١ - الخَلْق - جاء في القرآن: «إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ... إِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي» (سورة المائدة ٥: ١١٠).
قال ابن العربيّ في تفسير هذه الآية: لقد خصّ الله عيسى بكونه روحاً. وأضاف النفخ في خلقه من الطين. ولم يضف نفخاً في إعطاء الحياة لغير عيسى، بل لنفسه تعالى.
٢ - النطق عند الولادة - حين ولدت مريم ابنها، تناولها أبناء قومها بالتأنيب، ظنّاً بأنّها حملت بابنها سفاحاً. «فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً» (سورة مريم ١٩: ٢٩ ، ٣٠).
قال ثقات العلماء إنّ قوم مريم لمّا بالغوا في توبيخها سكتت وأشارت إلى وليدها، كأنّها تقول لهم: هو الذي يجيبكم.
وقال السديّ: لمّا أشارت إليه غضبوا غضباً شديداً. وقالوا: إنّ لسخريتها بنا أشدّ من زناها. وفي رواية أخرى أنّ عيسى كان يرضع، فلمّا سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه، واتّكأ على يساره وأشار بسبابته وكلّمهم.
هناك رواية أخرى نقلها الرازي: إنّ زكريّا أتاها عند مناظرة اليهود إيّاها، فقال لعيسى انطق بحجّتك إن كنت أُمرت بها، فقال عيسى: «إنّي عبد الله آتاني الحكمة وجعلني نبيّاً».
٣ - إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص - يقول القرآن بلسان المسيح: «أُبْرِئُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِي ٱلْمَوْتَى بِإِذْنِ ٱللَّهِ»(سورة آل عمران ٣: ٤٩).
من المعروف أنّ الأكمه هو من وُلِد أعمى. والبرص هو المرض الخطير المعروف، والمرضان من الأدواء التي يتعذّر شفاؤهما على البشر. وقد ذكر المثنّى عن ابن إسحاق عن حفص بن عمر، عن عكرمة، قال: إنّما أخبر الله عزّ وجلّ عن عيسى أنّه يقول ذلك لبني إسرائيل احتجاجاً منه بهذه العبر والآيات عليهم في نبوّته. وذلك أنّ الكَمَهَ والبرص لا علاج لهما، فكان ذلك من أدلّته على صدق قلبه.
«وأحيي الموتى». قال وهب بن منبّه، بينما كان عيسى يلعب مع الصبيان، إذ وثب غلام على صبيّ فوكزه برجله فقتله، فألقاه بين يدي عيسى وهو ملطّخ بالدم. فأطلع الناس عليه، فاتّهموه به. فأخذوه وانطلقوا به إلى قاضي مصر، فقالوا: هذا قتل. فسأله القاضي، فقال عيسى: لا أدري مَن قتله، وما أنا بصاحبه. فأرادوا أن يبطشوا بعيسى، فقال لهم: أئتوني بالغلام. فقالوا: ماذا تريد؟ قال: أسأله من قتله؟ فقالوا: كيف يكلّمك وهو ميت؟ فأخذوه، وأتوا به إلى الغلام القتيل. فأقبل عيسى على الدعاء، فأحياه الله.
عن وهب أيضاً قوله: إنّه ربّما اجتمع على عيسى من المرضى، في الساعة الواحدة خمسون ألفاً. مَن أطاق منهم أن يبلُغه بَلَغه، ومَن لم يطق منهم ذلك أتاه عيسى يمشي إليه، وإنّما كان يداويهم بالدعاء.
وعن الكلبيّ، أنّه قال: كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى بيا حيّ يا قيوم. وأحيا عاذر (يقصد لعازر) وكان صديقاً له. ودعا سام بن نوح من قبره فخرج حيّاً. ومرّ على ابن ميت لعجوز فدعا الله فنزل عن سريره، ورجع إلى أهله ووُلد له.
٤ - العلم بالغيب. قال القرآن بلسان المسيح «وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ» (سورة آل عمران ٣: ٤٩).
هنا يجد العلماء مسألتين:
المسألة الأولى: أنّه كان منذ أوّل أمره يخبر بالغيوب. فقد روى السديّ: إنّه كان يلعب مع الصبيان، ثمّ يخبرهم بأفعال آبائهم وأمّهاتهم. وكان يخبر الصبيّ: إنّ أمّك قد خبّأت لك كذا. فيرجع الصبيّ إلى أهله ويبكي، إلى أن يأخذ ذلك الشيء. ثمّ قالوا لصبيانهم: لا تلعبوا مع هذا الساحر. وجمعوهم في بيت. فجاء عيسى يطلبهم، فقالوا له: ليسوا في البيت. فقال: فمَن في هذا البيت؟ قالوا: خنازير. قال عيسى: كذلك يكونون، فإذا هم خنازير.
المسألة الثانية: الإخبار عن الغيوب على هذا الوجه معجزة. فالمنجّمون الذين يدّعون استخراج الخبر لا يمكنهم ذلك إلاّ عن سؤال. ثمّ يعترفون بأنّهم يغلطون كثيراً. أمّا الإخبار عن الغيب، من غير استعانته بآلته، ولا تقدّم فيه مسألة، لا يكون إلاّ بالوحي.
٥ - إنزال المائدة من السماء. يقول القرآن «إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَالَ ٱتَّقُوا ٱللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱلَّلهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَاِئدَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ» (سورة المائدة ٥: ١١٢-١١٤).
اختلف الأئمّة في صفة نزول المائدة وكيفيّتها وما كان عليها. فروى قتادة عن جابر، عن ياسر بن عمّار عن محمّد أنّه قال: أُنزلت المائدة عليها خبز ولحم. وذلك أنّهم سألوا عيسى طعاماً يأكلون منه، ولا ينفد. فقال لهم: إنّي فاعل ذلك، وإنّها مقيمة لكم، ما لم تخبّئوا أو تخونوا. فإن فعلتم ذلك عُذِّبتُم. فما مضى يومهم حتّى خانوا وخبّأوا، فرُفعت ومُسِخوا قردة وخنازير.
وقال ابن عبّاس: قال عيسى لبني إسرائيل: صوموا ثلاثين يوماً، ثمّ سلوا الله ما شئتم يعطيكموه. فصاموا ثلاثين يوماً، فلمّا فرغوا، قالوا: يا عيسى إنّا صمنا فجعنا، فادعُ الله أن ينزل مائدة من السماء. فلبس عيسى المسوح، وافترش الرماد. ثمّ دعا الله، فأقبلت الملائكة بمائدة يحملون عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات، ووضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس، كما أكل أوّلهم.