ونعني بهذه العبارة: صعد إلى السماء أن يسوع المسيح بعد أن أنجز بشكل تام رسالته الخلاصية التي أرسله الآب لتتميمها لم يبق على الأرض كما كان أثناء أيام تجسده قبل القيامة بل ترك الأرض وصعد إلى السماء تحت أنظار تلاميذه الأوفياء. وهذا الأمر كان قد تكلم عنه السيد له المجد أثناء حياته التبشيرية العلنية وهو مذكور في عدة أماكن من العهد الجديد ونكتفي الآن بالإقتباس من بعضها:
قال الرب له المجد: " لأن الفقراء معكم في كل حين وأما أنا فلست معكم في كل حين" (الإنجيل حسب متى 26: 11).
وفي الليلة الأخيرة التي أمضاها السيد مع تلاميذه تطرّق إلى الكلام عن موضوعنا قائلا:
" خرجت من عند الآب وقد أتيتُ إلى العالم وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب" (الإنجيل حسب يوحنا 16: 28).
وفي سفر أعمال الرسل نقرأ هذه الكلمات عن صعود المسيح إلى السماء:
" ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم" (1: 9).
وقد تكلم الرسول بطرس عن هذا الموضوع في مناسبة شفاء الرجل الأعرج وقال:
" فتوبوا وارجعوا لِتُمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب يسوع المسيح المُبَشَّر به لكم الذي ينبغي أن السماء تَقبله إلى أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر" (أعمال الرسل 3: 19- 21).
وهنا لا بد لنا من أن نجابه هذا السؤال كيف يستطيع الرب يسوع المسيح أن يكون مع كنيسته المُخلِصة أي مع جميع المؤمنين به حتى نهاية الدهر كما وعد وهو موجود الآن على الأرض؟ ألم يَعِدنا السيد له المجد قُبيل صعوده إلى السماء قائلا:
" فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر"
ليس هناك بالحقيقة مشكلة التسوية بين وعد المسيح بأن يكون معنا إلى النهاية وصعوده إلى السماء وذلك يعود إلى أنه له المجد يتمتع بطبيعتين إلهية وبشرية، حسب طبيعته البشرية ليس هو على الأرض ولكن حسب طبيعته الإلهية إنه لا يبتعد مطلقا عنا ولذلك فإنه لا يزال معنا بصورة واقعية وحقيقية ولكنها روحية غير جسدية.
وفي جميع أعمال يسوع الخلاصية لابد لنا من أن نفهم ما نكسبه نحن الذين آمنا به من نعم روحية. وهكذا نقول أننا نكسب عدة أمور روحية من صعود المسيح إلى السماء وهي:
أولا: دخل يسوع المسيح السماء بعد صعوده إليها كممثل للبشرية الجديدة بنفس الصورة التي نـزل فيها إلى الأرض ليكون مخلص العالم. دخولنا السماء هو أمر أكيد بالنسبة لجميع الذين يؤمنون بالمخلص إذ أن باب السماء الذي كان مُغلقا في وجه الخطاة هو مفتوح لجميع الذين قد اتحدوا بالإيمان مع يسوع المسيح.
وقد كتب بولس الرسول بهذا الصدد في رسالته إلى أهل أفسس:
" وأما أنه صعد، فماذا يعني هذا إلا أنه نـزل أولا إلى أقسام الأرض السُفلى؟ فالذي نـزل هو نفسه الذي صعد أيضا إلى ما فوق السماوات كلها ليملأ كل شيء" (4: 9و 10).
وقال السيد له المجد لتلاميذه عن موضوع السماء ودخول المؤمنين إليها بفضل المخلص:
" لا تضطرب قلوبكم، أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي. في بيت أبي منازل كثيرة، وإلا فإني كنت قد قلت لكم، أنا أمضي لأعد لكم مكانا، وإن مَضيتُ وأعددتُ لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إليّ حتى حيث أكون تكونون أنتم أيضا" (الإنجيل حسب يوحنا 14: 1- 3).
ثانيا: نظرا لوجود السيد المسيح في السماء لدينا العربون الأكيد أننا معه في النهاية لأننا أعضاء في جسده وهو الرأس ومن غير المعقول أن تبقى أعضاء جسد المسيح بعيدة عنه إلى النهاية.
وقد بحث في هذا الموضوع الرسول بولس في رسالته إلى مؤمني أفسس قائلا:
" وحين كنا أمواتا بالذنوب أحيانا مع المسيح(فبالنعمة أنتم مخلَّصون) وأقمنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع ليُظهر في الدهور الآتية غِنى نعمته الفائق باللطف بنا في المسيح يسوع" (2: 5- 7).
ثالثا: إن المسيح يسوع هو الآن المدافع عنا والشفيع فينا أمام العرش الإلهي:
كتب الرسول يوحنا في رسالته الأولى قائلا: " يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تُخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار" (2: 1).
وكتب صاحب الرسالة إلى العبرانيين عن شفاعة المسيح قائلا:
" أما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد له كهنوت لا يزول، فمن ثم يقدر أن يُخلِّص أيضا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم" (7: 24و 25).
وتساءل الرسول بولس قائلا في موضوعنا: " من هو الذي يدين؟ المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضا الذي هو أيضا عن يمين الله الذي أيضا يشفع فينا" (رومية 8: 34).
رابعا: إن المسيح الذي صعد إلى السماء أرسل روحه القدوس ليسكن في المؤمنين به فينالوا القوة والمقدرة ليسعوا وراء الأمور السماوية الدائمة وليتعزّوا بتعزية الروح القدس.
وكتب الرسول بولس عن هذا في رسالته إلى أهل كولوسي قائلا للمؤمنين: " فإن كنتم قد قُمْتُم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، اهتموا بما فوق لا بما على الأرض لأنكم قد مُتم وحياتكم مُستَتِرة مع المسيح في الله، متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تُظهرون أنتم أيضا معه في المجد" (3: 1- 4).