عند النظر والتمعّن في تركيبة جسم الإنسان نكتشف كم أنّ الله عزّ وجل أبدع خلقه، فجعل الله سبحانه وتعالى كلّ خلية من خلايا جسم الإنسان لها شكل ولون ووظيفة محدّدة لا يمكن لغيرها من الخلايا أن تقوم بها، كما جعل فيه من الأجهزة التي تتكاتف مع بعضها لتعمل ليل نهار حفاظاً على حياة الإنسان، فجميع العمليّات التي تسير في جسم الإنسان منظّمة ودقيقة، ونظام سير عملها بديع يجعلنا نتفكر في عظمة الله جلّ وعلا في الخلق، وأمثلة الأجهزة التي تقوم بالعمليّات الحيوية في جسم الإنسان كثيرة، منها : الجهاز العصبي، والجهاز الهضمي، والجهاز التنفسي، وغيرها العديد من الأجهزة، لكن ما يهمّنا في هذا المقال هو جهاز يُدعى "جهاز الغدد الصمّاء". جهاز الغدد الصمّاء هو أحد الأجهزة الضرورية والّذي لا يمكن الاستغناء عنه داخل جسم الإنسان، لدوره الكبير في تنظيم سير العمليات الحيوية داخل الجسم، كالنموّ والأيض، وهو عبارة عن جهاز متكوّن من الغدد الصماء بشكل كامل ومتكامل؛ بحيث إنّ جميع هذه الغدد تتكاتف مع بعضها في أداء وظائفها بانتظام ودقّة، ويمكن تشبيه وظيفة جهاز الغدد الصمّاء بالجهاز العصبي لأنّ كلا الجهازين مسؤولان عن نقل المعلومات داخل الجسم، لكن الفرق بينهما أنّ الجهاز العصبي سريع جداً في نقل المعلومات؛ بحيث لا تتجاوز العملية لديه بضع ثوانٍ، لكن تأثيره قصير المدى، بينما جهاز الغدد الصماء بطيء جداً في نقل المعلومات؛ بحيث تستغرق العمليّة لديه من بضع ساعات إلى أسابيع. والغدد الصمّاء هي عبارة عن غدد توجد داخل جسم الإنسان، مهمّتها إنتاج وإفراز أنواع مختلفة من مواد كيميائية وبروتينية تدعى "الهرمونات" بكميّات قليلة ومحدّدة وحسب حاجة الجسم إليها؛ إذ إنّ إفراز كميّة قليلة منها كفيلة بإحداث تغيّر كبير جداً في جسم الإنسان، ومهمّة الهرمونات هي تنظيم التوازن الكيميائي في جسم الإنسان، والتأثير على عمل الأعضاء، والغدد الصمّاء تفرز هرموناتها في الدم مباشرةً دون الحاجة إلى وجود قنوات ومن هنا جاءت تسميتها. والغدد الصمّاء تتوزع في جميع أنحاء الجسم، وهي كثيرة إلّا أنّنا سنتحدّث في هذا المقال عن إحداها وهي الغدة الصعترية. والغدّة الصعتريّة هي إحدى الغدد الصماء المهمة الموجودة في جسم الإنسان، وموقعها على القصبة الهوائية في أعلى القلب، وتسمى بغدّة الطفولة، وذلك لأنّها تكون كبيرة لدى الأطفال لتبدأ بالضمور عند نضج الغدد التناسليّة، وبدئها بإفراز هرموناتها، أي طوال سن المراهقة، كما تسمّى أيضاً بالغدة الزعتريّة؛ وذلك لأنّ شكلها يشبه كثيراً ورقة الزعتر، ومهمّة الغدة الصعترية هي إفراز هرمون "الثيموسين"، الذي يعمل على تنظيم بناء المناعة والإشراف عليها في جسم الإنسان، كما أنه يساعد في إنتاج الخلايا الليمفاوية. وعندما تتشكّل كريات الدم البيضاء في نخاع العظم فإنّه يتم إرسالها مباشرةً إلى الغدة الصعترية، فمهمة الغدة الصعترية هنا هي تعريف خلايا الدم البيضاء بالأجسام الغريبة والمريضة التي تدخل إلى جسم الإنسان لمواجهتها والقضاء عليها، كما تعرفها أيضاً على الخلايا والبروتينات ومكوّنات الجسم كي لا تهاجمها وتحميها، وبعد ذلك تجري اختباراً كي تتأكّد من قدرة هذه الخلايا على مواجهة الأجسام الممرضة، وعدم مواجهتها لمكوّنات الجسم، فإذا نجحت تمّ إخراجها من الغدة لتباشر عملها، أما إذا فشلت فإنّها ستُمنع من الخروج من الغدة وسيقضى عليها، وتسمى هذه العملية كاملةً بعملية التمايز؛ بحيث إنّ الخلايا التي خرجت من الغدة تسمى بالخلايا التائية، ومن هنا جاءت تسميتها بغدة التوتة.