في أوقات الحروب، تتعرض الرغبة الجنسية إلى الاضطراب،ويكتسي سرير الزوجية بهواجس القلق والانشغال والاستقطاب الخارجي، ويتراجع الجنس كواحد من الاهتمامات والحاجات الإنسانية، أمام سطوة اهتمامات وحاجات أخرى مثل حاجات الحياة اليومية من طعام وماء ووقود، وحاجات الحياة النفسية مثل السلام والأمن وسلامة باقي أفراد الأسرة.. وسلامة البلد الذي ننتمي إليه.
أثر العامل النفسي
العنوان الأساسي للحرب هو التوتر والقلق و فقدان الأمان، ويسود الاعتقاد في الحروب عموما، أن التعرض للأخطار المباغتة يبدو أمرا محتملا مهما قيل عن بعد جبهة القتال عن ساحة المدن في البلد الذي يتعرض للحروب، ومما لاشك فيه أن ذلك يشكل ضغطا نفسيا على الرجل والمرأة على حد سواء، ذلك أن الخوف مهما تفاوتت وتباينت درجاته، ومهما كانت حدود تأثيره على تفكيرنا وسلوكياتنا، يبقى عنصرا نفسيا ضاغطا على حياتنا.
وليس مثل الدافع الجنسي تأثرا بالعامل النفسي، فحتى في زمن السلم حيث الحياة الطبيعية، يلعب العامل النفسي دورا كبيرا في حالات العجز الجنسي التي يعاني منها البعض .. فما بالكم حين يكون هذا العامل النفسي ناتج عن حالة سياسة واجتماعية وعسكرية عامة تفرض نفسها على البلد الذي نعيش فيه، كما هو الحال في زمن الحرب؟ مما لاشك فيه أن للعامل النفسي حينها دورا ضاغطا على مختلف مناحي حياتنا وأولها وأكثرها تأثرا الناحية الجنسية في حياتنا كما أسلفنا.
تراجع .. وهوس أيضا
هذا العامل النفسي يجعل من كثير من الزواج يحجمون عن الممارسة الجنسية، وتكاد تكون ترفا كما ينظر إليها بعضهم، إذ أن الانشغال بمتابعة أخبار وتطورات الحرب وتأثيراتها وانعكاساتها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة يبدو هو الشغل الشاغل للناس، وخصوصا أن الحياة برمتها تكون مهددة بالأذى والدمار.
لكن ينبغي ملاحظة أن العامل النفسي الذي يحد من الرغبة الجنسية في زمن الحروب بسبب الخوف والقلق والتوتر لدى بعض الناس، قد ينقلب إلى حالة هوس وإفراط لدى بعضهم الآخر.. إذ يندفع الأشخاص وخصوصا الذين تنطوي شخصيتهم على بعد عصابي، إلى الإكثار من الممارسة الجنسية، كحالة من التعبير عن التفريغ، ومحاولة للتخلص من التوتر الناجم عن قلق الحروب، إذ يمثل الفعل الجنسي بحيويته وديناميكته، وما يتطلبه من طاقة جسدية، عنصرا من عناصر التنفيس عن الضغط الذي يرمي بثقله حولنا، وهو ما أشارت إليه إحدى الاستطلاعات ذات مرة، التي تحدثت عن زيادة الممارسة الجنسية في الأسر الأمريكية بشكل ملحوظ عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث عبر الأمريكيون عن مخاوفهم وقلقهم، بالانغماس في ممارسة الجنس كنوع من الإحساس بالحميمية والالتفاف والتآلف.. لكن استطلاعات أخرى أشارت أن الأمريكيون تراجعوا بعد فترة عن المركز الأول الذي كانوا يحتلونه في ممارسة الجنس في العالم، مما يدل أن اندفاعهم الجنسي ذاك، كان مجرد ردة فعل مضطربة لأناس يحاولون استعادة التوازن الذي فقدوه في لحظة من اللحظات.
صراع البقاء
خلق الله الرغبة الجنسية كوسيلة للحفاظ على النسل البشري، وفي الحروب تحديدا، ربما عبر الاهتمام بالجنس أو الانصراف عن ممارسته عن الصراع بين هواجس البقاء والدفاع عن الذات بكل ما يحمله من جنس من التصاق بالحياة، وبين مظاهر الفناء التي تنذر بها الحروب، وفي كل الأحوال.. تراجع الرغبة الجنسية أم ازديادها، هو تعبير عن حالة تفاعل مع الحرب.. تفاعل بين رغبات الحياة، وهواجس الموت.. بين الدمار والألم والدموع، وبين إشراقة الأمل بسلام عادل ووشيك.