تعليق علي إقامة إبنة يايرس، وإبن الأرملة، ولعازر
+ إنها تشير إلي إقامة السيد المسيح لنفوس من موت الخطية في مراحلها المختلفة. ويقول القديس أغسطينوس ( هذه الأنواع الثلاثة من الموتي تشير إلي ثلاثة أنواع من الخطاه، لا يزال يقيمهم المسيح إلي اليوم :
1- إبنة يايرس، كانت صبية صغيرة، لم ترفع بعد عن سرير الموت في بيت أبيها. تشير إلي النفس التي تتلذذ بالخطية في القلب والفكر الداخلي، ولكنها لم تمارسها بطريقة ظاهرة، بل هي كامنة في بيتها ( القلب والفكر )، فإحتاجت أن يدخل السيد إلي بيتها ( قلبها ) ويمسك بيدها فتقوم.
2- إبن أرملة نايين : كان قد حمل في نعش إلي الطريق، فتقدم السيد ولمس النعش فوقف الحاملون، وأمر الشاب أن يقوم، ثم دفعه إلي أمه. ويشير الشاب إلي النفس التي عاشت في الخطية - ليس خلال القلب والفكر فقط - وإنما إنتقلت أيضاً الخطية من القلب والفكر إلي القول والعمل والسلوك الخارجي، فإحتاجت إلي تدخل الله ليوقف النفس، فلا تستمر وتتمادي في شرورها وخطاياها، حتي لا تتحول الخطية فيها إلي عادة. فيسمع الإنسان الصوت الإلهي يناديه، ليهبه روح القيامة، ويدفعه إلي الكنيسة أمه.
3- لعازر : كان قد دفن في القبر وله أربعة أيام وقد أنتن، حتي بكي السيد المسيح وأمر برفع الحجر، ثم نادي لعازر أن يخرج، وطلب أن يحلوه من الرباطات.
+ ويشير لعازر إلي النفس التي تحولت فيها الخطية إلي عادة ( له أربعة أيام ) وإلي ضياع كامل ( قد أنتن ). مثل هذه النفوس يبكيها السيد نفسه ويذهب إليها، ويأمر برفع حجر القساوة، وبكلمة فمه يقيمها ويخرجها من قبر الخطية، ويطلب من الكهنة أن يحلوها من رباطاتها .
4- قيامة كثير من اجساد القديسين الراقدين،
بعدما أسلم السيد المسيح الروح علي الصليب ( مت 27 )
+ { والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين - مت 27 : 52، 53 ).
+ يمكن أن تضاف هذه المعجزة إلي ( المعجزات الخاصة بالطبيعة )، حيث أن ( القبور تفتحت ).
+ ونلاحظ أن هذه المعجزة لم تحدث بأمر صريح من السيد المسيح، كما فعل مع إبن الأرملة، وإبنة يايرس، ولعازر.
+ إن قيامة كثير من أجساد القديسين الراقدين حملت تأكيداً لقيامتنا في اليوم الأخير، لذلك نقول في قانون الإيمان وننتظر قيامة الأموات، وحياة الدهر الآتي ). ويقول القديس أمبروسيوس ( عندما أسلم الروح، أظهر أنه مات لأجل قيامتنا، إذ عمل في نطاق القيامة ).
معجزات خاصة بالأرواح وإخراج الشياطين
+ فيها يظهر سلطان السيد المسيح علي الشياطين
مقدمة
1- هناك معجزتان خاصتان بالأرواح، ذكرتا في الثلاثة الأناجيل الأولي، وهما :
أ- إخراج الشياطين ( لجئون ) من مجنوني ( مجنون ) كورة الجرجسيين ( الجدريين ) ( مت 8 : 28 - 34 ، مر 5 : 1 - 20 ، لو 8 : 26 - 39 ).
ب- إخراج روح نجس أخرس أصم من الولد المصروع، لم يقدر التلاميذ أن يخرجوه ( مت 17 : 14 - 21 ، مر 9 : 14 - 29 ، لو 9 : 37 - 43 ).
2- كما توجد 3 معجزات أخري، تكرر ذكر كل منها مرتان، وهي :
أ- إخراج روح نجس في مجمع كفرناحوم ( مر 1 : 21 - 28 ، لو 4 : 31 - 37 ).
ب- شفاء إبنة المرأة الكنعانية ( الفينيقية ) ( مت 15 : 21 - 28 ، مر 7 : 24 - 30 ) - لاحظ هنا أن الشفاء تم عن بعد....
جـ- إخراج سبعة شياطين من مريم المجدلية ( مر 16 : 9 ، لو 8 : 2 ).
3- هذا بالإضافة إلي 4 معجزات أخري، وهي :
أ- إخراج شيطان من إنسان أخرس مجنون ( مت 9 : 32 - 34 ).
ب- إبراء مجنون أعمي وأخرس ( مت 12 : 22 - 30 ).
جـ- إخراج شيطان أخرس ( لو 11 : 14 - 26 ).
د- شفاء المرأة المنحنية ( وهذه وهي إبنة إبراهيم، قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة.. - لو 13 : 10 - 17 ).
ليس كل حالة جنون أو صرع سببها الشياطين
سوف نلاحظ - في بعض معجزات إخراج الشياطين - وصف الحالة بالجنون أو الصرع. ليس معني هذا طبعاً أن كل حالة جنون أو صرع - نقابلها في الحياة - سببها الشياطين، لكن - في بعض معجزات الكتاب - كان الشخص الذي به الروح النجس تظهر عليه أعراض الجنون أو الصرع. وللتوضيح، نذكر الآيات التالية علي سبيل المثال
- المجانين..
أ- مت 8 {.. قدموا إليه مجانين كثيرين، فأخرج الأرواح بكلمة... } مت 8 : 16 ).
ب- شفاء مجنون ( مجنوني ) كورة الجدريين ( الجرجسيين ). في مت 8 { إستقبله مجنونان... فالشياطين طلبوا إليه قائلين : إن كنت تخرجنا، فأذن لنا أن نذهب إلي قطيع الخنازير - مت 8 : 28، 31 )، وأيضاً مر 5 { للوقت إستقبله من القبور إنسان به روح نجس.. فخرجت الأرواح النجسة، ودخلت في الخنازير.. وأما رعاة الخنازير.. جاءوا إلي يسوع، فنظروا المجنون الذي كان فيه اللجئون جالساً ولابساً وعاقلاً، فخافوا - مر 5 : 2، 13 - 15 )، وأيضاً لو 8 { إستقبله رجل من المدينة كان فيه شياطين..
فخرجت الشياطين من الإنسان ودخلت في الخنازير.. فلما رأي الرعاة ما كان.. وجاءوا إلي يسوع، فوجدوا الإنسان الذي كانت الشياطين قد خرجت منه لابساً وعاقلاً.. فخافوا، فأخبرهم أيضاً الذين رأوا كيف خلص المجنون - لو 8 : 27، 33 - 36 ).
جـ- شفاء مجنون أخرس به شيطان، في مت 9 { إنسان أخرس مجنون قدموه إليه، فلما أخرج الشيطان تكلم الأخرس... - مت 9 : 32، 33 ).
د- شفاء إبنة المرأة الكنعانية : وذلك بمقارنة ما قالته المرأة عن إبنتها في مت 15 (.... إبنتي مجنونة جداً.. - مت 15 : 22 ) بما قيل عنها في مر 7 { إمرأة كان بإبنتها روح نجس.. - مر 7 : 25 ).
- المصروعين..
+ كما ورد في شفاء الولد المصروع الذي به روح نجس أخرس أصم، أنظر : مت 17 { يا سيد إرحم إبني فإنه يصرع.. فإنتهره يسوع، فخرج منه الشيطان.. - مت 17 : 15، 18 )، وأيضاً مر 9 { إبني به روح أخرس، وحيثما أدركه يمزقه، فيزبد ويصر بأسنانه وييبس.. - مر 9 : 17، 18 ) وكلها أعراض الصرع، ( فلما رأي يسوع أن الجمع يتراكضون، إنتهر الروح النجس قائلاً له : أيها الروح الأخرس الأصم، أنا آمرك، أخرج منه ولا تدخله أيضاً - مر 9 : 25 )، وأيضاً لو 9 ( وها روح يأخذه فيصرخ بغتة، فيصرعه مزبداً... وبينما هو آت مزقه الشيطان وصرعه، فإنتهر يسوع الروح النجس وشفي الصبي... - لو 9 : 39، 42 ).
معجزتان خاصتان بالأرواح ذكرتا في الثلاثة الأناجيل
1أ- إخراج الشياطين ( لجئون ) من مجنوني ( مجنون ) كورة الجرجسيين ( الجدريين ). ( مت 8 : 28 - 34 ، مر 5 : 1 - 20 ، لو 8 : 26 - 39 )
1ب- إخراج روح نجس أخرس أصم من الولد المصروع، لم يقدر التلاميذ أن يخرجوه. ( مت 17 : 14 - 21 ، مر 9 : 14 - 29 ، لو 9 : 37 - 43 ).
مجنوني ( مجنون ) كورة الجرجسيين ( الجدريين ).
أ- إخراج الشياطين ( لجئون ) من مجنوني ( مجنون ) كورة الجرجسيين ( الجدريين ). ( مت 8 : 28 - 34 ، مر 5 : 1 - 20 ، لو 8 : 26 - 39 )
+ ذكر معلمنا متي أنهما مجنونان ( مت 8 : 28 )، بينما ذكر كل من معلمنا مرقس ومعلمنا لوقا مجنوناً واحداً ( مر 5 : 2 ، لو 8 : 27 ). يعلل القديس أغسطينوس هذا بأن الإنجيليين إكتفيا بذكر الشخص المشهور، والذي كانت المنطقة كلها متألمة لأجله، بينما يري القديس يوحنا ذهبي الفم أنهما ذكرا شخصاً واحداً يعاني أكثر من الآخر، وأن جنونه كان شديداً وبطريقة واضحة، وأن من يشفي شخصاً يشفي الآخر أيضاً، وأن هدف الإنجيليين مرقس ولوقا لم يكن سرد المعجزة كحدث تاريخي، وإنما إعلان إمكانية الشفاء.
+ ذكر أيضاً معلمنا متي أن السيد ذهب إلي كورة الجرجسيين ( مت 8 : 28 )، بينما ذكر كل من معلمنا مرقس ومعلمنا لوقا أنها كورة الجدريين ( مر 5 : 1 ، لو 8 : 26 )، فالقديس متي الإنجيلي - إذ يكتب لليهود الذين يعرفون تلك الأرض جيداً - حدد موضع المعجزة بمدينة صغيرة أو قرية تدعي ( جرجسة ) تقع علي الشاطئ الشرقي لبحر الجليل، بينما الإنجيليان مرقس ولوقا - إذ يكتبان للأمم - لم يهتما بذكر إسم البلدة الصغيرة التي وقعت فيها أو بقربها المعجزة، إنما ذكرا إسم المقاطعة كلها ( كورة الجدريين )، دون الدخول في تفاصيل أكثرعن المكان. و ( جرجسة ) تعرف الآن بإسم كرسة، وهناك موضع بين الوديان فيه تقترب الهضاب إلي البحر، مما يسهل لقطيع من الخنازير أن يندفع مهرولاً إلي بحرالجليل.
+ وفي وصف حالتيهما {.. إستقبله مجنونان خارجان من القبور، هائجان جداً، حتي لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق } مت 8 : 28 )، {. إستقبله من القبور إنسان به روح نجس، كان مسكنه في القبور، ولم يقدر أحد أن يربطه ولا بسلاسل، لأنه قد ربط كثيراً بقيود وسلاسل، فقطع السلاسل وكسر القيود، فلم يقدر أحد أن يذلله. وكان دائماً ليلاً ونهاراً في الجبال وفي القبور يصيح ويجرح نفسه بالحجارة } مر 5 : 2 - 5 )، {.. إستقبله رجل من المدينة كان فيه شياطين منذ زمان طويل، وكان لا يلبس ثوباً ولا يقيم في بيت بل في القبور.. وقد ربط بسلاسل وقيود محروساً، وكان يقطع الربط ويساق من الشيطان إلي البراري} ( لو 8 : 27، 29 ).
+ لعل المجنونان الخارجان من القبور يشيران إلي الروح والجسد، وقد خضعا لحالة من الموت الروحي بسبب الخطية : فقد ملك الشيطان علي الروح، ففقدت شركتها مع الله، وملك الشيطان علي الجسد ففقد سلامه مع الروح... ويصير الإنسان كما في حالة هياج شديد، لا يعرف السلام له موضع فيه. لقد حرمه الروح النجس من السكني في بيته، وعزله عن حياة الشركة - حتي مع أقربائه - ليعيش في عزلة وسط القبور، مثل وحش ثائر لا يقدر أحد أن يضبطه.
+ إن مجنون كورة الجدريين يمثل البشرية التي بقيت زماناً طويلاً مستعبدة لعدو الخير، صارت خارج المدينة والبيت، أي خارج الفردوس الذي أقيم لأجلها، وتعرت من ثوب النعمة الإلهية، تؤذي نفسها بنفسها !
+ ويعلق القديس أمبروسيوس علي هذا الرجل قائلاً { العريان هو من فقد ثوب طبيعته الأولي وفضيلته... وهو يشير إلي شعب الأمم وقد غطته الرذائل فتعري بجهالاته، وخلعت الآثام عنه ثوبه.. إن مثل هذه النفوس تبدو كأنها ساكنة في قبور، فإن أجساد غير المؤمنين ليست إلا نوعاً من القبور يدفن فيها الأموات - أي النفوس الميتة - حيث لا تسكن فيها كلمة الرب }.
+ لقد ساد الإعتقاد عند اليهود قديماً بأن الشياطين تفضل ثلاثة مناطق لسكناها : البرية ( الأماكن الخربة ) وأعماق المياة والقبور.
الأولي تشير إلي سعي الشيطان في نزع كل ثمر روحي للإنسان، ليجعل منه برية قاحلة بلا ثمر. والثانية تشير إلي رغبة العدو أن يدخل بالإنسان إلي دوامة الحياة ليلهيه عن أبديته، فيكون كمن في أعماق المياه بلا رجاء. والثالثة تشير إلي طبيعة الشيطان كمقاتل يشتهي هلاك الإنسان وموته.
+ وقد رأينا السيد المسيح ينتصر علي الشيطان في هذه المواقع الثلاثة : فقد إنتصر عليه في البرية حينما جاء ليجربه، وفي مياه نهر الأردن إذ أعطانا البنوة والسلطان أن ندوس كل قوات العدو بالولادة من الماء والروح في مياه المعمودية المقدسة ( يو 3 : 5 )، وها هو يلتقي بساكن القبور ليخلصه من الروح النجس ويرده إلي بيته.
+ { إذا هما قد صرخا قائلين : مالنا ولك يا يسوع إبن الله ؟ أجئت إلي هنا قبل الوقت لتعذبنا ؟ } ( مت 8 : 29 )، ( فلما رأي يسوع من بعيد، ركض وسجد له، وصرخ بصوت عظيم وقال : مالي ولك يا يسوع إبن الله العلي ؟ أستحلفك بالله أن لا تعذبني - مر 5 : 6، 7 ) أنظر أيضاً ( لو 8 : 28 ).
+ لقد شهدت الشياطين أن السيد المسيح هو ( إبن الله )، وهي نفس شهادة بطرس الرسول له في نواحي قيصرية فيلبس ( مت 16 : 16 ). وفي ذلك يقول القديس أغسطينوس { ما قاله بطرس، نطقت به أيضاً الشياطين. الكلمات واحدة، لكن الذهن مختلف... فإن إيمان المسيحي يقوم علي الحب، أما إيمان الشياطين، فبلا حب... بطرس نطق بهذا لكي يحتضن المسيح، أما الشياطين فنطقت بهذا لكي يتركها المسيح }.
+ لقد إعتبرت الشياطين أن طردهم من الإنسان عذاباً لهم، بعد أن وجدوا راحتهم في عذاب الإنسان ! يقول القديس جيروم ( إذ رأت الشياطين السيد المسيح علي الأرض، ظنوا أنه جاء يحاكمهم ! إن وجود المخلص هو عذاب للشياطين ). ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم ( ظنت الشياطين أن عقوبتهم قد إقتربت جداً، فإرتعبوا كمن سيحل بهم العقاب فوراً ). وأيضاً القديس كيرلس الكبير يقول ( تأمل سلطان المسيح غير المنهزم، فقد إرتعب أمامه الشيطان ).
+ { لأنه قال له : أخرج من الإنسان يا أيها الروح النجس. وسأله : ما إسمك ؟ فأجاب قائلاً : إسمي لجئون، لأننا كثيرون ! - مر 5 : 8، 9 ) أنظر أيضاً ( لو 8 : 29، 30 ).
+ يقول القديس كيرلس الكبير ( إن كلمات المسيح بالنسبة له نار ولهيب ). لكن لماذا سأله عن إسمه ؟ لقد أراد السيد المسيح أن يظهر قسوة عدو الخير، ويعلق علي ذلك الأب ثيؤفلاكتيوس ( حقاً سأله الرب، لا ليعرف شيئاً، وإنما لكي يدرك من هم حوله أن كثيرين يسكنونه ).
+ إن ما حدث مع هذا المسكين، يمثل صورة حية للإنسان حين يخضع لخطية ما : فالخطية تسلمه إلي أخري، وكما يقول القديس يوحنا سابا ( الآلام - أي الخطايا - متشابكة بعضها ببعض، إن خضعت لألم ما - أي لخطية ما - فبالضرورة تصير عبداً لبقية رفقائه ).
+ لاحظ أن الشياطين - في البداية - كانت تتحدث بصيغة المفرد ( مر 5 : 6، 7 ، لو 8 : 28 )، إذ لم تكن ترد أن تكشف عن نفسها، ولكن لما سأل السيد عن الإسم، صارت تتحدث بصيغة الجمع ( إسمي لجئون، لأننا كثيرون ! -
مر 5 : 9 ). ويقول القديس أمبروسيوس {. لم يعذبه شيطان واحد، بل هاجمه لجئون ).
+ { وكان بعيداً منهم قطيع خنازير كثيرة ترعي - مت 8 : 30 )، ( وطلب إليه كثيراً أن لا يرسلهم إلي خارج الكورة.. فطلب إليه كل الشياطين قائلين : أرسلنا إلي الخنازير لندخل فيها } ( مر 5 : 10 - 12 ) أنظر أيضاً ( مت 8 : 31 ، لو 8 : 31 )،
- وكان هناك قطيع خنازير كثيرة ترعي في الجبل، فطلبوا إليه أن يأذن لهم بالدخول فيها.. - لو 8 : 32 ). لعل الشياطين أدركت أن السيد لن يسمح لها بدخول إنسان آخر، فقد جاء لخلاص بني البشر ( يو 3 : 16، 17 )، ولا طلبت منه الدخول في حيوانات طاهرة يمكن أن تستخدم كتقدمة في الهيكل، فإستأذنت أن تدخل الخنازير النجسة ( لا 11 : 7، 8 ، تث 14 : 8 ).
+ ويعلق القديس أمبروسيوس علي طلب الشياطين بقوله ( بدأت الشياطين تتضرع إليه ليأمره حتي تدخل في قطيع الخنازير.. لأنها لم تستطع إحتمال بهاء شعاع النور الإلهي. وكما أن مرضي العيون لا يستطيعون إحتمال التطلع في ضوء الشمس - مفضلين الظلام وهاربين من النور - هكذا تهرب الشياطين مرتعبة قبل حلول الوقت، حيث ينتظرها العذاب ).
+ { فقال لهم : إمضوا، فخرجوا، ومضوا إلي قطيع الخنازير. وإذا قطيع الخنازير كله قد إندفع من علي الجرف إلي البحر، ومات في المياه } ( مت 8 : 32 )، ( فأذن لهم يسوع. فخرجت الأرواح النجسة، ودخلت في الخنازير، فإندفع القطيع من علي الجرف إلي البحر، وكان نحو ألفين، فإختنق في البحر - مر 5 : 13 ) أنظر أيضاً ( لو 8 : 32، 33 ). ربما يتساءل البعض : لماذا سمح الله للشياطين أن تدخل في قطيع الخنازير ؟ ما ذنب هذه الخليقة ؟! وما ذنب أصحابها ؟!
1- لقد أراد أن يعرف الناس أن الشياطين حقيقة وليست وهماً - بدليل ملموس - علي عكس ما يعتقد الصدوقيون ( لأن الصدوقيين يقولون أنه ليس قيامة ولا ملاك ولا روح... - أع 23 : 8 ).
2- أراد أن يوضح للناس عنف الشياطين، وطبيعتهم المحبة للهلاك، حتي بالنسبة للحيوانات غير العاقلة، إذ لم تحتمل الخنازير دخول الشياطين فيها، بل سقط القطيع كله مندفعاً إلي البحر ومات في الحال ! فما حدث للمجنونين كان أقل بكثير مما حدث للخنازير، إذ لم يسمح الله للشياطين أن تؤذي المجنونين إلا في حدود معينة... ويوضح القديس يوحنا ذهبي الفم مدي عنف الشياطين وقسوتهم بقوله { هكذا تفعل الشياطين عندما تسيطر ! مع أن الخنازير بالنسبة للشياطين ليست ذات أهمية، أما نحن - فبالنسبة لهم - توجد بيننا وبينهم حرب بلا هوادة، ومعركة بلا حدود، وكراهية بلا نهاية. فإن كان بالنسبة للخنازير - التي ليس بينهم وبينها شئ - لم تحتمل الشياطين أن تترك ولا واحدة منها، فكم بالأكثر تصنع بنا ونحن أعداء لهم، هؤلاء الذين ننخسهم دائماً ؟!
ماذا يصنعون بنا لو كنا تحت سيطرتهم ؟! }.
3- أراد أن يظهر للحاضرين قيمة النفس البشرية، فهي عنده أثمن من ألفين من الخنازير، وأنه مستعد - مهما كلفه الثمن - أن يترك قطيع الخنازير يهلك من أجل إنقاذ شخصين. وكما يقول القديس جيروم { ليخز ماني القائل بأن أرواح الناس والبهائم واحدة من نفس العنصر.. إذ كيف يكون خلاص رجل واحد - أو إثنين - علي حساب غرق ألفين من الخنازير ؟! }.
4- أراد أن يظهر عنايت بخليقته، إذ لم تستطع الأرواح الشريرة أن تدخل - حتي في الخنازير - بدون إستئذانه ! فعلي الرغم من عنف الشياطين وقسوتها، فهي أمام السيد المسيح في غاية الضعف { لا تقدر أن تدخل خنزيرة ما لم يسمح لها الرب ) كقول القديس يوحنا ذهبي الفم. ويقول القديس سيرينوس ( إن كان ليس لديهم سلطان أن يدخلوا الحيوانات النجسة إلا بسماح من الله، فكم بالحري يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق علي صورة الله ؟! ) أنظر ( أي 1 : 12 ).
5- وربما سمح الله بذلك تأديباً لأصحاب الخنازير، إذ قاموا بتربية حيوانات هي نجسة حسب الشريعة ( لا 11 : 7، 8 ، تث 14 : 8 ). وقد قاموا بتربية هذه الخنازير في ( العشر المدن - مر 5 : 20 ) التي أغلب سكانها من اليونانيين، الذين سكنوها أثر هجوم الإسكندر الأكبر علي الشرق.
+ ويعلق القديس أمبروسيوس علي قطيع الخنازير بقوله ( ما هو قطيع الخنازير إلا هؤلاء الذين يشبهون الحيوانات التي بلا نطق ولا فهم، يدنسون حياتهم بالأعمال النجسة.. فيقودهم تصرفم إلي الهاوية، إذ لا يقدرون المكافأة، وبإندفاعهم من فوق إلي أسفل، يختنقون في المياه بين أمواج هذه الحياة ويهلكون.. وهكذا يجلب الإنسان التعاسة لنفسه بنفسه، فإن لم يعش عيشة الخنازير، لا يكون للشيطان سلطان عليه ).
+ { أما الرعاة فهربوا ومضوا إلي المدينة، وأخبروا عن كل شئ وعن أمر المجنونين، فإذا كل المدينة قد خرجت لملاقاة يسوع، ولما أبصروه طلبوا أن ينصرف عن تخومهم !! - مت 8 : 33، 34 )، أنظر أيضاً مر 5 : 14 - 17 {وجاءوا إلي يسوع فنظروا المجنون الذي كان فيه اللجئون جالساً ولابساً وعاقلاً، فخافوا ! فحدثهم الذين رأوا كيف جري للمجنون وعن الخنازير... )، وأيضاً لو 8 : 34 - 37 ( فوجدوا الإنسان الذي كانت الشياطين قد خرجت منه لابساً وعاقلاً، جالساً عند قدمي يسوع فخافوا ! فأخبرهم أيضاً الذين رأوا كيف خلص المجنون، فطلب إليه كل جمهور كورة الجدريين أن يذهب عنهم، لأنه إعتراهم خوف عظيم !!... ).
+ لعل غرض الشياطين من إغراق الخنازير كان أن يهيجوا كل أهل الكورة علي السيد المسيح، إذ لم يحتملوا الخسارة المادية التي لحقت بهم، فطردوا رب المجد من كورتهم، وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم ( إن اللذين سقطا تحت سلطان الأرواح الشريرة أمكن خلاصهما منها بسهولة، أما الطامعون فلم يقدروا أن يحتملوا السيد، وصاروا أكثر منهما مرارة !! ).
+ والعجيب أنهم خافوا ( مر5 : 15 ، لو 8 : 35 ) بل إعتراهم خوف عظيم ( لو 8 : 37 ) !! خافوا من الذي يخلص الناس من الشياطين !! وكان عليهم أن يوازنوا بين أمرين : بين الشيطان وهلاكه من جهة، وبين السيد المسيح وخلاصه مع الخسارة المادية من الجهة الأخري.. ألفا خنزير مقابل خلاص النفس البشرية ! لقد وجدوا الثمن غالياً جداً، لأن ( قلبهم ذاهب وراء كسبهم - حز 33 : 31 )، فطلبوا من السيد أن يذهب عنهم ( لو 8 : 37 )، وأن ينصرف عن تخومهم ( مت 8 : 34 ).
+ ولعل هؤلاء الرعاة يمثلون الذين يهتمون بـ ( العمل الجماعي ) في الخدمة ويحتقرون ( العمل الفردي )، مع أن السيد المسيح أظهر في المعجزة قيمة النفس البشرية الواحدة، أيا كانت هذه النفس. ويري القديس أمبروسيوس ( أنهم يمثلون معلمي الفلسفة ورؤساء المجمع اليهودي، إذ كانت نفوسهم ضعيفة، لا تحتمل كلمة الله ).
+ {فدخل السفينة ورجع - لو 8 : 37 ) أنظر أيضاً ( مر 5 : 18 )، لم يقاومهم السيد المسيح بل تركهم ودخل السفينة، لأنه لا يفرض محبته علي الناس، إذ أعطاهم حرية الإرادة أن يقبلوه أو يرفضوه ( هأنذا واقف علي الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشي معه، وهو معي - رؤ 3 : 20 )، ( كم مرة أردت... ولم تريدوا - مت 23 : 37 ، لو 13 : 34 ).
إن كان رعاة الخنازير يرمزون لشعب اليهود وقادته - الذين رفضوا عمل السيد المسيح في وسطهم - فقد تركهم السيد ودخل السفينة ( الكنيسة )، ليحل وسط كنيسة العهد الجديد.
+ {طلب إليه الذي كان مجنوناً أن يكون معه، فلم يدعه يسوع بل قال له : إذهب إلي بيتك وإلي أهلك، وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك. فمضي وإبتدأ ينادي في العشر المدن كم صنع به يسوع، فتعجب الجميع - مر 5 : 18 - 20 ) أنظر أيضاً ( لو 8 : 38، 39 ). لقد سبق أن إستجاب السيد المسيح لطلب الشياطين بالدخول في الخنازير، وإستجاب أيضاً لطلب أهل كورة الجدريين وإنصرف عنهم، ولكنه لم يستجب لطلب الرجل الذي شفاه ليكون معه. لعل السيد أراد منه أن يبدأ أولاً بالكرازة في دائرة ضيقة هي دائرة البيت والأهل، فإن وجده أميناً في القليل ( وتكونون لي شهوداً في أورشليم )،
أقامه علي الكثير ( وفي كل اليهودية والسامرة وإلي أقصي الأرض - أع 1 : 8 ) أنظر ( مت 25 : 21 ، لو 16 : 10، 19 : 17 ). ومع ذلك نجد الرجل الذي شفي قد مضي وإبتدأ ينادي في العشر المدن ( مر 5 : 20 )، وفي المدينة كلها ( لو 8 : 39 ) بكم صنع به السيد، حتي تعجب الجميع !