منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور الحياة

اخبار . رياضة . فن .فيديو. طب. برامج. موضة. طفل. حوادث. بحث. فيس .بوك . تويتر. يوتيوب. جوجل . ادنس. ربح .نت .افلام . ترانيم . مسرحيات. عظات
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 7 ... 11, 12, 13, 14  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27517
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 7:32 pm

الفصل الثالث
البروتستنتيّة والمجمع التريدنتيني
إن موضوع النعمة هو
الموضوع الرئيس الذي قسم الكنيسة الغربية إلى كاثوليكية وبروتستنتيّة.
فمحور النقاشات كان الدور الذي يجب أن يعطى لنعمة الله من جهة ولأعمال
الإنسان من جهة أخرى في "تبرير الخاطئ أمام الله" وحصول الإنسان على
الخلاص.
ولقد اعتبر المصلحون البروتستنتيّون أن طاعتهم للبابا
وبقاءهم في الكنيسة الكاثوليكية هما رهن بقبول البابا نظرتهم في هذا
الموضوع. إلاّ أن الكنيسة الكاثوليكيّة، في المجمع التريدنتيني، رفضت
النظرة البروتستنتيّة وحرمت أتباعها.
ما هي بالإيجاز تعاليم البروتستنتيّة وتعاليم المجمع التريدنتينيّ في موضوع النعمة؟
أولاً- النعمة في لاهوت الإصلاح البروتستنتي
1-
الخطيئة الأصليّة أفسدت بطريقة جذريّة طبيعة الإنسان. ومن ثمّ لا وجود
للحريّة التي تتيح للإنسان تتميم أعمال برّ وصلاح. فالإنسان خاطئ في كيانه
وفي جميع أعماله. نعمة الله هي التي تبرّره وتعمل فيه كل عمل صالح يقود
إلى الحياة الأبديّة. والشرط الكافي والضروري للحصول على هذا التبرير هو
الإيمان. والإيمان ليس اعتناقاً فكرياً لحقائق عقائديّة، بل هو عمل إرادة
به يثق الإنسان برحمة الله الذي ينحني على الإنسان ويغفر له خطاياه.
2-
التبرير الذي يحصل عليه المؤمن لا ينفذ إلى صميم طبيعته الإنسانيّة. بل
يبقى عرضيًّا وخارجيًّا. يبقى الإنسان المبرَّر خاطئاً. إلا أن خطيئته لا
تحسب عليه. انه، حسب تعبير لوتر، "خاطئ وبارّ في آن معاً".
3- الأعمال
لا تقود إذاً إلى التبرير. فالإيمان وحده يبرّر الإنسان. إلا أن الإنسان
يجب ألاّ يكتفي بالإيمان، بل أن يقرن الإيمان بالعمل.
يقول ملنختون إن
الأعمال هي ثمار الإيمان. وإن لم تكن هي التي تبرّر الإنسان إلا أن الله
قد أوصى بها، ولا بدّ للمسيحيّ من أن يظهر إيمانه بحياة جديدة في تتميم
جميع وصايا الله وجميع تعاليم المسيح.
إلاّ أن الخلاص الأبديّ لا يحصل
عليه المؤمن بما يقوم به من أعمال صالحة. فالإنسان، مهما قام بجهد ومهما
صنع من أول صالحة ومهما بلغ من كمال وقداسة، فإنه يبقى خاطئاً، ولن يستحقّ
بأعماله وبحياته الحياة الأبديّة. فالخلاص هو نعمة مجانيّة استحقها لنا
"المسيح وحده" بموته الفدائيّ وقيامته. "النعمة وحدها، "المسيح وحده"،
"الإيمان وحده"، هي العبارات الثلاث التي توجز فكرة المصلحين في النعمة
والتبرير والخلاص الأبديّ.
ثانياً: المجمع التريدنتينيّ (الدورة السادسة، 13 كانون الثاني 1547)
أعلن
المجمع التريدنتينيّ العقيدة الكاثوليكية حول النعمة في "القرار في
التبرير". وفيه يتكلم عن التبرير الذي يحصل عليه الإنسان البالغ. أمّا
الأطفال الذين يتبرّرون بالمعمودية دون أيّ مساهمة من قبلهم، فلا يأتي
المجمع على ذكرهم في هذا القرار.
في 16 فصلا و33 بنداً يعرض المجمع
للخلاص والتبرير اللذين يمنحهما الله للإنسان باستحقاقات يسوع المسيح،
ويؤكد ضد التعاليم البروتستنتية مساهمة الانسان في الخلاص والتبرير
باستحقاقات إعماله الصالحة. سنكتفي هنا بإيجاز الفصول الستة عشر:
1- إن الخطيئة الأصلية قد جعلت الناس "عبيداً للخطيئة"، بحيث لا يستطيعون الحصول على التبرير بقواهم الطبيعية أو بتتميم الناموس.
2 و3- المسيح، بموته، برّرنا. ومن يولد من جديد يشترك في آلام المسيح ويصبح ابن الله ويصل على النعمة التي تصيّره باراً.
4- تبرير الإنسان يتمّ بالمعموديّة، كما كتب: "لا أحد يستطيع أن يدخل ملكوت الله ما لم يولد من الماء والروح" (يو 3: 5).
5-
إن الله قد أحبّنا أولاً. فهو إذاً يعطي النعمة للإنسان دون أيّ استحقاق
من قبل الإنسان. إلا أن الإنسان لا يفقد حريّته، بل يستخدمها عندما يقبل
نعمة الله السابقة. والنعمة السابقة هي التي تسبق ارتداد الإنسان وتبريره.
6-
التمهيد للحصول على التبرير: يهيّأ الإنسان للحصول على التبرير بطرق
مختلفة: نعمة الله السابقة؛ الإيمان بالوحي وبأن الله هو الذي يبرّر
الخاطئ؛ التوبة؛ التصميم على نيل المعموديّة وعلى بدء حياة جديدة وعلى
تتميم وصايا الله.
7- التبرير ليس مجرد غفران للخطايا بل تجديد الإنسان
الداخليّ بتقبل النعمة. فالإنسان الخاطئ يصبح بارًّا في صميم كيانه
ووارثاً للحياة الأبديّة.
8- الإيمان يبرّر الإنسان بمعنى ان الإيمان هو بدء الخلاص والتبرير.
9-
لا أحد يستطيع أن يعرف معرفة أكيدة لا تحتمل الشكّ والخطأ انه نال النعمة.
فمن جهة يجب آلا نشك في رحمة الله، ومن جهة أخرى يجب أن نعي دوماً ضعفنا
وإهمالنا وتقصيرنا.
10- البرّ الذي يحصل عليه الإنسان ينمو بالأعمال الصالحة.
11- تتميم الوصايا ممكن وضروريّ للإنسان المبرّر. فالإيمان وحده لا يكفي
12-
لا أحد يستطيع أن يقول إنه من عداد المخلّصين الذين سبق الله فحدّد أن
يحصلوا على الخلاص. لأن كل إنسان معرض للخطيئة ويمكن أن يقع في الخطيئة
13-
نعمة الثبات في الإيمان وفي النعمة: لا أحد يستطيع أن يقول إن الله سيمنحه
إياها حتى وإن كان هو غير أمين لله بتتميم الأعمال الصالحة.
14- من نال النعمة التبرير ثم عاد فسقط في الخطيئة يفقد الخالع. لكنه يستطيع بسر التوبة استعادة النعمة التي فقدها.
15- بالخطيئة المميتة لا يفقد الإنسان إلاّ النعمة، أمّا الإيمان فلا يُفقَد سوى بالجحود.
16-
ثمار التبرير: إستحقاقات الأعمال الصالحة، حسب قول بولس الرسول: "كونوا
مستزيدين على الدوام في عمل الرب، عالمين أن تعبكم ليس بباطل في الرب" (1
كو 15: 58)، "ان الله ليس بظالم حتى لينسى عملكم الصالح والمحبة التي
ابديتموها لأجل اسمه" (عب 6: 10)، "لا تفقدوا ثقتكم فإنّ لها جزاء
عظيما..." (عب 10: 35). لذلك فالحياة الأبديّة هي في آن معاً نعمة وعد بها
المسيح أبناء الله ومكافأة يمنحها الله جزاء الأعمال الصالحة. ذلك هو
"إكليل البر الذي سيجزي به الله الديّان العادل... مع الذين أحبّوا ظهوره"
(2 تي 4: 7)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27517
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 7:35 pm

ان يسوع هو الذي يمنح دوماً قوّته للمبرّرين،
"كالرأس للأعضاء" (اف 4: 15)، و"كالكرمة للأغصان" (يو 15: 5). وهذه القوة
تسبق وتصحب وتتبع دوماً أعمالهم الصالحة، وبدونها لا يمكن أن تكون هذه
الأعمال مرضيّة أمام الله ومستحقّة الجزاء.
إن محبة الله للبشر عظيمة إلى حدّ أنها تجعل من مواهبه استحقاقات لهم.

ثالثًا- ماذا بقي اليوم من هذا النقاش بين الكاثوليك والبروتستنت؟

يُعتبر
اليوم النقاش الذي جرى بين الكاثوليك والبروتستنت في القرن السادس عشر
أمراً عفّاه الزمن. ويمكننا اليوم أن نرى بوضوح كيف كان كل فريق يؤكّد
بشدة ناحية معيّنة من العقيدة الواحدة. وبلغت حدّة النقاش بالبعض إلى
مواقف متصلّبة منافية لتعليم كنيستهم. نذكر على سبيل المثال قول أحد اتباع
لوثر الغيورين، نيكولا فون امسدورف: "إن الأعمال الصالحة مضرّة للخلاص
وللحياة الأبديّة". ان نقطة انطلاق لوثر هي مجانيّة الخلاف، إلا أن قولا
كهذا يناقض آراءه التي نجد فيها اعتدالا. فمع تشديده على مجانيّة الخلاص
وأوّلية الإيمان بالنسبة إلى الأعمال، يعتبر، في تقديمه للرسالة إلى
الرومانيين في طبعته الألمانيّة للكتاب المقدّس، أن "الإيمان الحيّ
والقويّ لا يسعه إلا أن ينتج عنه باستمرار عمل الخير".
من جهة أخرى يجب
قراءة تأكيدات المجمع التريدنتينيّ للأعمال الصالحة على ضوء ما يقوله في
نهاية الفصل السادس عشر في أوّلية نعمة الله: "إن محبة الله للبشر عظيمة
إلى حد أنها تجعل من مواهبه استحقاقات لهم".
نخلص إلى القول إن الأعمال
الصالحة التي يقوم بها المؤمن لا بدّ منها للخلاص. ذلك أنها الدليل في آن
واحد على صحّة إيمانه وعلى نعمة الله التي تعمل فيه.

رابعاً- النعمة المقدِّسة والنعمة الحاليّة

هناك
تمييز تقليدي في اللاهوت الغربي بين النعمة المقدِّسة والنعمة الحالية. ما
معنى هاتين اللفظتين؟ إن التبني والولادة الجديدة بالمعموديّة واشتراك
المؤمن المبرَّر بالطبيعة الإلهية وسكنى لروح المقدس في نفسه، كلّ هذه
الأمور التي تكلّمنا عنها في الفصول السابقة هي طرق مختلفة للتعبير عن
الحقيقة نفسها: وتلك الحقيقة هي أن الإنسان الخاطئ يصبح مبرِّراً، ينتقل
من حالة الخطيئة إلى حالة البر تلك الحالةَ الجديدة تدعى أيضاً "حالة
النعمة". أمّا النعمة التي يحصل عليها الإنسان بانتقاله إلى تلك الحالة
الجديدة فتدعى "النعمة المقدِّسة"، لأنها هي التي تقدّس الإنسان وتبرّره.
تلك
النعمة هي "موهبة مخلوقة"، وبهذا تتميّز عن "الموهبة غير المخلوقة"، التي
هي الروح القدس نفسه الذي يهبه الآب بالابن. تلك النعمة ليست موهبة عابرة،
بل حقيقة ثابتة، "طبيعة" جديدة: كما أن الطبيعة الإنسانيّة هي مبدأ أعمال
الإنسان الاعتياديّة لطبيعيّة، كذلك النعمة المقدِّسة هي مبدأ أعمال
الإنسان الفائقة الطبيعة.
النعمة المقدّسة هي نتيجة لحضور الروح القدس
في النفس. وقد ركّز آباء الكنيسة على هذا الحضور، انطلاقا من العهد الجديد
ولا سيما من يوحنا وبولس.
النتيجة الأولى للنعمة المقدّسة هي
"الاشتراك في الطبيعة الإلهية". هذا الاشتراك لا يقوم فقط على التشبّه
بالله بتتميم الفضائل (اشتراك ادبيي)، ولا هو اندماج حلوليّ مع الله، بحيث
يزول كلّ فرق بين الإنسان والله. إن المفهوم الكاثوليكيّ لهذا الاشتراك هو
حلّ وسط بين هذين المفهومين المتطرّفين. إن الله يرفع الطبيعة الإنسانيّة
إلى درجة سامية يدعوها الآباء وهذا التألّه يصبح في الإنسان مبدأ أعمال
صالحة، دون أن يزيل الفرق بين الإنسان والله.
النتيجة الثانية للنعمة المقدَسة هي "التبنّي": فبالنعمة يصبح الإنسان ابن الله بالتبنّي.
النعمة
الحالية هي المساعدة العابرة التي يرسلها الله للإنسان الغير المبرّر
لينير عقله ويلهم إرادته ويوصله إلى البرّ، وللإنسان المبرّر ليثبّته في
طريق البرّ وفي حالة النعمة.
إن عبارة "النعمة الحالية" لا نجد لها أيّ
أثر في كتابات الآباء ولا في القرون الوسطى قبل القرن السادس عشر. وقد
استعملت للإجابة على سؤال عمليّ: كيف نعبّر عن النعمة التي ينالها الإنسان
قبل تبريره؟ بما انه لا يحصل على النعمة المقدِّسة إلا بالمعموديّة
والتبرير، فلا بدّ من وجود نعم أخرى يمنحها الله للإنسان ليقوده إلى
الارتداد وبالتالي إلى قبول النعمة المقدِّسة. وتلك النعم دعاها
اللاهوتيون "النعم الحاليّة".

وتلك النعم الحاليّة هي إمّا إلهامات
مباشرة من قبل الله وإمّا مساعدات يرسلها الله بواسطة البشر، كسماع
المواعظ وقراءة الكتب المقدّسة، والأمثلة الصالحة، وإرشادات الأصدقاء.
كيف ينظر اللاهوت المعاصر إلى هذا التمييز بين النعمة المقدّسة والنعمة الحاليّة وإلى مفهوم النعمة بنوع عام؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27517
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 7:38 pm

الفصل الرابع
النعمة في اللاهوت المعاصر

اللاهوت علم يحاول
التعبير بكلام بشري عن حقيقة الله وعلاقته بالإنسان. إن الله قد أوحى لنا
بذاته بابنه يسوع المسيح. ففي المسيح عرفنا الآب وعرفنا إراته الإلهية في
خلاص البشر، وأدركنا العلاقة التي يريد أن يقيمها معنا. إلاّ أنّنا في
تعبيرنا عن تلك العلاقة نستخدم كلامًا بشريّاً يخضع لتطوّر البيئة
الحضارية التي نعيش فيها وتتعدّد وجوهه. بيد أن هذه التعددية لا تعني أن
جميع الطرق التي يعبّر بها الإنسان هي مماثلة من حيث القيمة، فقد نميل إذ
إحداها ونرفض غيرها. ولكن يجب إلاّ نحكم على الأجيال السابقة لكونها لجأت
إلى طريقة دون أخرى، بل نرى ما فيها من نواح إيجابية تساعدنا على التعبير
اليوم عن حقيقة الله التي لا يمكن أيّ عقل بشري أن يدرك غور أبعادها.
فكيف إذن يعبّر اللاهوت اليوم عن مفهوم النعمة؟
1- النعمة حضور الله نفسه
يرى
اللاهوت المعاصر أنّ موضوع النعمة لا يمكن أن يعالَج بشكل عرضي إلى جانب
سائر المواضيع اللاهوتية، كالله والخلق والتجسّد والكنيسة والأسرار،
فالنعمة هي الإطار العام الذي يجب أن تُبحث فيه كل المواضيع اللاهوتية،
لأنها في نظره ليست مجرّد مساعدة يمنحنا إيّاها الله من بعيد، بل هي عطاء
الله ذات لنا. النعمة هي الله نفسه من حيث يعطي ذاته للإنسان، على مختلف
الأصعدة: في الخلق والتجسّد والكنيسة والأسرار. إنّها حضور الله نفسه في
الكون وفي الإنسان وفي التاريخ.
أ) النعمة عطاء الله ذاتَه للإنسان
يرى
اللاهوتي الألماني كارل راهنر في الإنسان انفتاحاً كيانياً على المطلق،
عليه يقوم تسامي الإنسان بالنسبة إلى ذاته وإلى الكون. وداخل هذين
الانفتاح والتسامي يرى راهنر في النعمة عطاء الله ذاتَه للإنسان. فالنعمة
ليست عطية ثانوية أو مساعدة عابرة تأتينا من الله بشكل سرّي غامض، ولا تلك
"الهبة المخلوقة" التي تحدَّث عنها اللاهوت الغربي التقليدي، بل هي عطاء
الله ذاتَه لنا، وفيه يدخل كلُّ ما نقوله عن النعمة في الكتاب المقدّس وفي
تعاليم الآباء والكنيسة. "فالله قد أحبّنا أوّلاً" (1 يو 4: 10) وخلقنا،
ثمّ خلّصنا وجعلنا له أبناء بيسوع المسيح، وأرسل إلينا روحه القدّوس مكث
فينا، وأشركنا في طبيعته الإلهية، بحيث نملك منذ الآن، كعربون وبداية، كلّ
ما سنحصل عليه من مجد ورؤية لله في الحياة الأبدية.
فالخلق والخلاص
والتبنّي وميراث الحياة الأبدية هي إذًا عطاء الله ذاتَه لنا. لذلك لا
تقتصر النعمة على المغفرة التي تأتينا من الله بعد أن نخطأ، بل تسبق كل
خطيئة، ولا تقتصر على المسيحيين، بل تشمل جميع الناس، لأنّ عطاء ذاته
للبشر يسبق حرّيتهم وإدراكهم لذواتهم وكلّ اختياراتهم، ولأنّ محبّته
مجانية.
ب- النعمة المقدَّمة والنعمة المقبولة
إنّ عطاء الله
ذاتَه هو لكلَّ الناس، أقلّه على صعيد العطاء. ومن هذه الزاوية يميّز
راهنر بين النعمة المقدَّمة والنعمة المقبولة. فعطاء الله هو ذاته للجميع،
أمّا قبوله فمرتبط بحريّة الإنسان، وهو نفسه نعمة، بمعنى أنّه لا يمكن أن
يكون إلاّ جوابًا على عطاء الله ذاته للإنسان. فعطاء الله ذاته للإنسان هو
الشرط الأساسي لكل إيمان من قبل الإنسان وكل قبول وكل انفتاح على الله.
"فالنعمة
المقدَّمة"، التي تشمل كل ما يعمله الله للبشر من خلق وخلاص وعناية
وإلهامات للخير، ويظهر فيها حضوره في العالم، تصير "النعمة المقبولة"
عندما يتجاوب معها الإنسان ويقبلها بحريّته. فهذه النعمة المقبولة هي في
آنٍ واحد نعمة من الله و عمل حرّ من الإنسان وهنا يكمن اسرّ علاقة الله
بالإنسان وسر الحريّة البشرية. لماذا يرفض بعض الناس "النعمة المقدّمة"
للجميع في حين يقبلها غيرهم؟ إنّ الحرّية أمر إيجابي، لكنّ استعمالها لرفض
الخير أمر سلبي. وبمجرّد حصول الإنسان على تلك الحرّية يحصل على إمكان رفض
الخير وتجاهل الله وعطائه. ولكن لا ينبغي أن نتوقّف عند هذا السرّ، بل يجب
التشديد على دعوة الله للجميع ليتحرّروا من أنانيتهم التي هي أصل كل رفض
وكل شر. وتلك الدعوة هي (النعمة المقدَّمة" التي يحيا فيها الإنسان منذ
ولادته حتى موته، في بعديه الفردي والجماعي، وهي الينبوع الحي الذي لا
ينضب، داعيًا دومًا العطاش إلى الارتواء منه، وهي، النور الأزلي الذي لا
يغرب، داعيًا جميع العائشين في الظلمة إلى الاستنارة به.
إنّ التجاوب
مع النعمة مطلوب من الإنسان في مختلف مراحل حياته. ومن ينفتح لله ويقبل
عطاءه ومحبّته يمكنه أن يقول مع بولس الرسول: "إنّ نعمة الله لم تكن فيّ
عبثًا" (1 كو 15: 10).

ج- تحديد النعمة
من هذه النظرة يمكننا القول إنّ النعمة هي حضور
الله حضوراً حيّاً ومحبّاً في كل إنسان وفي الكنيسة وفي تاريخ العالم.
ماذا نعني بهذا التحديد للنعمة؟
حضور: هذه الكلمة لا تُستعمل للأشياء
إنّما للأشخاص، وتعني علاقة شخصية بينهم. فعلاقتنا مع الله هي إذًا علاقة
مع شخص لا مع قوّة مبهمة أو شيء جامد.
الله: أي آب بالابن في الروح
القدس فالله الآب قد أوحى لنا بذاته بابنه يسوع لكي يجعلنا أبناء له.
والنعمة هي التي تحقق هذا التبني وتجعلنا على صورة يسوع. وعندما نتكلم عن
تجاوبنا مع النعمة نعني تحقيق صورة يسوع في حياتنا فنسلك على مثال الابن
في المحبّة والطاعة للآب وفي نكران الذات والتضحية في سبيل الآخرين. وهكذا
بواسطة الابن نتّحد بالآب فنتمّم إرادته ونحيا معه ونصبح أبناءه. والروح
هو الذي يعمل فينا ليحقّق فينا تلك البنوّة الإلهية.
حضورًا حيًّا: النعمة ليست مساعدة تأتينا من قوّة سحريّة خارجة عنّا وتعمل فينا بشكل آلي، إنّها علاقة مع شخص حي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27517
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 7:43 pm

ومحبًّا: النعمة هي حضور الله المحب الرحوم الحنون الأمين.
في كل
إنسان: علاقة الله هي علاقة شخصية مع كل واحد منّا، بحيث يصبح ابنًا لله.
في العهد القديم كان الشعب كلّه يُعتبر ابنًا لله. أمّا في العهد الجديد
فبواسطة شخص يسوع المسيح ابن الله أصبح كل إنسان بمفرده يُعتبر ابنا لله
ومدعوًّا إلى إقامة علاقات شخصيّة مع الله.
وفي الكنيسة: إنّ الكنيسة
هي جسد المسيح وسرّ خلاص العالم. فالله حاضر فيها بشكل خاص ولا سيّمَا في
الأسرار والصلوات التي تتابع على مدى الزمن حضور يسوع في الزمن.
وفي
تاريخ العالم: إنّ الله حاضر ليس فقط في المؤمنين به بل أيضًا في تاريخ
العالم بأسره، إذ يعمل فيه بشكل فعّال ليصل به إلى الخلاص الشامل. وهذا هو
المفهوم المعاصر الواسع "للعناية الإلهية" التي لا تُعنى فقط بشؤوننا
الفردية، بل كذلك بشؤون التاريخ كلّه ليمتلئ من حضور الله.
2- النعمة لقاء بين حرّية الله وحرّية الإنسان
هناك
مسألة اصطدم بها اللاهوت منذ القرون الأولى، هي كيفية التوفيق بين نعمة
الله التي تسبق كل مبادرة بشرية وترافق كل عمل إنساني وحرّية الإنسان.
فبيلاجيوس
وأتباعه يشدّدون على حرّية الإنسان وينتقصون من تأثير الله، بينما يركّز
أغوسطينوس وتوما الأكويني ولوثر وجنسينيوس على ضعف الإنسان وفساده
للمحافظة على عظمة الله وأوّلية عمله.
ويذهب الملحدون المعاصرون، في
انتقادهم للمؤمنين، إلى القول إنّ مجرّد الإيمان بوجود الله هو انتقاص
لعظمة الإنسان. فإذا كان الإنسان، كما يقول ماركس، بحاجة إلى إله يمنحه
الحياة، فلا قيمة له البتة. فإمّا الله وإمّا الإنسان. والملحدون يختارون
الإنسان. أمّا المؤمنون فيرفضون هذا الإحراج ولا يرضون أن يختاروا بين
الله والإنسان.
أ) الاختيار الحرّ والحرّية المشروطة
منذ القرن
السابع عشر تركّزت الحرّية البشرية واقتصرت على الاختيار فكان معظم
اللاهوتيين يحدّدونها بقولهم "إنّها الإمكان الذي يتمتعّ به الإنسان في
اختيار عمل أو رفضه، في الاختيار أو عدم الاختيار". وكانت تلك الحرّية
تُعتبر مطلقة بحيث يستطيع الإنسان أن يختار ما يشاء، وقد نتجت من
العقلانية التي ترفض، كما يقول ديكارت، كل معرفة غير واضحة. أمّا الناحية
الوحيدة الواضحة في الحرّية فهي ناحية الاختيار، أن يختار الإنسان هذا
العمل أو ذاك. وعليه تبدو الخطيئة اختياراً حرّاً للشرّ.
إلاّ أنّ
الفلسفة المعاصرة قد أظهرت أنّ الحرّية الإنسانية ليست حرّية مطلقة بل
حرّية محدّدة في الزمان والمكان، تؤثّر فيها عوامل مختلفة وراثية وثقافية
وعرقية، ماضية وحاضرة. لذلك لا ينطلق العمل الحر من الصفر وكأنّ الإنسان
يمكنه أن يضرب صفحًا عن الماضي وعما حوله ليقوم بعمل حرّ مطلق، بل إنّ كلّ
عمل حرّ هو مشروط بأوضاع خاصة يجب أن ندرك كل أبعادها فنبني على الواقع
وليس على الوهم الخدّاع.
هكذا في علاقة الإنسان مع الله، لا يبدأ
الإنسان من لا شيء، بل إنّ عطاء الله ذاتَه للإنسان يسبق كل ما يستطيع هذا
القيام به، وحتى إدراك الله والوصول إليه.
ب) النعمة والحرّية
- لا اختيار بين الله والإنسان: إنّ نعمة الله لا تنافس حرّية الإنسان
يؤكّد
بعض اللاهوتيين المعاصرين أنّ نداء الملحدين إلى الاختيار بين الله
والإنسان هو نداء خاطئ، لأنّه لا يمكن أن يقوم تنافس بين الاثنين. يؤكّد
جان باتيستْ مِيتسْ، اللاهوتي الألماني، في كتابه "لاهوت العالم"،
استقلالية العالم والإنسان، فيقول إنّ من طبيعة الله ألاّ يهدم الوجود
البشري أو كيان الإنسان، بل أن "يجعله يكون"، و"يصيّره حراً". أمّا
سْخونِنبِرغْ، فإنه في كتاب له عن الله والإنسان كتبه باللغة الهولندية
سنة 1971، يرفض أيضاً الاختيار بين الله والإنسان ويقول: "في الخلق كما في
العهد نرفض الاختيار بين الله والإنسان، ففي كليهما الله وحده هو السبب في
تحقيق الإنسان ذاته بحرّية".
أجل، إنّ الله قد خلق الإنسان حرًّا ليصل
بملء حرّيته إلى تحقيق كمال ذاته. ولمّا ملكت الخطيئة في العالم، واستُعبد
لها الإنسان، أرسل لنا الله يسوع المسيح مخلّصًا ليحرّرنا من عبوديتنا
ويعيدنا إلى الحرّية: "إن حرّركم الابن صرتم في الحقيقة أحرارًا".
فلا
يقوم الخلاص إذًا على منح الإنسان طبيعة جديدة ليقوم بأعمال "فائقة
الطبيعة"، وكأنّما الله يصحّح الطبيعة الإنسانية التي خلقها وينظّم الوجود
الإنساني تنظيمًا جديدًا ليجعل منه وجودًا آخر. فالأمر الوحيد الذي يجب
تغييره هو استعباد الإنسان للخطيئة. فنحن بحاجة إلى تغيير أنفسنا لنحيا في
الحرّية الحقيقية التي خلقنا لأجلها، وليس الله هو بحاجة إلى تغيير خليقته.

ونعود فنقول إنّ الحرّية لا تقوم على إمكان الاختيار بين أمرين، بل
على إمكان تحقيق الإنسان ذاته والوصل إلى كمال كيانه. وما هو الإنسان؟
إنّه كائن مرتبط بالكون وبالآخرين وبالله. فالإنسان الحرّ هو الذي يحقق في
ذاته كلّ تلك العلائق مع الكون ومع الآخرين ومع الله. فالحرّية هي إذًا
هدف يسعى إليه الإنسان.
صفتان في الله تبدوان متناقضتين، تساميه
وحضوره في خلائقه. فالله هو أوّلاً المتسامي المتعالي، إنّه الله "تعالى"،
وقد يخيّل إلينا أنّ هذا التسامي هو الذي يجعل الله بعيدًا عن الإنسان،
إلاّ أنّه لا يناقض حضوره في خلائقه، بل على خلاف ذلك يكن في حضوره ومن
ثمّة لا تعود النعمة مساعدة تأتينا من الخارج، من بعيد، من أعالي السماء،
بل تتجلّى قوّة تنبع من أعماق ذواتنا، لأن الله هو في عمق ذواتنا.
والتأله،
لا يناقض التأنسن، أي أن يصبح الإنسان إلهًا (وتلك هي غاية النعمة)
وبالتالي إنساناً كاملاً. والنعمة التي هي حضور الله في الإنسان حضوراً
حيًا لتجعل منه ابن الله لا تهدف إلى تغيير طبيعته الإنسانية بل إلى جعلها
ما يجب أن تكون عليه وما خُلقت لأجله، أي طبيعة إنسانية نقيّة محرّرة من
كل ما يشوّهها. فهذا هو الخلاص الذي جاءنا به المسيح: أن يجعل الإنسان
صافيًا منقّى من كل ما هو غريب عن إنسانيّته، كالذهب الخالص الذي ينقّى من
كل الشوائب والأقذار. وهذا هو أيضاً قوام الحرّية. فلا تناقض إذًا بين
النعمة والحرّية. فالنعمة هي التي تجعل الإنسان يصل إلى ملء حرّيته.
النعمة تحرير الحرّية
بنظرة مماثلة يحدّد الفيلسوف واللاهوتي الفرنسي هنري دوميري حرّية الإنسان، ويرى في النعمة تحرير الحرّية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27517
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  - صفحة 12 I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 7:49 pm

ما هي الحرّية؟
يقول دوميري إن الإنسان كائن روحي يظهر كيانُه في
ما يضفيه على أعماله من معانٍ وقيم. فأعماله كلّها والمعاني والقيم التي
تتّسم بها لا تُفرض عليه آخر بل إنّما هي من إبداعه. لا شكّ أنّ هذا
الكائن الروحي لم يخلق نفسه بنفسه، بل إن الله هو الذي خلقه. وهنا لا بدّ
من تأكيد الفرق الجوهري بين الله الخالق والإنسان المخلوق، ومن ثمّ
التأكيد أيضًا أنّ الله هو فوق كل كيان وكل ماهية وكل معنى وكل قيمة.
لذلك، وإن كان قد خلق الإنسان، فقد خلقه كائنًا روحيًّا، أي إنّه قد ترك
له أن يقوم بأعماله قيامًا شخصيًا ويضفي عليها المعاني والقيم التي بها
يصير ما هو عليه ويتّحد بالله الذي منه استقى الكيان والوجود.
فالإنسان
كائن روحي بقدر ما يضطلع بذاته وبالعالم اضطلاعًا خاصًا به، وإن بالانسجام
مع السبل التي بها يضطلع الآخرون بذواتهم وبالعالم، فينتج أنّ الإنسان هو
الذي يعطى ذاته شريعة عمله ويحدّد الشروط الضرورية له، لكونه في آن واحد
عقلاً يحقّق ذاتَه في ما يعقله، وجسدًا به يرتبط بالعالم الخارجي ليسوده.
"فكلٌّ منّا بحسب قول دوميري، إنسانية متشعّبة. إنه، في آن واحد، كائن
روحي ووعي لذاته في الزمن ومن خلال ما يدركه. في قمّته المطلق وعلى أقدامه
العالم. أو بالأحرى الله حاضر فيه وإن كان عليه متساميًا، والكون متضمّن
فيه وإن كان خارجًا عنه. أمّا الأنا فهو وظيفة الحضور إلى الذات على مدى
المسير. إنّه في كل المستويات فيَ طرق يعاد تصحيحها باستمرار ولكن يضطلع
هو نفسه بها. من دون هذا الأنا يصير كلٌّ منّا حتمًا عدة أشخاص. أمّا به
فيبقى كل إنسان وحدة متعدّدة، بنية متشعّبة وموحَّدة في آنٍ واحد"
هذا
الفعل- الشريعة هو نفسه الحرّية التي يمكن التعريف بها أنّها "إرادة تضطلع
بأهلها ضمن معطيات محدّدة". فلا وجو لحرية مطلقة: إنّما وجودها وعملها هما
حتمًا ضمن معطيات تجد ذاتها فيها على مستويات مختلفة إمّا خارجًا عنها
(كظروف الحياة واللقاءات والتأثيرات)، وإمّا داخلها (كالبنى النفسيهّ
وردود الفعل عام أحداث الماضي). وهذه المعطيات لا وجود لها بالنسبة إلينا
إلاّ ضمن بنية الوعي الإنساني؟ وكما أن الوعي الإنساني لا يكون وعيًا إلاّ
لمعطيات معينة. لذلك يخطئ فهمَ الحرية الإنسانيّة من يظنّ أنّ الحرّية
تبدأ عندما يتخلّص الإنسان من المعطيات السابقة. ففي أي عمل حرّ كلُّ شيء
معطى وكلُّ شيء عمل الإرادة. الحرّية هي دومًا حرية ضمن معطيات وأوضاع
معيّنة، ويعود إلى الحرّية تحويلها إلى ممكنات تخلق في إطارها ما تراه
مناسبًا من معانٍ وقيم روحية لتحقيق ذاتها. فالحرّية تكمن إذاً في التحرّر
في سبيل تحقيق الذات.
إنّ الإنسان يحيا ويلتزم قضايا متنوّعة في حياته،
إلاّ أنّه في التزامه يجب عليه تجنّب السقوط في شباك تلك القضايا لئلاّ
تأسره في أطرها، لا بل عليه أن يعدّها سبيلاً إلى مزاولة حريته. إنّ
الإنسان حرّ، أي إنّه يتحرّر في ما يقوم به من أعمال في تاريخ حياته وخبرة
وجوده. لذلك يمكننا القول إنّ الإنسان هو الذي يعطي ذاته باستمرار هويته
الخاصة التي هي الحرية.
هذا التعريف بالحرّية نجده أيضًا عند الفيلسوف
الفرنسي جان بول سارتر، إلاّ أنّ هذا يرفض أن يكون للحرّية أساس خارجًا
عنها، وينكر بالتالي وجود إله مطلق، أمّا دوميري فيرى أنّ الله هو مبدأ
حرّية الإنسان، وهو فوق كل نظام وكل شريعة وكل قاعدة مسلكية، فالأنظمة
والشرائع والقواعد المسلكية لا يمكن الإنسان أن يجدها قبله وقد جهّزها
هوله، إنّما على الإنسان أن يحدّدها ويضعها بنفسه. وهكذا يجيب دوميري على
خوف سارتر من أن يقيّد الاعتراف بوجود الله حرّية الإنسان أو يزيلها.
النعمة ضمن الحرّية
من
هذا الملحظ لا تعود النعمة مساعدة فائقة الطبيعة تضاف إلى الحرّية من
الخارج، بل إنّما تُكتَشف ضمن حرية الإنسان. فكيف نفسّر أنّ الحرّية لا
يمكنها الاكتفاء بأيّ نظام تضعه وأنّها تجزع من فقدان ذاتها في ماتضعه، إن
لم نعترف بأنّها تحمل في ذاتها اقتضاء المطلق؟ إنّ الحرّية تحيا في حالة
ملتبسة لا يمكنها الخروج منها بقواها الذاتية، ولا يمكن الإنسِان أن
يتجاوز وضعه إلاّ بالاعتراف بالمطلق واللامتناهي كمصدر للحرّية ومثال لها،
والنعمة، كوحي من الله، هي ظهور هذين المصدر والمثال في التارّيخ، وهي في
الإنسان مشاركته حرّيةَ الله المطلقة برفضه كل نظام سابق.
وهكذا يصل
دوميري إلى التعريف بالنعمة أنها "تحرير الحرّية". ويعطي مثالاً على ذلك
من موضوع المحبّة فالمحبّة لا تقوم على محبّة الآخر حبًا بالله، فهذه
أنانية، بل على محبّة الآخر على مثال الله، أي كما يحبّه الله، وهذا أكثر
تطلّبًا. فالحرّية، يقول أوغسطينوس، هي حبّ الخير حبًّا ثابتًا وممتلكًا
ذاته بحيث "يكون الإنسان حرّاً حقّاً عندما يصير موضوع غبطته الحرية
ذاتها". فالحرّية تكون كافلة عندما يتصرّف الإنسان حبًّا بالغبطة المحرّرة
التي تعتقه من الخطيئة، وتأتي بالتالي النعمة عبورًا داخليًا إلى الحرّية
الكاملة.

إنّ المحبّة، وتد حرّرتها النعمة، لا يمكنها الوقوع في المثالية، وإن
اعتبرنا أنّها هي التي تحدّد موضوعها، إذ إنّها تتوجّه إلى العالم كما هو
وإلى الناس كما هم. بيد أنّها إن توجّهت إلى العالم كما هو، فإنّها ترفض
حدوده، وإلى الناس كما هم، فإنّها ترفض تصوّراتهم الضيّقة: "فالإنسان،
يقول دوميري، يتجاوز ما لا يمكنه أن يستغني عنه".
في تلك النظرة للنعمة
نجد الجواب على الانتقادات التي يوجّهها الفلاسفة، من أمثال نيتشه وسارتر،
إلى تدخّل الله في عمل الإنسان لإزالة حرّيته وإبداعيته ليس خارجًا عن
الإنسان بل إنّ نعمته تعمل داخل إطار حرّيته ذاتها ومن خلالها وهي ليست
عمل خلاص يأتي الإنسان من شخص آخر. إن المطلق ليسَ شَخصًا آخر، واعتبار
الله كائنًا آخر يضع الله على مستوى الإنسان، في حين أنّه يسمُو فوق كل
كيان وكل نظام. لذلك لا تناقض ممكن بين النظام البشري الطبيعي والنظام
الإلهي، فالمطلق لا يقضي على النظام الطبيعي بل هو أساسه. واعتبار المطلق
أساس النظام الطبيعي يمنع هذا النظام من الانغلاق على نفسه واعتبار ذاته
مطلقًا، كما يمنع الإنسان "الذي يرغب رغبة لامتناهية في اللامتناهي" من
فقدان تلك الرغبة في النظام الطبيعي غير المتناهي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
"اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 12 من اصل 14انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1 ... 7 ... 11, 12, 13, 14  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
»  علم اللاهوت الطقسي
» تعالوا ندرس اللاهوت الدفاعى
»  اللاهوت العقلي
»  اللاهوت العقلي
»  أسرار اللاهوت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور الحياة  :: المنتديات المسيحية العامة - Christian public forums :: الطقس والعقيده والاهوت-
انتقل الى: