١ - الكفارة في الإسلام
يتفق الفكر الإسلامي مع الفكر المسيحي في وقوع آدم وزوجته في الخطية، ويتفقان في معنى كلمة «كفّارة» وهو ستر الإثم وتغطيته فلا يعود يُحسَب ضد مرتكبه. قال الراغب الأصفهاني في كتابه «مفردات ألفاظ القرآن»: «الكفارة ما يغطي الإثم. والتكفير ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يُعمل. ويُقال: كفرت الشمس النجوم، سترتها». ولكن الفكرين الإسلامي والمسيحي يختلفان في طريقة التكفير عن الخطية.
ففي الفكر الإسلامي نجد طرقاً عديدة يكفّر الله بها عن الخطايا ويغفر بها الذنوب منها:
- الإيمان: فيقول القرآن: «رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ» (آل عمران ٣: ١٩٣). ونجد الفكرة نفسها في المائدة ٥: ١٢ و٦٥ والزُّمَر ٣٩: ٣٥ ومحمد ٤٧: ٢ والفتح ٤٨: ٥ و التغابُن ٦٤: ٩.
- الصَّدقة: فيقول القرآن في البقرة ٢: ٢٧١ «إِنْ تُبْدُوا ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ». ونجد الفكرة نفسها في المائدة ٥: ١٢.
- الاستشهاد: فيقول القرآن: «فَٱلَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ» (آل عمران ٣: ١٩٥).
- اجتناب الكبائر: كالغيبة والقتل. يقول القرآن: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً» (النساء ٤: ٣١).
- الصلاة: يقول القرآن: «لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ» (المائدة ٥: ١٢).
- التقوى: يقول القرآن: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا ٱللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ» (الأنفال ٨: ٢٩). والفكرة تتكرر في المائدة ٥: ٦٥ والزُّمَر ٣٩: ٣٥ والطلاق ٦٥: ٥.
- عمل الصالحات: يقول القرآن: «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ» (التغابُن ٦٤: ٩). ووردت الفكرة نفسها في محمد ٤٧: ٢.
- التوبة النصوح: يقول القرآن: «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ» (التحريم ٦٦: ٨).
- تلاوة الشهادتين: قال أبو ذر إن محمداً قال: «ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة. قلتُ: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلتُ: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلتُ وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، رغم أنف أبي ذر» (مشكاة ٢٦).
- وغير هذه يوجد الجهاد، وقراءة القرآن «الحرف بعشر حسنات» ومشيئة الله، والحج، وغير ذلك من الأعمال الحسنة الطيبة التي تستوجب - حسب المعتقد الإسلامي - غفران الله وعفوه.
٢ - عجز الأعمال عن تحقيق الكفارة
ولكن، هل يمكن للأعمال الصالحة أن تحقق الكفارة؟ هل الصوم والصلاة والزكاة والحج ... إلخ كافية لأن تمنح فاعلها عفو الله وغفرانه؟ وهل يمكن أن تتحقق بها الكفارة؟
يقدم الإسلام خمسة عشر معنى للخطية، ويقسمها إلى كبائر وصغائر، ثم يقدم لها علاجاً خلاصته: «إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّئَاتِ» (هود ١١: ١١٤).
فهل يرضى قاضٍ بهذا العلاج؟ إذا تبرع مجرم يستحق الموت حسب القانون بمبلغ كبير، لبناء مستشفى أو لعمل خيري ككفارة عن جُرْمه، فهل يُرضي هذا قاضياً عادلاً، فيقبل هذا التبرع كفارة عن الخطأ؟!
فلماذا نقول إن القاضي العادل يرفض مبدأ «الحسنات يُذهبن السيئات» ثم نقول بقبول الله لذات المبدأ؟ وهو العادل الأعظم بجانب كونه الرحمن الرحيم. فهل تطغى رحمة الله على عدله؟!
إن الأعمال الصالحة واجبات ضرورية، لكنها لا تعطينا أي حق في التعويض عن الخطايا التي ارتكبناها، ولا يمكن أن تكون وسيلة للصفح عن الذنوب السالفة. وقد قال المسيح: «فَهَلْ لِذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ فَضْلٌ لأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ؟ لاَ أَظُنُّ. كَذٰلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً، مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ. لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا» (لوقا ١٧: ٩ و١٠). وقال الرسول بولس عن خلاص النفس إنه: «لأَنَّكُمْ بِٱلنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِٱلإِيمَانِ، وَذٰلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ ٱللّٰهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس ٢: ٨ - ١٠).
وبما أن المال الذي عندنا، والصحة التي نتمتع بها هما من الله وله، ولسنا سوى وكلاء عليهما، فحين نجود بصَدَقة، أو نؤدّي خدمة، لا نكون قد بذلنا شيئاً من عندنا أو أسْدَينا معروفاً نستحق عليه الجزاء. وهذا ما أعلنه نبي الله داود، بعد أن قدم تبرعات ضخمة لبناء الهيكل، وقال: «مَنْ أَنَا وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَبَرَّعَ هٰكَذَا، لأَنَّ مِنْكَ ٱلْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ! ... أَيُّهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا، كُلُّ هٰذِهِ ٱلثَّرْوَةِ ٱلَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتاً لٱسْمِ قُدْسِكَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ ٱلْكُلُّ» (١أخبار ٢٩: ١٤ و١٦).
إذا حاول شخصٌ أن يهين الملك وقذف موكبه الملكي بالحجارة، فإنه يستحق العقاب، لأنه ألحق الإهانة بالموكب الملكي. صحيح أن الملك لم يُصَب، لكن المحاولة جراءة تستحق العقاب! والخطية هي التعدّي على وصية الله. وكل الأعمال الصالحة التي نقوم بها نحن الخطاة لا يمكن أن تمحو الإهانة التي وجّهناها لله بتعدّينا على وصيته، فهو العظيم الذي لا حدَّ لقداسته وبره وحقه، لذلك فهي لا تستطيع أن تحصل لنا على أي صفح.
إن الوجود في حضرة الله يتطلَّب القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب (عبرانيين ١٢: ١٤). والأعمال الصالحة في حدّ ذاتها لا تستطيع أن تصيّرنا قديسين، لأن القداسة تُعطَى للمؤمن المولود من روح الله، الذي تحقق معه قول المسيح: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ. اَلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَٱلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلرُّوحِ هُوَ رُوحٌ» (يوحنا ٣: ٥ و٦).
ومن المعلوم أن الصلاة هي الصلة بالله، والتحدُّث إليه، والتأمل في شخصه. وبما أن الخاطئ منفصل عن الله بسبب خطيته، فلن تجد صلاته قبولاً عند الله، فإن «مَنْ يُحَوِّلُ أُذْنَهُ عَنْ سَمَاعِ ٱلشَّرِيعَةِ فَصَلاَتُهُ أَيْضاً مَكْرَهَةٌ» (أمثال ٢٨: ٩) وبالتالي لا تنال استجابة. قال الله: «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ. لأَنَّ أَيْدِيكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِٱلدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِٱلإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِٱلْكَذِبِ وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِٱلشَّرِّ» (إشعياء ٥٩: ٢ و٣). وقال النبي داود: «إِنْ رَاعَيْتُ إِثْماً فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ ٱلرَّبُّ» (مزمور ٦٦: ١٨).
وكذلك الحال مع الصوم. صحيح أنه مظهر من مظاهر التذلل والانكسار أمام الرب، إلا أنه لا يقدر أن يُعيد الإنسان إلى حالة البر التي كان عليها قبل السقوط. وهو (مثل الصلاة) لا يقدر أن يعوّض عن الإهانة التي وجَّهتها خطية الإنسان إلى جلال الله الأقدس. لذلك لا يمكن أن يكون وسيلةً للصفح. قال الله: «لَمَّا صُمْتُمْ وَنُحْتُمْ فِي ٱلشَّهْرِ ٱلْخَامِسِ وَٱلشَّهْرِ ٱلسَّابِعِ، وَذَلِكَ هَذِهِ ٱلسَّبْعِينَ سَنَةً، فَهَلْ صُمْتُمْ صَوْماً لِي أَنَا؟ وَلَمَّا أَكَلْتُمْ وَلَمَّا شَرِبْتُمْ، أَفَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمُ ٱلآكِلِينَ وَأَنْتُمُ ٱلشَّارِبِين؟» (زكريا ٧: ٥ و٦).٣ - لزوم الكفارة
الرحمة والعدل في حل مشكلة الخطية:
رأينا أن الخطية خاطئة جداً، لأنها موجَّهة من العبد إلى السيد الأعظم. لكن ما هو الحل؟
نقدم مثالاً أو فكرة للتبسيط: إذا أخطأ ابني في شيء بسيط (كسر كوب ماء مثلاً) فقد أتركه يدفع ثمن هذا الخطأ. ولكن المشكلة تبدأ عندما يرتكب خطأً جسيماً لا يقدر هو على تعويضه. عندها أقوم بعمل القاضي: أحكم بأنه لا مفرَّ من التعويض. ولعجزه عن ذلك أقوم أنا به طوعاً، بسبب محبتي له، وبسبب عجزه هو. وقيامي بالسداد يعني إيفاء الحكم الذي سبق وأصدرتُه. وقد وقفت موقف القاضي، ثم أخذتُ أنا نفسي موقف المتهم، فتحمَّلت العقاب عوضاً عنه طوعاً. وهذا هو منطق المحبة.
فالرحمة: تجعلني أدفع أنا بنفسي، لأني أحبه، ولأني أقدر على الدفع مع عجزه هو عن السداد.
والعدل: يحتم تعويض الخسارة التي تسبَّب فيها ابني. وقد يكون هذا التعويض هو التضحية بحياتي! وهذا ما فعله عمر بن الخطاب، عندما أخذ عقاب الجلد نيابة عن ابنه الذي احتسى الخمر، مع أن عمراً نفسه هو الذي أصدر الحكم.
والذي يتحمَّل الحكم بدل شخصٍ آخر يجب أن يكون بريئاً. فالمحكوم عليه بالإعدام لا يمكن أن يحتمل عقاب إعدامٍ عن شخص آخر، لأنه هو نفسه مطلوب لحكم الإعدام! فأجرة الخطية موت. والجميع أخطأوا، فالجميع وقعوا تحت حكم الموت، وليس من يقدر على تحمُّل هذا العقاب الرهيب. وليس هناك بار يمتلك نفسه «بِٱلْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ» (رومية ٥: ٧). فلا بد من وجود فادٍ بريء يُكّفر عن خطايا البشر. فماذا فعل الله للإنسان لينقذه من خطيته؟٤ - هل تطغى الرحمة على العدل؟
هناك آيات قرآنية كثيرة توضح تلازم صفتي العدل والرحمة في الله، منها:«ٱعْلَمُوا أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (المائدة ٥: ٩٨).«إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» (الأعراف ٧: ١٦٧).«وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ» (الرعد ١٣: ٦).«غَافِرِ ٱلذَّنْبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ شَدِيدِ ٱلْعِقَابِ ذِي ٱلطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ» (غافر ٤٠: ٣).فالعدل والرحمة صفتان بارزتان في الله، ولا يمكن أن تطغى إحداهما على الأخرى. فمن المستحيل أن يتصرف الله تصرّفاً تدعو إليه رحمته يكون مناقضاً لعدله، أو يفعل ما يتطلبه عدله ويناقض رحمته، فارتباط الله بقانونه (الذاتي) يجعله لا يدع رحمته توقف عدله، ولا يُنفِّذ عدلاً يناقض رحمته:العدل: يطلب تنفيذ الحكم كاملاً بلا تساهل ولا تفريط.والرحمة: تطلب الصفح صفحاً تاماً لا عقاب فيه أو قصاص.والمطلبان يناقض أحدهما الآخر! وقد نشأ هذا التناقض بسبب مشكلة الخطية التي تقتضي حلاً يجمع بين هذين المطلبين المتناقضين ويُوفِّق بينهما. ولم يكن بُدٌّ من الجمع بينهما بتقديم فدية ينال بها الإنسان الصفح والغفران، ويستوفي بها العدل الإلهي حقوقه كاملة.وقد نادت اليهودية بالذبائح الدموية للتكفير عن الخطية. ونحن نحتاج لذبيحةٍ ثمينة جداً:
- تساوي كل النفوس المطلوب افتداؤها.
- وتكون من نفس نوع الإنسان.
- ومع ذلك تكون طاهرة وبلا عيب لتصلح للتكفير.
- وتكون كافية لتتميم مطالب العدل والرحمة للبشر جميعاً.
ولكننا لا نجد مثل هذه الفدية عند البشر، فلا بد أن تكون من عند الله نفسه. فهو وحده القادر، بينما الإنسان عاجز، خاصةً بعد أن فصلته خطيته عن الله.٥ - الكفارة في المسيحية
لنفهم عقيدة الكفارة في الكتاب المقدس ينبغي أن نذكر عدداً من الحقائق الهامة التي مهَّدت لها:
- تَسَاوي صفات الله، فلا صفة فيه سبحانه تغلب على أخرى. فإن كان الله محباً فإنه أيضاً عادل وقدوس. وإن كان الله رحماناً رحيماً فإنه سريع الحساب. فلا يمكن أن تطغى رحمته على عدله.
- أخطأ آدم عندما عصى ربه وغوى وأكل من الشجرة الممنوعة، رغم تحذير الله له بأنه إن أكل منها موتاً يموت. وبذلك استحق حكم الموت.
- لم يخلق الله آدم عبثاً، ولم يخلق السموات والأرض بلا هدف ولا تقدير، وهو محبة في ذاته، محبٌّ لخلقه ومخلوقاته.
- وبناءً على ذلك كانت هناك معادلة مطروحة: إما أن يموت آدم كما قالت شريعة الله، فلا تكون هناك حياة ولا آدميون. وإما أن يحيا آدم على حساب التضحية بعدالة الله.
- أوجد الله الحل وقدّمه برهاناً على عظمته ومحبته وعدله ورحمته «هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا ٣: ١٦).
وهذه الحقائق الخمس تسير في تسلسلٍ منطقي، كل حلقة فيها نتيجة طبيعية لما سبقها، ومقدمة بديهية لما تقدمها.كانت العقوبة الإلهية لآدم على خطئه عادلة، كما كانت كفارة المسيح دليل محبته. ولا يعتقد أحد بأن موت آدم جزاء لأكله من الشجرة تطرُّفاً في شدة العقاب، فقد سبق أن أنذر الله آدم بهذه العقوبة. كما أن القصاص الإلهي عادل، يتناسب تناسباً طردياً مع مكانة الشخص المُساء إليه. فإذا وقعت إهانة على شخص قليل الشأن كان قصاصها لا يُذكر، وكان تعويضها (إن كان لا بد من تعويض) ضئيلاً. أما إذا وقعت الإهانة على شخص عظيم القدر كملكٍ أو حاكم، كانت جريمةً شنيعة تستحق عقاباً جسيماً لا مجال فيه للتعويض. وبما أن الخطية إهانة موجَّهة لله الذي لا نهاية لمجده ولا حدَّ لسمّوه، فالعقوبة المستحقَّة عنها هي عقوبة لا نهاية لها. فلا عجب أن قال الله لآدم إنه يوم يأكل من الشجرة التي نهاه عنها «موتاً يموت».٦ - حتمية كفارة المسيح
لا سبيل للحصول على الغفران أو التمتع بالله إلا إذا وفَّينا أولاً مطالب عدالته وقداسته بواسطةٍ ما. لكن الذين لا يدركون هذه الحقيقة، أو يدركونها ثم يتغاضون عنها لجهلهم بكيفية إتمامها، يريحون ضمائرهم بأن يتركوا الأمر إلى رحمة الله. ونحن نعتزّ برحمة الله، ونؤمن أن رحمته وحدها هي القادرة أن تأتينا بالصفح والغفران. لكن لكي لا يكون الاعتماد عليها مؤسساً على مجرد الأمل أو التمني، بل على الحق والواقع نقول:لنفرض أن قضيةً رُفعت إلى قاضٍ مشهورٍ بالرحمة والرأفة، كما أنه مشهور بتقديس العدل وعدم التفريط في الحق، فهل يجوز للمذنب أن يُطمئن نفسه بأن هذا القاضي سوف يبرئ ساحته لأن قلب القاضي الرحيم الرؤوف لا يرضى بتوقيع العقوبة القانونية عليه؟الجواب: لا!وعلى هذا النسق نقول: الله رحيم رؤوف كما أنه عادل وقدوس. فلا يجوز أن نُطمئن نفوسنا برحمته قبل أن نعرف الوسيلة التي تؤهّلنا للتمتّع بتلك الرحمة دون الإجحاف بمطالب عدالته وقداسته. فما هي هذه الوسيلة؟الجواب: لا نستطيع بالصلاة والصوم والأعمال الصالحة أن نوفي مطالب عدالة الله وقداسته، وهما لا تقلاّن في شيء عن رحمته ومحبته. فلكي نتمتع بالغفران والقبول أمام الله لا بد من الفداء أو التعويض، بواسطة كائن يقبل أن يموت عوضاً عنا، ويرضى على نفسه القصاص الذي نستحقه بسبب خطايانا، ويقدر أن يهبنا أيضاً طبيعة روحية تجعلنا أهلاً للتوافق معه سبحانه في صفاته الأخلاقية السامية، تنفيذاً لمطالب قداسته.وتوضيحاً لما سبق فإن لهذا الفادي عدداً من الشروط التي يفترضها العقل والمنطق لفداء البشرية، منها:
- بما أن الفدية يجب أن تكون على الأقل مساوية في قيمتها للشيء المطلوب فداؤه. وبما أنه لا يساوي الإنسان إلا إنسان مثله، لأنه ليس له نظير بين الكائنات يعادله ويساويه. لذلك فالفِدية أو بالأحرى الفادي الذي يصلح للتكفير عن نفوسنا يجب أن لا يكون حيواناً، بل أن يكون على الأقل إنساناً.
- وبما أن هذا الفادي سيكون فادياً ليس لإنسانٍ واحد بل لكل الناس، يجب أن تكون قيمته معادلة لكل هؤلاء الناس.
- وبما أنه لو كان الفادي من جنسٍ يختلف عن جنسنا لَمَا استطاع أن يكون نائباً عنا، لأن النائب يكون من جنس الذين ينوب عنهم، لذلك فإنه مع عظمته التي ذكرناها يجب أن يكون واحداً من جنسنا.
- وبما أنه لو كان الفادي خاطئاً مثلنا لكان محروماً من الله، وواقعاً تحت قضاء القصاص الأبدي نظيرنا. ولا يستطيع تبعاً لذلك أن ينقذ واحداً منا من هذا المصير المرعب، لأنه يكون هو نفسه محتاجاً إلى من ينقذه. لذلك فالفادي يجب أن يكون واحداً من جنسنا، وخالياً من الخطية خلوّاً تاماً.
- وبما أن خلوّه من الخطية (وإن كان أمراً سامياً) لا يدل على كماله، ولا على أهليته ليكون فادياً. فآدم مثلاً خُلق خالياً من الخطية غير أنه لم يكن معصوماً منها، لأنه عندما عاش على الأرض سقط فيها، لذلك لا يكفي أن يكون الفادي خالياً من الخطية، بل يجب أن يكون أيضاً معصوماً منها.
- لو كان هذا الفادي مخلوقاً لكان بجملته ملكاً لله. والشخص الذي لا يملك نفسه لا يحق له أن يقدم نفسه فدية لله عن إنسانٍ ما. إذاً فالفادي يجب أن يكون أيضاً شخصاً غير مخلوق، لكي يكون من حقه أن يقدم نفسه كفارة.
- لا يمكن الحصول على الغفران والتمتع بالوجود في حضرة الله إلا إذا تمَّ أولاً إيفاء مطالب عدالته وقداسته التي لا حدّ لها. إذاً فالفادي يجب أن يكون أيضاً ذا مكانة لا حدَّ لسموِّها حتى يستطيع إيفاء مطالب العدالة بتحمُّل كل قصاص الخطية عوضاً عنا. وإيفاء مطالب القداسة بإمدادنا بحياة روحية ترقى بنا إلى درجة التوافق مع الله في صفاته الأخلاقية السامية.
تُرى من يكون هذا الفادي العظيم القدْر، الخالي من الخطية والمعصوم منها، غير المخلوق في ذاته، وغير المحدود في مكانته، حتى يستطيع متطوّعاً أن يوفي مطالب عدالة الله التي لا حدّ لها عوضاً عنا، ويبعث فينا أيضاً حياة روحية ترقى بنا لدرجة التوافق مع الله في صفاته الأخلاقية السامية؟ ليس هناك مَن يتَّصف بهذه الصفات أو يستطيع القيام بهذه الأعمال سوى الله!٧ - الله يقدّم العلاج
لما عجز البشر، قدَّم الله العلاج طوعاً ومحبةً.في أمور كثيرة يعجز الصغير أو الضعيف عن الالتقاء بالكبير أو القوي، إلا عندما يتنازل العظيم ويأخذ بيد الضعيف، كما في التقاء الملك بالشحاذ. فالملك هو الذي يقدر أن يتنازل فيلتقي بالعبد الفقير. وهنا نلاحظ:
- قد لا تدرك الرعية شخصيَّة الملك أثناء تنازله، ولكن هذا لا يقلل من شأن الملك، لأن المشكلة كامنةٌ في إدراكهم هم لا في عظمة الملك وتنازله. ومهما أُسيء تفسير وفهم ما عمله الملك، فهو لا يقلل من شأنه ولا من شأن ما صنعه.
- يمكن أن يتنازل الملك فيلتقي بالعبد، لكن العكس غير جائز، فلا يقدر العبد أن يأخذ زمام المبادرة ويلبس ثياباً ملكية، ويذهب لملاقاة الملك! وهذا ما فعله الله، ملك الملوك. فلما عجز الإنسان الخاطئ عن الالتقاء به، خاصةً بعد أن فصلته الخطية عنه، تنازل الله المُحب متراحماً وأخذ زمام المبادرة. والإنسان يفعل نفس الشيء مع ابنه، ويدفع عنه الثمن مهما عظم. وقد رأينا عمر بن الخطاب يتحمَّل عقاب ابنه، لأنه يحبه.
- يقدر الله أن يتّخذ ناسوتاً من جنسنا ليكون فيه فادياً لنا. وهو باتّخاذ هذا الناسوت:
أ - لا ينحصر في مكان ما، لأن اللاهوت لا يتحيَّز بحيّز. ووجوده سبحانه في مكان (حسب تقديراتنا البشرية) لا يمنع وجوده في مكان آخر في نفس الوقت.
ب - باتّخاذه هذا الناسوت لا يفقد شيئاً من مجده الذاتي، لأن هذا المجد لا يتعرَّض للزيادة أو النقصان على الإطلاق.
ج - اتّخاذه هذا الناسوت أمر تتطلبه رغبته في أن تكون لنا جميعاً علاقة صادقة معه، إذ لا يمكن أن تقوم هذه العلاقة إذا ظل بعيداً عن مداركنا، وظلَلْنا نحن بعيدين عن التوافق معه.
وليست فكرة التجسُّد غريبة، ففي القول: «بُورِكَ مَنْ فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا» (النمل ٢٧: ٨) توضح لنا الله «مَن في النار» في شجرةٍ تحترق مع أنها كانت تُعبَد كوثن. وهو في الوقت نفسه «مَن حولها» يملأ السماء والأرض. فبالأولى يظهر في صورة إنسانٍ مخلوق على صورته (كما تقول التوراة، وكما يقول تفسير صحيح مسلم لسورة الرحمن).
أما عن تحيُّز الله فيقول الحديث الإسلامي: «إن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ليسمع دعاء عباده» (صحيح البخاري ج ٤ باب صلاة نصف الليل). وفي حديث صحيح آخر يقول محمد: «أستأذِنُ على ربي في داره، فإذا رأيت ربي وقعتُ له ساجداً» (صحيح البخاري تقسيم مصطفى البغا رقم ٧٠٠٢). ومن هذا نرى أن التجسّد لا يمنع وجود الله في كل مكان.
- وخلوّ هذا الناسوت من كل ميلٍ للخطية ممكن، لأن الله عندما يتَّخذ لنفسه ناسوتاً لا يحتاج في تكوينه إلى بذرة حياة من رجل ما، لأنه هو الحياة نفسها. وبما أن الطبيعة التي تميل إلى الخطية تنتقل إلى الإنسان بالتناسل الطبيعي، فمن البديهي أن يكون هذا الناسوت خالياً من الطبيعة الخاطئة، ويكون أيضاً (بسبب كماله الذاتي) معصوماً من السقوط في الخطية.
- ومساواة نفسه لنفوسنا جميعاً في القيمة ممكن، لأنه مقترنٌ به تعالى، وقيمته لا حدَّ لها. فإن هذا الناسوت قدوس كل القداسة، والقدوس أعظم من كل الخطاة بما لا يُقاس.
- وامتلاك الفادي لناسوته أمر قائمٌ، فهو غير مخلوق بواسطة كائنٍ ما، لأن هذا الفادي هو الله، خالق كل الأشياء ومالكها.
- واحتمال قصاص الخطية عوضاً عنا إيفاءً لمطالب العدالة الإلهية يتوافر فيه أيضاً، لأنه بوصفه الله يحيط بمطالب هذه العدالة، ويقدر أن يحقّقها في الناسوت الذي يتَّخذه.
- واستطاعته أن يرقى بنا إلى حالة التوافق مع الله يتوافر فيه كذلك، لأنه في ذاته هو الله، والله هو الذي يقدر أن يقوم بهذه المهمة.
فإذا درسنا حياة الأشخاص الذين ظهروا في العالم، نرى أن الشخص الوحيد الذي تتوافر فيه كل شروط الفداء هو المسيح:
- فهو لم يرث الخطية في طبيعته الإنسانية، لأنه وُلد بدون أبٍ يورّثه الخطية، فقد وُلد من عذراء بقوة الروح القدس (لوقا ١: ٢٨).
- وعاش المسيح بقوته الذاتية دون خطية. صحيحٌ أنه كانت له كل الإحساسات الطبيعية مِن شعورٍ بالجوع والعطش والألم والحاجة إلى النوم (متى ٤: ٢) وهي التي كان يمكن أن تميل به إلى الانحراف عن حق الله. ولكن بسبب كماله الذاتي لم ينحرف عن حق الله على الإطلاق، ولذلك كان أسمى من آدم بما لا يُقاس. فمع أن آدم خُلق خالياً من الخطية، إلا أنه مال إليها وسقط فيها. على النقيض من المسيح تماماً.
- تساوي نفس المسيح نفوس البشر جميعاً، بل وتفضل عنها قيمة وقدراً، لأنه هو الكامل. أما هم فبسبب خطاياهم ناقصون. وإن اجتمع بعضهم إلى البعض الآخر، فإن هذا لا يقلل من نقصهم، بل يزيده نقصاً.
- ومع ذلك كان المسيح - من الناحية الناسوتية - إنساناً حقيقياً من جنسنا. فجسده وإن كان خالياً من الخطية، كان جسداً مادياً مثل أجسادنا «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلأَوْلاَدُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ (المسيح) أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا» (عبرانيين ٢: ١٤). ولما ظنَّ تلاميذه بعد قيامته أنه روح قال لهم: «اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي وَٱنْظُرُوا، فَإِنَّ ٱلرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي» (لوقا ٢٤: ٣٩).
- ورغم أنه كان إنساناً حقيقياً، كانت نفسه ملكاً له، قال عنها: «لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا (أي أسلّمها) أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً» (يوحنا ١٠: ١٨).
وقد برهن عملياً على صدق شهادته هذه، لأنه بعدما قدم نفسه كفارة عن البشر استردَّها ثانية وقام من بين الأموات.
- وكان في إمكان المسيح أن يبعث حياةً روحية في البشر، ترقَى بهم فوق ضعفهم الذاتي وتجعلهم أهلاً للتوافق مع الله في صفاته الأخلاقية السامية إلى الأبد. فقد قال عن رعيته: «أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا ١٠: ٢٨).
- وكان من الناحية الباطنية هو ذات الله، فاستطاع أن يكفّر عن البشر جميعاً تكفيراً يوفي مطالب عدالة الله.
وقَبْلَ مجيء المسيح ليقدم نفسه كفارة عن خطايا البشر نادت شريعة موسى بالذبيحة التي يقدمها المعترف بالخطأ، طالباً غفران الله، فتموت الذبيحة بدلاً منه، ويحيا هو. وعيد الأضحى ينقل هذه الفكرة نفسها فلقد فدى الله ابن إبراهيم بذبْحٍ عظيم (الصافات ٣٧: ١٠٧)، ومن هنا نرى أن سفك الدم والفداء متلازمان مترابطان.والدليل على أن الله قبل كفارة المسيح، أنه عند صلب المسيح انشقَّ حجاب الهيكل مِن أعلى إلى أسفل، بمعنى أن المبادرة جاءت من عند الله. وهذا يعني أن ذبائح شريعة موسى قد انتهت لأنها كانت مجرد رموز لذبيحة المسيح العظمى. وبعد أن جاء المرموز له، وقدَّم نفسه فداءً للبشرية توقفت الذبيحة الموسوية،وتحقق في الصليب الوعد الإلهي «ٱلرَّحْمَةُ وَٱلْحَقُّ ٱلْتَقَيَا. ٱلْبِرُّ وَٱلسَّلاَمُ تَلاَثَمَا» (مزمور ٨٥: ١٠) وكلمة «الحق» هنا تعني العدل، فالله صالحنا لنفسه في المسيح (٢كورنثوس ٥: ١٩). وسنوضح في الفصل القادم حقيقة الصليب.ملاحظة هامة: إذا كانت لديك تساؤلات أو اعتراضات اطلب منا كتاب «كفارة المسيح» لعوض سمعان، فهو يعالج هذا الموضوع بتفصيل ودقة أكثر، خاصة عن كيفية انتفاعك بكفارة المسيح، فلن تجد قبولاً أمام الله إلا مِن خلال كفارة المسيح الذي يُطهر من كل خطية.