ينبغي أن تولدوا من فوق
أيها القارئ العزيز..
يا مَنْ نشأت في بيت مسيحي، ومنذ الطفولة تعرف قصص الكتاب المقدس التي سمعتها في البيت أو في مدارس الأحد. ويا مَنْ تنتمى لأسرة تقية. يا مَنْ اعتدت حضور اجتماعات ومؤتمرات الشباب التي تناسب سنك، وربما تحمل مسئولية في هذه الاجتماعات وتشارك في الإعداد والتنظيم لها، وفى الأنشطة المنبثقة منها. يا مَنْ تحب أن يكون لك دور فعّال وخدمة ظاهرة وربما تقود الاجتماع أو الترنيم. يا مَنْ تُحسن العزف وتمتلك صوتًا شجيًا ذا طبقات متعددة يهز السامعين ويطربهم. يا مَنْ تُدعى في اجتماعات أخرى وعليك طلب كثير وبدأت تكون ذا اسم معروف. يا مَنْ تتمتع بالوسامة والأناقة والشخصية الجذابة وتستطيع أن تعبر عن نفسك وعن أفكارك بأسلوب بديع مما يجعل الكثيرين يسمعونك بسرور ويرغبون في الوقوف معك بعد الاجتماع، فتعود في نهاية اليوم راضيًا تمامًا عن نفسك. يا مَنْ لديك كم كبير من المعلومات الكتابية كاملة، وصنع المعجزات التي برهنت على لاهوته ومحبته للبشر، وتؤمن بموته على الصليب وقيامته في اليوم الثالث وصعوده إلى السماء عن يمين الله، وتؤمن أنه سيأتي ثانية. أنت تؤمن بكل هذا وتستطيع أن تُقنع الآخرين.
فأنت مؤمن وسليم العقيدة ولا تشك في صحة الكتاب المقدس جملة وتفصيلاً. يا مَنْ تمتلك أخلاقيات رفيعة وذوقيات عامة وتفهم جيدًا في المعاملات الإنسانية. ويا مَنْ تخلو حياتك من الخطايا المشينة ويخلو تاريخك من الفضائح أو ربما لا يتعدى الأمر استثناءات قليلة لا يعرفها أحد، وصورتك بصفة عامة أمام البيت والأصدقاء بلا لوم. يا مَنْ تمتلك ضميرًا حساسًا وتشعر بالذنب والندم بعد سقوطك في الخطية. ويا مَنْ تحب أن تسمع مواعظ خاصة لمشاهير الوعاظ لتبحث عن شيء جديد. يا مَنْ تحب الأجواء الروحية لأنها وسط اجتماعي راق. ويا مَنّ تصنفك نفسك دائمًا مع المؤمنين لأنك منذ سنوات عديدة تأثرت برسالة تبشيرية هزت عواطفك، وعندما طلب المبشر أن مَنْ يريد أن يخلص من الجحيم ويربح السماء؛ عليه أن يرفع يده ويقول احمني أنا الخاطئ. كنت أول مَنْ فعل ذلك. ومن يومها فقد اقتنعت أن هذا هو كل المطلوب وأنك من يومها قد أصبحت مؤمنًا.
يا مَنْ أنت كل ما سبق أو بعض منه، اسمح لي أن أسألك سؤالاً محددًا وفاحصًا:
هل أنت قد ولدت من فوق؟!!
وأراك مندهشًا ومستنكرًا لسؤالي بعد كل هذا، فهل يوجد احتمال لغير ذلك؟
ولكن دهشتك ستزول وستحنى رأسك لو علمت أن الرب يسوع هو الذى قال
« ينبغي أن تولدوا من فوق»
وقالها لرجل فاضل اسمه نيقوديموس
(يوحنا3).
كان شيخًا وقورًا وفريسيًا متدينًا، رئيسًا لليهود ومعلمًا للناموس. فهذه الامتيازات الدينية شيء والولادة من فوق شيء آخر. وبالطبع ستسألني وربما غاضبًا أو محتجًا:
ماذا تريد؟
وماذا تقصد بالولادة من فوق؟
دعني أخبرك:
إن كل الفلسفات والديانات التي في العالم تفترض الخير في الإنسان، وتحاول إصلاحه وتهذيبه عن طريق المبادئ والتعاليم. لكن الكتاب المقدس يعلن بكل وضوح أن الإنسان فاسد في طبيعته، عاجز كل العجز عن أن يرضى الله، لا يُرجَى منه أي صلاح. فهو كالشجرة الردية التي لا يمكن أن تصنع أثمارًا جيدة. لهذا ينبغي أن يولد الإنسان ثانية ليحصل على طبيعة جديدة وحياة جديدة من مصدر جديد تمامًا هو الله. وبهذا يصبح متوافقًا مع الله ومقبولا عنده؛ ويصبح واحدًا من أولاد الله.
إن الولادة الجديدة هي عمل الله في الإنسان، يجريه الروح القدس فيه مستخدمًا كلمة الله، فينتج فيك حياة تحمل صفات ورغبات طبيعة الله الذى هو مصدرها.
الولادة من فوق هي إذًا غرس إلهى جديد فى الإنسان، يعطيه الطاقة والإمكانية ليصنع أثمارًا جيدة. ولكى يولد الإنسان ثانية عليه أن يتجاوب مع جهاد الروح القدس في نفسه، ومع تأثير كلمة الله عليه؛ فيأتي بكل اتضاع مقرًا بحالته وحاجته إلى الله، تائبًا نادمًا على خطاياه. راجعًا إلى الله، مسترجيًا رحمته كخاطئ هالك. واثقًا فى محبته، مؤمنًا إيمانًا قلبيًا بالمسيح الذى مات لأجله.
والإيمان الذى يخلص ويعطى للإنسان حياة جديدة، ليس هو قبول حقائق عن المسيح، بل قبول شخص المسيح كمخلص شخصي، وكرب وسيد على الحياة. هذا ما قاله
شاول الطرسوس
في أول لقاء مع الرب:
« يا رب ماذا تريد أن أفعل؟»
(أعمال 9: 6)؛
كأنه يقول للرب إنه من الآن فصاعدًا قد قبلت، وبسرور، أن تكون ربًا وسيدًا على كل شيء في حياتي.
ولن أفعل إلا ما يرضيك. سأعيش لا لأرضى نفسى ورغباتي بل لأفعل إرادتك وما يرضيك. وسيكون هذا منهج حياتي كل يوم.
« يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام»
(2كوررنثوس 5: 15).
إنه قرار خطير ومكلف. فليس الأمر أن تقول كلمات فتخلص، ثم تعيش حياتك لذاتك كما كنت دون أن يتغير فيك شيء. إطلاقًا يا عزيزي، الكتاب لا يقول ذلك. وليس هذا هو الإيمان القلبي الحقيقي. إن الإيمان الحقيقي لابد أن تسبقه توبة، ويتبعه تغيير في السلوك وكذا أعمال صالحة. والتوبة مؤلمة كما أن الولادة عملية مؤلمة. التوبة هي تغيير في الفكر وفى النظرة للأمور. أن تنفتح عيناك لترى حقيقة نفسك ومصيرك الأبدي كهالك، بعد أن كنت قبلاً راضيًا تمامًا عن نفسك وعن النشاط الروحي الذى تقوم به. أما الآن فترفض نفسك في التراب والرماد. أن تنفتح عيناك لترى الخطية وبشاعتها فترتعب منها، إنها عِلّة الهلاك الأبدي لكثيرين، بعد أن كنت تتلذذ بها وتحبها وتفتخر بها. أن تنفتح عيناك لترى الله في محبته فتنجذب إليه، بعد أن كنت تنفر منه وقلبك مبتعد عنه بعيدًا. لقد عرفت الآن أنه ضحى بابنه لأجلك، لم يشفق عليه بل بذله لأجلك فوق الصليب. لقد احتمل المسيح دينونة خطاياك لتنجو أنت من الهلاك الأبدي. وهكذا أصبحت ترى الأمور على حقيقتها كما يراها الله، وأصبحت تقف في صف الله ضد نفسك. وهذه هدى التوبة الحقيقة.
أشكرك أحبك كثيراً
الرب يسوع المسيح يحبكم
جميعاً فتعال...هو ينتظرك