نقدم في هذا الفصل دليلين لا يدعان مجالاً للشك أن المسيح صُلب وقام، وهما:
١ - القبر الفارغ
٢ - كفن المسيح
١ - القبر الفارغ
والمقصود منه قبر المسيح الذي دُفن فيه بعد صلبه، فقد خلا من جسده بعد دفنه بثلاثة أيام. ولا يوجد تفسير معقول لهذا إلا في نصوص الإنجيل.
إن خلوّ قبر المسيح من جسده هو من أقوى الأدلة على القيامة. ولم يستطع مؤرخ عادل أن ينكر حقيقة فراغ القبر. فلقد ربح تلاميذ المسيح كثيرين آمنوا بالمسيح رغم عداوة السامعين، بعد أن أعلنوا خبر القيامة وهم على بُعد قريب من القبر، بعد أيام قليلة من خلوّ القبر من الجسد الذي أُودع فيه. وكان يمكن لمن يشاء من السامعين أن يذهب إلى القبر الفارغ ليتأكد بنفسه. فهل كان من الممكن أن يربح التلاميذ كل هؤلاء، لو أن جسد المسيح كان مسجى في قبره؟
وهل يمكن أن يقبل الكهنة والفريسيون وقادة اليهود ما أعلنه التلاميذ لو لم يكن القبر فارغاً فعلاً؟!
إن حقيقة قيامة المسيح ما كان يمكن أن تُعلن في أورشليم لو لم يكن المسيح قد مات وقام فعلاً.
موقف الإسلاميين من قضية القبر الفارغ:
لم تحظ قيامة المسيح من بين الأموات رغم خطورتها وأهميتها باهتمام الباحثين الإسلاميين، ولم يصل إلى حدّ علمنا أن أحداً من المسلمين المهتمين بعلم مقارنة الأديان - على كثرتهم - قد استقلَّ ببحث قدَّم فيه حلاً للغز القبر الفارغ. الذي يمكن صياغته كما يلي:
لو أننا سايرنا المسلمين في اعتقادهم أن الصلب قد وقع تاريخياً، ولكن على إنسان آخر شبيهٍ بالمسيح، فإن على المسلمين أن يسايرونا أيضاً في أن هذا المصلوب نزل من على صليبه ودُفن. ومن هنا تبدأ قضية القبر الفارغ، فإن التاريخ يؤكد لنا أن تلاميذ المسيح ذهبوا إلى القبر بعد ثلاثة أيام فوجدوه فارغاً، وأن الحجر الضخم الذي كان يسدّ باب القبر وخُتم بالخاتم الروماني قد زُحزح.
وبناءً على هذا فإن المسلمين عندما أنكروا صلب «يسوع» وجب عليهم أن يجيبوا على سؤالين:
- أين ذهب جسد المصلوب - أياً كان؟
- ومن الذي دحرج الحجر الضخم الذي كان يسدّ باب القبر، رغم وجود حراسة الجنود الرومان المشدَّدة؟
قال الإمام «محمد أبو زهرة» في كتابه «محاضرات في النصرانية»: «لم يبيّن القرآن ماذا كان من عيسى بين صلب الشبيه ووفاة عيسى أو رفعه - على الخلاف في ذلك - ولا إلى أين ذهب.. وليس عندنا مصدر صحيح يُعتمد عليه. فلنترك المسألة ونكتفي باعتقادنا اعتقاداً جازماً أن المسيح لم يُصلب. ولكن شُبّه لهم». وقال أحد علماء الأزهر: «إن قضية القبر الفارغ لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فإن القرآن قد حسم قضية الصلب بقوله: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم».
أما البحث عمَّن دحرج الحجر، وما مصير الجسد المصلوب، فهذا من شأنه الاعتراف الضمني بالصلب الذي نفاه القرآن.
وقضية القبر الفارغ لا يمكن أن تُحل بآية القرآن السابقة، لأن القضية المطروحة الآن ليست قضية «مَنْ صُلب؟» فهذه مسألة مختلَف عليها، وقد عالجناها. لكن القضية الحالية هي قضية مصير جسد «الشبيه». فإن إجماع المؤرخين بما فيهم القرآن على وقوع حادثة الصلب قد دفع بالتساؤل عن مصير الجسد الذي صُلب، وأصبح إيجاد تفسير لخلوّ القبر من الجسد بعد ثلاثة أيام من دفنه ضرورة يحتّمها الحوار الهادف.
لا بديل للقول إن المسيح جاء ليخلّص الخطاة، وليقوم بالفداء، فقد صار نائباً عن البشر ودفع الدّيْنَ كله عنهم، ليرفع وزر الخطية. ومن خصائص فداء المسيح أنه لا يكتفي برفع الخطية عن الإنسان، بل إنه يشفيه منها. فكل من يقبل المسيح تتجدد حياته وتتغيَّر فيصبح إنساناً جديداً. ليت اختبارك يكون ما قاله بولس رسول المسيحية: «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ ٱلَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (١تيموثاوس ١: ١٥).٢ - كفن المسيح
هذه دراسة تُعدّ شهادة علمية موثّقة، تؤكد وقوع حادثة صلب المسيح، وقد وقّع عليها أكثر من أربعين عالماً في مختلف فروع العلم، من بلاد متفرقة كأمريكا وفرنسا وسويسرا والنمسا وانجلترا. ولم تموّل هذه الدراسة أية هيئة مسيحية، بل درس هؤلاء العلماء الكفن للبحث العلمي وحده، ودرسه بعضهم لتفنيد رأي الكنيسة. وكان بعضهم يقرأ الإنجيل ليجد فيه دليلاً على عكس ما تنادي به الكنيسة.
وكفن المسيح محفوظ بكاتدرائية يوحنا المعمدان بمدينة تورينو بإيطاليا. وقد رفضت السلطات الكنسية أن يفحص أحدٌ من العلماء الكفن. وكان هذا لحكمةٍ إلهية، حتى يأتي السماح بهذا العمل في وقت تتوفر فيه الإمكانيات العلمية الحديثة.
وسترى توافقاً كاملاً بين أوصاف كفن تورينو وما جاء في الأناجيل الأربعة عن صلب المسيح:
فالكفن عبارة عن قطعة واحدة من الكتان الأبيض، طوله حوالي أربعة أمتار وربع المتر، وعرضه متر وربع المتر، وفي الكفن صورة أمامية وأخرى خلفية لإنسان طوله ١٨١ سم، والصورة سلبية (نيجاتيف Negative) وهو وضع مستحيل، فلا يمكن لأي فنان أن يرسم صورة «نيجاتيف». ولا توجد حدود للصورة لأن التصوير لم يُعرف إلا منذ مائة عام تقريباً. وبناءً على طول الكفن، وعلى حبوب اللقاح العالقة به، قال علماء الأجناس إنه لإنسان طويل القامة، من شعوب البحر المتوسط.
ولقد تعرّض الكفن للحريق سنة ١٥٣٢م نتيجة حرق الكنيسة كلها، واحترق الصندوق الذي يحتوي على الكفن، لكن الكفن نفسه لم يتأثر إلا باحتراق طفيف في أطرافه. وقد بحث العلماء عن نوع الأصباغ التي يمكن أن تكون الصورتان قد رُسمتا بها، ولكنهم لم يجدوا أي نوع من الأصباغ، فالصورة موجودة لأكثر من فتلة واحدة في النسيج. قال علماء التشريح والطب الشرعي إن الصورة التي للإنسان الذي وُضع في الكفن تدل على أنه في الثلاثينيات، كان يؤدي عملاً يدوياً شاقاً: عرفوا ذلك من الآثار التي في اليدين. وقالوا إن الكتف الأيمن مرتخٍ عن الكتف الأيسر نتيجة العمل باليد اليمنى. وكانت رِجله الشمال موضوعة على رِجله اليمين، والمسمار في المشط بين السلامية الثانية والثالثة. والمسمار الذي سُمّر في اليدين ليس في الكف بل في عظام الرسغ. والعظام لم تُكسر (تماماً كما قالت نبوات التوراة)، وعلى رأسه آثار طاقية شوك مغروسة كانت آثارها من الجبهة حتى قمة الرأس. وآثار الدماء على الوجه تأخذ منظراً متعرجاً نتيجة تقلّص عضلات الوجه بسبب الآلام الشديدة. وقال العلماء إن الكفن لإنسان صُلب، فقد شاهدوا سير الدماء في اليدين. وقاسوا الزاوية بين الرأس وبقية اليد فوجدوها ٦٥ درجة، ووجدوا أن الكتف فيه آثار حمل الصليب، وتوجد كدمات كثيرة جداً في الوجه وأجزاء متورمة، كما يوجد قطع على شكل مثلث في الخد الأيمن من كثرة اللطم. أما الجراحات الموجودة بالظهر فكانت في شكل دائرتين غائرتين متصلتين ببعضهما نتيجة الضرب بالسياط. ثم بحثوا عن أنواع السياط التي جُلد بها فوجدوا أنه سوط روماني مثل العينات المحفوظة منه بالمتاحف، وهو سوط ذو ثلاث شعب، تنتهي كل شعبة بقطعتين معدنيتين.
وقالوا إن هذا الإنسان تناوب على جلده اثنان، وكان الذي يضرب من جهة اليمين أطول من الذي يضرب من جهة الشمال، والضارب القصير من جهة الشمال كان قاسياً لأن ضرباته تركت أثراً أعمق من الضارب في جهة اليمين!!
وهناك فتحة في الجنب الأيمن سالت منها كمية دماء كبيرة، يشبه شكلها مقدَّم الرمح الروماني، كورق الشجرة، والفتحة بمَيْل وموجودة بين الضلعين الخامس والسادس. وهناك آثار ماءٍ سائل قال بعض العلماء إنه من السائل المحيط بالقلب، لكن كميته قليلة، وقالوا إن القلب يمكن أن يفرز أكثر، نتيجة للإجهاد الكثير. وهناك رأي ثان لفريق آخر من العلماء قال إن هذا الماء من السائل المحيط بالرئتين، ويمكن أن تزداد كميته نتيجة الشد العضلي، وهو الرأي الأرجح.
موطن الكفن:
يقول علماء النبات إنه يمكن معرفة موطن صاحب هذا الكفن بفحص حبوب اللقاح اللاصقة بقماش الكفن، ويُقاس حجمها بواحد من المليون من المليمتر، ولا تُرى إلا بالميكروسكوب الالكتروني. وقد أخذوا بعض التراب اللاصق بالكفن ودرسوه لمدة ثلاث سنوات لمعرفة النباتات التي تتبعها حبوب اللقاح، وأين تنمو؟ فوجدوا أن هذا النبات كان موجوداً في مرسيليا، وباريس، والقسطنطينية، وقبرص، وصور، وصيدا. لكن إلى جانب ذلك وجدوا مجموعة من حبوب اللقاح لم يتوصلوا إلى حقيقتها ولا إلى مكان وجودها. وأقام أحد العلماء لمدة ستة شهور في أورشليم. وهناك وجد النباتات التي لا تنمو إلا فيها، والتي تتبعها حبوب اللقاح التي كانت موجودة في كفن تورينو.
عمر القماش:
بحثوا أيضاً عن عمر قماش الكفن بواسطة تجربة الكربون ١٤ المشع، فوجدوا أنه يرجع لحوالي ألفي سنة.
أما عن صورة وجه المسيح المطبوع فلا تتفق مع ما رسمه فنانو أوربا، ولكنهم وجدوها تطابق الرسوم الموجودة في الكنائس الشرقية التي رُسمت في قرون المسيحية الأولى. وأقرب الصور إليها هي صورة رسمها كيرلس الكبير البطريرك الإسكندري الرابع والعشرون في القرن الخامس، وصورة أخرى في كنيسة أيا صوفيا، وثالثة في إحدى كنائس سوريا.
غياب البعد الثالث:
أي صورة لها بعد ثالث، ما عدا صورة الكفن فليس لها بُعد ثالث، رغم استعانة العلماء بأجهزة البحرية الأمريكية شديدة الدقة، والصورة بلا رسم ولا أصباغ.
قالوا: ربما تعرَّض هذا الكفن لإشعاع مُعيّن. لكن علماء الطاقة الذرية نفوا معرفتهم لإشعاع يطبع الصورة. وأخيراً قالوا إنه يُحتمل أن هذه الصورة تكون قد تكوّنت نتيجة خروج شعاع ما وقت قيامة المسيح.
تعليق: أشاع البعض أن الكنيسة أوقفت البحث في موضوع الكفن لأنه ليس للمسيح! ومهما كان، فإننا لا نبني إيماننا على مجرد وجود الكفن، فحقيقة موت المسيح وقيامته أرسخ من أية حقيقة تاريخية أخرى. فلو لم يكن كفن تورينو خاصاً بالمسيح فهذا لا ينفي موت المسيح وقيامته.
ونرجو أن يرجع القارئ إلى كتاب «من دحرج الحجر؟» الذي كتبه المحامي البريطاني فرانك موريسون، الذي كان ينوي الكتابة ضد تاريخية القيامة، ولكن الأدلة على صدقها بهرته، فكتب يبرهنها. والكتاب مترجم للعربية.
وهنا أطلب إلى القارئ الكريم أن يجلس في هدأة غرفته ويفكر تفكيراً رزيناً جديّاً مسترشداً بالله ليوضح له الحقيقة، وليهديه للمعرفة الحقة للمسيح، فهو الطريق إلى الله وهو الحق وهو الحياة الأبدية.