لقداسة البابا شنودة الثالث
عند البعض، مادام العذر موجودا ويمكنهم تقديمه، حينئذ تصير الخطية سهلة والتقصير سهلًا. دون مراعاة لمشاعر الرب الذي يتحولون عن محبته، ودون أمانة للوصية أو التزام بها. وأثناء الاعتذار، يخادع الإنسان نفسه، ويكون ضمير مخلخلا غير ثابت.
وباب الاعتذار واسع، قد يدخل فيه الصدق والكذب..
أي قد تكون الأعذار غير حقيقية، أو من السهل الانتصار عليها، وليست عائقا حقيقا له قوة المنع التي تغلب الإرادة. وقد تكون الأعذار فرصة للتهاون أو المحبة الخطية. أو قد تكون ستارا للكبرياء التي ترفض الاعتراف بالخطأ. وقد تكون سببا ثانويا وليست هي السبب الحقيقي. وعلى العموم فالتبريرات والأعذار دليل على عدم التوبة..
العجيب أن الإنسان غير التائب، على الرغم من أخطائه، نفسه جميلة في عينيه ن يناقش من أجلها ويجادل..!
كل شيء يعمله، له في نظره أسبابه وحكمته. وكل خطية لها تبريرها. وكل تقصير في أعمال الفضيلة، له أيضًا تبرير. ولا يوجد خطأ في أي تصرف يتصرفه..! يتكلم كما لو كان معصوما لا يخطئ.. يدافع ويبرر. من الصعب أن تخرج من فمه كلمة "أخطأت"..! وإن شددت عليه الخناق، فأقصى ما يقوله هو "آه.. هذا العمل، من الجائز أن البعض يفهمونه على غير المقصود منه..! ولكنى أقصد.. "وتتوالى سلسة أخرى من التبريرات..
كأنه إله.. لا يخطئ!! "الم أقل إنك آلهة" (مز82: 7).
هؤلاء (الآلهة) الذين لا يخطئون، لا يمكن أن يتوبوا! عن أي شيء يتوبون؟ حقا لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب.. هؤلاء لا يحتاجون إلى المسيح الغافر والمخلص! فأي شيء تراد سيغفر لهم أو يخلصهم منه؟!
حتى الذين يقصرون في كل الواجبات الروحية من صلاة وصوم وحضور الكنيسة والتناول.. يجدون أيضًا مبررات لتقصيرهم، وكأنهم لم يخطئوا.
تسأل أحدهم لماذا لا نصلى؟ ولماذا تذهب إلى الكنيسة؟
فلا يقول لك مطلقا "أنا مقصر "أو "أنا مخطئ". إنما يبرر تقصيره بأنه ليس لديه وقت. وإن ناقشته في ذلك يضع أمامك قائمة طويلة من المشغوليات.. فإن سألته "ولماذا لا يكون الرب ضمن مشغولياتك؟ ولماذا لا تحسب الصلاة أمرا هاما تحجز له مكانا في تنظيمك لوقتك؟.. حينئذ بدخلك في تبرير آخر، في محاولة لفلسفة الخطأ، فيقول:
المهم في القلب. ومادام قلبي نقيًا، لا حاجة إذن إلى الصلاة! فإن الله هو إله القلوب..
وطبعا الرد واضح. فالقلب النقي لا يغنى عن الصلاة، بل يساعد عليها القلب النقي فيه محبة الله. والذي يحب الله يتكلم معه، ويصلى.. والإنسان الروحي يجمع بين الأمرين: نقاوة القلب، والصلاة. وكما قال الكتاب "افعلوا هذه، ولا تتركوا تلك "نقاوة القلب لازمة للصلاة، فالصلاة التي تخرج من قلب نقى هي المقبولة أمام الله..
كذلك يبدو أن الذي يرد بهذه العبارة لا يفهم معنى عبارة نقاوة القلب). فإن كان القلب نقيا، لا يمكن أن يقول إنه لا حاجة به إلى الصلاة. فالذي لا يحتاج إلى صلاة، ليست له نقاوة القلب.
وقد تسأل آخر: لماذا لا تصوم؟
فيقول لك: وهل الذين يصومون كلهم قديسون: فلان يصوم ويفعل كذا.. وفلان يصوم ويفعل كذا..! فإن قلت له: وما شأنك بهؤلاء؟ إن الله سوف يسألك عنهم، وإنما سيسألك عن نفسك حينئذ يرجع إلى نفس التبرير، بفلسفة الموضوع ويقول: الحياة مع الله ليست بالأكل والشرب . والمهم في نقاوة القلب!! كما لو كان الصوم لا يساعد على نقاوة القلب!!
وعبثا تحدث مثل هذا عن روحانية الصوم وفائدته، وأن من يسلك فيه بطريقة روحية ينمو في حياة الروح، وأن الله أمر بالصوم لفائدته، والأنبياء كانوا يصومون مع نقاوة قلوبهم. والسيد المسيح نفسه صام.. وهنا لا تجد منطقًا، إنما هي تبريرات لمجرد التخلص من المسئولية.
وقد يعتذر آخر بعدم وجود مرشدين روحيين ولا قدوات صالحة..
ويبدو أن هذا الاعتذار أيضًا مبالغ فيه. فالذي يحتاج إلى إرشاد لا بد سيجده. وإن لم يجد مرشدين، أمامه الكتب تملأ الدنيا وفيها كل شيء.. وأمامه الصلاة، يطلب من الرب فيرشده. ومعه الضمير، ومعه الكتاب المقدس..
إن القديس الأنبا أنطونيوس، الذي عاش وحده في البرية، ولم يكن هناك راهب قبله ليرشده، لم يعتذر بعدم وجود مرشدين، بل شق الطريق وحده، وبنعمة الله وصل، وأرشد غيره
أما القدوات الصالحة فهي كثيرة. على الأقل لا تطلب كل الصفات المثالية من شخص واحد، إنما خذ من كل إنسان فاضل قدوة في نقطة معينة. وهناك أيضًا سير القديسين والأبرار الذين انتقلوا.
وخلاصة القول إن الذي يريد أن يصل إلى الله، لن يعدم الوسيلة. ويبقى السؤال الوحيد هو: هل تريد..؟
جميل من السيد المسيح أنه كان يسأل بعض المرضى الذين يأتون إليه طالبين الشفاء، بعبارته الخالدة العميقة: "أتريد أن تبرأ" (يو 5: 26).
نعم، إن كنت تريد، فإن الله مستعد أن يعمل معك ويقويك، وهو الذي يغسلك فتبيض أكثر من الثلج، وهو الذي يطهرك من كل خطية، ويطهرك من كل دنس الجسد والروح. ولكن المهم أن تريد.
أما إن كنت لا تريد، فلا داعي للتبريرات. كن صريحا مع نفسك.