خيانة زوجية
ف. ن (ربة منزل) وهي إحدى النساء اللائي تعرضن لموقف الخيانة الزوجية، ولم تستطع حتى الدفاع عن حقها، ووضع حد للتهاون في حقوقها، وتجاوز حدود ابتذال كرامتها، روت (ف. ن ) قصتها قائلة "لم يدر بخلدي يوما ما عند سماعي لمناقشات ثقافية أو دينية حول موضوع الخيانة الزوجية، أنني سأكون ضمن أولئك الذين تعرضوا لهذه التجربة المريرة،
فلقد كانت حياتي الزوجية شبه طبيعية، وتسير الأمور بيني وبين زوجي، كما تسير في أي منزل، أو كما كنت أظنها تسير، في حين لم يشأ القدر أن أحمل إلا في وقت متأخر، وذلك بعد أربع سنوات من الزواج، وقد أضفى المولودان الأول والثاني، جوا أسريا أكثر دفئا على علاقتنا الزوجية، لكن مع شعوري بهذا الدفء، كنت أشعر بالغيرة الطبيعية على زوجي، والتي زادها حديث أخواتي المتزوجات لي،
ونصائحهن المستديمة، حول ضرورة مراقبتي لتصرفاته، وسلوكياته، متذرعات بأن الرجل حينما تنجب الزوجة، يطمئن لعدم اتخاذها أي إجراء بحقه لأجل أطفالها، فبدأت ألحظ ما لم يلفت انتباهي من قبل، من خلال اتقاد نيران الغيرة حين تأخره بالعودة إلى المنزل، أو أثناء مهاتفاته التي تستمر لساعات في هاتفه المحمول، وحرصه على عدم تواجدي في المكان أثناء المكالمة".
وأضافت أنها لم تعتد تفتيش جوال زوجها، ولا جيوب ثيابه، أو التصنت على مكالماته، ربما لخوفها من تعرضها لصدمة ما ــ على حد قولها ــ، لافتة إلى أنها تعيش معه في توتر دائم، وحالة من القلق المختلط بالخوف من الصدمة، والشك الذي يكبته عدم وجود دليل ملموس لمصارحته، تقول "في يوم فتح طفلي ابن السبع سنوات مقطع فيديو بجوال والده، من باب الفضول الطفولي البريء،
أثناء استحمام والده، الذي ترك هاتفه المحمول على طاولة التلفاز، ومن ثم أخذت في تأنيب الطفل، وكان مقطع الفيديو، لزوجي وهو يرقص مع عدد من الفتيات"، مشيرة إلى أنها في كل مرة تصارحه بالأمر يتهرب منها، فآثرت العيش معه على ذات الوضع، وكبت غيرتها خوفا من الطلاق الذي قد يبعدها عن أطفالها
الخلع لإنهاء المشكلة
أما نورة عبد الرحمن (مطلقة منذ سنة) ففضلت وضع حد لخطأ زوجها بحقها، وخيانته لها مع ابنة عمها، وأقرب صديقاتها لها، بلجوئها للمحكمة، والخلع لإنهاء مشكلتها، لافتة إلى أن تحمل نقمة المجتمع عليها كمطلقة، أجدى من تحملها خيانة زوجها، ولاسيما أنها لم تنجب منه أطفالا، وهذا ما دفعها لتركه بلا ندم.
ورفض سعد (متزوج للمرة الثانية وأحد الأزواج الذين تعرضوا للخيانة)، الإفصاح عن تفاصيل خيانة زوجته له، مكتفيا بقوله إنها صفحة وطويت من حياته بلا رجعة. وعن تأثير خيانة زوجته السابقة على حياته الزوجية الحالية أضاف أن الروح هي المستشعر الأول لحقيقة مشاعر الشريك، وحين يوجد الشك فمعنى ذلك أن هنالك خللاً في استشعار الروح لحقيقة هذه المشاعر،
أما في حال اطمئنان الزوج لزوجته وثقته اللامتناهية بها، وبمشاعرها فذلك لا ينبع إلا من استحقاق، مؤكدا أن هنالك فارقاً كبيراً بين شعوره باستحقاق زوجته له في التجربة الأولى والثانية من الزواج.
وعن الأسباب التي يرى أنها الدافع خلف خيانة زوجته الأولى له يقول سعد "من الصعب أن ينزه الإنسان نفسه عن الخطأ، أو التقصير، فالبشر بطبيعتهم غير كاملي العطاء،
ولكن هنالك أخطاء وتقصيراً بدرجات متفاوتة، فالشريك قد يضع أعذارا واهية عند خيانته زوجا يمارس نوعاً من أنواع الخيانة مثلا، أو يعاني من مرض نفسي، أو جسدي ما، أو يهمل بشكل يخرج عن حدود الاحتمال، لكن في ظل عدم وجود تلك المسببات القوية،
فلا يسمى الخائن حينها إلا ناكرا للعشرة، وشخصاً يعاني من أمراض أخلاقية، تستدعي العلاج النفسي والاجتماعي".
وألقى سعد بالمسؤولية على الطريقة التقليدية في الزواج، التي دفعته للزواج بزوجة أنقذتها معرفة والدها بوالده من السؤال عنها، والتدقيق في أخلاقياتها وسلوكياتها.
فراغ عاطفي
ومن جانب آخر أكدت عواطف عبد القادر (ربة منزل) أن سبب خيانتها لزوجها، في وقت سابق، هو الفراغ العاطفي الذي كانت تعيشه ــ على حد قولها ــ لافتة إلى أن زوجها كان ارتباطه بمنزله مقتصرا على المجيء متأخرا والنوم، ومن ثم الاستيقاظ مبكرا، والخروج، مؤكدة أن عمله جعل تركيزه لا يذهب إلى غير العمل، في حين تظل لساعات في المنزل.
وأشارت عواطف إلى أن ما جعلها تتوب عن هذا الفعل هو سماعها لقصة امرأة خانت زوجها، فأصيبت بحادث وهي خارج المنزل مع عشيقها، مشيرة إلى أنها تذكرت حينها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال "أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة"، وهذا ما دفعها إلى ترك تلك الأمور بلا عودة.
وتعتقد سناء (ربة منزل متزوجة منذ سنتين) أن الخيانة قد تنشأ عن وجود ثغرة معينة بين الزوجين، إما ثغرة نفسية، كالفراغ العاطفي، وعدم الاعتناء بالجانب النفسي والعاطفي، أو فكرية كانعدام التحاور، وبعد مدى التفكير، وغياب استحضار الذكاء الفكري بالاهتمام كل بفكر وطريقة تفكير ونوعية ما يفكر به الآخر، أو عمرية كفارق السن، أو اجتماعية كالضغوط العائلية، أو المادية، ودينية وهي فيما يتعلق ببعد التقارب في الجانب الديني،
والاهتمام بوجهات النظر المعنية بأمور دينية مختلفة، لافتة إلى أن هذه الثغرات تسمح بازدياد اتساع الهوة، وحدوث الطلاق، أو النهايات السلبية، كالعيش في منزل واحد مع اغتراب العلاقة، والبعد الكلي عن الحوار، وأبسط تفاصيل الحياة الزوجية الطبيعية.
ولفتت سناء إلى أنه ليس من شيء أجدى من ازدياد مساحة التفاهم، وفضاءات الحوار المفتوح بين الزوج وزوجته، وتعويد كل منهما الآخر على هذه الأجواء منذ أيام الخطوبة، لضمان عدم نشوء مثل تلك الفجوات.
علاقة غير مشروعة
ومن جانبه عرف استشاري الأمراض النفسية الدكتور سلطان الشهراني الخيانة الزوجية بأنها علاقة غير مشروعة بين أحد الزوجين مع طرف آخر أي ثالث، وأبسط أمثلتها المحادثات الهاتفية غير الشرعية مع الطرف الثالث، وأسوؤها الوصول إلى حدود الخيانة بالفاحشة، مشيرا إلى أنه لا يوجد دراسات في السعودية تبين نسبة الخيانة الزوجية،
ولكن هناك دراسات أمريكية وأوروبية متفاوتة النسب، ولكن من المعروف أن حدوثها من الرجال أكثر من النساء.
وأضاف الدكتور الشهراني أن السبب الرئيسي لخيانة أحد الزوجين للآخر ضعف الوازع الديني عند أحد الزوجين أو كليهما، وهذا السبب غير مذكور في المجتمعات الغربية ولكنه بلا شك أهم الأسباب، ويليه سوء الاختيار من قبل الطرفين للطرف الآخر قبل الزواج، ومن المسببات نقص العاطفة الزوجية المشروعة ليست الحميمية فقط، بل الأهم هو عدم إشباع العاطفة النفسية،
وهي نقص الحب والرحمة والمودة بين الزوجين، مشيرا إلى أن الضعف أو الإعاقة، بالإضافة إلى ابتعاد أحد الزوجين بكثرة عن المنزل مثلا كسفر الزوج المتكرر ولفترات طويلة، فضلا عن كثرة المشاكل الزوجية وكثرة الجفاء، والذي يرتبط بالسبب السابق وهو اتساع فجوة الابتعاد بينهما، هي من الأمور المسببة للخيانة بشكل أو بآخر
وعن الأمراض النفسية التي قد تسبب الخيانة الزوجية قال الدكتور الشهراني إن الاستهتار وعدم الإحساس بالمسؤولية واحترام الطرف الآخر، وهذا عادة يكون من طرف الرجال، بالإضافة إلى وجود الاضطراب أو عدم استقرار الشخصية عند أحد الطرفين أو وجود الأمراض النفسية، أو المرضية كالشذوذ الجنسي ونحوه، هي وراء ذلك.
وفيما يتعلق بالأسباب المجتمعية أضاف أن الاختلاط المباشر والخلوة غير الشرعية المباشرة قد يؤديان إلى سهولة التعرف على الطرف الثالث، ومن هنا تبدأ الخيانة إذا ما ساعد على ذلك ضعف الوازع الديني، ومشورة رفقاء السوء، وكثرة السفر غير المبرر إلى الخارج، فضلا عن إدمان المخدرات، أو الرغبة في الانتقام، وأحيانا إذا قام أحد الطرفين بالخيانة فإن الطرف الآخر يبادله نفس الفعل انتقاما منه.
وعن الآثار النفسية للخيانة الزوجية أكد الدكتور الشهراني أن الخيانة الزوجية إذا استمرت دون اكتشافها فإنها تؤدي إلى موت العاطفة وتبلد الأحاسيس بين الزوجين، وعدم احترام كل منهما للآخر ولحقوقه الزوجية، وقد تزيد المشاكل الزوجية وعدم التفاهم، مما يؤدي للطلاق والتفكك الأسري، بالإضافة إلى فساد الأسرة والأبناء والبنات، ومشيهم في هذا الطريق، لأن أحد الوالدين مشى فيه، والتقليد عادة لدى الأطفال، ومن ثم انتشار الفاحشة في المجتمع والتساهل فيها، وذلك لفساد اللبنة الأساسية له وهي الأسرة.
وأشار إلى أنه في حال اكتشاف الخيانة فستكون آثارها الطلاق وتفكك الأسرة، والعار والفضيحة والكره للخائن، بالإضافة إلى الأذى البدني كالضرب أو القتل، وهي من أهم الآثار ليس في مجتمعنا فحسب. بل في كل المجتمعات وحتى الغربية منها، وخصوصا إذا كانت الخيانة من طرف الزوجة، وبالتالي سينتج فقدان الثقة وفقدان التوازن الأسري والعاطفي، وتدمير الطرف الآخر (الضحية)
نفسيا وزيادة احتمال تعرضه لأمراض القلق والاكتئاب النفسي، ومن ثم التأثير النفسي الشديد على الأولاد، وفقدانهم الثقة في والديهم وتدني مستواهم الدراسي والعزلة عن الآخرين والبحث عن العاطفة و الاستقرار ومحاكاتهم وتقليدهم الأعمى لهذه الخيانة الذي قد يقودهم إلى الانحراف والمخدرات، وكذلك عرضتهم للأمراض النفسية مستقبلا.
وعن العلاج من الجانب النفسي أضاف استشاري الطب النفسي أن العلاج يكون بالعودة إلى الله ومراقبته والتوبة، وبحسن اختيار الزوج أو الزوجة قبل الزواج، وهذا أحد أهم الطرق للوقاية من هذا البلاء، ومن ثم الحرص على حسن المعاملة وتأدية الحقوق على أكمل وجه بين الزوجين، بالإضافة إلى إشباع العاطفة النفسية لدى الطرفين وذلك بالكلام الجميل العاطفي والمودة والرحمة،
وتبادل الاحترام في كل حين، ومراعاة المشاعر وعدم الاستهتار بها وتهميشها، لافتا إلى أن التناصح بين الزوجين وحل المشكلات الزوجية أولا بأول، واستشارة أصحاب التخصص في علاج الأمراض النفسية أو العضوية التي تعيق الحياة الزوجية، من أهم السبل التي تساعد في الحد من الوقوع في الخيانة الزوجية.
الفراغ الذهني
وفي ذات السياق أضاف مدرب برامج التنمية البشرية والمشرف على برنامج "زواج مدى الحياة" حسن بن مانع آل عمير أن مجرد التفكير في علاقة محرمة يعد مؤشراً واضحاً لضعف الوازع الديني لذلك الشخص، ومن ثم الفراغ الذهني لأي إنسان والذي قد يقوده للمهالك ولأسوأ الأمور, فلا يمكن أن تجد شخصاً لديه رسالة في هذه الحياة ويؤمن بمنهجية سليمة يمكن أن يفكر في فعل أي أمر مخالف حتى ولو دعته نفسه، لذلك فالمبادئ التي يؤمن بها تمثل حصناً منيعاً ضد أي فكرة شيطانية أو هاجس سلبي.
وأكد آل عمير أن ضعف الإرادة في كبح هوى النفس, وضعف الإرادة كأن يعيش الفرد وفقاً لما تمليه نفسه عليه يجعل الشخص يعيش من أجل رغباته وميوله، ويسعى لتحقيقها دون أن يمررها على ميزان الحلال والحرام، مشيرا إلى أن من الأسباب المتعلقة بالجوانب الشخصية قصور تأهيل الزوج والزوجة في مهارات الحياة الزوجية،
فتجد بعض الأزواج يعتقد أن من حقه أن يطلق العنان لبصره للاستمتاع المحرم برؤية النساء، وحينما تجد بعض الزوجات زوجاً بهذا الشكل يبدأ الشيطان يطرق أبواب آذانها لفعل الشيء نفسه من باب العناد.
وأضاف آل عمير أن الخبرات السلبية السابقة لبعض الأزواج قد تدفع بشكل أو بآخر إلى الخيانة الزوجية، فتجد أن بعض من مارس تلك الأفعال في شبابه ولم يقو عزيمته ليردع نفسه عن فعل كل ما هو مشين تجده يميل لتلك النزعات الخارجة عن حدود الأدب بعد الزواج،
بالإضافة إلى المجتمع المحيط بالفرد والذي له تأثير كبير على الإنسان, فإذا كان من أفراده من يدعو للخيانة الزوجية بطريقة غير مباشرة من خلال سرد قصصه الغرامية وعلاقاته المحرمة، فهذا يعد توجيهاً ودعوة نحو الخيانة الزوجية لبقية المستمعين له، وقد يبدأ البعض يفكر في تلك الأمور لا إرادياً حينما يصغي لمثل أولئك الأشخاص المدمرين للمجتمع, ولذلك يجب انتقاء العلاقات والصداقات، فالجليس لا بد أن يؤثر على جليسه.