شيري بنت المسيح مشرفة
عدد المساهمات : 1878 نقاط : 8244 السٌّمعَة : 61 تاريخ التسجيل : 06/07/2012
| موضوع: رد: رحلة للمرتفعات الإثنين أبريل 28, 2014 8:33 am | |
| الفصل الرابع بداية الرحلة “إن اراد احد ان يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى " مت 24:16 كان صباح يوم جميل، ولاح الوادى وكأنه يستيقظ من النوم، والطيور تنتقل بين الاغصان مغردة، والندى على الزهور يضوى كالماس فوق المساحات الشاسعة من الالوان المختلفة. وفى بعض الاحيان كان رئيس الرعاة وخوافة يدوسان فوق الزهور اثناء سيرهم. واذ برئيس الرعاة ينحنى ويمسك بزهرة قائلاً : " لخوافة" بابتسامة : "تواضعى، وستجدين ان الحب سيكون كبساط من الزهور تحت رجليك" فنظرت اليه بتساؤل : " لقد فكرت مراراً كثيرة فى الزهور البرية .. انه لمن العجب ان تكون كل هذه الزهور فى هذا المكان القفر .. !! فى مكان لا يشاهدها فيه احد، ليتمتع بجمالها. كما انها مرضة ان تدوسها ارجل قطعان الماشية فى طريقها الى المراعى" اجاب : " لا شئ يفعله ابى وانا ويكون للخسارة ابدا .. هذه الزهور الصغيرة تعلم درسا جميلا .. انها تبذل ذاتها برضا وثقة، حتى ولو لم يقدر احد جمالها، وكأنها تقول : (السعادة هى ان نحب حتى وان لم يرد لنا الحب) .. اقول لك شيئاً .. قليلون يفهمونه .. ان اجمل صفات النفس البشرية، اعظم انتصاراتها ، اكبر انجازاتها لا يعرف احد عنها شئ. كل رد فعل للحب وكل بذل ذات هو زهرة جديدة فى غرس الحب . كم من حياة عادية وهادئة .. حياة مختفية وغير معروفة للعالم كانت حديقة يانعة يلذ للملك نفسه ان يتنزه فيها ويفرح مع اصدقائه بها. بالطبع يوجد كثير من خدامى كانت انتصاراتهم واضحة للكل ، وكانت الناس تقدرهم وتبجلهم، ولكن حتى هؤلاء كانت لهم انتصارات وامجاد داخلية لا يعلم احد عنها شيئا. تعلمى هذا الدرس الان يا خوافة فسوف يعزيك اثناء رحلتك. هيا الان لنشارك الان الطيور تغريدها وننشد سويا .. انا نرجس شارون سوسنة الاودية . كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتى بين البنات، كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبى بين البنين. تحت ظله اشتهيت ان اجلس، وثمرته حلوة لحلقى" نش 1:2-3 وعندما انتهيا قالت خوافة : "لم اكن اعرف ان سفح الجبال مكان جميل هكذا" اجاب : " كلما نما فيك زرع الحب ستفهمين اشياء كثيرة، وتدركين ما لم تفهميه .. ستتعلمين ان تتكلمى بلغة الحب، ولكن يجب اولا ان تتعلمى الف باء الحب .. وهذا سيكون اثناء رحلتك ، والان هيا بنا فرفيقتاك تنتظرانك" خوافة : " لماذا لا تأخذنى انت الى المرتفعات ؟!! معك اشعر بالقوة وانا واثقة انه لا احد غيرك يستطيع ان يأخذنى الى هناك " اجابها بعطف : " يا خوافة من الممكن ان افعل ما تطلبينه ، ومن الممكن ان احملك الى المرتفعات، لكن ان فعلت هذا فلن يكون لك ارجل الآيل .. اصعدى هذه المرة فقط.. ستكون صعبة وشاقة، ولكن فى النهاية سيكون لك ارجل الايل ، حينئذ تستطيعين ان تكونى معى وتتبعيننى دائما .. بالمناسبة يجب ان احذرك بأن اعداءك يمكنهم الصعود على الجبل لمسافة محدودة، ولا شك انك ستقابلينهم ، لذلك اخترت لك رفيقتين قويتين لمساعدتك، وانا سأكون معك وان لم ترينى وسألبى نداءك فى اى وقت تحتاجين الى فيه .. فقط نادى اسمى .. ولك وعدى الامين انه فى نهاية الرحلة ستكون لك ارجل الايل وتتبعيننى اينما ذهبت .. لا تخافى لانى انا معك " خوافة : " انا اثق بك يا راعى " رئيس الرعاة : " ان الثقة هى فضيلتك يا خوافة " بعد مدة قصيرة وصلا الى بداية الطريق، عند سفح الجبل ولاحظت خوافة وجود سيدتين مقنعتين جالستين على احدى الصخور، وعندما رأوهما تقدمتا وانحنتا امام رئيس الرعاة فى صمت . رئيس الرعاة : " هاتان رفيقتاك يا خوافة، وسوف تصحبانك حتى نهاية رحلتك" نظرت اليهما خوافة .. حقيقة كان شكلهما يبدو عليه القوة .. ولكن لماذا تغطيان وجهيهما: "من هما ؟!! " همست خوافة لرئيس الرعاة " ما اسميهما ؟ ولماذا لا تتكلمان ؟؟" رئيس الرعاة : " انهما تتكلمان لغة لا تعرفينها ، ولكن رويدا رويدا ستفهمينها كلما صعدت معهما، اما عن اسميهما فهو "اشجان والام" كادت خوافة ان تقع من طولها غير انها امسكت برئيس الرعاة واخذت تصرخ : "لا اقدر ان اذهب معهما ..!! لماذا يا سيدى تفعل هذا بى ؟ كيف اسافر فى صحبة "اشجان والام" ؟!! لماذا لا تعطنى "فرح" و "سلام" يسندانى ويساعدانى فى هذا الطريق الصعب ؟! كيف تفعل هذا بى ؟! ارجوك اشفق على !! لم اكن اتخيل انك تريد هذا لى. ثم انفجرت فى بكاء شديد نظر اليها الراعى الحنون بحزن، ولكنه قال برقة : "فرحة وسلام ؟!! " هل هما اللتان تطلبينهما لنفسك ؟! ألم تعدينى ان تقبلى الرفيقتين اللتين اخترتهما لك ؟ الا تثقى بى ؟! خوافة .. هل تذهبى مع "اشجان" و "آلام" ام تعودى الى قرية الاضطراب لتعيشى مع "عائلة الخوف" ؟ كان الاختيار صعب ..كانت تعرف الخوف جيدا، اما الاشجان والالام فيبدو لها انهما افظع واقسى. لكنها نظرت الى رئيس الرعاة وادركت فى نفسها انها تثق به، ولا تقدر ان تتركه ورغم كل ضعفها وخوفها فانها تحبه، ولا تقدر ان ترفض له طلب ابدا. فقالت: "سيدى لمن اذهب وحياتى هى معك .. من لى فى الارض سواك .. ساعدنى لاتبعك .. ساعدنى لاثق بك" وحالما سمع رئيس الرعاة هذا الكلام من خوافة ابتسم ابتسامة مملوءة بالانتصار والفرحة وقال : "كلك جميل يا حبيبتى ليس فيك عيب (نش 7:4) .. لا تخافى .. اذهبى مع اشجان والام . وان لم تقدرى على ان تقبليهما الان، فعلى الاقل اذهبى معهما . وعندما تصلن الى مناطق شديدة الوعورة والانحدار وامسكى ايديهما، وسوف يساعدانك ويقودانك الى حيث اريد انا " تقدمت خوافة بشجاعة لم تعهدها فى نفسها من قبل ، ثم قالت لاشجان والام : "تفضلا امامى وانا سأتبعكم" . قالت هذا لانها لم ترد ان تضع يدها فى ايديهما . ابتسم رئيس الرعاة وقال : " سلامى اترك لك " وقبل ان تدرك خوافة ما يحدث كان رئيس الرعاة قد ذهب من امامهم ، متقدما وصاعدا الى المرتفعات، وفى لحظات اختفى . وهكذا بدأت خوافة الرحلة وهى تعرج فى طريقها الى المرتفعات متجاهلة رفيقتيها وكأنها لا تراهما . | |
|
شيري بنت المسيح مشرفة
عدد المساهمات : 1878 نقاط : 8244 السٌّمعَة : 61 تاريخ التسجيل : 06/07/2012
| موضوع: رد: رحلة للمرتفعات الإثنين أبريل 28, 2014 8:33 am | |
| الفصل الخامس المقابلة مع كبرياء “لأن الشيطان نفسه يغير شكله الى شبه ملاك نور" منذ البداية ادركت خوافة ان الطريق اشد انحداراً مما كانت تتوقع، لدرجة انها اضطرت ان تمسك بيد رفيقتيها كلما جاءت الى منطقة صعبة، وفى كل مرة كانت تمسك بيد اى منهما، كانت تشعر بمرارة تجتاحها، ولكنها ايضا كانت تختبر قوتهما فى رفعها الى اعلى بسهولة. نرجع الان الى وادى المذلة .... اكتشفت "عائلة الخوف" هروب خوافة منهم فثارت ثائرتهم، وارادوا ارجاعها بكل الوسائل الممكنة .. واخيرا استقر رأيهم ان يبعثوا ورائها واحد من معارفهم .. "كبرياء" .. اختاروه لانه كان قوى ووسيم وجذاب ولانه لا يمكن ان يرجع بدون خوافة لان كرامته لا تسمح له بالهزيمة ابدا . مرت ايام على خوافة منذ بداية رحلتها، وقد تقدمت تقدما حسنا الى ان ظهر كبرياء فجأة امامها . تعجبت خوافة جدا من وجوده، لكنها لم تخف، بل ظنت انه سيتجاهلها كالمعتاد .. فإنه لم يكن يدنو منها، او حتى كان يحييها من قبل . لقد كان كبرياء يتبعهم من بعيد منذ فترة ولاحظ ان رئيس الرعاة غير موجود لذا تشجع وتقدم وقال : كيف حالك يا خوافة ؟ " اهلا اهلا يا كبرياء " اجابت خوافة الساذجة بزهو وفخر ؟ فهى لم تعتاد على هذا الترحيب من كبرياء . امسك "كبرياء" بيد خوافة لانها لم تكن تمسك بيد اشجان والام ، ثم قال : " خوافة لقد قطعت كل هذه المسافة حتى انبهك الى سخافة هذه الرحلة، اين كرامتك ؟!! هل تصدقين انه يحبك بحق ؟!! انت !! لم يحبك احد طوال حياتك !! اتخدعين نفسك ؟! هل تعرفين ماذا سيحدث لك ؟! او اين سيقودك هذا (لا يقدر كبرياء ان ينطق باسم رئيس الرعاة) انه سيأخذك الى المرتفعات ويتركك هناك فى خزى " حاولت خوافة المسكينة الهروب منه، ولكنه كان يمسك يدها بقوة. فصرخت : " يا راعى اسرع واعنى، يا سيدى التفت لمعونتى" وفى لحظة وجدوا رئيس الرعاة امامهم، ممسك بعصا هوى بها على رأس كبرياء الذى فر نازلا الجبل . التفت رئيس الرعاة لخوافة وقال لها بحزم : " لماذا تركت كبرياء يتكلم معك ؟ لماذا تركت يد رفيقتاك ؟ لو كنت تمسكين بها ما حدث هذا ابدا " تعلمت خوافة درسا لا ينسى .. ان التجاوب مع كبرياء فى اى حديث ستكون النجاة منه صعبة جدا . اخذت تعرج بشدة اكثر من ذى قبل وشعرت بمرارة واشجان والام بصورة اعمق | |
|
شيري بنت المسيح مشرفة
عدد المساهمات : 1878 نقاط : 8244 السٌّمعَة : 61 تاريخ التسجيل : 06/07/2012
| موضوع: رد: رحلة للمرتفعات الإثنين أبريل 28, 2014 8:34 am | |
| الفصل السادس جولة فى صحراء مصر " لقد رأيت مشقة شعبى الذين فى مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأخلصهم "أع 34:7 بعد مقابلة كبرياء مضت خوافة ورفيقتاها فى طريقهم، ولكن بصعوبة اكبر وببطء اشد، وعلى الرغم من هذا فقد تقبلت مساعدة رفيقتيها بترحاب. وبمرور الوقت زالت اثار مقابلة كبرياء، وتقدمت بسرعة فى طريقها. وفى اثناء سيرهم يوما ما، استدار الطريق وانحنى وانحدر فى حدة فرأت ولدهشتها صحراء شاسعة، ممتدة الى نهاية مرمى البصر. ولشدة جزعها بدأت اشجان والام النزول فصرخت: "ما هذا !! لقد امرنى رئيس الرعاة بالصعود لا بالنزول .. لابد ان نجد طريق يؤدى الى اعلى" ولكنهم اشاروا لها بأن تتبعهم ولكنها تجاهلتهم واخذت تنظر شمالا ويمينا، فى محاولة بحث عن طريق يصعد الى اعلى ولكنها لم تجد، فصرخت : "لقد وعدنى بالصعود الى المرتفعات انه لم يقصد النزول ابدا … يا راعى اسرع لنجدتى لانى فى احتياج اليك" فى لحظة كان هناك واستدركت خوافة : " يا سيدى انى لا افهم هذا ابدا ، الرفيقتان اللتان اعطيتنى اياهما تريدان اخذى الى اسفل ، وهذا معناه انى سأبتعد عن مسيرتى، واعتقد انك لا تقصد هذا ، أليس كلامى صحيحاً ؟!! ارجوك ارنا طريقا اخر للصعود كما وعدت" اجاب برفق: " هذا هو الطريق وارادتى هى ان تعبرى فيه " خوافة : " لا لا … انك لا تقصد هذا ابدا فهو ضد وعدك لى بالصعود للمرتفعات … ان هذا يخالف وعودك " رئيس الرعاة : " انه غير مخالف … فقط يؤجل الوعد الى حين وهذا للخير" شعرت خوافة وكأنه طعنها فى قلبها، وقالت بصوت مرتعش: " هل تقصد فعلا انه يجب ان انزل الى اسفل واعبر كل هذه الصحراء ؟ ربما يأخذ هذا شهورا بل سنين .. هل هذا التأجيل الى غير مسمى ؟ هز رأسه بالايجاب فى صمت .. فخرت خوافة عند قدميه .. لقد كان يقودها بعيدا عن مشتهى قلبها وبدون وعد يضمن رجوعها. تكلم رئيس الرعاة فى هدوء شديد : " خوافة .. هل تحبيننى لدرجة ان تقبلى التأجيل، وهذا التناقض الظاهرى لوعدى ؟!! هل تقبلين النزول معى الى صحراء مصر ؟ كانت خوافة لا تزال ساجدة عند قدميه تبكى ، وكأن قلبها سينفجر ولكنها رفعت رأسها، ونظرت اليه من خلال دموعها، ثم امسكت بيديه: "احبك .. انت تعلم كل شئ .. انت تعلم انى احبك .. سامحنى لانى لا اقدر ان امسك دموعى .. ولكنى سأذهب معك حسب ارادتك .. حتى لو لم تفسر لى الاسباب .. سأذهب معك لانك تعرف ما هو لخيرى " فى ذلك الصباح بنت خوافة اول مذبح لها ، وقدمت ارادتها ذبيحة ، وجاءت نار واكلت الذبيحة وتركتها رماداً. على الاقل هذا ما كانت تظنه ولكن رئيس الرعاة لفت نظرها الى حجر وسط الرماد وقال لها : "خذيها كتذكار لاول مذبح " ثم بدءوا النزول ومنذ اول خطوة شعرت خوافة بسعادة غامرة لانها وجدت رئيس الرعاة بجانبها وينزل معها، وبدأ ينشد لها نشيداً عذباً ، جعل الحزن يذوب من قلبها. وكانت كلمات النشيد تلمح لها لماذا كان هذا التأجيل : "اختى العروس جنة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم استيقظى يا ريح الشمال وتعالى يا ريح الجنوب. هبى على جنتى فتقطر اطيابها " نش 12:4-16 وصلوا الى صحراء مصر بسرعة غير متوقعة، لانه على الرغم من شدة الانحدار، الا ان خوافة كانت تستند على ذراع رئيس الرعاة، فلم تشعر بضعفها مطلقا. وهكذا وصلوا الى بعض الاكواخ حيث كانوا سيبيتون ليلتهم ثم اخذ رئيس الرعاة خوافة جانبا وقال لها : "خوافة كل خدامى الذى سبقوك الى المرتفعات مروا من هذا الطريق انه يسمى الرعبة المظلمة العظيمة (تك 12:15) . هنا تعلموا اشياء كثيرة .. تعلموا سر الملوكية وها انت هنا .. انها فرصة عظيمة ، لان الذين يجتازون صحراء مصر وهذه الظلمة وهذا الاتون يخرجون منه امراء واميرات " ما كاد رئيس الرعاة ينتهى من كلامه حتى رأت خوافة الصحراء مليئة بالاشخاص .. رأت ابراهيم وزوجته سارة اول من تغربوا فى هذه الارض . ثم يوسف مجروح ومرذول من اخوته الذين باعوه كعبد. الذى لما بكى طالبا خيمة ابيه، لم يرى سوى هذه الصحراء.. بعدهم رأت سلسلة من الاشخاص بلا نهاية تتقدمهم ملكة بدت اجمل من الكل واكثرهم جلالا ومجدا فقد كانت والدة رئيس الرعاة بنفسها … نظرت الى خوافة بحنان وقالت لها : "مهما قال لك فافعليه (يو 5:2) فإنه انا ايضا قد جاز فى قلبى سيف (لو 48:1) ولكن الان كل الاجيال تطوبنى لانه نظر الى اتضاع امته . (لو 35:2) تشجعت خوافة من كلامها وملأ السرور قلبها ثم سمعت صوتا واضحا يرن فى اذنيها : "لا تخافى من النزول الى ارض مصر لان هناك سأجعلك امة عظيمة وسأصعدك من ارض مصر" (تك 3:46) بعد هذا رجعت الى الاكواخ واستراحت فى تلك الليلة . فى صباح اليوم التالى اخذها رئيس الرعاة فى جولة الى المغارات المنتشرة فى الصحراء .. وفتح بابا صغيرا فى احداها، فدخلوا حجرة تشبه الطاحونة .. كان بها اكوام القمح فى كل مكان، ماعدا فى منتصف الحجرة ، حيث كان الرجال يطحنون انواعا مختلفة من القمح، بعضه ناعم كالهشيم واخر خشن . وفى ناحية كانت السيدات يجلسن على الارض يطحن اجود انواع القمح بالرحى. لاحظت خوافة كيف ان القمح يضرب بشدة حتى يتكسر ومع الطحن يصير ناعما يصلح لعمل اجود انواع الخبز . رئيس الرعاة: "انظرى الطرق العديدة لسحق القمح، لكل منها فائدة وهدف ما … ان الشونيز لا يدرس بالنورج ، ولا تدار بكرة العجلة على الكمون، بل بالقضيب يخبط الشونيز، والكمون بالعصا، يدق القمح لانه لا يدرسه الى الابد، فيسوق بكرة عجلته وخيله لا يسحقه" (اش 27:28-28) لاحظت خوافة ايضا طول المدة التى يستغرقها طحن الدقيق، حتى يصير ناعما، ثم سمعت رئيس الرعاة قائلاً : "انى احضر شعبى الى مصر حتى يطحنوا فيصيروا صالحين للاستعمال.. لانه لا يدرسه الى الابد .. هذا ايضا خرج من قبل رب الجنود " اش 29:28 ثم ذهبوا للمغارة التالية، وفى وسطها وجدوا عجلة كبيرة كأنها منضدة، وبجانبها فخارى اخذ يصنع اشكال جميلة واشياء مفيدة … كان الطين يقطع ويضغط عليه ولكنه دائما صامت مستسلم . رئيس الرعاة : "فى مصر ايضا اصنع اجمل الاوانى والادوات، كما ارى انه نافع .. اما استطيع ان اصنع بك كهذا الفخارى يا خوافة ؟ هوذا كالطين بيد الفخارى ، انت هكذا بيدى (أر 6:18) بعدها ذهبوا للمغارة الثالثة ، ووجدوا فيها فرن عظيم حيث ينقى الذهب من كل زغل .. وكان يلقى فى الفرن ايضا احجارا، وعند خروجها اذ هى احجار كريمة تبرق كأنها اخذت لمعان النار داخلها. رئيس الرعاة : "ان الذهب يمحص فى النار، والمرضيين من الناس يمحصون فى اتون الاتضاع . ايتها الذليلة المضطربة غير المتعزية ، هاأنذا ابنى بالأثمد حجارتك، وبالياقوت الازرق اؤسسك، واجعل شرفك ياقوتاً ، وابوابك حجارة بهرمانية ، وكل تخومك حجارة كريمة" ثم اكمل : "افضل جواهرى عبرت على اتون مصر" مرت عدة ايام وهم يمكثون فى صحراء مصر، وفى اخر يوم هناك ، رأت خوافة وردة جميلة كانت تنمو وحيدة فى الصحراء . فاقتربت منها وسألتها : "ما اسمك ؟ " فأجابت الوردة : "اسمى مطيعة" فكرت خوافة فى نفسها : " اذن ، هذا هو السبب الذى من اجله احضرنى رئيس الرعاة الى هنا ، لا تعلم ارادته ، من الان فصاعدا سوف اكون عبدتك المطيعة ، وانحنت ، واخذت حجرة من جانب الوردة ، ووضعتها فى الكيس مع الاولى التى اخذتها من اول مذبح بنته. | |
|
شيري بنت المسيح مشرفة
عدد المساهمات : 1878 نقاط : 8244 السٌّمعَة : 61 تاريخ التسجيل : 06/07/2012
| موضوع: رد: رحلة للمرتفعات الإثنين أبريل 28, 2014 8:35 am | |
| الفصل السابع على شاطئ الوحدة " عند كثرة همومى فى داخلى …تعزياتك تلذذ نفسى " مز 19:94 بعدما تركوا الصحراء واثناء سيرهم اعترض الطريق الرئيسي طريق اخر مقاطع. فأشار اليها رئيس الرعاة: "هذا هو الطريق الذى يجب ان تسلكيه الان" وعندما بدءوا السير فيه كانت ظهورهم للمرتفعات ومشوا حتى وصلوا الى شاطئ بحر واسع كبير . رئيس الرعاة : "الان حان الوقت لاتركك يا خوافة، ولكن تذكرى انه حتى لو بدا انك تبتعدين عن المرتفعات وعنى .. لكنه فى الحقيقة، لا يوجد مسافات بيننا نهائيا، لانى سأكون بجانبك عندما تطلبيننى … ثقى فى هذا. خرافى تسمع صوتى وتتبعنى .. عندما تنوين تنفيذ ارادتى، ستجدين انك تستطيعين ان تسمعى صوتى، وعندما تسمعين يجب ان تطيعى، حتى لو طلبت منك ما يبدو مستحيلا " مشت خوافة مع رفيقتيها لعدة ايام، وفكرت فى نفسها، انها لم تكن تعرف معنى الوحدة حتى الان .. فلم يوجد معها اى احد من اصدقائها .. وحتى المرتفعات لم تعد تراها .. لم يتواجد شئ سوى صحراء جرداء على ناحية، وبحر شاسع على الاخرى .. لم تتواجد شجرة او اى شئ اخضر .. الكائنات الحية الوحيدة كانت طيور النورس فى السماء والكابوريا فى شقوق الرمال . فى تلك الايام لم تترك خوافة ايدى رفيقتيها ابدا، وكان عجيبا مقدار مساعدتهما لها. والاعجب من هذا، ان العرج الواضح فى سيرها تلاشى تقريبا، لان درس الطاعة الذى تعلمته فى صحراء مصر، ترك اثرا عليها، معلنا بداية مرحلة جديدة فى حياتها، صحيح انها مازالت خوافة، ولكن علامة الطاعة ختمت على جبينها ختم الملوكية .. وهكذا مرت الايام .. لم تكون خوافة تتذمر او تشكو بل كانت تشعر بسعادة غريبة، حتى انها بدأت تلاحظ جمال الطبيعة من حولها . وذات يوم وصلوا الى استراحة مبينة على صخور عالية تطل على الشاطئ، واستقبلهم شيخ من خدام الراعى، وعلى محياة وقار عجيب، وقد ارتسمت على وجهة بساطة الطفولة، اما شفتاه فلا تفارقهما البشاشة قط. رحب بهم بحرارة وقال : "لقد كنت فى انتظارك يا خوافة. فما اخبارك ؟ " جلست خوافة معه على انفراد ، واخبرته بكل ما حدث لها حتى تلك اللحظة ، وعندما انتهت شجعها الشيخ قائلاً : "ان محبتك لرئيس الرعاة هى سندك فى التجارب .. ثقى انت ايضا فى محبته لك ولا تجزعى لانه معك ويرعاك " بعد هذا قدم لها الشيخ الوقور خبزا لتأكل وكأسا من عصير الكرمة لتشرب .. فتقوت وانتعشت . وبعد فترة ذهبت خوافة للتجول وحدها .. صعدت الى اعل الصخور، وعندما وصلت الى حافتها وجدت انها تقف على سقف كهف داخل البحر، كان الكهف فارغا ، لكن بعد عدة ساعات، جاءت مياه المد وملأته . فخرت خوافة على ركبتيها وقدمت ذبيحة ثالثة قائلة : "اشكرك يا سيدى انك قدتنى الى هنا، فأنا مثل هذا الكهف الفارغ منتظرة وعدك بالامتلاء " ثم اخذت حجرة ووضعتها مع السابقتين . عندما لم يعد "كبرياء" مع فريسته الى قرية الاضطراب، فهمت عائلة الخوف انه اخفق فى مهمته، ولكن كبرياءه يمنعه من الاعتراف بفشله. فقرروا ارسال مجموعة ثانية لتلحق بخوافة قبل وصولها، حيث تصبح بعيدة عن ايديهم .. ارسلوا جواسيس ، فرجع اولئك واخبروهم ان خوافة تسير فى طريق على شاطئ الوحدة ففرحوا جدا وظنوا انه من السهل ارجاعها فبعثوا بـ "ندم" و "مرارة" و "شفقة على النفس" وذهب معهم كبرياء ايضا . وصل اعداء خوافة الى حيث هى تمكث ، وبدأت معركة حامية جدا بينهم .. ادركوا ان خوافة لم تعد كما كانت .. فلم يقدروا ان يقتربوا منها ، لانها كانت تمسك بيد اشجان والام. لذلك ظلوا ينادون عليها ويقترحون عليها اقتراحات سخيفة ويحاولون اخافتها، فقال لها "كبرياء" : الم اقل لك هذا؟ اين انت الان من المرتفعات .. ؟!! كل الناس فى وادى المذلة يعرفون انك تسيرين الان على شاطئ الوحدة ويسخرون منك !! "ندم" : هل تعرفين يا خوافة انك عبيطة !! كيف تتبعين من يطلب منك كل هذه التضحيات !! ولا يعطيك شيئا سوى الحزن والالم والسخرية .. !! دافعى عن نفسك !! طالبى بحقوقك !! او ارجعى عن هذه الرحلة السخيفة . واضاف "مرارة" : كلما اطعته يطلب منك اكثر .. انه ينتهز طيبة قلبك .. ولكن كل ما طلبه منك لا يعد شيئا لما يطلبه من اخرين .. انه يجعل احباءه واتباعه يضطهدون، ويعذبون بل ويسفكون دماءهم من اجله .. هل تقدرين على هذا ؟!! اهربى قبل ان يضع عليك صليب ويتركك تحملينه وحدك " اما "شفقة على النفس" فكان اسوأهم .. كانت كلماته تجعل خوافة تشعر بالضعف الشديد: يا مسكينة انك مخطئة جدا .. ولكن هل تظنى انه فعلا يحبك ليتركك هكذا ؟!! لك الحق ان تشفقى على نفسك !! حتى ولو عندك استعداد لبذل ذاتك فيجب ان تظهريه للناس، حتى يشفقوا عليك بدلاً من ان يسخروا منك . ولكن يبدوا ان الذى تتبعينه يجد مسرته فى ان يسحقك ويجرحك . كانت كلمة "يسحقك" خطأ من الشفقة على النفس اذ جعلت خوافة تتذكر الدقيق المسحوق الذى رأته فى المغارة فى صحراء مصر وتذكرت "لانه لا يسحقه الى الابد" فقط حتى يصير صالحا للاستعمال .. ولدهشة شفقة على النفس التقطت خوافة حجرا صغيرا ودفعته نحوه فأسرع يجرى مبتعداً . وهكذا مضت الايام عصيبة ، ولان خوافة كانت تمسك بيد اشجان والام فلم تستطع ان تغطى اذنيها فاضطرت لسماع كل مشاكسات اعدائها . الى ان حدثت كارثة …!! فقد بدا ان الاعداء يستريحون قليلا، فأخذت خوافة تتجول وحدها، دون حذر، الى ان وصلت الى برزخ جبلى يمتد داخل يمتد داخل البحر كلسان، ولفزعها فوجئت بالاربعة الاعداء حولها… كان البرزخ ضيق لا يسعهم جميعا ولكن كبرياء تقدم قائلا بوحشية : نحن اربعة ولن تقدرى على الهروب منا وسوف نأخذك معنا الان " رفعت خوافة عينيها للسماء وصرخت : "الى متى تنسانى ؟! حتى متى تصرف وجهك عنى ؟! الى متى اردد هذه المشورات فى نفسى ؟! وهذه الاوجاع فى قلبى كل يوم ؟! الذين يحزنوننى يتهللون ان انا زللت اما انا على رحمتك توكلت " (مز 12) وكم كانت صدمة الاوغاد الاربعة، عندما وقف رئيس الرعاة امامهم فى نفس اللحظة ..! جرى ندم ، مرارة ، شفقة على النفس ولكن لان كبرياء كان على وشك الهجوم على خوافة، فقد وقع فى قبضة رئيس الرعاة ، الذى امسك به ورفعه عاليا ثم طرحه الى اسفل فى البحر … سألته خوافة : هل تظن انه مات ؟ رئيس الرعاة : "لا … هذا غير ممكن" والقى نظرة على البحر حيث كان كبرياء يعوم ناحية البر . خوافة : "يا راعى نفسى لماذا كنت سأقع فى يد كبرياء ثانية ؟! ولماذا فغروا على افواههم كأسد مفترس مزمجر ؟!! " (مز 13:22) يبدو لى يا خوافة " اجاب الراعى برقة " ان الطريق كان سهلاً فى الفترة الاخيرة .. لقد نسيت لفترة انك عبدتى المطيعة ، وبدأت تقلقين وتريدين العودة، ولهذا تمكن الاعداء منك" احمر وجه خوافة خجلا ولم تنبس ببنت شفة، لانها كانت تعرف ان هذا التشخيص صحيح وردت بأسف: "انت على حق !! لقد بدأت اظن انك نسيت وعدك ، ولكنى اجدد عهدى معك.. انا عبدتك احبك واطيعك فى اى طريق تختاره لى " اخذ رئيس الرعاة حجارة من جانب خوافة وقال : "ضعى هذه مع الباقى كتذكار لهزيمة كبرياء، وتجديد عهدك لى بالطاعة والانتظار بصبر" مرت ايام على انتصار خوافة ، واستمرت فى الرحلة مع رفيقتيها، وصباح ذات يوم وجدن ان الطريق الذى يسرن فيه يتجه مرة اخرى ناحية المرتفعات .. التى كانت بالطبع بعيدة جدا، ولكن هذا لم يمنع خوافة من الفرح بل اخذت تجرى ناحية المرتفعات وهى تصفق بيديها كما لو لم تكن عرجاء !!! ولكن فجأة انحنى الطريق بزاوية حادة وامتد على مرمى البصر ووقفت خوافة فى ذهول !! فها هو رئيس الرعاة يؤجل الوصول للمرتفعات مرة اخرى !! وعن قرب ظهر مرارة لم يقترب منها، لانه تعلم قليل من الحذر، ولكنه اخذ يضحك ويضحك، ضحكات مملوءة بالسخرية المرة وقال لها : "لماذا لا تضحكين انت ايضا يا عبيطة .. كنت تعلمين ان هذا سيحدث !! " واستمر فى ضحكه حتى امتلأ المكان بصوته لحقت اشجان والام بخوافة ووقفتا بجانبها فى هدوء ثم قالت خوافة : ماذا تريد ان تقول لى يا سيدى ؟ تكلم فإن عبدتك تسمع " فى الحال كان رئيس الرعاة يقف بجانبها وقال : لا تخافى تشددى وتشجعى وابنى مذبحا اخر وقدمى عليه ارادتك وذاتك " ففعلت خوافة كما امرها وقالت : مشيئتك سررت ان اصنع . وجاءت نار والتهمت الذبيحة وسمعت صوت رئيس الرعاة: هذا ليس للموت بل ليتمجد اسم الله . يو 4:11 التقطت خوافة الحجرة المتبقية من احتراق الذبيحة ووضعتها مع الباقى ثم اتجهت فى الطريق الذى اراده لها راعيها، واثناء سيرها التقطت زلطه اخرى، تذكارا لانتصارها على ذاتها وعلى اعدائها. وهكذا ساروا حتى وجدا انفسهم فى "غابة السلام" . كانت مملوءة بالاشجار، والنباتات المختلفة، والزهور المتنوعة الجميلة، والطيور المغردة التى تملأ المكان بأصواتها الرقيقة . ملأت السعادة نفس خوافة وتذكرت بذرة المحبة المزروعة فى قلبها، وارادت ان تلقى نظرة لترى اذا كانت حقا تنمو ؟! فنظرت داخل قلبها ورأت عشبا اخضر وفيه ما يشبه برعم الزهرة .. فبكت ، لانها تذكرت ان رئيس الرعاة قال لها : انه عندما تزهر زرعه الحب فى قلبك تصبحين مستعدة للذهاب الى المرتفعات . ولكن ها هى بعيدة كل البعد عن المرتفعات ، ولكنها لم تبك كثيرا لانها لاحظت وجود زهرة جميلة فى ارض الغابة، كتلك التى رأتها فى صحراء مصر، احنت الزهرة رأسها وقالت : انا "مطيعة" ، فابتسمت خوافة وتمتمت : نعم ، لقد نسيت !!! ثم بنت مذبحا اخر ، وقدمت قلبها ومحبتها وطاعتها واخذت خوافة الحجر المتبقية . وعندما وصلن للطرف الاخر للغابة صرخت خوافة من الفرحة اذ رأت رئيس الرعاة ينتظرها مبتسماً … فجرت وسجدت عند قدميه قائلة : "انا لحبيبى والى اشتياقه " (نش 10:7) "حبيبى لى وانا له الراعى بين السوسن " (نش 16:2) رئيس الرعاة : " جئت لابشرك برسالة جديدة وهى ان تكونى مستعدة .. الان تنظرى ما انا افعل " (خر 1:6) خوافة : هل تعنى انه قد حان الوقت لذهابى الى المرتفعات ؟!! ظنت انه هز رأسه ، ولكنه لم يجب بل نظر اليها بطريقة لم تفهمها !! فأعادت سؤالها ، فرد عليها قائلاً : اما قلت لك الان تنظرى ما انا افعل ؟!! | |
|
شيري بنت المسيح مشرفة
عدد المساهمات : 1878 نقاط : 8244 السٌّمعَة : 61 تاريخ التسجيل : 06/07/2012
| موضوع: رد: رحلة للمرتفعات الإثنين أبريل 28, 2014 8:35 am | |
| الفصل الثامن جبل التجريح “وآخرون تجربوا فى هزء وجلد …طافوا معتازين مكروبين مذلين “(عب 36:11) سارت خوافة بعد هذا وهى سعيدة جدا .. ألم يعدها رئيس الرعاة بالصعود للمرتفعات قريبا ؟!! بعد قليل اخذ الطريق يصعد نحو الجبال المتشعبة، وفى صباح احد الايام وصلوا لقمة جبل صغير، وكانت القمة عبارة عن مساحة واسعة من الارض المستوية، وفى الناحية الاخرى بداية لسلسلة اخرى من الجبال اعلى بكثير من ذلك الذين يقفون على قمته فى تلك اللحظة. ادركت خوافة انها تنظر الى حدود المرتفعات. سقطت على ركبتيها واحنت رأسها وشكرت، وفى تلك اللحظة نسيت كل الشقاء والتعب والالم الذى تعرضت له. بعدها قامت خوافة من ركوعها . واخذوا فى عبور هذه المنطقة بسرعة لانه رغم ارتفاعها الا انها كانت مستوية حتى وجدوا انفسهم عند سفح الجبال العالية . صعقت خوافة من رؤية شدة ارتفاع الجبال وتوقعت ان ترى طريق ممهد للصعود عليها ولكنها لم تجد . نظرت خوافة بذهول !! وكلما نظرت زاد شعورها بالخوف ، حتى بدأت ترتعش. كانت الجبال تحيط بهم من كل ناحية، حتى بدا ان الطريق الوحيد الممهد هو طريق الرجوع !! لكن الام امسكت بيد خوافة واشارت الى غزال وآيل ظهرا من مكان ما بين الصخور بجانبهم وبدءا الصعود !! ووقف الثلاثة ينظرن !! كان الطريق شديد التعرج ، وفى بعض الاحيان ضيق جدا ، وفى اماكن متقطع، وغير متصل ببعضه، فكان الغزال والايل يقفزان برشاقة ليستكملوا مسيرتهما حتى وصلوا الى القمة، واختفيا عن الانظار. “ها هو الطريق لقد اوضحه لنا الغزال والايل ، لن نعود للوراء " هكذا قالت اشجان مشجعة . خوافة : لا … لا … هذا مستحيل انه طريق للايل وليس للبشر، لا اقدر على الصعود هكذا فسوف اسقط واتحطم. وبدأت ترتجف وتبكى بطريقة هستيرية واكملت : مستحيل !! مستحيل .. لن اذهب للمرتفعات بعد كل هذا " حاولت رفيقتاها ان تقولا لها شيئا ولكنها وضعت يديها فوق اذنيها حتى لا تسمع، واخذت تبكى من جديد. " ها ها ها واخيرا التقينا مرة اخرى يا خوافة !! كيف حالك الان ؟ سعيدة ؟!! التفتت خوافة ناحية الصوت ونظرت بفزع .. لقد كان "جبان" !! واكمل : لقد توقعت هذا منذ البداية .. هل ظننت انه يمكن ان تهربى منى الى الابد !! انك من عائلة الخوف وسوف اخذك لمكانك لتكونى فى امان . خوافة: لن اذهب معك . جبان : اذن اختارى اما ان تصعدى على هذا الجبل ، ثم تقهرى فتنكسر عظامك او ترجعى معى . خوافة .. تعرفين انه كاذب .. نادى على رئيس الرعاة حالا . هكذا قالت رفيقتاها .. تمسكت خوافة بهما وقالت : انا خائفة منه ، لانه سيقول لى انه يجب على ان اذهب فى هذا الطريق الصعب الخطر، لذا لا اقدر على مواجهته .. آه ماذا افعل ؟!! ماذا افعل ؟!! ربتت اشجان على كتفها قائلة : لابد يا خوافة .. لابد ان تنادى عليه الان وبسرعة . خوافة : سيطلب منى ان اصعد ارادتى ذبيحة ، وانا لا اقدر ان افعل ذلك ، لا اقدر هذه المرة … آه . ضحك "جبان" بانتصار وتقدم ناحيتها، ولكن رفيقتيهما احاطتا بها، ووضعتا نفسيهما بينه وبين ضحيته . حينئذ نظرت اشجان الى الام التى فهمت الاشارة، ثم هزت رأسها بالايجاب، واخرجت سكين صغير ولكنه حاد جدا من منطقتها ووخزت خوافة التى صرخت من الالم، وفعلت ما كان لابد لها ان تفعل منذ جاءت لسفح الجبل ، لقد صرخت " لماذا كثر الذين يحزنونى كثيرون قاموا على، بصوتى الى الرب صرخت فاستجاب لى من جبل قدسه " (مز 3) "لماذا يا خوافة ؟؟" جاءها صوت رئيس الرعاة : تشددى انا هو لا تخافى . كان صوته مملوء بالحب والقوة حتى ان خوافة شعرت بأن الحياة تدب فى كيانها مرة اخرى. رئيس الرعاة : خوافة .. اخبرينى ماذا بك ؟ لماذا انت خائفة هكذا ؟!! خوافة : وعدتنى بأنك ستجعل رجلى كالآيل وليس لجبانة تعرج مثلى . رئيس الرعاة : ولكن يا خوافة بماذا وعدتك عندما كنت لا تزالين فى وادى المذلة ؟ خوافة : وعدتنى بأنك ستجعل رجلى كالآيل وتقيمنى على المرتفعات . رئيس الرعاة : الطريقة الوحيدة ليكون لك ارجل الايل ، ان تذهبى فى طريقهم . ارتعشت خوافة وقالت ببطء : لا اظن .. لا اريد .. لا اري ارجل الايل اذا كان لابد لى من الصعود على هذا الجبل . ولدهشتها ابتسم رئيس الرعاة، وقال : بل تريدين .. انا اعلم ما فى قلبك اكثر منك .. انك تشتهين ان تكون لك ارجل الايل وانا اعدك بها .. ماذا قلت لك اخر مرة ؟ خوافة : قلت لى (انتظرى وانظرى ما انا فاعله) ولكنى لم اتخيل شئ هكذا .. اننى لست آيل ان هذا صعب جدا رئيس الرعاة : وانا احب ان اصنع اشياء صعبة. ان اشتياقى هو ان احول الضعف الى قوة والخوف الى ايمان والنقص الى كمال .. !! ان هذا عملى الخاص !! وسوف احول خوافة الى … !! لننتظر ونرى ماذا ستكون !! خوافة هل تؤمنين بأننى سوف اغيرك ؟ "نعم" "هل تدعينى اغيرك ؟" "نعم" "هل تظنى انه من الممكن ان اتخلى عنك ؟" "بالقطع لا .. ارجوك تممم ارادتك فى .. لا شئ سوى هذا يهم " وككل المرات السابقة انحنت، وركعت وقدمت ذاتها ذبيحة واخذت الحجرة المتبقية ووضعتها فى كيسها ثم وقفت على رجليها منتظرة انت تسمع ارشادات رئيس الرعاة . "والان يا خوافة انت على سفح المرتفعات ومرحلة جديدة من رحلتك ستبدأ .. هذا الجبل اسمه "جبل التجريح" ويوجد جبال اصعب منه ، مثل جبل الكراهية ، وجبل الاضطهاد ، وجبل الانتقام ، ولا سبيل للوصول للمرتفعات الا اذا عبرت فوق واحد منهم، وانا اخترت لك هذا .. !! لقد تعلمت حتى الان درس الطاعة وهو اول درس فى المحبة والان يجب عليك ان تتعلمى الدرس الثانى اثناء صعودك على جبل التجريح لانه لن يؤذيك اى شئ اذا وعيته" بعد ذلك وضع رئيس الرعاة يده فوق خوافة، وباركها، ثم نادى على رفيقتيها لانهما كانتا دائما تتركان رئيس الرعاة وخوافة اثناء حديثهما . اخذ رئيس الرعاة حبلا ثم ربط به اشجان ثم خوافة واخيرا الام . وهكذا كانت خوافة محاطة بمعونة رفيقتيها الشديدتين وحتى ان سقطت فسوف تستطيعان ان تجذباها الى اعلى . اخرج رئيس الرعاة من جعبته زجاجة صغيرة بها دواء منعش ومقوى واوصاها ان تشرب منه لتشعر بالقوة . كان اسم الدواء هو "روح النعمة والتعزية" وحالما شربت خوافة نقطتين او ثلاثة شعرت بحيوية جعلتها مستعدة للصعود دون تردد … ودعهم رئيس الرعاة قائلاً : لن تقدرن على الوصول للقمة قبل انتهاء اليوم، لانه وقت الغروب الان، ولكن فى منتصف الطريق توجد مغارة وسط الصخور تستطعن ان تسترحن فيها. ولكن ان لم تصعدن الان فسوف يدرككن الاعداء واحذركن بأنك سوف تقابلوهم عند القمة . عندما بدأت خوافة طريق الصعود اكتشفت ولدهشتها الشديدة ان الطريق ليس بالصعوبة التى كان يبدو بها، صحيح كان ضيق وشديد الوعورة، ولكن احساسها بأنها مربوطة بقوة اشجان والام اعطاها احساس بالامان. كما حفظها من الدوار والسقوط "روح النعمة والتعزية" وشعرت ايضا بأن رئيس الرعاة قريب منها جدا رغم انها لم تكن تراه. وعندما نظرت الى اسفل وجدت اعداءها الخمسة يتتبعونها بنظراتهم الحاقدة وهى تصعد الى اعلى !! حتى "الشفقة على النفس" الذى كان يبدو اقل خطورة منهم اخذ حجارة ليرشقها بها ولكنها كانت بعيدة عن الذى كان يبدو اقل خطورة منهم اخذ حجارة ليرشقها بها ولكنها كانت بعيدة عن مجال الرمى. وتذكرت تحذير رئيس الرعاة بأنها سوف تقابل اعداءها مرة اخرى عند وصولها للقمة . ووجدت خوافة اثناء صعودها ان المناطق التى كانت تبدو خطيرة من اسف ممهدة وسهلة الى حد لم تتوقعه .. واصلن الصعود حتى وصلن الى المغارة التى قال عنها رئيس الرعاة، فدخلن فيها ليبتن ليلتهن . استيقظت خوافة فجر اليوم التالى واخذت تنظر حولها وتفكر: كما هو موحش هذا المكان، لا يوجد فيه اى كائن حى، ولو حتى شجرة .. هذه الصخور شكلها قاسى .. تبدو كما لو كانت تنتظر فريسة لتمزقها . وفيما هى تفكر هكذا لفتت نظرها وردة حمراء تنمو على جذع رفيع جدا وتشق طريقها بصعوبة بين الصخور الصلبة ، حتى انه لم يكن لها سوى ورقتين . خوافة : ما اسمك ايتها الوردة الجميلة ؟ الوردة : اسمى "سماح" فتذكرت خوافة كلمات رئيس الرعاة : عند صعودك يجب ان تتعلمى الدرس الثانى فى المحبة . خوافة : ولكن لماذا اسمك سماح ؟ الوردة : لاننى ابعدت عن صديقاتى ، وطردت من بيتى، وسجنت فى هذه الصخور، وتركت لاعانى من نتيجة افعال الاخرين، ولكننى تحملت، ولم اجزع، ولم اتوقف عن المحبة، فهى التى ساعدتنى ان اشق طريقى وسط الصخور، حتى اتمكن من رؤية وجه الشمس (ملا 20:4) فلا يوجد شئ حولى يستطيع ان يحول انتباهى عنها … انها تشرق على فتفرحنى وتعوضنى عن كل ما خسرته، لا يوجد وردة فى العالم كله تفرح بحالها وظروفها مثلى لانى دائما اردد : " من لى فى السماء ومعك لست اريد شيئا على الارض" نظرت خوافة الى الوردة الحمراء بغيرة، وعرفت ما لابد ان تفعله، فسجدت وقالت : يا سيدى .. هوذا انا عبدتك سماح. وعندما قالت هذا سقطت حجرة من جانب الوردة فوضعتها خوافة فى كيسها مع الاخريات. رجعت خوافة الى حيث كانت اشجان والام فى انتظارها ليستكملن رحلتهن وبعد مسيرة قصيرة اتين الى منزلق خطير مما ادى سقوط خوافة للمرة الاولى، فجرحت جرحا عميقا ولحسن حظها انها كانت مربوطة جيدا برفيقتيها والا لسقطت الى سفح الجبل وربما اودى ذلك بحياتها . عندما تصورت خوافة ما كان ممكنا حدوثه لها، ملأ الفزع قلبها وشعرت بدوار فجلست واخذت تستغيث : انى سأسقط .. انى خائفة .. اغيثونى . قبضت اشجان بشدة على الحبل الذى يربطهما حتى لا تسقط خوافة وجاءتها الام قائلة : اشربى من روح التعزية الذى اعطاه لك رئيس الرعاة خوافة : لا اعرف اين وضعت الزجاجة .. اننى حتى غير قادرة عن البحث عنها . قالت هذا وارتمت فى احضان الان التى اخذت تبحث عن الزجاجة فى جعبة خوافة حتى وجدتها، ثم اسالت بعض القطرات على شفتى خوافة، فبدأت تتقوى وتستعد للوقوف، ولكن لان ركبتيها كانتا قد جرحتا فقد سرن ببطء شديد، وخوافة تتأوه وتشتكى وتتذمر، وبدا انهن لن يصلن للقمة قبل حلول الظلام … فقالت لها الام : خوافة … ماذا كنت تفعلين هذا الصباح عندما تجولت وحدك خارج المغارة؟ احمر لون خوافة خجلا واجابت : كنت اتأمل وردة جميلة !! الام : وما اسم الوردة يا خوافة ؟ خوافة بصوت هادئ خجول : اسمها سماح وسكتت لانها ادركت انها لم تمارس ثانى درس فى المحبة ثم قالت بعد قليل : هل يمكن ان اضع بعض من الدواء على ركبتى ؟! اجابت اشجان والام : جربى . وعندما وضعتا بعض من الدواء على ركبتيها توقف النزيف وقل الالم .. ولذلك مشين بسرعة اكبر حتى تمكن من الوصول للقمة وقت الغروب، فجلسن ليسترحن فوق العشب الاخضر ، وتحت ظلال اشجار الارز ، هنا سمعن صوتا جميلا ينشد : "كلك جميل يا حبيبتى، ليس فيك عيب هلمى معى من لبنان .. يا عروس معى من لبنان " انظرى من رأس امانة .. من رأس شنير وحرمون من خدور الاسود .. من جبال النمور . ومن بين الاشجار ظهر رئيس الرعاة اتيا نحوهن . (نش 8:3) | |
|