يحاول ديدات (في صفحة ٢٨ من كتيّبه) أن يشكك في رواية الإنجيل عن صلب المسيح بإثارة الجدل حول نبوّة وردت في سفر إشعياء ٥٣: ٧ بأنه لن يفتح فمه دفاعاً عن نفسه عند محاكمته، ولكنه سيُقاد إلى الصليب «كَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ». وواضح من النبوّة أنها لا تعني أنّ المسيح لن يقول شيئاً عند القبض عليه، بل بالأحرى أنّه لن يحاول الدفاع عن نفسه أمام من يتَّهمونه. ويستند ديدات في جدله على تصريحات معيَّنة أدلى بها المسيح، ويحاول أن يستخرج منها دفاع المسيح عن نفسه ضد من اتَّهموه.
ويَسخر ديدات من المسيح متسائلاً عمّا إذا كان قد تكلَّم «وفمه مغلق» لما قال لبيلاطس إنّ مملكته ليست من هذا العالم (يوحنا ١٨: ٣٦). وعندما طُلب من أحد خدام رئيس الكهنة أن يشهد إن كان المسيح قد قال شيئاً رديئاً (يوحنا ١٨: ٢٣) وعندما صلَّى إلى الله أن تعبر عنه كأس الآلام التي تنتظره، إن أمكن (متى ٢٦: ٣٩).
وجدير بنا أن نشير أنه ولا واحدة من هذه التصريحات صدرت عن المسيح أثناء محاكمته العلنية أمام السنهدريم (المحكمة العليا للأمة اليهودية) في منزل قيافا رئيس الكهنة، أو أمام بيلاطس البنطي الحاكم الروماني. فالتصريح الأول قاله المسيح لبيلاطس أثناء محادثة خاصة في منزل الحاكم الروماني، والثاني أثناء مثوله أمام حنّان حمي قيافا (وليس ذلك أمام السنهدريم) أثناء محاكمته كما يدَّعي ديدات (صفحة ٢٨).
فالمحاكمة بدأت بعد ذلك في منزل قيافا كما يذكر الإنجيل بوضوح (يوحنا ١٨: ٢٤ ومتى ٢٦: ٥٧) والعبارة الثالثة قالها يسوع في بستان جثسيماني قبل القبض عليه. فالدليل الذي يقدّمه ديدات ليس له صلة إطلاقاً بالنقطة التي يثيرها، وهو بذلك لا يثبت شيئاً بالمرة. والذي يعنينا هو ما إذا كان المسيح قد دافع عن نفسه أمام السنهدريم في منزل قيافا، أو أثناء محاكمته العلنية أمام بيلاطس.وليس من قبيل المفاجأة أن نجد ديدات يتجاهل ما ذكرته الأناجيل عن هاتين المحاكمتين الرسميتين. فبعد أن سمع قيافا الأدلة المقدَّمة ضد المسيح أمام السنهدريم، طلب منه أن يجاوب على من يتهمونه. «فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هٰذَانِ عَلَيْكَ؟ وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً» (متى ٢٦: ٦٢ و٦٣).
وبدلاً من أن يدافع عن نفسه شهد للتوّ - رداً على السؤال التالي - بأنّه حقاً ابن الله، وهي شهادة دعت السنهدريم أن يحكم عليه بالموت. «وأما يسوع فكان ساكتاً». وبالمثل أيضاً نقرأ أنه حينما وجَّه إليه بيلاطس نفس السؤال، لم يفتح المسيح فمه ليقول أيّ شيء دفاعاً عن نفسه: «وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ ٱلْوَالِي جِدّاً» (متى ٢٧: ١٢-١٤).
على أنّ ديدات يراوغ فيخفي هذه الوقائع التي تكشف لنا بوضوح أنّ المسيح كان صامتاً أمام السنهدريم حينما تقدّم شهودُ زورٍ يتَّهمونه، كما لم يعط جواباً، ولا عن تهمة واحدة،
حينما اتَّهموه أمام بيلاطس. وحسبما هي طريقة ديدات التقليدية فإنه يكتم الأدلة ذات الصلة المباشرة بالموضوع الذي يتكلم عنه، ويحاول بدلاً من ذلك أن يثير جدلاً مستخدماً مناسبات أخرى لا صلة لها بالموضوع!
ولقد حدث نفس الشيء عندما ظهر المسيح أمام هيرودس ملك اليهود، قبل إعادته إلى بيلاطس: «وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدّاً، لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَاهُ يَصْنَعُ آيَةً. وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِٱشْتِدَادٍ» (لوقا ٢٣: ٨-١٠).
مرة أخرى حينما اتُّهم يسوع لم يجب بشيء. وفي كل مناسبة حينما كان يُحاكم أمام السنهدريم أو هيرودس أو بيلاطس لم يقل أي شيءإطلاقاً دفاعاً عن نفسه، وهكذا تحققت نبوّة إشعياء بأنه لن يدافع عن نفسه عند محاكمته، ولن يفتح فمه ليتكلم عن نفسه. ولم يصدر أيٌّ من الأقوال التي استشهد بها ديدات أثناء محاكمة المسيح، وهكذا تنهار تماماً واحدة أخرى من مجادلات ديدات ومغالطاته!