يحتاج الإنسان كثيراً إلى جلسة مع النفس:
يجلس إلى نفسه لكى يفحصها ويفتش دواخلها، ويرقب تصرفاتها ويحاسبها حتى يكون في يقظة مستمرة.
وهذه الرقابة الذاتية وملاحظة النفس لازمة لكل إنسان،
مهما علا في حياته الروحية،
ومهما ارتفع في منصبه.
ولذلك نرى القديس بولس الرسول يكتب إلى تلميذه تيموثاوس الأسقف قائلاً
" لاحظ نفسك والتعليم، وودوام على ذلك. فإنك إن فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً "
(اتى 4: 16).
لذلك فالشيطان يحاول بكل قوة أن يمنع الإنسان الروحى من الجلوس إلى نفسه، وكذلك يمنع الخاطئ..
ما أسهل أن يقدم له مشغوليات عديدة جداً، تستغرق كل وقته، وتستحوذ على كل مشاعره بأهمية كل هذه المشغوليات.
وإن كان إنساناً روحياً محباً لملكوت الله، يمكن أن يشغله بالخدمة ومتطلباتها، حتى يجعل الخدمة تشغله، بحيث لا يهدأ ليفكر في أخطائه داخل خدمته.
مثل ذلك الابن الكبير الذي لم يفرح برجوع أخيه، ولم تتفق مشيئته مع مشيئة الآب. ومع ذلك قال لأبيه
" ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك. وجدياً لم تعطنى قط لأفرح مع أصدقائى..! "
(لو 15: 28، 29).
ولا شك أن هذا الابن الخادم طول تلك السنين، لو كان قد جلس إلى نفسه، لوجد أن له أخطاء عديدة وغير لائقة، سواء في التعامل أو أسلوب التخاطب، أو في محبته أو احترامه لأبيه..
لذلك ايها الابن المبارك لا تجعل مشغوليات الخدمة تعطلك عن الجلوس إلى نفسك وفحصها ومناسبتها0
أليس أن الخدمة أحياناً قد تعطلك عن الصلاة وعن القراءة والتأمل؟!
ألست أحياناً في الخدمة ترفع ذاتك وفكرك أكثر مما يليق، وربما ترتئى فوق ما ينبغى (رو12: 3).
ألست في الخدمة أحياناً قد تقع في الإدانة، وربما في قساوة القلب، باسم الدفاع عن الحق..؟! وغير ذلك كثير..
إجلس إلى نفسك وافحصها، خوفاً من أن تقول
" لئلا بعدما ما كرزت لآخرين، أصير أنا نفسى مرفوضاً " (1كو 9: 27).
أو لئلا تسمع قول الرب لمرثا
" أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحد " (لو 10: 41، 42).
أنت محتاج أن تجلس إلى نفسك لتعرف أخطاءك..
سواء أخطاء اللسان، أو الفكر، أو الحواس، أو المشاعر القلب، أو أخطاء الجسد.. لتعرف أخطاءك ضد الله وضد الناس،
وأيضاً ضد نفسك.. بل لتدرس طباعك أيضاً الثابتة فيك ن والتى تلبس ثياب الحملان، وتتسمى عندك بأسماء فضائل، وقد تفتخر به!! إجلس يا أخى إلى نفسك، وتذكر قول القديس مقاريوس الكبير:
أحكم يا أخى على نفسك، قبل أن يحكموا عليك..
كتاب الوسائط الروحية
لقداسة البابا شنودة الثالث