منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

شكرا
منتدى نور الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور الحياة

اخبار . رياضة . فن .فيديو. طب. برامج. موضة. طفل. حوادث. بحث. فيس .بوك . تويتر. يوتيوب. جوجل . ادنس. ربح .نت .افلام . ترانيم . مسرحيات. عظات
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أدلة نقلية على صلب المسيح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابن المسيح المخلص
مشرف عام
مشرف عام
ابن المسيح المخلص


عدد المساهمات : 2362
نقاط : 8208
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 24/12/2012
العمر : 43

أدلة نقلية على صلب المسيح Empty
مُساهمةموضوع: أدلة نقلية على صلب المسيح   أدلة نقلية على صلب المسيح I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 23, 2016 11:31 am

١ - صلب المسيح من واقع نصوص القرآن

رأينا فيما سبق أن كفارة المسيح حتمية تشريعية، وفرضية عقلية. والآن سنُثبِت أنها حقيقة تاريخية:

١ - الإسلام ووفاة المسيح:

يقول القرآن إن المسيح «كلمة الله» و «روح الله» (النساء ٤: ١٧١) حلَّ في مريم العذراء المطهَّرة والمصطفاة والمفضَّلة على نساء العالمين (آل عمران ٣: ٤٢) ومنها وُلد من غير رجل، وعاش قدوساً بلا شر (مريم ١٩: ١٩) ولم يمسَّه الشيطان، ولم يخطئ قط، وتأيَّد بالروح القدس وبالبيّنات، يَخلق من الطين كهيئة الطير، ويُبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى (آل عمران ٣: ٤٩ والمائدة ٥: ١١٠) ويرزق الجياع بطعامٍ من السماء (المائدة ٥: ١١٤). وهو فوق ذلك آية ورحمة للعالمين (مريم ١٩: ٢١) وهو صاحب «البشرى» الطيبة للبشر. وقد كفر به اليهود، واعترفوا أنهم صلبوه، وأنه قد مات. ولكنه بُعث حياً، ورُفع إلى السماء، وهو الوجيه والشفيع في الدار الآخِرة (آل عمران ٣: ٤٩)، وسيأتي ثانية إلى أرضنا حَكَماً عادلاً. ومجيئه الثاني هو علامة الساعة وانقضاء العالم.
ولدراسة موضوع صلب المسيح نبحث آراء الأئمة حول بعض آيات القرآن، وأهمها ثلاث: مريم ١٩: ٣٣ والمائدة ٥: ١١٧ وآل عمران ٣: ٥٥
أ - سورة مريم وموت المسيح: تحدثت سورة مريم عن ثلاث مراحل من حياة يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) فقالت: «وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ (يحيى) يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً» (مريم ١٩: ١٥). قال ابن كثير تفسيراً لهذه الآية: أي له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال، وقال سفيان بن عُيينة: أوحش ما يكون المرء في ثلاثة مواطن، يوم يولد فيرى نفسه خارجاً مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن قد عاينهم، ويوم يُبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم اللهُ فيها يحيى بن زكريا فخصَّه بالسلام عليه.
من الواضح جداً أن الأفعال الواردة هنا «وُلد، يموت، يُبعث» تتعلق بالحياة والموت فقط دون سواهما، فلا علاقة لهذه الأفعال بالنوم. فقد وُلد المعمدان ومات وسُيبعث حيّاً يوم القيامة.
وفي نفس السورة يقول على لسان المسيح: «وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً» (سورة مريم ١٩: ٣٣) ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية عن المسيح: «... له السلامة في هذه الأحوال التي هي أشقّ ما يكون على العباد».
ونلاحظ تكرار نفس الأفعال، وبنفس الترتيب الزمني: الماضي فالحاضر عن المسيح، تماماً كما ورد عن المعمدان. فكما وُلد المعمدان ومات هكذا المسيح ولد ومات موتاً طبيعياً، ولكنه بعد ثلاثة أيام بُعث حياً.
وجاء في مريم ١٩: ٣١ قول منسوب للمسيح: «وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلّزَكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً» يفسرها ابن كثير بقوله: قال عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس: قال أخبره بما هو كائن من أمره إلى أن يموت. فالمسيح يقدم الزكاة مادام حيّاً، فإن كان ارتفع إلى السماء دون أن يموت، فالسؤال هو: لمن يقدم الزكاة في الجنة؟ وإذا كان لم يزل حيّاً في الأرض، فأين هو؟ ومن هم الذين يتناولون منه الزكاة؟! واضح أنه قدم الزكاة ما دام حيّاً، ثم انتهى هذا بموته.
ب - سورة المائدة والوفاة: ورد على لسان المسيح في المائدة ٥: ١١٧ و١١٨ «وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ». قال ابن عباس: قام فينا رسول الله (ص) بموعظة فقال: يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عز وجلّ حُفاة عُراة حفاة عراة غرلاً «كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ» (الأنبياء ٢١: ١٠٤). وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة إبرهيم، ألا وأنه يُجاء برجال من أُمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول «أصحابي» فيُقال إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح (الآية). فيُقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. ورواه البخاري عن هذه الآية عن أبي الوليد، وعن شُعبة، وعن محمد بن كثير عن سفيان الثوري. كلاهما عن المغيرة بن النعمان (ابن كثير في تفسير المائدة ٥: ١١٧)
فالمفارقة تمت وقت الوفاة، فعندما أُسلِمَ المسيح للصلب تركه الذين تبعوه وتشتتوا. فأين هو الآن بعد هذه المفارقة التي تمت وقت الوفاة؟
ج - سورة آل عمران والوفاة: «إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ» (آل عمران ٣: ٥٥).
يقول الإمام الرازي: من مباحث هذه الآية موضع مشكل، وهو أن نص القرآن دل على أنه تعالى حين رفعه ألقى شبهه على غيره على ما قال: «وماقتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم» والأخبار أيضاً واردة بذلك، إلا أن الروايات اختلفت، فتارة يُروى أن الله تعالى ألقى شبَهه على بعض الأعداء، الذين دلوا اليهود على مكانه حتى قتلوه وصلبوه، وتارة أخرى يُروى أنه رغَّب بعض خواص أصحابه في أن يلقي شبهه عليه حتى يُقتل مكانه. فكيفما كان، ففي إلقاء شَبهه على الغير إشكالات:
الإشكال الأول: لو جوَّزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر لزم السفسطة، فإني إذ رأيت ولدي ثم رأيته ثانياً فحينئذ أجوّز أن يكون هذا الذي رأيته ثانيةً ليس بولدي، بل هو إنسان أُلقي شبهه عليه، وحينئذ يرتفع الأمان على المحسوسات. وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمداً (ص) يأمرهم وينهاهم وجب أن لايعرفوا أنه محمد، لاحتمال أنه ألقى شبهه على غيره وذلك يقضي إلى سقوط الشرائع. وأيضاً فمدار الأمر في الأخبار المتواترة، على أن يكون المخبر الأول إنما أخبر عن المحسوس. فإذا جاز وقوع الغلط في المبصرات، كان سقوط خبر المتواتر أولى. وبالجملة ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية.
الإشكال الثاني: وهو أن الله تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام، بأن يكون معه في أكثر الأحوال. هكذا قال المفسرون في تفسير قوله: «إذ أيَّدتُك بروح القدس» ثم إن طرف جناح واحد من أجنحة جبريل عليه السلام كان يكفي العالم من البشر. فكيف لم يكفِ في منع أولئك اليهود عنه؟ وأيضاً المسيح لما كان قادراً على إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، فكيف لم يقدر على إماتة أولئك اليهود الذين قصدوه بالسوء وعلى إسقامهم وإلقاء الزمانة والفلج عليهم حتى يصيروا عاجزين عن التعرُّض له؟
الإشكال الثالث: إنه تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء. فما الفائدة من إلقاء شبَهه على غيره، إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة؟
الإشكال الرابع: إنه إذ أُلقي شبهه على غيره، ثم إنه رفع بعد ذلك إلى السماء، فالقوم اعتقدوا فيه أنه هو عيسى، مع أنه ما كان عيسى. فهذا كان إلقاءً لهم في الجهل والتلبيس. وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى.
الإشكال الخامس: إن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح عليه السلام، وغلوُّهم في أمره أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً. فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر. والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد (ص) ونبوة عيسى، بل في وجودهما ووجود سائر الأنبياء، وكل ذلك باطل.
الإشكال السادس: إنه ثبت بالتواتر أن المصلوب بقي حياً زماناً طويلاً. فلو لم يكن ذلك عيسى بل كان غيره، لأظهر الجزع، ولقال: لستُ بعيسى بل إنما أنا غيره، ولبَالغ في تعريف هذا المعنى. ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى. فلما لم يوجد شيء من هذا علمنا أن ليس الأمر على ما ذكرتم. (تفسير الإمام الرازي لآل عمران ٥٥).
ويقول ابن كثير (في تفسير هذه الآية): «اختلف المفسّرون في قوله تعالى: إني متوفّيك ورافعك إليَّ». قال قتادة وغيره: «هذا من المقدَّم والمؤخر، تقديره إني رافعك إليَّ. ومتوفيك إليَّ يعني بعد ذلك». وقال طلحة عن ابن عباس: «إني متوفّيك أي مُميتك» (فابن عباس يقول ما يقوله المسيحيون). وقرينة الآية لا علاقة لها بالنوم.
ثم بحث بعضهم في مدة الوفاة والموت. فقال محمد بن اسحق عن وهب بن منبه قال: «توفاه الله ثلاث ساعات من أول النهار حين رفعه إليه». قال ابن اسحق: «والنصارى يزعمون أن الله توفاه سبع ساعات ثم أحياه». وقال الربيع بن أنس: «إن الله توفاه حين رفعه إلى السماء». وقال إسحق بن بشر عن إدريس عن وهب: «أماته الله ثلاثة أيام ثم بعثه ثم رفعه» (وهذا ما يقوله المسيحيون)!
ثم يستعرض ابن كثير الآراء حول الموت، فيقول: قال مطر الوراق: إني متوفّيك من الدنيا وليس بوفاة موت. قال الحسن: قال رسول الله (ص) لليهود: «إن عيسى لم يمت، وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة». وقوله: «ومطهِّرك من الذين كفروا» أي برفعي إياك إلى السماء. ويقول ابن كثير: قال الأكثرون المراد بالوفاة هنا النوم كما في الآية: «وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِٱللَّيْلِ» (الأنعام ٦: ٦٠) والآية: «ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا» (الزمر ٣٩: ٤٢). وكان رسول الله (ص) إذا قام من النوم يقول: «الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا» (حديث صحيح أورده ابن كثير في تفسير الآية). وقال مالك: «يُحتمل أنه مات حقيقة وسيحيا في آخر الزمان... ويقتل الدجال» (شرح الآبي والسنوسي للآية). ويقول الإمام محمد عبده: إنها وفاة إنسان عادية.
وأمام هذا التباين والاختلاف لابد من الرجوع لقواميس اللغة وإلى طرق التفسير كالقياس العقلي:
قواميس اللغة: في المصباح المنير: توفاه الله أماته، والوفاة الموت (ص ٦٦٧).
ولا يختلف المعنى في القواميس الأخرى عن ذلك، فالوفاة تعني قبض الروح، وتُوفي فلان (على المجهول) تعني قُبضت روحه ومات.
القياس العقلي: هو واحد من أهم طرق التفسير، وهو طريقة منطقية لفهم ما غمض من النص القرآني بمقارنته بالآيات الأخرى، فإذا كان هناك خلاف حول معنى كلمة «متوفّيك» فيجب الرجوع للآيات الأخرى التي وردت فيها «الوفاة» وعددها ٢٧ آية، وردت منها آيتان فقط بمعنى النوم، وهما اللتان ذكرهما ابن كثير في تفسيره. (وهما: «إني متوفيكم بالليل» و «الله يتوفى الأنفس حين نومها»).أما باقي الآيات وعددها ٢٥ آية فالمعنى المقصود فيها هو المعنى الطبيعي المتعارف عليه وهو «الموت»!
فإذا غمض نصٌّ ما في معنى كلمة «الوفاة» فيكون المعنى بالقياس هو «الموت». فوفاة المسيح تعني موته لمدة ثلاثة أيام ثم الرفع حياً.
وإن كانت الآيات السابقة تقول بالوفاة أو الموت، فهناك آيات أخرى عن قتل الرُسل: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ» (البقرة ٢: ٨٧) فكلمة «تقتلون» هنا لا لبس فيها، ولايصح تفسيرها بغير القتل. ولما كان القرآن لم يذكر كيف قُتل المسيح، فالإنجيل هو المرجع الأصلي أولاً وآخراً في هذا الموضوع.
«ٱلَّذِينَ قَالُوا (أي اليهود) إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؟» (آل عمران ٣: ١٨٣).
فإذا تقصَّينا الأمر من روايات القرآن نرى أن الرسول الوحيد الذي أتى بالقربان هو المسيح. فالقرآن يقول: «قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱلَّلهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَاِئدَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ» (المائدة ٥: ١١٤).
وهناك آيات أخرى تقول بعدم وجود آخر سوى الله باقٍ. ففي الرحمن ٥٥: ٢٦ و٢٧ «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ». فهل مات المسيح أم لم يمت؟! وإن قلنا إنه لم يمت، فمن يكون؟!
وفي القصص ٢٨: ٨٨ «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ». فهذه من الآيات التي تؤكد خطأ من يتصور أن المسيح الحي حالياً، موجود في مكان ما، وأنه سيموت قبل يوم الحشر! فقد مات وقام بعد ثلاثة أيام، وهو حي في السماء.

٢ - الروايات الإسلامية حول الشَّبيه

يقول ابن كثير في تفسيره للنساء ٤: ١٥٥ «وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ» إن ذلك لكثرة إجرامهم (اليهود) واجترائهم على أنبياء الله، فإنهم قتلوا جماً غفيراً من الأنبياء عليهم السلام. ولكن ابن كثير لا يذكر اسماً واحداً من أسماء هؤلاء الأنبياء المقتولين، بل يقول في تفسيره للنساء ٤: ١٥٧ «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ» أي هذا الذي يدَّعي لنفسه هذا المنصب قتلناه، وهذا منهم من باب التهكم والاستهزاء، كقول المُشركين (لمحمد): «يَا أَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ» (الحِجْر ١٥: ٦). ثم يقول ابن كثير إن اليهود حسدوا عيسى على ما آتاه الله تعالى من النبوة والمعجزات الباهرات التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى بإذن الله، ويُصوّر من الطين طائراً ثم ينفخ فيه فيكون طائراً يشاهد طيرانه، بإذن الله عز وجل، إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها، وأجراها على يديه، ومع هذا كذّبوه وخالفوه ... وسعوا إلى ملك دمشق، وأنهوا إليه: أن في بيت المقدس رجلاً يفتن الناس ويضلّهم، ويفسد على الملك رعاياه. فغضب الملك من هذا، وكتب إلى نائبه بالمقدس أن يحتاط على هذا المذكور، وأن يصلبه، ويضع الشوك على رأسه، ويكف أذاه عن الناس. فلما وصل الكتاب امتثل والي بيت المقدس ذلك، وذهب هو وطائفة من اليهود إلى المنزل الذي فيه عيسى وهو في جماعة من أصحابه اثني عشر أو ثلاثة عشر، وقيل سبعة عشر نفراً، وكان ذلك يوم الجمعة بعد العصر ليلة السبت، فحصروه هناك. فلما أحس بهم، وأنه لا محالة من دخولهم عليه أو خروجه إليهم قال لأصحابه: «أيكم يُلقى عليه شبَهي وهو رفيقي في الجنة؟». فتطوَّع لذلك شاب منهم، فكأنه استصغره على ذلك، فأعادها ثانية وثالثة. وكل ذلك لا يتطوع إلا ذلك الشاب فقال: «أنت هو». وألقى الله عليه شبَه عيسى، حتى كأنه هو. وفُتحت روزنة من سقف البيت، وأخذت عيسى عليه السلام سِنةٌ من النوم فرُفع إلى السماء، وهو كذلك كما قال: (الآية). فلما رُفع خرج أولئك النفر. فلما رأوا ذلك الشاب، ظنوا أنه عيسى فأخذوه في الليل، وصلبوه، ووضعوا الشوك على رأسه، وأظهر اليهود أنهم سعوا في صلبه، وتبجّحوا بذلك، وسلّم لهم طوائف من النصارى، فظنوا كما ظن اليهود أن المصلوب هو المسيح ابن مريم، حتى ذكروا أن مريم جلست تحت ذلك المصلوب وبكت، ويُقال إنه خاطبها، والله أعلم. وهذا كله من امتحان الله عباده لما له في ذلك من الحكمة البالغة.
ونحن نسأل ابن كثير: إن كان الشبيه خاطب العذراء، فكيف لم تميّز صوت ابنها؟ وإن كان قد كلّمها فلماذا لم يستغث مستنجداً بها لتعلن أنه ليس المسيح.
ويختم ابن كثير تعليقاته بقوله: «الله أعلم». فلماذا لم يسأل أهل الذكر إن كان لا يعلم، والقرآن يأمره بذلك في النحل ١٦: ٤٣ والأنبياء ٢١: ٧.
أما ابن عباس فقال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه، وفي البيت اثنا عشر رجلاً من الحواريين، فقال إن منكم من يكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي (تعليقنا: غالباً يقصد ابن عباس إنكار بطرس ثلاث مرات). قال: ثم قال: «أيُّكم يُلقى عليه شبَهي فيُقتَل مكاني، ويكون معي في درجتي؟» فقام شاب من أحدثهم سناً، فقال له (المسيح): اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام ذلك الشاب، فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب، فقال: «أنا» فقال: «هو أنت ذاك» فأُلقي عليه شبه عيسى، ورُفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء. وجاء الطلب من اليهود، فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه، فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به. وافترقوا ثلاث فرق قالت فرقة: «كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء» وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: «كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه» وهؤلاء النسطورية. وقالت فرقة: «كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله، ثم رفعه الله إليه وهؤلاء المسلمون. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعث الله محمداً (ص)». (رواه النسائي عن أبي كريب عن ابن معاوية بنحوه (عن ابن كثير في تفسير النساء ٤: ١٥٧).
ونحن نسأل إذا كان هذا الإسناد صحيحاً، فأين كانت تلك الفرقة المسلمة قبل الإسلام بستة قرون؟ وتعتقد الفرقتان أن المسيح هو ابن الله أو الله الظاهر في الجسد بدون اختلاف. وكل من اختلف معهم فهم الهراطقة الذين رفضتهم المسيحية القويمة.
أما الإمام الرازي فقد أصاب كبد الحقيقة في تفسيره عندما قال: «شُبه لهم» - مسنَد إلى ماذا؟ إن جعلتَه إلى المسيح فهو مشبَّه به وليس بمشبَّه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يَجْرِ له ذكر.
وإن جاز أن يُقال: إن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة، فإنّا إذا رأينا زيداً فلعله ليس بزيد، ولكنه أُلقي شبهُ زيد عليه، وعند ذلك لا يبقى النكاح والطلاق والملك موثوقاً به، وأيضاً يفضي إلى القدح في التواتر، لأن خبر التواتر إنما يفيد العلم بشرط انتهائه في الآخرة إلى المحسوس. فإذا جوَّزنا حصول مثل هذه الشبهة في المحسوسات توجَّه الطعن في التواتر، وذلك يوجب القدح في جميع الشرائع، وليس لمجيب أن يجيب عنه.
والحقيقة الظاهرة: إن الإمام الرازي لم يجد جواباً قاطعاً ولا حلاً شافياً في آراء الذين يتشككون في صلب المسيح، فقال بالنص: «اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضع وذكروا وجوهاً .. وهذه الوجوه متعارضة متدافعة، والله أعلم بحقائق الأمور» (الفخر الرازي في تفسير النساء ٤: ١٥٧).
ولو كان الله يقصد (كزعم بعضهم) أن يخلّص المسيح من الصلب لكان بالأولى خلَّصه بمعجزة ظاهرة قاهرة، ونجَّاه من أيدي اليهود مُظهراً عدم مقدرتهم على إيصال الأذى إليه.
ولكن المعجزة التي يتوهَّم بعض المسلمين إتمامها لتخليص المسيح لم تفد الفائدة المطلوبة رغم ما فيها من غش لا يمكن صدوره من الله، لأن هذه المعجزة لم تُظهر لليهود قدرة الله، ولا أظهرت لهم عجزهم.
ولو أن الله رأى في الصليب إخلالاً بشرفه الأقدس، فهل يُعقل أن يجري معجزة الشبيه التي تقيم الدليل على احتقاره فعلاً، مع أنه رفع المسيح إليه لينفي ذلك الاحتقار المزعوم؟
وقال الإمام البيضاوي: رُوي أن رهطاً من اليهود سبّوه (يقصد المسيح) وأمه، فدعا عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير، فاجتمعت اليهود على قتله .. وألقى الله الشبه على آخر. فلما خرج ظُن أنه عيسى فأُخذ وصُلب. وقيل كان رجل ينافقه فخرج ليدل عليه فألقى عليه شبَهه، فأُخذ وصُلب وقتل. وقيل لم يُقتل أحد لكن أرجف بقتله فشاع بين الناس. وقال قوم: صُلب الناسوت وصعد اللاهوت (البيضاوي في تفسير النساء ١٥٧).
والبيضاوي لا يقول إنه اقتبس تفسيره من وحي الله بل من أقوال الناس التي يختلف بعضها عن البعض الآخر، مما يدل على أنهم لم يعتمدوا فيها على مصدر حقيقي ثابت بل على آرائهم الشخصية. ولذلك يمكن القول مع الإمام الرازي: «هذه الوجوه متعارضة متدافعة، والله أعلم بحقائق الأمور» أي لكل من الناس عقيدته والله أعلم بالحقيقة.
وبالرغم من النصوص التي تقول بموت المسيح، فإن هناك مَن ينكرون صلب المسيح، ويتمسكون بظاهر نص النساء ١٥٧ و١٥٨ «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً».
لكننا مع تأويل هذه الآية نجد برهاناً على الصليب، وتأييداً للحقيقة التاريخية التي سجلها كتابنا المقدس:

التفسير الأول:

لسنا نعتقد أن هذه الآية تنفي تاريخية الصليب، لكنها تتحدث عن آثار الصَّلب ونتيجته. فإن اليهود لم يحقّقوا غرضهم من موت المسيح، لأن الله رفعه إليه بالقيامة من الموت ثم بالصعود. وفكرة نفي الأثر والنتيجة، لا التاريخ والحقيقة، فكرة قرآنية وردت في آل عمران ٣: ١٦٩ «وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ». فالشهداء ماتوا فعلاً، لكن هدف قتلهم لم يتحقق، لأنهم أحياء عند ربهم. فالشهيد تاريخياً مات، ولكننا نحسبه حياً لأنه كذلك عند الله. فلولا موت المسيح لما أُعلنت نصرته على الموت بالقيامة (بالطبع لم يكن المسيح شهيداً، فقد بذل نفسه طوعاً).
ويمكننا أن نقول إنه بسبب هذا الموت الجسدي أُعلنت قيمة فداء المسيح، فإماتته لم تحقق غرض اليهود منها، بل على العكس فإن موته الجسدي أعلن عظمته الروحية، فهو حيّ عند الله.
وهكذا نرى أن إنكار الصلب في النساء ١٥٧ ينصبُّ على آثار الصلب ونتيجته، وليس على الحقيقة التاريخية، التي لا يمكن أن تُنسخ. فالنسخ للأحكام وليس للتاريخ.

التفسير الثاني:

هذه الآية اعتراف صريح من اليهود أنهم قتلوا المسيح وصلبوه، وهي تضرب بكبريائهم عرض الحائط، لأنها تُبين أنهم رغم صلبهم للمسيح لم يصلوا إلى هدفهم المنشود، ولم ينالوا غرضهم المطلوب، إذ أقامه الله، وفوّت عليهم ما قصدوه به من إعدام. وما ظهر لهم في صلبه أنه الهزيمة الساحقة له والنصرة الكاملة لهم كان مجرد ظنّ، فشُبه لهم «أمر القتل» كما أسنده البيضاوي في بعض تأويلاته، وتصوَّروا أنهم أحكموا الكيد له، ولكن ذهب كيدهم وطاش سهمهم إذ عاد المسيح حياً ورفعه الله إليه، فعظُم شأنه، وانتشرت تعاليمه، وجعل الله الذين اتَّبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة (آل عمران ٣: ٥٥).

التفسير الثالث:

أن اليهود ما قتلوا المسيح وما صلبوه بأنفسهم، لأنهم كانوا تحت الحكم الأجنبي، وقالوا للوالي الروماني: «لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً» (يوحنا ١٨: ٣١). فهم بأنفسهم لم يقتلوا المسيح، بل الرومان هم الذين قاموا بقتله.

التفسير الرابع:

أن صلب المسيح (وإن يكن قد تمّ بيد بشرية أثيمة) ولكنه ما كان ليتم ويُنفَّذ إلا بمقتضى مشورة الله ومحبته للبشر. فما قتله اليهود وصلبوه، ولكن الله بذله فداءً ورحمة للعالمين ثم رفعه إليه. وقد جرى هذا الاصطلاح في القرآن كقوله: «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ رَمَى» (الأنفال ٨: ١٧).

التفسير الخامس:

بديهي أن اللاهوت لا يموت، فنحن نؤكد عدم موت المسيح باعتبار لاهوته، ولكننا نؤمن بصلبه وموته باعتبار ناسوته.
قال البيضاوي في تفسير: «وإن الذين اختلفوا فيه» في شأن عيسى عليه السلام، فإنه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس، فقال بعض اليهود إنه كان كذاباً فقتلناه حقاً. وقال قوم: صُلب الناسوت وصعد اللاهوت.
والقارئ المنصف يرى أن هذه المعاني هي التفسير الصحيح. أما القول إن الله ألقَى شبه عيسى على رجل آخر وصلبوه عوضاً عنه فهو قول هراء:

  • لأنه ما الداعي لالقاء الشبه؟
  • وما منفعته للمسيح إن كان سيُرفع؟
  • وما منفعته للقتيل وهو يُظلم؟
  • وما منفعته لليهود إلا تمكينهم من الاستمرار في مواصلة غيّهم؟
  • وما منفعته للناس إلا قلب الأوضاع وتغيير الحقائق؟
  • وما منفعته لله؟ فإنه يُظهره (سبحانه) كخادع! فلو أن الله أراد أن ينقذ المسيح لأنقذه بمعجزة من عنده تتناسب مع كمال قداسته الإلهية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابن المسيح المخلص
مشرف عام
مشرف عام
ابن المسيح المخلص


عدد المساهمات : 2362
نقاط : 8208
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 24/12/2012
العمر : 43

أدلة نقلية على صلب المسيح Empty
مُساهمةموضوع: رد: أدلة نقلية على صلب المسيح   أدلة نقلية على صلب المسيح I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 23, 2016 11:33 am

٣ - شهادة نبوات التوراة

قبل أن يسجل الإنجيل تفاصيل حادثة الصلب، وقبل تأكيد نصوص القرآن لها، فإن أسفار التوارة قد تنبأت بها. وبذلك لم يعد هناك مجال لقول متشكك، أو ادّعاء مدعٍ للطعن في حقيقة حادثة الصلب.
وقد تحققت في المسيح أكثر من ٣٠٠ نبوة وإشارة توراتية، معظمها عن أسبوع الآلام من الصلب للقيامة. وقد قام بيتر ستونر (وهو عالِم رياضيات أمريكي) بحساب نسبة تحقيق ٤٨ نبوة فوجد أن نسبة تحقيقها بالصدفة هي فرصة واحدة من بين واحد وأمامه ١٨١ صفراً من الفُرص (أي١: ١ x ١٠ أسّ ١٨١).

وهذه بعض الأمثلة:

تنبأ النبي زكريا عن الثلاثين من الفضة التي قبضها يهوذا ليسلّم المسيح: «فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنْ حَسُنَ فِي أَعْيُنِكُمْ فَأَعْطُونِي أُجْرَتِي وَإِلاَّ فَٱمْتَنِعُوا. فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ. فَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: أَلْقِهَا إِلَى ٱلْفَخَّارِيِّ، ٱلثَّمَنَ ٱلْكَرِيمَ ٱلَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ. فَأَخَذْتُ ٱلثَّلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ وَأَلْقَيْتُهَا إِلَى ٱلْفَخَّارِيِّ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ» (زكريا ١١: ١٢ و١٣).
وسجل البشير متى في إنجيله إتمام هذه النبوة: «حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلٱثْنَيْ عَشَرَ، ٱلَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا ٱلإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا ٱلَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ ٱلثَّلاَثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخِ قَائِلاً: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً. فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ! فَطَرَحَ ٱلْفِضَّةَ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَٱنْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ ٱلْفِضَّةَ وَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي ٱلْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ. فَتَشَاوَرُوا وَٱشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ ٱلْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ» (متى ٢٦: ١٤ و١٥ و٢٧: ٣ - ٧).
وتنبأ النبي داود في مزاميره عن ترك الآب للمسيح: «إِلٰهِي! إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيداً عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي؟» (مزمور ٢٢: ١). وقد سجل البشير متّى إتمامها في إنجيله: «وَنَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: إِيلِي إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي (أَيْ: إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟)» (متّى ٢٧: ٤٦). وتنبأ النبي داود أيضاً عن شرب المسيح الخل على الصليب: «وَيَجْعَلُونَ فِي طَعَامِي عَلْقَماً، وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلاًّ» (مزمور ٦٩: ٢١). وسجل البشير يوحنا إتمامها: «بَعْدَ هٰذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ ٱلْكِتَابُ قَالَ: أَنَا عَطْشَانُ. وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعاً مَمْلُوّاً خَلاًّ، فَمَلأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ ٱلْخَلِّ، وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ» (يوحنا ١٩: ٢٨ و٢٩).
وتنبأ داود أيضاً عن تقسيم ثياب المسيح بالقرعة، فقال: «يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ» (مزمور ٢٢: ١٨). وجاء تحقيقها في إنجيل يوحنا: «ثُمَّ إِنَّ ٱلْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً... وَكَانَ ٱلْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لاَ نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ» (يوحنا١٩: ٢٣ و٢٤).
وتنبأت المزامير أنه لا تُكسر عظامه: «يَحْفَظُ جَمِيعَ عِظَامِهِ. وَاحِدٌ مِنْهَا لاَ يَنْكَسِرُ» (مزمور ٣٤: ٢٠). وجاء تحقيقها في إنجيل يوحنا: «فَأَتَى ٱلْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ ٱلأَوَّلِ وَٱلآخَرِ... وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ» (يوحنا ١٩: ٣٢ و٣٣).
وتنبأ النبي زكريا عن طعن جنبه بالحربة، فقال: «فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، ٱلَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْه» (زكريا ١٢: ١٠). وجاء تحقيق النبوة في إنجيل يوحنا: «لٰكِنَّ وَاحِداً مِنَ ٱلْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ» (يوحنا ١٩: ٣٤).

٤ - شهادة الأناجيل الأربعة للصَّلب

لم يرد لفظ «الصليب» في أسفار العهد القديم، لكنه ورد بأكثر من معنى في العهد الجديد، فالكلمة التي تترجم حالياً «صليب» تفيد في اللغة اليونانية «آلة تعذيب وإعدام» ولكنها اكتسبت معنى خاصاً لارتباطها بموت المسيح. وهناك كلمتان يونانيتان تُستعملان للتعبير عن آلة التعذيب التي نُفّذ بها حكم الموت على المسيح:
«إكسيلون» «Xylon» وتعني خشبة أو شجرة.
«إستاوروس» «Stouros» وتعني صليب بمفهومه الحالي.
الكلمة الأولى «إكسيلون» وردت في العهد الجديد عادة للتعبير عن الخشب كمادة، وهي الكلمة التي وردت في تثنية ٢١: ٢٣ والتي اقتبسها بولس الرسول في غلاطية ٣: ١٣ «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ». وقد وردت كلمة «استاوروس» ومشتقاتها مرتين في العهد الجديد، في قصة آلام المسيح، في متى ٢٧: ٤٠ و٤٢ ولوقا ٢٣: ٢٦ ويوحنا ١٩: ١٧. وفي رسائل بولس الرسول سبع عشرة مرة: وردت كلمة «الصليب» سبع مرات، ووردت كلمة «يُصلب» ثماني مرات، وورد تعبير «يُصلب مع» مرتان.
وقبل أن نسوق شهادة الأناجيل لصلب المسيح، نورد ما قاله الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه «عبقرية المسيح» ص ١٢٦: «ليس من الصواب أن يُقال إن الأناجيل جميعاً عُمدة لا يُعوّل عليها في تاريخ السيد المسيح، إنما الصواب أنها العُمدة الوحيدة في كتابة ذلك التاريخ... إنها هي العمدة التي اعتمد عليها قوم هم أقرب الناس إلى عصر المسيح. وليس لدينا نحن - بعد قرابة ألفي عام - أحقّ منها بالاعتماد».

شهادة المسيح عن الصليب (قبل الحادثة وبعدها):

أعلن المسيح لتلاميذه في مناسبات عديدة أن عمله الخلاصي يستلزم موته على الصليب، وأبرز تصريح منها جاء في خطبة وداعه لهم في الليلة التي أُسلم فيها. وفي ما يلي إعلاناته الخاصة بموته على الصليب لفداء البشر:

  • «مِنْ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومَ» (متّى ١٦: ٢١). ونراه هنا يحدد المدينة التي سيموت فيها.
  • «وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي ٱلْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلنَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ» (متّى ١٧: ٢٢ و٢٣ و٢٠: ١٨ و١٩).
  • «وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ كُلَّهَا قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ ٱلْفِصْحُ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ» (متّى ٢٦: ١ و٢). وتراه هنا يحدد الموعد الذي سيموت فيه.
  • «وَٱبْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً، وَيُرْفَضَ مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ» (مرقس ٨: ٣١). وقال هذا الكلام علناً. فانتحى بطرس بالمسيح وقال له: «حاشا لك يا رب!» ولكن المسيح قال لبطرس: «اذهب عني يا شيطان، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس». وقد حدث أن بعض اليونانيين جاءوا إلى المسيح يدعونه لزيارة بلادهم ليجنّبوه الصليب، ولكنه أعلن ضرورة صلبه، وضرب هذا المثل: «إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ ٱلْحِنْطَةِ فِي ٱلأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلٰكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ. مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا» (يوحنا ١٢: ٢٤ و٢٥).
    ولقد جاء قادة اليهود للمسيح يطلبون منه معجزة تبرهن أنه من عند الله، فرفض أن يُجري معجزة لقوم يعلم أنهم لن يقبلوا الإيمان به حتى لو أجرى المعجزة، وقال: «لاَ تُعْطَى لَهُ (هذا الجيل) آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ ٱلنَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هٰكَذَا يَكُونُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي قَلْبِ ٱلأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ» - يقصد بذلك موته ودفنه (متّى ١٢: ٣٩ و٤٠).
    وعندما سمع اليهود قول المسيح هذا، ثم شاهدوا صلبه يوم الجمعة وقيامته يوم الأحد، لم يقولوا إن هذه الفترة ليست ثلاث أيام وثلاث ليالٍ، وذلك لأنهم كانوا (أ) يحسبون جزءاً من يوم يوماً وليلة، (ب) كما كانوا يبدأون اليوم بعد مغيب الشمس. لذلك اعتبروا يوم الجمعة يوماً (لأن المسيح صُلب قبل غروب شمس يوم الجمعة)، واعتبروا السبت يوماً ثانياً، واعتبروا يوم الأحد (الذي بدأ بعد غروب شمس يوم السبت) يوماً ثالثاً. وهم أولى الناس بتفسير طريقة توقيتهم والحكم عليها.
  • «كَانَ يُعَلِّمُ تَلاَمِيذَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلنَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَبَعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ» (مرقس ٩: ٣١).
  • «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِٱلْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى ٱلأُمَمِ، فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ» (مرقس ١٠: ٣٣ و٣٤).
  • «يَنْبَغِي أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً، وَيُرْفَضُ مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ» (لوقا ٩: ٢٢).
  • «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا ٣: ١٤ و١٥).

ومن الأدلة القاطعة على أن المسيح صُلب أنه بعد الصليب قال لتوما: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً». أَجَابَ تُومَا: «رَبِّي وَإِلٰهِي» (يوحنا ٢٠: ٢٧ و٢٨). فلو لم يكن المسيح قد صُلب ما قال هذا لتوما وللتلاميذ العشرة الموجودين وقت هذا الظهور المجيد بعد القيامة. فالمسيح صادق بشهادة الجميع، وهو هنا يعلن عن الصليب بعد حدوثه.
ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة لظهور المسيح بعد قيامته، فقد ظهر عدة مرات لمريديه. وكان أكبر عدد منهم رآه لما «ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى ٱلآنَ. وَلٰكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا» (يعني وقت كتابة الرسالة - انظُر ١كورنثوس ١٥: ٦). كل هؤلاء وغيرهم شهود للصليب ولموت المسيح وقيامته.
شهادة الرسل: كل من يقرأ سفر أعمال الرسل ورسائل تلاميذ المسيح يلاحظ أن التعاليم التي نشروها وبشروا بها في كل العالم، قامت على المناداة بالمسيح مصلوباً من أجل خطايا العالم. وبعد أيام قليلة من حادثة الصليب، وعلى بُعد أمتار قليلة من مكان الصَّلب في أورشليم، قام بطرس الرسول يقول لليهود: «يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ... أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ ٱلسَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ» (أعمال ٢: ٢٢ و٢٣). فلو أن الصَّلب لم يحدث لدافع كهنة اليهود وحكام الرومان عن أنفسهم. لكن لم يعترض أحد، بل بالعكس، لما سمعوا نُخسوا في قلوبهم!
- وقال الرسول بولس: «نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةٍ... لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، وَلاَ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، ٱلَّذِينَ يُبْطَلُونَ. بَلْ نَتَكَلَّمُ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ فِي سِرٍّ: ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمَكْتُومَةِ، ٱلَّتِي سَبَقَ ٱللّٰهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ ٱلدُّهُورِ لِمَجْدِنَا، ٱلَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ - لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ» (١كورنثوس ٢: ٦ - ٨). ويوضح الرسول بولس الأمر كله بقوله: «ٱلْكُلُّ مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ... أَيْ إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ... لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (٢كورنثوس ٥: ١٨ - ٢١).
وقد سجل الرسول بولس لنا قانوناً مختصراً للإيمان قال فيه: «وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ بِٱلإِنْجِيلِ ٱلَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضاً تَخْلُصُونَ... فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ ٱلْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ حَسَبَ ٱلْكُتُبِ» (١كورنثوس ١٥: ١ - ٤).
- وقال الرسول يوحنا: «إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يوحنا ١: ٧).
وما قدمناه هو مجرد أمثلة بسيطة لشهادات الرسل، الذين قدموا الفكر دون تقديم أدلة، فلم يكن الصليب في قرون المسيحية الأولى موضوع جدل، ولا اعتراض عليه أحد، فعرض رسل المسيحية الحقائق في سلاسة ويسر لأن قرّاءهم يعرفون الحقيقة.
برهان سيكولوجي (نفسي):
ليس الصليب إلا أداة موت، فكيف افتخر الرسل بموت قائدهم؟ الإجابة: لأن هذا الموت بالصليب قد حدث فعلاً، ولأن نتيجة الصليب كانت بركة عظمى. ونسوق مثلاً للتوضيح: قام قائدٌ بثورة ضد المستعمر فشنق المستعمرون القائد. ولم يهدأ الشعب بعد شنق قائدهم، فقاموا بثورة كبرى ضد المستعمِر نتج عنها هزيمته وخروجه من بلدهم. فقرر أنجال ذلك القائد وأحفاده أن يفتخروا بوالدهم وجدّهم هذا الشجاع، بأن يعلّقوا على صدورهم رسماً للمشنقة، وبأن يسمّوا أنفسهم «عائلة المشنوق». لقد افتخروا بالمشنقة، لا لأنها أداة إعدام، بل لأن والدهم وجدّهم هو الذي مات عليها، وكانت نتيجة موته المفجع حريةً لوطنه.
لكن لو افترضنا أن إعدام هذا القائد كان عبثاً، فلا المستعمر خرج، ولا الشعب انتصر، فلن يفتخر أحد بنَسَبه إليه! ولو افترضنا أن المستعمرين جاءوا ليمسكوا ذلك القائد، فأخطأوا وألقوا القبض على غيره، فإن المستعمر سيبقى، والشعب لن يفتخر بهذ القائد، لأنه لم يمت، بل «شُبه» للمستعمرين وأخذوا غيره!
فافتخار الرسل والمسيحيين بالصليب يؤكد حقيقتين:
أ - لا بد أن المسيح هو فعلاً الذي صُلب. فلو أن الشبيه هو الذي أُلقي القبض عليه لما استطاع أن يُجري معجزة شفاء أذن ملخس التي قطعها سيف بطرس. ولو أن الشبيه هو الذي صُلب لما قام من الموت في اليوم الثالث. ولو أن يهوذا هو الذي صُلب بدلاً من المسيح لما وجدوا جثته بعد انتحاره أسفاً على خيانته لسيده!
ب - إن هناك نتائج إيجابية للصليب، أهمها الكفارة التي تستر خطايا البشر.

شهادة التواتر:

منذ البداية رفع المسيحيون الصليب على كنائسهم وصدورهم، وعلى تيجان الملوك، وعلى أعلام بعض دولهم، وفي كل مكان ينتمي إليهم حتى على مقابرهم!
وقد توفّر عدد لا يُحصى من شهود الصليب والموت والقيامة. فلو تصوّرنا أننا في محكمة يتفق فيها كل الشهود في التعرُّف على القتَلة، ويعترف القتلة بأنهم خططوا للقتل ونفَّذوه. أما المجني عليه فقد سبق وقال إنهم سيقتلونه. ثم توفَّر لنا شيء غريب، وهو أن هذا القتيل (بعد موته وبعثه) شهد بنفسه أن هؤلاء القتَلة هم الذين قتلوه! (وهذا ما حدث مع المسيح المصلوب المُقام) فلا نعود نحتاج لأي دليل آخر على حدوث جريمة القتل. ولن نشك، خصوصاً وأن الذي يشككنا جاءنا بعد حادثة الصليب بعدة مئات من السنين، وهو ليس شاهد عيان، كما أنه لا يملك من البراهين ما يبني عليه إنكار تاريخية الصليب.
وهناك برهان آخر نسوقه على صدق حادثة الصليب، وهو أن الذين جذبهم المسيح إليه بموته كانوا أكثر من الذين جذبهم إليه أثناء حياته على أرضنا. ونحن عادة نقول: لو عاش البطل الفلاني أكثر لأنتج أكثر، ولكن موته في ريعان الشباب أوقف إكمال عمله. غير أن الأمر مختلفٌ تماماً مع المسيح، فإن صليبه كان القوة التي جذبت الكثيرين إليه ليتبعوه ويضحّوا بحياتهم شهداء في سبيله. وقد قال المسيح: «وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلأَرْضِ (يقصد طريقة موته مصلوباً) أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ» (يوحنا ١٢: ٣٢). وهذا ما حدث.
وتؤكد قوانين الإيمان المسيحية منذ بدئها أن المسيح صُلب في عهد بيلاطس البنطي وتألم وقُبر وقام ظافراً. والممارسات المسيحية منذ البداية كالعشاء الرباني والمعمودية كلها تؤكد ذلك، فهما رمزٌ وذكرى لموت المسيح وقيامته.
وتغيير يوم العبادة من السبت إلى الأحد يعلن احتفال المسيحيين بقيامة مسيحهم من الموت بعد صلبه يوم الجمعة.

٥ - براهين على الصليب من خارج التوراة والإنجيل

وهناك براهين من غير المسيحيين على أن صليب المسيح حقيقة تاريخية، نذكر منها ما يلي:
أولاً: شهادة اليهود (الذين صلبوه): والاعتراف سيد الأدلة. القاتل معترف ولا يختلف معه القاضي ولا الشهود. لو أن الصلب لم يحدث لدافع الكهنة اليهود والحكام الرومان عن أنفسهم بأنهم غير مسئولين عن قتله. ولكننا نجد عند اليهود الأدلة التالية:

  1. جاء في التلمود: وهو أهم كتب اليهود الدينية بعد التوراة: «صُلب يسوع قبل الفصح بيوم واحد» (فصل السنهدرين ص ٤٣ لسنة ١٩٤٣ - طبعة أمستردام).
  2. فلافيوس يوسيفوس: وهو من أعظم المؤرخين في زمن المسيح، وكان قائداً للقوات اليهودية في الجليل سنة ٦٦م، وكتب تاريخهم في عشرين مجلداً، قال: «كان يسوع الرجل الحكيم، إن كان يحقُّ لي أن أدعوه رجلاً، لأنه عمل أعمالاً عجيبة، وعلَّم تعاليم قبِلها أتباعه بسرور فجذب لنفسه كثيرين من اليهود والوثنيين .. وحُكم عليه بالصلب بناءً على إلحاح قادة شعبنا. ولم يتركه أتباعه، لأنه ظهر لهم حيّاً في اليوم الثالث».
  3. الحاخام يوحنا بن زكا: وكان تلميذاً لهليل الشهير (صاحب أحد أكبر مدرستين في الفكر اليهودي وقت المسيح) ومن هنا تنبع أهمية شهادته التي تطابقت مع شهادة فلافيوس يوسيفوس السابقة.
  4. الحاخام العالِم يوسف كلوزمر: كتب في العصر الحديث كتاباً عنوانه «يسوع الناصري» جاء فيه: «إن الأناجيل سجلات صحيحة، وإن يسوع الناصري عاش ومات وفقاً لها». وهي شهادة تتفق مع شهادة العقاد في كتابه «حياة المسيح» (ص ١٢٦).

ثانياً: شهادة المستندات التاريخية الرومانية:

  1. عثر عالم ألماني على الرسالة التي رفعها بيلاطس البنطي الذي حكم بصلب المسيح، إلى طيباريوس قيصر مُبيّناً له فيها الأسباب والظروف التي دعت إلى ذلك. وأُودعت بمكتبة الفاتيكان، ونُشرت ترجتمها في مجلة Witness Tower Zeiroun في فبراير ١٨٩٢.
  2. اكتشف الجيش الفرنسي في البندقية سنة ١٢٨٠م صورة الحكم الذي أصدره بيلاطس وحيثيات الحكم على المسيح بالصلب.
  3. كرنيليوس تاسيتوس: وهو حاكم آسيا الصغرى سنة ١١٢م وكتب يدين نيرون وقال عن المسيح: «إنه قُتل في عهد بيلاطس البنطي حاكم اليهود أثناء سلطنة طيباريوس وأمكن مبدئياً السيطرة على خرافته، ولكنها عادت وانتشرت لا في اليهودية فقط حيث نشأ هذا الشر، بل في كل روما».

ثالثاً - شهادة فلاسفة الوثنيين ومؤرخيهم:

  1. لوسيان: (وهو مؤرخ يوناني ولد سنة ١٠٠م) تحدث باحتقار عن المسيحية وقال: «مات المسيح في فلسطين لأنه جاء بديانة جديدة للعالم، وقال لأتباعه إنهم إخوة، ورفضوا آلهة اليونان. وعبدوا السوفسطائي المصلوب».
  2. تاسيتوس: المؤرخ الشهير الذي وُلد سنة ٢٥م) وتقلّد منصب قاضي القضاة، وكتب تاريخ الإمبراطورية الرومانية في ١٦ مجلداً. قال: «لُقّب الذين كان يعذبهم نيرون مسيحيين نسبة لشخص اسمه المسيح، حكم عليه بيلاطس البنطي بالقتل في عهد طيباريوس قيصر».
  3. كلسوس الفيلسوف الأبيقوري: (ولد سنة ١٤٠م) وكان من ألدّ أعداء المسيحية، أيَّد في كتابه «البحث الحقيقي» صلب المسيح، وقال ساخراً من الغرض من الصليب: «احتمل المسيح آلام الصليب لأجل خير البشرية».

هذه عيّنة من الشهادات لتاريخية صلب المسيح. ولكن لا زالت رواية الأناجيل لأحداث الصلب هي المرجع الأول والأوضح، فهي تعرض القصة في سلاسة ودقة تفصيلية لا تجيء إلا من شاهد عيان. وعندما تقرأ القصة كما رواها البشيرون الأربعة ستجد نفسك مقتنعاً بصحتها. فارجع إلى النص الإنجيلي، لأنه الأساس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أدلة نقلية على صلب المسيح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أدلة عقلية على صلب المسيح
» أدلة قيامة السيد المسيح السبعة
» أدلة قيامة السيد المسيح السبعة
» هل المسيح مثل ادم
»  أدلة حياة ما بعد الموت؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور الحياة  :: المنتديات المسيحية العامة - Christian public forums :: الطقس والعقيده والاهوت-
انتقل الى: