباً، لكن الغرابة تزول لو علمت أن هناك مرضى لا يريدون أن يبرأوا، لأنهم يجدون متعة في مرضهم.. متعة عطف الناس عليهم.. متعة عناية الناس بهم.. أو متعة لفت الأنظار إليهم.
لكن هذا الرجل كان يرغب في الشفاء. غير أنه لم يجد من يلقيه في البركة متى تحرك الماء ولذا قال للمسيح: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي ٱلْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ ٱلْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ».
وهنا قال له الرب القادر على كل شيء: «قَالَ لَهُ يَسُوعُ: قُمِ. ٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ فَحَالاً بَرِئَ ٱلإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى».
كان في قدرة المسيح أن يشفي رجلاً مصاباً بالشلل بعد ثمان وثلاثين سنة قضاها في العجز والمرض.
وأطعم الجماهير الغفيرة من خمسة أرغفة وسمكتين: «بَعْدَ هٰذَا مَضَى يَسُوعُ إِلَى عَبْرِ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ، وَهُوَ بَحْرُ طَبَرِيَّةَ. وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ لأَنَّهُمْ أَبْصَرُوا آيَاتِهِ ٱلَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا فِي ٱلْمَرْضَى» (يو ٦: ١ و٢).
لقد خرجت الجماهير وراء المسيح وحيثما يوجد فهو يجذب الجماهير إليه.. إن في المسيح جاذبية عجيبة لا يستطيع إنسان أن يتجاهلها.. الملحدون يعرفون جاذبيته، والمؤمنون يختبرون هذه الجاذبية. إنه لا مفر لك من مواجهة المسيح.
«فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعاً كَثِيراً مُقْبِلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ: «مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزاً لِيَأْكُلَ هٰؤُلاَءِ؟» وَإِنَّمَا قَالَ هٰذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لأَنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ» (يو ٦: ٥ و٦).
وجلس فيلبس يعمل عملية حسابية ليقدر تكاليف إطعام هذا الجمع الغفير، ثم أجاب «لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئاً يَسِيراً» (يو ٦: ٧).
وهنا تقدم واحد من تلاميذه وهو اندراوس وقال: «هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلٰكِنْ مَا هٰذَا لِمِثْلِ هٰؤُلاَءِ؟» (يو ٦: ٩).
وقد كتب القس «هنري هوايتمان» الانجليزي تعليقاً على هذه المعجزة فقال: «إن رجل القرن العشرين يستطيع أن يطوف بالكرة الأرضية. ويقتل الناس الذين يعيشون على بعد أميال منه، ويزن الكواكب ويحدد أماكنها، ويخرج البترول من باطن الأرض، ويطبع ملاين النسخ من الصحف اليومية، ويجعل الدجاجة تبيض ٣٦٥ بيضة في السنة، ويجعل الكلاب تدخن «البيبة» وكلب البحر يلعب بكرة الماء. وهذا الرجل العجيب إذا رأى خمسة أرغفة وسمكتين، وخمسة جياع وطفلين فقيرين فإنه يعقد مؤتمراً ويشكل لجنة كبرى وبعض اللجان الصغيرة، ويدعو إلى عملية انتخابات حرة. ثم يصرخ بأعلى صوته أن هناك أزمة شديدة تواجهه، وهو يضع تعليمات لا حصر لها ثم يبتعد تاركاً الأشخاص الخمسة والطفلين جياعاً كما كانوا قبل تأليف المؤتمر واللجان» .
هذا هو رجل القرن العشرين بكل قدراته، وعلمه واكتشافاته واختراعاته، أعجز من أن يقابل أزمة الجوع في عالم اليوم ويصرخ بأعلى صوته من مشكلة «الانفجار السكاني».
أما الرب يسوع فقد قال لتلاميذه «ٱجْعَلُوا ٱلنَّاسَ يَتَّكِئُونَ. وَكَانَ فِي ٱلْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَٱتَّكَأَ ٱلرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلاَفٍ. وَأَخَذَ يَسُوعُ ٱلأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَّزَعَ عَلَى ٱلتَّلاَمِيذِ، وَٱلتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا ٱلْمُتَّكِئِينَ. وَكَذٰلِكَ مِنَ ٱلسَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا. فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: ٱجْمَعُوا ٱلْكِسَرَ ٱلْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ. فَجَمَعُوا وَمَلأُوا ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ ٱلْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ ٱلشَّعِيرِ ٱلَّتِي فَضَلَتْ عَنِ ٱلآكِلِينَ» (يو ٦: ١٠ - ١٣).
لقد كانت القفف المملؤءة من الكسر الفاضلة، دليلاً ملموساً على شبع الجماهير، وعلى قدرة المسيح الإلهية لإشباعها.
فليقل لنا العصريون.. أي دخل للعبقرية في هذه المعجزة؟ وأي دخل للقوة المغناطسية؟ وأي دخل للقدرة الإيحائية؟ وليكفوا عن ترهاتهم، ويعترفوا أن المسيح هو الله القادر على كل شيء.
وفتح المسيح عيني إنسان مولود أعمى: وهذه المعجزة تتحدى العلم، وتخرس العصريين المتبجحين، فهي معجزة خلق ليس في مقدور إنسان بشري أن يأتي بمثلها يسجلها يوحنا بالكلمات: «وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَاناً أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ: يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هٰذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟» (يو ٩: ١ و٢).
ويمكننا القول بأن سؤال التلاميذ كان مبنياً على عدة أفكار:
أولاً: فكرة تناسخ الأرواح، ويبدو أنها وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت.
ثانياً: الفكرة القائلة بأن أرواح البشر كانت موجودة قبل حلولها في أجساد أصحابها، وأنها ارتكبت حينئذ بعض الأخطاء وهي فكرة تغلغلت في كتابات الرابيين.
ثالثاً: هي ما فهموه من أن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء (خر ٢٠: ٥).
رابعاً: الاعتقاد السائد عند الكثيرين بأن المرض والخطية صنوان لا يفترقان.
لكن المسيح أجاب إجابة تنفي كل هذه الأفكار فقال: «لاَ هٰذَا أَخْطَأَ وَلاَ أَبَوَاهُ، لٰكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ ٱللّٰهِ فِيهِ» (يو ٩: ٣). وتعني كلماته أن خطية هذا الإنسان أو أبويه لا تزيد عن خطايا الآخرين، وأنه وُلد أعمى لتظهر أعمال الله فيه.
نعم ففي أقسى التجارب نستطيع أن نرى يد الله العاملة لخير البشر وبركة نفوسهم.
وكلمات المسيح التي قال فيها: « لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ ٱللّٰهِ فِيهِ» تؤكد لنا لاهوته إذ الواقع أنه قد أظهر «أعمال الله» في ذلك الأعمى بإعادة البصر إليه، بل بأن خلق له من الطين عينين جديدتين.
وتابع يوحنا سرد تفاصيل المعجزة بالكلمات: «قَالَ هٰذَا وَتَفَلَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ ٱلتُّفْلِ طِيناً وَطَلَى بِٱلطِّينِ عَيْنَيِ ٱلأَعْمَى» (يو ٩: ٦).
ولو أن هناك إنساناً بصيراً طليت عينيه بالطين لكان معرضاً أن يصاب بالعمى ولكن المسيح طلى عيني الأعمى، ومن ذلك الطين عمل للأعمى عينين جديدتين أليس هو الذي خلق آدم من تراب ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار نفساً حية؟
«كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يو ١: ٣).
ولقد أمر المسيح ذلك الأعمى قائلاً: «ٱذْهَبِ ٱغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ. ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ. فَمَضَى وَٱغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً» (يو ٩: ٧).
ولما حاول الفريسيون أن يسلبوا من هذا الرجل إيمانه بمن أعاد له نور بصره قالوا له: «أَعْطِ مَجْداً لِلّٰهِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هٰذَا ٱلإِنْسَانَ خَاطِئٌ. فَأَجَابَ: أَخَاطِئٌ هُوَ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَٱلآنَ أُبْصِرُ... فَأَخْرَجُوهُ خَارِجاً» (يو ٩: ٢٤ - ٣٤).
ولما أخرجوه خارجاً.. لم يتركه يسوع وحده.
«فَسَمِعَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ خَارِجاً، فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِٱبْنِ ٱللّٰهِ؟ أَجَابَ: مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: قَدْ رَأَيْتَهُ، وَٱلَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ» (يو ٩: ٣٥ - ٣٧).
وهكذا أعلن الرب حقيقة شخصه لذلك الرجل، الذي أعاد له بقدرة لاهوته نور عينيه.
وأقام المسيح ميتاً بعد أن أنتن: وهذه المعجزة تتحدى بصورة قاطعة كل منكر للاهوت المسيح، فالإنسان مع ما بلغه من تقدم في العلم في هذا القرن العشرين ما زال عاجزاً عن أن يقيم ميت بعد أربع ساعات من وفاته، فكم بالحري بعد أربعة أيام.. وبعد أن دبت في جسده عناصر العفونة والفناء!!
لكن المسيح أقام ميتأً بعد أن أنتن فهناك في قرية بيت عنيا عاشت أسرة أحبها المسيح «وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ» (يو ١١: ٥). وكان بيت هذه الأسرة في تلك القرية الوادعة محطة الراحة التي يذهب إليها المسيح حين يتعب، وحين يريد أن يجلس جلسة هادئة مع أناس قريبين من قلبه.
ومع هذا الحب القوي من جانب المسيح لهذه الأسرة، فقد سمح في محبته أن تجتاز تجربة مريرة، هي تجربة مرض لعازر وموته. والواقع أن محبة الله لنا ليست ضماناً يبعد عنا آلام الحياة، وإلا صارت علاقتنا به على أساس المصالح المادية، والأمان في الحياة الدنيا، ومع ذلك فهناك حقيقة يجب أن لا تغرب عن بالنا وهي أن الآلام التي تمر بحياة من يحبهم الرب، تهدف إلى خيرهم وبركتهم وتنقية نفوسهم.
مرض لعازر.. ويبدو أن مرضه كان قاسياً وخطيراً. فأرسلت الأختان إلى المسيح رسالة برقية قائلتين: «يَا سَيِّدُ، هُوَذَا ٱلَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ» (يو ١١: ٣).
«فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ» (يو ١١: ٦).
ما أغرب تصرفات المسيح المحب!!
أحياناً تكون في قلبك تجربة محرقة، وترسل رسالة برقية للسماء لتنقذك، وبدلاً من أن تأتيك الإجابة فوراً.. تجد نفسك وحيداً في دوامة.. السماء لا تسمع وكأنها خلت من الله.. وأنت ترفع صوتك في عتاب قائلاً: «حتى متى يا رب أصرخ ولا تستجيب»؟
وهنا ما أحوجنا أن نسمع كلمات النبي صفنيا: «ٱلرَّبُّ إِلَهُكِ فِي وَسَطِكِ جَبَّارٌ يُخَلِّصُ. يَبْتَهِجُ بِكِ فَرَحاً. يَسْكُتُ فِي مَحَبَّتِهِ..» (صفنيا ٣: ١٧) وكلمات صاحب المزمور القائل: «ٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ وَٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ» (مز ٢٧: ١٤).
إن الله يقصد من وراء صمته الجبار خيرك. يقصد بركة لنفسك. يقصد أن يعلن لك عن شخصه بكيفية أبهى وأكمل. فانتظر الرب.
ويستمر يوحنا في تسجيل تفاصيل المعجزة بالكلمات: «فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: هٰذَا ٱلْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ، لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ بِهِ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ قَالَ لَهُمْ: لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لٰكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ. فَقَالَ تَلاَمِيذُهُ: يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى. وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ ٱلنَّوْمِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ عَلاَنِيَةً: لِعَازَرُ مَاتَ. وَأَنَا أَفْرَحُ لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا. وَلٰكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ» (يو ١١: ٤ و١١ - ١٥).
لعازر مات.. وأنا أفرح لأجلكم!!
كيف يفرح الرب لموت حبيب كلعازر؟ إن السبب هو أن هذا الموت سيعطي للتلاميذ فرصة يتحققون فيها صدق كلماته القائلة: «لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هٰذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (يو ٥: ٢٨ و٢٩).
وجاء المسيح وتلاميذه إلى بيت عنيا.
«فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لاَقَتْهُ، وفَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هٰهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي» (يو ١١: ٢٠ و٢١). ونحن نلمح عتاباً رقيقاً في كلمات مرثا، وكأنها تقول: أنت صديق أسرتنا. بيتنا مكان راحتك. تتركنا وحدنا في محنتنا وأحزاننا؟ ويجيب المسيح مرثا قائلاً: «سَيَقُومُ أَخُوكِ».
قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي ٱلْقِيَامَةِ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ».
وينطق المسيح بأسمى إعلاناته عن نفسه قائلاً: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يو ١١: ٢٥ و٢٦).
وكلمات المسيح هذه تنطبق على لحظة الاختطاف.
«ٱلأَمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً» (١ تس ٤: ١٦). وهذا يقابل الكلمات: «مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا».
«ثُمَّ نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي ٱلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْهَوَاءِ» (١ تس ٤: ١٧) وهذا يقابل الكلمات: «وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ».
قال المسيح لمرثا: «أَتُؤْمِنِينَ بِهٰذَا؟ قَالَتْ لَهُ: نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، ٱلآتِي إِلَى ٱلْعَالَمِ» (يو ١١: ٢٦ و٢٧).
«وَلَمَّا قَالَتْ هٰذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً، قَائِلَةً: ٱلْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ. أَمَّا تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَاءَتْ إِلَيْهِ... ثُمَّ إِنَّ ٱلْيَهُودَ ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا فِي ٱلْبَيْتِ يُعَّزُونَهَا، لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ عَاجِلاً وَخَرَجَتْ، تَبِعُوهَا قَائِلِينَ: إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى ٱلْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ. فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ: يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هٰهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي. فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، ٱنْزَعَجَ بِٱلرُّوحِ وَٱضْطَرَبَ، وَقَالَ: أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟ قَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَٱنْظُرْ» (يو ١١: ٢٨ - ٣٤).
وهنا يسجل يوحنا الرسول أصغر آيات الكتاب المقدس، وأعمقها، وأصدقها تعبيراً عن مشاعر المسيح في كلمتين «بَكَى يَسُوعُ» (يو ١١: ٣٥). إن هاتين الكلمتين أعمق من المحيط، وأرحب من العالم الفسيح، إننا نرى فيهما هنا، وشفقة، ومشاركة قلب المسيح للحزانى والمتألمين.
ولما رأى اليهود دموع المسيح قالوا: «فَقَالَ ٱلْيَهُودُ:ٱنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ. وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: أَلَمْ يَقْدِرْ هٰذَا ٱلَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ ٱلأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هٰذَا أَيْضاً لاَ يَمُوتُ؟» (يو ١١: ٣٦ و٣٧).
إنه يقدر أن يقيمه من الموت.
جاء يسوع إلى القبر، وكان مغارة قد وضع عليه حجر وقال: «ٱرْفَعُوا ٱلْحَجَرَ. قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ ٱلْمَيْتِ: يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ» (يو ١١: ٣٩).
أجل تعفنت الجثة.. فاحت الرائحة النتنة من الجسد المائت. مسكين الإنسان.. إنه تراب وإلى تراب يعود.. وأجمل امرأة تخطر في مشيتها على الأرض تتعفن وتفوح منها رائحة تزكم الانوف عندما يتلقفها القبر كفريسة من فرائس الموت.
ومرثا وهي تردد كلماتها «يا سيد قد أنتن» كانت كأنها تقول: «يا سيد أنا لا أريد أن أرى لعازر ميتاً» منتناً إن في ذهني صورة لعازر الحي الممتلئ حيوية. وأريد أن تستمر صورته الجميلة أمام عيني. لا أريد أن أشم بأنفي عفونة الموت.
ويرد عليها المسيح بكلماته: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ ٱللّٰهِ؟. فَرَفَعُوا ٱلْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ ٱلْمَيْتُ مَوْضُوعاً» (يو ١١: ٤٠ و٤١)، وشم الناس الرائحة النتنية رائحة الموت.
وصرخ يسوع بصوت عظيم: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً» (يو ١١: ٤٣).
«فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ» (يو ١١: ٤٤) نعم انتزع المسيح لعازر من بين أنياب الموت وأقامه بعد أن أنتن ولا يستطيع أحد أن يحي العظام وهي رميم سوى الله.
يقول دوايت لايمان مودي: «لو أن الرب يسوع لم يدعُ لعازر باسمه لقام جميع من في القبور من قوة صوت الرب القادر على كل شيء. فإن صوت المسيح قادر على إقامة جميع من في القبور من تراب الموت» (اقرأ يوحنا ٥: ٢٨ و٢٩).
وهنا لا بد من ملاحظة جديرة بالاعتبار وهي أن المسيح لم يقم بعمل معجزة واحدة في حياته لمصلحته الخاصة أو لإنقاذ نفسه من ألم تعرض له، فقد أبى أن يسمع لصوت إبليس ويصنع الحجارة خبزراً ليشبع جوع جسده (اقرأ متى ٤: ١ - ٤)، وأبى أن ينزل عن الصليب ليخلص نفسه من عذابه (اقرأ متى ٢٧: ٣٩ - ٤٣)، فمعجزاته كلها كانت لتطهير أبرص، أو شفاء مريض، أو إغاثة ملهوف أو إعادة البصر إلى أعمى، أو إقامة ميت من قبره. كانت كلها لخير غيره. كانت لإظهار حب الله وحنانه وقدرته التي تستطيع أن تنقذ كل من يلجأ إليه.
ويختتم يوحنا إنجيله بالكلمات: «وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هٰذَا ٱلْكِتَابِ. وَأَمَّا هٰذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ» (يو ٢٠: ٣٠ و٣١). فأنا أومن أن المسيح هو الله على أساس قدرته لعمل المعجزات.