منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور الحياة

اخبار . رياضة . فن .فيديو. طب. برامج. موضة. طفل. حوادث. بحث. فيس .بوك . تويتر. يوتيوب. جوجل . ادنس. ربح .نت .افلام . ترانيم . مسرحيات. عظات
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3 ... 7 ... 14  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27495
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  Empty
مُساهمةموضوع: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 4:07 am

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر" 




مقدمة
إنّ ما كان من البدء،
ما سمعناه، وما رأينا بأعيننا،
وما تأملناه، وما لمسته أيدينا في شأن كلمة الحياة،
- لأن الحياة قد ظهرت،
لقد رأيناها، ونشهد لها،
ونبشّركم بهذه الحياة الأبدية
التي كانت لدى الآب وظهرت لنا-
إنّ ما رأيناه وسمعناه،
به نبشّركم أنتم أيضاً،
لتكون لكم، أنتم أيضاً، شركة معنا.
وشركتنا نحن، إنّما هي مع الآب،
ومع يسوع المسيح ابنه.
ونكتب لكم بهذه الأمور،
ليكون فرحنا كاملاً" (1 يو 1: 1- 4).
لم نجد أروع من هذه الكلمات لتقديم الجزء الثاني من مجموعتنا: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر".
لقد
بحثنا في الجزء الأوّل في الله "الآب الضابط الكل، خالق السماوات والأرض"،
الذي ظهر لنا في ملء الأزمنة في كلمته وابنه يسوع المسيح. فني المسيح
رأينا الحياة الإلهية، وسمعناها ولمستهاَ أيدينا.
إلاّ أنّ الله لم يظهر في شخص ابنه يسوع المسيح إلاّ ليشركنا في حياته الإلهية. وهذه الشركة يحققها هو نفسه بواسطة روحه القدوس.
إنّ
المسيح، بعدما صعد إلى الآب، أرسل إلينا من لدنه الروح القدس، الذي به
يبقى معنا حتى انقضاء الدهر، وبه يؤلّه الإنسان ويكوّن الكنيسة.
هذا هو موضوع الجزء الثاني من مجموعتنا. وقد قسّمناه إلى ثلاثة أبواب: الثالوث، الأقدس، النعمة والتألّه، الكنيسة.
تعالج بعض كتب اللاهوت موضوع الثالوث الأقدس حالاً بعد موضوع الله الخالق، وقبل موضوع المسيح ابن الله،
نرى
أن هذا الأسلوب غير ملائم. لأنّ الثالوث الأقدس لم يعتلن في ملئه إلاّ بعد
صعود يسوع إلى السماء وحلول الروح القدس على التلاميذ. وإذّاك بدأت
الكنيسة تعمّد باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 28: 19).
لذلك
آثرنا، في عرضنا للاهوت المسيحي، اتّباع طريقة التدبير الخلاصيّ نفسه:
فالآب أرسل إلى العالم الابن (وهذا ما عالجناه في الجزء الأوّل: الله
الآب- ثم يسوع المسيح ابن الله).
ثم إنّ الابن أرسل إلى العالم الروح
القدس من لدن الآب. فاعتلن إذّاك للعالم سرالثالوث الأقدس. وهذا ما نبدأ
به الجزء الثاني (الباب الأول: الثالوث الأقدس).
اما الباب الثاني،
وهو النعمة والتألّه، فيوضح نتيجة عمل الثالوث الأقدس في الإنسان: فالله
يرسل إلينا روحه القدوس ليؤلّهنا، أي ليشركنا بحياته الإلهية: "إنّ شركتنا
هي مع الآب ومع يسوع ابنه"
والباب الثالث، الكنيسة، يبيّن امتداد عمل التألّه هذا إلى شعب الله بأجمعه: "نبشّركم بهذه الحياة كون لكم، أنتم أيضاً، شركة معنا".
من
هنا يبدو لنا أن ديانتنا المسيحية تتّسم ببعض مميّزات حاولنا ابرازها في
عرضنا لمختلف أقسام اللاهوت المسيحي، ونوجزها في النقاط التالية:
1-
ديانتنا المسيحية هي ديانة تاريخية: إنّها تعبّر عن ظهور الله في التاريخ
في شخص ابنه يسوع المسيح وروحه القدوس. لذلك لا ينطلق اللاهوت من تنظيرات
عقلية، بل من خبرة إيمان، اختبر فيها الناس ظهور الله نفسه في تاريخهم
وحياتهم.
2- ديانتنا المسيحية هي ديانة تسبيح لعظائم الله تجاه
الإنسان. فهي لا تستند إلى ما يصنعه الإنسان تجاه الله، بل إلى ما صنعه
الله تجاه الإنسان. فالمبادرة تأتي من الله. فهو الذي أحبّنا أوّلاً:
أحبّنا وخلقنا، أحبّنا وأرسل إلينا ابنه الوحيد، أحبّنا وأرسل إلينا روحه
القدوس. يقول القديس يوحنا الإنجيلي: "على هذا تقوم المحبة: لا أنّا نحن
أحببنا الله، بل هو نفسه أحبّنا، وأرسل ابنه كفّارة عن خطايانا" (1 يو 4:
10).
3- ديانتنا المسيحية هي ديانة التألّه: وهذا ما ردّده آباء
الكنيسة منذ القرون الأولى: "لقد صار الله إنسانًا لكي يصير الإنسان
إلهًا". ان الروح القدس، الذي هو روح الآب وروح الابن، يمكث فينا ليجعلنا
على صورة الابن.
وفكرة التألّه هذه هي الخيط الذهبيّ الذي نسج منه
الفكر المسيحي لاهوته عبر القرون. ونرجو أن ترافق القارئ في قراءته كل
صفحة من صفحات هذا الكتاب.
فالله لا يني يدعو الإنسان إليه. وبين كلفة
الله وجواب الإنسان، يقف الروح القدس الذي يأخذ من المسيح الكلمة ليبلّغنا
إيّاها في أعاق قلوبنا، عاملاً فينا على تأليه البشرية والكون أجمع.
وتلك
الكلمة، "كلمة الحق"، ينطق بها على الدوام روح الحق ويدعوها "الكنيسة".
الكنيسة مكوّنة من أناس خطأة، ولكنّها تحمل في ثناياها المسيح الإله وروحه
القدوس. لذلك هي الهية ومقدسة.
4- ديانتنا المسيحية هي ديانة إلهيّة
وإنسانيّة معًا: ديانتنا هي ديانة الإله المتجسّد. لقد حرمت المجامع
المسكونية الازدواجيِّة النسطوريّة التي ترى في المسيح شخصين، شخصاً
إلهيًا وشخصاً إنسانيًا، متّحدين اتحادًا عّرضياً. كما حرمت بدعة الطبيعة
الواحدة التي تتلاشى فيها الطبيعة الإنسانية لصالح الطبيعة الإلهية، وبدعة
المشيئة الواحدة التي تزول فيها المشيئة الإنسانية لصالح المشيئة الإلهية.
إنّ
هذا التوازن بين العنصر الإلهي والعنصر الإنساني يجب أن يشمل كل المواضيع
اللاهوتية، ولا سيّمَا موضوعي النعمة والكنيسة. فسنبيّن، في موضوع النعمة،
أن العمل البشري، في النظرة المسيحية، هو بكامله عمل الله وبكامله عمل
حرية الإنسان. وكذلك الكنيسة هي في آنٍ معًا هبة الله للبشر ومؤسسة
إنسانيّة؟ هي الاتحاد غير المنظور لله مع البشر، وهي أيضاً البنى الخارجية
من أسار ورتب وصلوات ووظائف خدمة، هي حضور المسيح فيها، وهي أيضاً القربان
الذي يكرّسه الأساقفة والكهنة وسط شعبهم.
5- ديانتنا المسيحية ديانة منفتحة على الفكر المعاصر:
من
الاتزان الضروري بين العنصرين الإلهي والإنساني تنتج ميزة أخيرة حاولنا
أخذها بعين الاعتبار. ألا وهي أن اللاهوت يجب أن يكون في آنٍ معًا
متمسّكًا بالوحي الإلهي وبالتقليد الكتابي والكنسي العريق ومنفتحاً على
تطور الفكر البشري عبر القرون.
اللاهوت علم يحاول التعبير بكلام بشري
عن حقيقة الله وعلاقته بالإنسان. والكلام البشري يخضع حتمًا لتطوّر البيئة
الحضارية التي ينشأ فيها. لذلك كان لا بدّ لنا من أن نعرض لنظرة اللاهوت
المعاصر في مختلف المواضيع التي عالجناها. ان التعدّديّة اللاهوتية أصبحت
اليوم أمراً طبيعياً لدى جميع الكنائس. وانفتاح الكنائس المسيحية بعضها
على بعض يحتّم علينا الانفتاح، ليس على التيارات اللاهوتية الكاثوليكية
وحسب، بل أيضاً على التيارات اللاهوتية الأرثوذكسية والبروتستنتية.
ان
الانفتاح لا يعني مطلقًا القبول بكل شيء دون روح نقدية. لا شكّ في أنّ
اختيارنا لبعض اللاهوتيين المعاصرين قد يُستشفّ منه تحبيذ لآرائهم
وتوجهاتهم اللاهوتيّة. نودّ تنبيه القارئ الكريم إلى أنّ هذا الاختيار لا
يعني حتماً تبنّياً من قبلنا لكلّ الآراء التي نوردها. فهناك آراء متناقضة
نعرضها جنباً إلى جنب. وما التناقض الظاهر في معظم الأحيان الا نظرة إلى
الموضوع من ناحية خاصة. لذلك ندعو القارئ إلى قراءة هذه الفصول بروح
منفتحة ومسؤولة في آنٍ معاً.
إنّ وحي الله قد أتى إلينا في شخصِ إنسان،
وفي كلام إنسان. والكلام البشري الذي ننطق به في اللاهوت يجب أن يتطوّر
وفقاً لتطور الإنسان وحضارته، وذلك في سبيل التعبير تعبيراً ملائماً عن
حقيقة الله التي لا يمكن أيّ عقل بشري أن يدرك غور أبعادها.
وأخيرًا
نودّ أن نلفت انتباه القرّاء إلى أن الجزء الأول من مجموعتنا يعالج
القسمين الأول والثاني من قانون الإيمان، أي من البداية "نؤمن بإله
واحد..." حتى "... الذي لا فناء لملكه".
أما هذا الجزء الثاني فيعالج القسمين الثالث والرابع، أي من "وبالروح القدس..." حتى "مقدسة، رسولية".
أما الجزء الثالث فسيتضمّن القسمين الأخيرين ويبحث في المعمودية وسائر الأسرار وفي "قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي".
الأب سليم بسترس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27495
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 4:11 am

الثالوث الأقدس
===========

"وبالروح القدس الرب المحيي، "المنبثق من الآب" "الذي هو مع الآب والابن "مسجود له وممجّد "الناطق بالأنبياء".
كل
مسيحي يعرف اليوم أن الإله الذي يؤمن به هو "إله واحد في ثلاثة أقانيم".
ويبدأ معظم صلواته " باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد آمين".
تلك هي العقيدة المسيحية الأساسية، التي بدونها لا وجود لمسيحيّة متميّزة
عن سائر الديانات. وفي تلك العقيدة موجز للإيمان المسيحيّ الذي به يتميّز
المسيحيّون عن غيرهم من المؤمنين بالله.
فمن أين أتت تلك العقيدة؟
وعلى أيّ أسس يرتكز هذا الإيمان؟ كيف نشأت تلك العقيدة، وكيف تطوّرت في
الفكر المسيحيّ منذ القرون الأولى للمسيحيّة، وماذا تعني اليوم للإنسان
المعاصر؟ هذا ما سنحاول بحثه في ثلاثة أقسام:
الثالوث الأقدس في الكتاب المقدس،
الثالوث الأقدس في تاريخ المجامع المسكونيّة والفكر المسيحيّ على مدى العصور،
وأخيرًا لثالوث الأقدس في الفكر اللاهوتيّ المعاصر

الفصل الأول
الثالوث الأقدس
في
الكتاب المقدس

إنّ
وحي الثالوث الأقدس قد أتى إلينا عبر تاريخ الخلاص الذي بلغ كماله في شخص
يسوع المسيح. فعقيدة الثالوث ليست حصيلة تفكير بشريّ نظريّ عن الله، ولا
نتيجة تطوّر ديني بدأ في ديانات الشرق القديم. بل هي تعبير لاهوتي لسرّ
الله الذي ظهر لنا ظهوراً خلاصيّاً في شخص يسوع المسيح. فالمسيح قد أتى
إلينا باس الله حاملاً إلينا خلاص الله، ومن بعد قيامته أرسل إلينا روح
الله. هكذا أوحى لنا الله بذاته آبًا يرسل إلى العالم ابنه المخلّص وروحه
القدّوس. لذلك سيكون محور بحثنا وحي الله بذاته في العهد الجديد.
ولكن قبل ذلك سنتساءل: بمَا أنّ تاريخ الخلاص قد بدأ في العهد القديم، ألا يمكننا أن نجد وحي الثالوث الأقدس حتى في العهد القديم؟
أوّلاً- تهيئة وحي الثالوث الأقدس في العهد القديم
لا
نجد في العهد القديم وحي الثالوث بشكل كامل، وذلك لسبب بسيط، وهو أنّ ابن
الله، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، لم يظهر ظهورًا كاملاً إلاّ في
العهد الجديد في شخص يسوع المسيح. وكذلك الروح القدس لم يحلّ على التلاميذ
وعلى كلّ إنسان إلا من بعد قيامة المسيح. ولكن ألا نجد في العهد القديم
عناصر مختلفة هيّأت لهذا الوحي؟
لا بد، قبل المباشرة بالإجابة على
هذا السؤال، من الإشارة إلى أنّ البحث في هذا الموضوع ما كان ممكنًا لو لم
يبلغ الوحي بالثالوث كما له في العهد الجديد. فانطلاقًا ممّا أُوحي به
إلينا في العهد الجديد، نستطيع أن نعود إلى العهد القديمِ لنرى فيه تهيئة
هذا الوحي. وبمَا أنّ عقيدة الثالوث الأقدس في العهد الجديد مرتبطة
ارتباطاً وثيقًا بعلاقة الله بالإنسان بواسطة الابن والروح القدس، فالبحث
في تهيئة تلك العقيدة في العهد القديم لا بدّ له أن يتمحور حول تلك
العلاقة ذاتها في نواحيها الثلاث.
1- علاقة الله الآب بالإنسان
عندما
سأل أحد الكتبة يسوع: "أيّ وصية هي أولى الوصايا جميعًا؟"، أجابه يسوع: "
الأولى هي: اسمع، يا إسرائيل، الربّ إلهنا هو الرب الوحيد. فأحبب الرب
إلهك بكلّ قلبك، وكل نفسك كلّ ذهنك؟ وكلّ قوّتك" (مر 12: 28- 30). تلك
الوصية، التي نجدها في سفر تثنية الاشتراع (6: 5)، والتي كان على كل يهودي
أن يتلوها كل يوم، توجز علاقة الله بالإنسان وعلاقة الإنسان بالله. فالله
هو الإله الوحيد الذي يجب أن يحبّه كلّ إنسان.
هذا الإله الوحيد هو
الله الآب الذي يطلب يسوع أن يثق به الإنسان ويحبّه ويقتدي به: "أحبوا
أعداءكم، وصلوا لأجل الذين يضطهدونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في
السماوات... فأنتم إذن، كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي هو كامل" (متى
5: 44- 48).
يظهر الله الآب في العهد القديم في كلّ ما يقوله العهد
القديم عن الله: الإله الواحد، والإله الخالق، والإله القدوس، والإله
المخلّص، والإله الذي اختار شعبه ليقيم معه عهدًا منذ إبراهيم وإسحق
ويعقوب حتى موسى وداود وسائر الأنبياء.
إلى جانب هذه التسميات التي
يدعو بها العهد القديم الله، يمكن أن نضع تسمية "الأب"، كما نقرأ مثلاً في
سفر أشعيا: "يا رب، أنت أبونا. نحن الطين وأنت جابلنا، ونحن جميعًا عمل
يديك" (أش 64: .
ففي هذه العبارة يدعى الله أبا، لأنه الخالق. وفي نصّ آخر يدعى الله أبًا
لأنّه المخلّص والفادي: "أنت يا رب أبونا وفادينا، منذ الدهر اسمك" (أش
63: 16). وفي تثنية الاشتراع نجد علاقة بين تسمية الله "أبًا" وإيمان
الشعب بأنّ الله هو الذي خلقهم واختارهم نصيبًا له: "أبهذا تكافئ الرب،
أيها الشعب الأحمق الذي لا حكمة له؟ أليس أنه هو أبوك مالكك الذي فطرك
وأبدعك؟ سل أباك ينبئك وأشياخك يحدّثوك، حين قسم العلي الأمم... لأنّ نصيب
الرب شعبه، يعقوب حبل ميراثه... الصخر الذي ولدك تركته، والإله الذي أنشأك
نسيته. فرأى الرب واغتاظ لما أغضبه بنوه وبناته" (تث 32: 6- 19).
وفي
تلك الأبوّة يجد الأنبياء حافزًا لدعوة الشعب إلى القداسة: فإنّ دعوة سفر
الأحبار: "كونوا قديسين، لأني أنا الربّ إلهكم قدوس" (أح 19: 2) تجد صداها
في نبوءة إرميا مع ذكر أبوّة الله لشعبه: "ارجعي إليّ، يقول الرب، أما
دعوتِني منذ ذلك الوقت: يا أبتِ، أنت مرشد صبائي... إرجعوا أيّها البنون
المرتدّون، فأشفي ارتداداتكم" (إر 3: 1، 4، 19، 22). "يأتون باكين
وأهديهم... لأنّي أب لاسرائيل، وأفرائيم بكر لي" (إر 31: 9). وفي ذلك يقول
أيضاً النبي ملاخي: "الابن يكرم أباه، والعبد يكرم سيّده، فإن كنت أنا
أبًا، فأين كرامتي، وإن كنت سيّدًا، فأين مهابتي؟" (ملا 1: 6). "أليس أب
واحد لجميعنا؟ أليس الله واحد خلقنا؟ فلِمَ يغدر الواحد بأخيه مدنّسًا عهد
آبائنا؟" (ملا 10:2).
وهوشع النبي يجمع بين محبة الأب وحنان الأم: "اذ
كان اسرائيل صبيًّا أحببته، ومن مصر دعوت ابني... وأنا درّجت أفرائيم
وحملتهم على ذراعيّ، لكنّهم لم يعلموا أني أنا أبرأتهم" (هو 11: 1- 2).
وكذلك يقول أشعيا: "أتنسى المرأة مُرضَعها فلا ترحم ابن بطنها؟ لكن ولو
أنّ هؤلاء نسين، لا أنساكِ أنا" (اش 49: 15).
ان الملك يدعى "ابن
الله"، والله هو أب له بنوع خاصّ. فنقرأ في المزمور 88: "وجدت داود عبدي،
بدهن قداستي مسحته... يدعوني: إنّك أبي وإلهي وصخرة خلاصي، وأنا أجعله
بكراً عليّا فوق ملوك الأرض" (مز 88: 21، 27- 28). وغي نبوّة ناتان لداود
النبي، ترد أيضاً الفكرة ذاتها: "إذا تمّت أيّامك واضطجعتَ مع آبائك،
وأقمتُ من يليك من نسلك الذي يخرج من صلبك، وأقررتُ ملكه، فهو يبني بيتًا
لاسمي، وأنا أقرّ عرش ملكه إلى الأبد. أنا أكون له أبًا وهو يكون لي
ابنًا" (2 ملو 7: 12- 14). والمزمور الثاني يوضح تلك الأبوّة الخاصة
ويؤكّدها: "قام ملوك الأرض والعظماء ائتمروا معا على الرب وعلى مسيحه...
حينئذ يكلّمهم بسخطه وبغضبه يروّعهم: إنّي مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي،
لأخبرنّ بحكم الرب. قال لي: أنت ابنى، أنا اليوم ولدتك. سلني فأعطيك الأمم
ميراثًا لك وأقاصي الأرض ملكًا لك" (مز 2: 2- .
خلاصة
القول أنّ هناك مقاطع عديدة من العهد القديم تدعو الله أبًا للشعب، وبنوع
خاصّ للملك وللمسيح المنتظر، مظهرة محبة الله لأبنائه وداعية إياهم إلى
الإيمان بتلك المحبة وإلى الجواب عليها بمحبة متبادلة وسيرة مقدّسة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27495
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 4:14 am

2- علاقة الله بالإنسان بكلمته وحكمته
إن
علاقة الله بالإنسان تظهر في العهد القديم بنوع خاصّ في كلمته وحكمته
وروحه. فكل ما قيل في العهد القديم عن كلمة الله وحكمته وجد تحقيقه في
العهد الجديد في شخص يسوع المسيح. وكل ما قيل عن روح الله وجد تحقيقه في
الروح القدس. لذلك يمكننا أن نرى في هذه المفاهيم تهيئة لظهور الابن
والروح، الاقنوم الثاني والاقنوم الثالث من الثالوث الأقدس.
أ) كلمة الله
الكلمة
هي تعبير عن فكر الإنسان وتعبير عن إرادته. وفي حال غياب الإنسان تمثّل
كلمته نوعًا من حضوره. هكذا كلمة الله في الكتاب المقدس هي حضور الله في
وسط شعبه. ويتّسم هذا الحضور بثلاث سِمَات: فكلمة الله تكوّن الشعب،
وتخلّصه، وتخلق الكون.
* إن الله، بكلمته، يكشف لشعبة. علاقته به
وتصميمه تجاهه. فهو الذي اختار شعبه "ليكونوا له خاصة من جميع الشعوب".
وهذا ما أعلنه لموسى على جبل سيناء:
"وصعد موسى إلى الله، فناداه
الرب من الجبل قائلاً: كذا نقول لآل يعقوب وتخبر بني إسرائيل. قد رأيتم ما
صنعت بالمصريّين وكيف حملتكم على أجنحة النسور، وأتيت بكم إليّ. والآن إن
امتثلتم أوامري وحفظتم عهدي، فإنّكم تكونون لي خاصة من جميع الشعوب، لأن
جميع الأرض لي، وأنتم تكونون لي مملكة أحبار وشعبًا مقدّسًا" (خر 19: 3-
6).
وعلى جبل سيناء أوصى الله موسى أن يكتب "كلام العهد الكلمات العشر"
(خر 34: 2، أي وصايا الله العشر التي ستكون القاعدة والأساس لحياة الشعب
وعلاقته بالله. فالشعب يكوّن وينشأ ويصير شعبًا مقدسًا لله بحفظه كلام
الله. فكلمة الله هي إذن التي تخلق شعب الله، أي تجعل من جماعة من الناس
شعب الله المقدس.
* ثم إن كلمة الله ترافق الشعب الذي خلقته لتقوده مدى
تاريخه وتخلّصه. وذلك بواسطة الأنبياء الذين لا يتكلمون من ذواتهم بل
ينقلون إلى الشعب كلام الله. فيقول أشعيا: "إستمعي أيتها السماوات، وأنصتي
أيتها الأرض، فإنّ الربّ قد تكلّم" (أش 1: 2). ومعظم الأنبياء يبدأون
نبوءاتهم بالعبارة التالية: "هكذا قال الرب" (عا 1: 3، 11؛ 2: 1؛ 3: 1).
وكلمة الله هذه التي تُلقى إليهم تصير جزءًا منهم. وهذا ما يعبّر عنه
إرميا وحزقيال بتعبير رمزيّ، "بأكل" كلمة الله. يقول إرميا:
"إن كلماتك قد بلغت إليّ، فأكلتُها، فكانت لي كلمتك سرورًا وفرحًا في قلبي، لأنّ اسمك ألقي عليّ، أيها الرب إله الجنود" (ار 15: 6).
ويسمع حزقيال صوت الله يقول له:
"يا
ابن البشر، إني مرسلك إلى بني إسرائيل... فاسمع ما أكلّمك به... افتح فك
وكُلْ ما أناولك". ويناوله الله كتابًا فيأكله، "فيصير في فمه كالعسل" ثم
"ينطلق ليكلّم الشعب بكلام الله" (راجع حز 2- 3).
وعندما تثقل كلمة
الله على النبيّ لعدم إصغاء الناس إليها، يودّ ألاّ ينطق بها، بيد أنها
"تصير في قلبه كنار محرقة" (ار 20: 9)، ولا يستطيع إلاّ أن يتكلّم بها.
ولكونها كلمة الله نفسه، فلا يمكن إلاّ أن تؤتي فعلها، حسب قول أشعيا:
"كما
ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجع إلى هناك، بل يروي الأرض، ويجعلها
تنشئ وتنبت لتؤتي الزارع زرعًا والآكل طعامًا، كذلك تكون كلمتي التي تخرج
من فمي لا ترجع إليّ فارغة، بل تتمّ ما شئت وتنجح في ما أرسلها له" (أش
55: 10- 12).
وكلمة الله هذه تقود الشعب وعليه وتخلّصه، وإن شعر النبيّ
بضعفه وتردّده إزاء التبشير بها. فالله هو نفسه الذي يسهر على كلمته
ليجريها. فعندما أعلن الله كلمته لإرميا النبيّ، خاف إرميا وقال لله:
"هاءنذا لا أعرف أن أتكلّم لأني صبيّ، فقال له الرب: "لا تخف من وجوههم،
فإنّي معدّ لإنقاذك". ثم مدّ الرب يده ولمس فمه وقال له: "هاءنذا قد جعلت
كلامي في فمك. أنظر: إنّي أقمتك اليوم على الأمم وعلى الممالك لتقلع وتهدم
وتهلك وتنقض وتبني وتغرس". ثم قال له الرب: "ماذا أنت راءٍ يا إرميا؟"،
فقال: "إني راءٍ قضيبا ساهرًا". فقال له الرب: " قد أحسنت في ما رأيت،
فإني ساهر على كلمتي لأجريها" (ار 1: 6- 12).
لذلك يرجو الشعب كلمة
الله لأنها تخلّصهم: "أرسل كلمته فشفاهم ونجّاهم من مهالكهم" (مز 106:
20). وتؤكد المزامير بنوع خاصّ رجاء المؤمن بكلمة الله وحمده الله على
كلمته: "أحمد الله على كلامه، أحمد الرب على كلامه" (مز 55: 11)، "ذابت
نفسي شوقًا إلى خلاصك، إنّما رجوت كلمتك، كلّت عيناي من انتظار أقوالك،
وأنا أقول متى تعزّيني" (مز 118: 81، 114، 147)
* انطلاقًا من كلمة
الله التي تخلق الشعب وتخلّصه، توصلت أسفار العهد القديم الأحدث عهدًا إلى
القول إنّ كلمة الله أيضاً التي خلقت الكون. ففيمَا تصف رواية الخلق
الأقدم عهدًا أنّ الله جبل الإنسان من طين، تصف الرواية الأحدث أنّ الله
خلق الكون والإنسان بكلمته: "وقال الله: ليكن نور، فكان نور..." (تك 1: 3-
26). ونجد هذا التعبير عن الخلق بالكلمة في المزامير والأسفار الحكمية:
"بكلمة الرب صنعت السماوات، وبروح فيه كل جنودها" (مز 32: 6). "الرب صانع
الجميع بكلمته" (حك 9: 1).
إن كلمة الله التي بها يكوّن الله شعبه
ويرافقه ويخلّصه، والتي بها يخلق الكون، تشير في آن معًا إلى تسامي الله
عن الكون والإنسان من جهة، وإلى حضوره في الكون وقربه من الإنسان من جهة
أخرى. وكل ما قيل عن كلمة الله في العهد القديم سيرى العهد الجديد، ولا
سيّمَا يوحنا الإنجيلي (يو 1: 1- 1، تحقيقه تحقيقًا كاملاً في المسيح
الذي هو كلمة الله المتجسّد.
ب) حكمة الله
هناك علاقة وثيقة بين كلمة الله وحكمة الله. فكلاهما
تخلقان الكون وتكوّنان الإنسان وتقودانه وترشدانه إلى إرادة الله وإلى كل
عمل مقدّس. هذا ما نقرأه في سفر الحكمة الذي يجمع بين كلمة الله وحكمته،
فيقول:
"يا إله الآباء، يا ربّ الرحمة، يا صانع الجميع بكلمتك، وفاطر
الإنسان بحكمتك، لكي يسود على الخلائق التي كوّنتها، ويسوس العالم
بالقداسة والبرّ، ويجري الحكم باستقامة النفس، هب لي الحكمة الجالسة إلى
عرشك ولا ترذلني من بين بنيك... فإن كان في بني البشر أحد كامل ولم تكن
معه الحكمة التي منك لا يُحسب شيئًا... فأرسلها من السماوات المقدسة
وابعثها من عرش مجدك، حتى إذا حضرت تجدّ معي وأعلم ما المرضيّ لديك. فإنها
تعلم وتفهم كلّ شيء، فتكون لي في أفعالي مرشداً فطينا وبعزّها تحفظني...
نحن بالجهد نتمثّل ما على الأرض وبالكدّ ندرك ما بين أيدينا، فمَا في
السماوات من اطّلع عليه، ومن علم مشورتك لو لم تؤتِ الحكمة وتبعث روحك
القدوس من الأعالي، فإنه كذلك قوّمتَ سبل الذين على الأرض وتعلّم الناس
مرضاتك. والحكمة هي التي خلّصت كلّ من أرضاك منذ البدء". (حك 9: 1- 19).
تلك الحكمة تراها الأسفار المقدسة موجودة الله منذ الأزل:
"الرب
حازني في أول طريقه قبل ما عمله منذ البدء. من الأزل مُسحتُ من الأوّل قبل
أن كانت الأرض. ولدتُ حين لم تكن الغمار والينابيع الغزيرة المياه. قبل أن
أقرّت الجبال وقبل التلال وُلدتُ. اذ كان لم يصنع الأرض بعد... كنت عنده
مهندسًا... طوبى للإنسان الذي يسمع لي... فانه من وجدني وجد الحياة" (أم
8: 22- 36).
وهي، على مثال كلمة الله، قد خرجت من فم الله. "اني خرجت
من فم العليّ بكرا قبل كل خليقة، وجعلت النور يشرق في السماوات على
الدوام... قبل الدهر من الأوّل حازني، وإلى الأبد لا أزول" (سير 24: 5- 6،
14).
ان العهد الجديد سيرى في يسوع المسيح "حكمة الله" (1 كو 1: 24)، و"ضياء مجده وصورة جوهره وضابط كل شيء بكلمة قدرته" (عب 1: 3).
في
العهد القديم كرز الأنباء بكلمة الله، وتكلّم سليمان بحكمة الله أمّا في
العهد الجديد، فقد حضرت إلينا كلمة الله وحكمته في شخص يسوع المسيح:
"رجال
نينوي سيقومون، في الدينونة، مع هذا الجيل، ويحكمون عليه، لأنهم تابوا
بوعظ يونان، وههنا أعظم من يونان. ملكة الجنوب ستقوم، في الدينونة، مع هذا
الجيل، وتحكم عليه، لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وههنا
أعظم من سليمان" (متى 12: 41- 42).
3- روح الله في العهد القديم
إنّ
حضور الله في الكون والإنسان يتّخذ نوعًا آخر، إلى جانب حضوره بكلمته
وحكمته، وهو حضوره بروحه. والروح، في العهد القديم، هو قدرة الله التي
تظهر في الطبيعة وفي الإنسان، ولا سيّمَا في من يختارهم الله من ملوك
وأنبياء وكهنة، على أن تشمل جميع الناس في الأزمنة الأخيرة.
أ) الريح
إنّ
اللفظة العبرية للروح هي "رُوَح"، ترد 389 مرّة في العهد القديم، ولكنّها
لا تعني فقط الروح القدس أو روح الله، بل أيضاً "الريح"، أي الهواء، أكان
نسمة خفيفة أم ريحًا عاصفة. وتعني كذلك نَفَس الإنسان وروحه.
لقد اختبر
الإنسان أوّلاً عمل الريح في الكون ونسبه إلى الله. " فالله هو الذي أرسل
الريح على الأرض لتتناقص المياه بعد الطوفان" (تك 8: 1)، وهو الذي جعل
الرياح تهبّ لينزل المطر مع إيليّا النبيّ (3 ملوك 18: 45)، وهو الذي "ساق
ريحًا شرقية على الأرض" حملت معها الجراد إلى مصر، ثم "ردّ ريحًا غربية
شديدة جدًا فحملت الجراد وطرحته في بحر القُلْزُم" (تك 10: 13، 19). وكذلك
عندما مدّ موسى يده على البحر، أرسل الرب ريحًا شرقية شديدة جفّفت البحر
الأحمر ليمر فيه العبرانيون (تك 14: 21). والريح خاضعة لسلطة الله، على
غرار جميع الكائنات، يستخدمها متى شاء: "هو الذي صنع الأزض بقوّته...
بصوته يجمع غمار مياه في السماء، وينشئ السحب من أقصى الأرض، ويحدث البروق
للمطر، ويبرز الرّيح من خزائنه" (إر 10: 13). "الشعب قد يبس وزهره قد سقط
لأنّ ريح الرب هبّت فيه" (أش 40: 1)
ب) روح الإنسان
فالمعنى الأوّل
للفظة "رُوَح" متعلّق إذًا بقوّة في الطبيعة تعطيها الحياة. والمعنى
الثاني مرتبط بقوة في الإنسان تعطيه الحياة. فالرُوَح هي نَفَس الإنسان
وروحه، نفخها الله ذاته في الإنسان، حسب رواية سفر التكوين: "وإنّ الرب
الإله جبل الإنسان من تراب من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار
الإنسان نفسًا حيّة" (تك 2: 7).
لهذا نرى أن الروح في العهد القديم أمر
واقعيّ يمكن الإنسان، وإن لم يره، أن يشعر به ويدرك فاعليّته. فكما يشعر
بعمل الريح في الطبيعة، كذلك يشعر بذاته كائنًا يتنفّس وروحه فيه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27495
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 4:15 am

ج) روح الله
أمّا المعنى الثالث للفظة "رُوَح" فهو روح الله لنفسه، الذي يستطيع الإنسان أن يدرك وجوده من خلال عمله في الطبيعة وعمله في الإنسان.
إن
روح الله هو روح القدرة، الذي يعطي الحياة لجميع الكائنات. فهو الذي خلق
كلّ شيء، كما جاء في الآيات الأولى من سفر التكوين: "في البدء خلق الله
السماوات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلام، وروح
الله يرفّ على وجه المياه" (تك 1: 1-2)، وكما جاء أيضاً في المزامير:
"الجميع يرجونك لترزقهم القوت في حينه... تحجب وجهك فيفزعون، تقبض أرواحهم
فيموتون وإلى ترابهم يعودون. ترسل روحك فيُخلقون، وتجدّد وجه الأرض" (مز
103: 27- 30).
وتؤكّد مختلف أسفار العهد القديم أنّ روح الله هو الذي
يعمل في الذي اختارهم ليقودوا شعبه، كالقضاة والملوك والأنبياء. فعن
عشنيئيل يقول سفر القضاة: "وكان روح الرب عليه، فتولّى القضاء لإسرائيل"
(قض 3: 10)، وعن شمشون، عندما برز أمامه شبل لبؤة يزأر في وجهه: "فحلّت
عليه روح الرب، ففسخه كما يفسخ الجدي، ولم يكن في يده شيء" (قض 14: 6).
وكذلك "حلّ روح الرب على شاول عندما مسحه صموئيل بالزيت، فأخذ يتنبّأ" (1
ملوك 10: 6). وعندما مسح صموئيل داود "حلّ روح الرب على داود من ذلك اليوم
فصاعدًا... وفارق روح الرب شاول وزعجه روح شرّير من لدن الرب" (1 ملوك 16:
13، 14).
إنّ روح الرب يحلّ على الملوك فيمنحهم قوّة إلهيّة. وكذلك
يحلّ على الأنبياء فيجعلهم يعملون ويتكلّمون باسم الرب، فنرى إيليا يقوده
"روح الرب" (3 ملوك 18: 12)، وعند وفاته ينتقل روح الرب الذي كان حالاًّ
عليه إلى أليشع: "ورآه بنو الأنبياء الذين في أريحا تجاهه، فقالوا: قد
حلّت روح إيليا على أليشع" (4 ملوك 2: 15). وميخا النبي يرى في روح الرب
قوّة لإعلان كلام الرب: "لكنّي قد امتلأت قوّة بروح الرب، وحكمًا وبأسًا،
لأخبر يعقوب بمعصيته وإسرائيل بخطيئته" (ميخا 3: .
د) روح الله في الأزمنة الأخير
أمّا
الذي سيحلّ عليه روح الرب بشكل دائم فهو المسيح، كما جاء في نبؤة أشعيا:
"ويخرج قضيب من جذر يسَّى، ويَنمي فرع من أصوله. ويستقرّ عليه روح الرب،
روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوّة، روح العلم وتقوى الرب" (أش 11:
1، 2). ويرى أشعيا الثاني روح الرب يحلّ على المسيح ليوصل رسالة الرب إلى
جميع الأمم: "هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سارت به نفسي، قد جعلتُ
روحي عليه، فهو يبدي الحكم للأمم، لا يصيح ولا يجلّب، ولا يُسمِع صوتَه في
الشوارع. قصبة مرضوضة لا يكسر، وكتّانًا مدخنًا لا يطفئ. يبرز الحكم بحسب
الحق. لا يني ولا ينكسر، إلى أن يجعل الحكم في الأرض، فلشريعته تنتظر
الأمم" (أش 42: 1- 3)؛ "إنّ روح السيّد الرب عليّ، لأنّ الرب مسحني لأبشّر
المساكين، وأرسلني لأجبر المنكسري القلوب، وأنادي بعتق للمسبيّين وبتخلية
للمأسورين، لأنادي بسنة الرب المقبولة" (أش 61: 1- 3).
وبواسطة المسيح
سيحلّ روح الرب على جميع الناس ليسلكوا بحسب وصايا الله. وهذا ما يعلنه
حزقيال، "نبي الروح": "أعطيهم قلباً واحدًا وأجعل في أحشائهم روحًا
جديدًا، وأنزع من لحمهم قلب الحجر، وأعطيهم قلبًا من لحم، لكي يسلكوا في
رسومي ويحفظوا أحكامي ويعملوا بها، فيكونون لي شعبًا وأكون لهم إلهًا" (حز
11: 19، 20؛ راجع أيضاً 36: 26- 28).
وهذا ما يتنبّأ به يوئيل للأزمنة
الماسياوية الأخيرة: "وسيكون بعد هذه أني أفيض روحيي على كلّ بشر فيتنبّأ
بنوكم وبناتكم، ويرى شبّانكم رؤى، ويحلم شيوخكم أحلامًا. وعلى عبيدي أيضاً
وإمائي أفيض روحي في تلك الأيام" (يوء 2: 28، 29).
وهكذا لن يعود حلول
الروح هبة خاصة بالملوك والأنبياء، بل يعطى لشعب الله بأجمعه. وهذا الروح
هو الذي سيجدّد قلب الإنسان من الداخل ليحمله على السلوك بحسب وصايا الله
فالخاطئ يُحزن الروح القدس: "لكنّهم تمرّدوا وأحزنوا روَحه القدوس" (أش
63: 10). لذلك يطلب المزمور الخمسون: "قلباً طاهراً فيّ يا الله، وروحاً
مستقيمًا جدّد في أحشائي. لا تطّرحني من أمام وجهك، ولا تنزع مني روحك
القدوس" (مز 50: 13). ويقول سفر الحكمة في هذا الصدد: "من علم مشورتك لو
لم تؤتِ الحكمة، وتبعث روحك القدوس من الأعالي؟" (حك 9: 17). وهذا الروح
القدس يدخل إلى أعماق الإنسان و يملأه حكمة: "انّ الحكمة مهندسة كلّ شيء
هي علّمتني. فإنّ فيها الروح الفهِم القدوس، المولود الوحيد ذا المزايا
الكثيرة، اللطيف السرج الحركة، الفصيح الطاهر النيّر السليم، المحبّ
للخير، الحديد الحرّ المحسن، المحبّ للبشر، الثابت الراسخ، المطمئن
القدير، الرقيب الذي ينفذ جميع الأرواح الفهمة الطاهرة اللطيفة" (حك 7:
21- 23).
وهذا الروح لن يترك الإنسان: "هذا عهدي معهم، قال الرب: روحي
الذي عليك وكلامي الذي جعلته في فمك لايزول من فمك، ولا من فم نسلك، ولا
من فم نسل نسلك، قال الرب، من الآن وإلى الأبد" (أش 59: 21).
والروح الذي سيرسله الرب في الأيام الأخيرة سيُحيي الأموات، كما جاء في نبوءة حزقيال على العظام اليابسة:
"وكانت
عليّ يد الرب، فأخرجني الرب بالروح، ووضعني في وسط البقعة، وهي ممتلئة
عظامًا... وقال لي: تنبّأ نحو الروح، تنبّأ يا ابن البشر، وقل للروح: هكذا
قال السيد الرب، هلمّ أيها الروح من الرياح الأربع، وهبّ في هؤلاء
المقتولين فيحيوا. فتنبّأت كما أمرني. فدخل فيهم الروح، فحيوا وقاموا على
أرجلهم جيشًا عظيمًا جدًّا جدّاً... هكذا قال السيد الرب: ها أناذا أفتح
قبوركم وأصعدكم من قبوركم... وأجعل روحي فيكم فتحيون" (حز 37: 1- 14).
خلاصة
القول انّ الروح في العهد القد يظهر على ثلاثة أوجه يظهر أوّلاً كقدرة
حياة تحيي كل خليقة، ويظهر ثانياً في كلام الأنبياء والمعجزات التي يقومون
بها باسم الله، ويظهر أخيراً كوعد للأزمنة الأخيرة التي فيها سيأتي المسيح
ممتلئًا من الروح القدس، وبواسطته سيحلّ الروح القدس على جميع الشعب وفي
داخلهم، كقوّة قداسة وينبوع حياة جديدة.
وفي جميع هذه الوجوه، لا يبدو
الروح كقدرة مستقلّة عن الله، بل كقدرة مرتبطة بالله. وحضوره هو حضور
واقعي وسرّي في آن واحد، فالله يعمل بواسطة روحه القدوس في قلب العالم،
ولكنّه يبقى متعاليًا عن العالم.
خلاصة
هكذا أوحى الله بذاته في
العهد القديم: إلها أبًا يخلق العالم ويخلّصه بكلمته وروحه. وتلك هي
التهيئة التي نجدها في العهد القديم لكشف سرّ الثالوث الأقدس في العهد
الجديد. فمَا يجب تأكيده هو أن الله لا يكشف ذاته إلا من خلال علاقته
بالإنسان. وقد ظهرت لنا تلك العلاقة علاقة ثالوثيّة: فالله هو الآب،
والكلمة والروح هما قدرة الله وحضوره اللذان يتّصل بهما بالعالم فيخلقه
ويرشده ويخلّصه ويحييه. إنهما، كما يقول القديس إيرناوس، "يدا الله".
وهكذا
يتبيّن لنا ما قلناه في مستهلّ بحثنا أن أيّ محاولة لاهوتيّة للدخول في
سرّ الثالوث الأقدس يجب ألا تنطلق من التأمّل النظريّ الفلسفيّ في الذات
الإلهية لمعرفة تكوينها الباطنيّ، بل من وحي الله لذاته في تاريخ الخلاص.
فالله في العهد القديم من تاريخ الخلاص أوحى بذاته أباً يخلق ويخلص.
"وروحه. وفي العهد الجديد بلغ وحي الله كماله، إذ أرسل إلينا الله ابنه
الوحيد، وبالابن عرفنا الآب وعرفنا الروح القدس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
علا المصرى
مشرفة
مشرفة
علا المصرى


عدد المساهمات : 18120
نقاط : 27495
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 01/05/2014
العمر : 30

 "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  Empty
مُساهمةموضوع: رد: "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"     "اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"  I_icon_minitimeالأحد أغسطس 10, 2014 4:20 am

ثانيًا- الثالوث الأقدس في العهد الجديد
==============



توطئة:
منهجيّة البحث في الثالوث الأقدس في العهد الجديد

إنّ
من أراد البحث في عقيدة الثالوث الأقدس كما وردت في العهد الجديد يصطدم
بصعوبات وعقبات متعدّدة لا بدّ له من أخذها بعين الاعتبار لئلاّ يقع في
مغالطات أو يطلق أحكامًا غير مبنية على طرق علميّة.
1- الصعوبة الأولى
تأتي من أنّه يستحيل علينا تكوين صورة واضحة عن يسوع التاريخي استناداً
إلى تفسير حرفي للعهد الجديد. ذلك أن أسفار العهد الجديد كلّها هي شهادات
إيمان الرسل والتلاميذ الذين اختبروا المسيح القائم من بين الأموات. وكل
منهم يروي سيرة يسوع على ضوء إيمانه. ومع ذلك يجب التأكيد على أن ما
يروونه ليس من اختراع مخيّلتهم، بل هي أحداث واقعيّة عن يسوع الناصريّ
الذي عاشوا معه وآمنوا به. فيجب من ثمّ من الناحية المنهجيّة الأخذ بعين
الاعتبار الناحيتين معًا: الرواية على ضوء الإيمان، ورواية أحداث واقعيّة.
2-
الصعوبة الثانية هي في التمييز بين أساليب متعددة في النصّ الكتابي: فهناك
العقيدة الإيمانية، وهناك عبارات الكرازة، وهناك التفاسير اللاهوتية. لذلك
يجب ألاّ يُعتبر كلّ تفسير لاهوتيّ، وإن ورد في العهد الجديد، كأنه عقيدة
إيمانية. وهذا التمييز يصحّ أيضاً لتاريخ الفكر المسيحيّ على مدى العصور.
فليس كل تحليل لاهوتيّ عقيدة إيمان
3- التحديات اللاهوتية، مهما كانت
دقيقة، لا تستطيع الإحاطة بسر الإيمان ولا التعبير تعبيرًا وافيًا عن
عقيدة الإيمان. بل إن هناك مسافة دائمة ملازمة لكل يد لاهوتي، بين التعبير
والعقيدة الإيمانية المقصودة من خلال التعبير.
4- إن التحديدات
اللاهوتية التي عبّرت من خلالها المجامع المسكونية عن عقيدة الثالوث
الأقدس ليست جديدة بالنسبة لإيمَان العهد الِجديد. و استعمالها للألفاظ
الفلسفية كالطبيعة والجوهر والأقنوم سوىَ تعبير لإيمَان العهد الجديد ذاته
بلغة يفهمها العصر الذي وردت فيه. وهذا ما يجب إظهاره في البحث في إيمَان
العهد الجديد بالثالوث الأقدس وعلاقة الأقانيم الإلهية بعضها ببعض. وفي
هذا البحث يجب التنبّه إلى عدم استعمال تلك الألفاظ الفلسفية في تفسير
أقوال العهد الجديد، بل الاكتفاء بإظهار ملاءمة ما ورد في العهد الجديد مع
جوهر العقيدة التي أعلنتها المجامع المسكونية في تحديداتها اللاهوتية.
5-
ان عقيدة الثالوث قد أوحيت لنا من خلال شخص يسوع المسيح ورسالته وموته
وإرساله الروح القدس إلى تلاميذه من بعد قيامته. لذلك، للتعمّق في سرّ
الثالوث الأقدس، يجب ألاّ نزيح أيصارنا عن يسوع للتأمل في طبيعة الله
السرمديّة. على العكس من ذلك، بقدر ما نتعلّق بيسوع المسيح ونتعمّق في فهم
شخصه ورسالته، ينكشف لنا سر الثالوث الآب والابن والروح القدس.
اننا،
في أبحاثنا السابقة في تفسير قانون الإيمان، قد توسّعنا في نواح متعدّدة
من هذا الموضوع. ففي تفسير القسم الأول من قانون الإيمان: "نؤمن باله واحد
آب ضابط الكل"، عالجنا كيف يعبّر العهد الجديد عن ظهور الله الآب في تعليم
يسوع وحياته.
وفي تفسيرنا للقسم المتعلّق بيسوع المسيح: "وبربّ واحد
يسوع المسيح ابن الله الوحيد"، رأينا كيف ظهر يسوع في شخصه وتعليمه، في
العهد الجديد، "المسيح"، و"ابن البشر"، و"الرب"، و"ابن الله"، و"الكلمة".
يبقى
لنا الآن أن نعود إلى أهمّ ما جاء في الجهد الجديد من نصوص توضح من جِهة
علاقة الابن بالآب، ومن جهة أخرى علاقة الروح القدس بالآب والابن، وعمل
الروح القدس في الكنيسة، لنستخلص منها إيمَان العهد الجديد بالثالوث
الأقدس.
- الآب والابن
ء) الله أب لجميع الناس
لقد أوضحنا في أبحاثنا
السابقة كيف ظهر الله من خلال تعليم يسوع وعمله أبًا لجميع الناس: فهو
الإله القريب من الإنسان. وهو يعتني بهم أفضل ممّا يعتني بطيور السماء
وزنابق الحقل. وهو الأب الذي يعرف أن يمنح العطايا الصالحة لأبنائه. وهو
الأب الرحيم الذي يسعى بنفسه لطلب الخروف الضالّ، وينتظر عودة ابنه الشاطر
ليعيده إلى فرح الحياة معه.
وقد أظهر يسوع في أعماله أبوّة الله هذه. فنراه يغفر للعشّارين والخطأة: لخلعّ كفرناحوم، وللمرأة الزانية، ولزكا العشّار.
ب) الله أب ليسوع بنوع خاص
لقد
صنع يسوع في حياته أموراً خاصة بالله. فغفر الخطايا، و"ما من أحد يقدر أن
يغفر الخطايا إلاّ الله وحده" (مر 2: 7). ونقض شريعة السبت التي وضعها
الله نفسه (مر 2: 29). وكان في تعليمه يتكلّم بسلطة إلهية: "سمعتم أنه قيل
للأقدمين... أما أنا فأقول لكم..."
تلك كانت نقطة الانطلاق للإيمَان
بالثالوث الأقدس في بدء المسرحية. فلقد آمن تلاميذ يسوع أنّ الله نفسه بكل
قدرته قد ظهر لهم في شخص يسوع المسيح، وأنّه يمكن من ثمّ لكل إنسان ملاقاة
الله في شخص يسوع المسيح.
وقد تثبّت هذا الإيمان بقيامة يسوع من بين
الأموات. فبعد قيامة يسوع راح الرسل يكرزون أنّ يسوع الناصريّ الذي صلبه
اليهود قد أقامه الله، وبقيامته أعلن للعالم أجمع صدق رسالته، وأدخله في
مجده الإلهي، "وجعله ربّا ومسيحا" (أع 2: 36)، كما يقول بطرس الرسول في
خطبته الأولى بعد العنصرة.
لقد آمنت الكنيسة الرسوليّة أن يسوع،
بقيامته، قد حصل على أعلى كرامة إلهية. وهذا ما تشير إليه الألقاب
المختلفة التي دعته بها. فآمنت أنه هو "اِلمسيح"، معبّرة بذلِك عن إيمانها
بأنّ الله قد أقام فيه الملكوت الذي وعد به منذ العهد القديم. ودعته "ابن
البشر"، منتظرة أن يأتي من جديد للدينونة وقيامة الأموات وبدء زمن خلاص
جديد. ودعته "ابن الله"، وهذا اللقب هو، في الأصل لقب من ألقاب المسيح،
الملك الماسيوي، كما جاء في المزمور 2: 7: "أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك"
(راجع أع 12: 33) ودعته "الرب"، وهذا اللقب هو أيضاً أحد الألقاب
الماسيوية، والدليل على أنّ الكنيسة الناشئة قد استعملته، العبارة
الليتورجية الآرامية "ماراناثا" (أيها الرب، تعالَ) (راجع 1 كو 16: 22؛ رؤ
22: 20؛ 1 كو 11: 26).
ماذا تعلّمنا تلك الألقاب عن يسوع؟ اذا نظرنا
إلى تلك الألقاب في ذاتها، قد نخلص إلى القول إن الكنيسة الرسولية قدّ
تطورت في التعبير عن إيمانها بيسوع. فانتقلت من الإيمان بأن يسوع هو
المسيح- وهذا الإيمان نشأ في محيط يهوديّ- إلى الإيمان بأن يسوع هو ابن
الله والرب، وهذان التعبيران هما من المحيط اليونانيّ. وهكذا قد يرى البعض
أنّ الجماعة المسيحية كانت ترى في يسوع مجرّد إنسان تبنّاه الله، ثم انتقل
هذا الإيمان إلى الجماعات اليونانيّة التي راحت تعلن أنّ يسوع هو ابن الله
منذ الأزل، وأن حياته على الأرض لم تكن سوى فترة قصيرة عاد من بعدها إلى
المجد السماوي.
إنّ هذا التفسير لإيمان العهد الجديد بالمسيح خاطئ،
لأنه يستند إلى نقطة انطلاق خاطئة. فالجماعات المسيحية الأولى بدأت بالقول
إن المسيح الذي انتظره العهد القديم، المسيح الذي هو ابن البشر وابن الله
والرب، قد أتى. وهو يسوع الذي من الناصرة. فالتعبير الإيماني الأوّل بدأ
إذاً على الشكل التالي: ان المسيح الموعود به هو يسوع وابن البشر المنتظر
هو يسوع، وابن الله هو يسوع، والرب هو يسوع. وفي هذا التعبير تبدو ألقاب
المسيح وابن البشر وابن الله والرب ألقابًا مترادفة مع فروق دقيقة. ولكن
في ما بعد قُلبت هذه التعابير للتعريف بيسوع تعريفًا واضحًا فقيل يسوع هو
المسيح وابن البشر وابن الله والرب. وتحوّل مدلول تلك الألقاب وصارت
كأنّها وصف موضوعيّ ليسوع وتعبير واضح عن علاقته بالله.
أمّا في الواقع
فان تلك الألقاب لا تهدف إلى إزاحة الحجاب عن سر علاقة يسوع بالله، ولا
إلى إدخال تلك العلاقة في نظرة معهودة من تاريخ الديانات. فكل ما أكّدته
الكرازة الرسولية يبقي سرّ يسوع قائمًا، ولا يهدف إلاّ إلى إتاحة المجال
للمؤمن للبلوغ إلى المسيح الحيّ. وقيامة يسوعٍ قد ثبّتت هذا الإيمان: فبها
أعلن الله أن كلّ ما عمله يسوع وتكلّم به كان بقدرة الله، فهو إذاً مرسل
الله ومسيح الله. وبقيامة يسوع أعلن الله أنّ كلّ مؤمن يستطيع اليوم
الوصول إلى الله بواسطة المسيح، الذي يملك الآن أيضاً قدرة الله. وهذا ما
تشير إليه العبارات التالية: "إن يسوع قد ارتفع بيمين الله" (أع 2: 33)،
و"جلس إلى يمين الله" (أع 2: 34، رو 8: 34)، و"أُعطي كل سلطان في السماء
وعلى الأرض" (متى 28: 18)، و"جُعل ربًّا ومسيحًا" (أع 2: 36). لذلك "تجثو
لاسم يسوع كلّ ركبة ممّا في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض ويعترف كلّ لسان
أنّ يسوع المسيح هو ربّ لمجد الله الآب" (في 2: 10- 11).
لا ريب في أن
الجماعة المسيحية الناشئة لم تبحث بشكل مفصّل بالعلاقة التي تربط المسيح
بالله كما ستفعله المجامع المسكونية الأولى، ولم تلجأ لذلك إلى التعابير
الفلسفية التي ستستخدمها الكنيسة في ما بعد. إلاّ أنها عبّرت عن العلاقة
ذاتها بتعابير وتصاوير أكثر واقعية: فجلوس المسيح عن يمين الله لا يعني
شيئًا دقيقًا بالنسبة إلى علاقة يسوع الكيانيّة بالله، إنّما هو صورة
للتعبير عن أعلى مرتبة يمكن لإنسان الوصول إليها. فيسوع قد أعطي سلطة الله
نفسه، لذلك يتّخذ كلّ ما قاله وعمله على الأرض بعدًا إلهيًا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
"اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 14انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3 ... 7 ... 14  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» سيرة الراهب المتوحد المعاصر ابونا عبد المسيح الاثيوبى
» تعالوا ندرس اللاهوت الدفاعى
»  اللاهوت العقلي
»  أسرار اللاهوت
»  علم اللاهوت الطقسي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور الحياة  :: المنتديات المسيحية العامة - Christian public forums :: الطقس والعقيده والاهوت-
انتقل الى: