61- ألا تكفي التوبة للغفران دون الحاجة إلى الصلب؟
يقول المعترضون: أما كان يكفي أن الإنسان يتوب فيقبل الله توبته ويغفر ذنبه، عملا بقول الآية القرآنية التالية:
سورة البقرة 37: “فتلق آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه التواب الرحيم”.
الـرد
الواقع أن عملية غفران الذنب لها جوانب متعددة منها:
الجانب الأول
التوبة والندامة
الواقع أنه لابد أن يتوب المخطئ ويندم على خطيته وإلا فلن يغفر له ذنبه. والكتاب المقدس يوضح ذلك بقول المسيح:”إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون” (لوقا 13: 3).
والقرآن أيضا يوافق على ذلك من أجل هذا جاءت الآية القرآنية السابقة “فتلق آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه التواب الرحيم” (سورة البقرة 37).
ولكن هل التوبة كافية وحدها للغفران؟
الواقع أنه بالرغم من أن التوبة هي عمل ضروري للغفران ولكنها تمثل الندامة على ما فعله الإنسان وعزمه على عدم عودته إلى ذلك مرة أخرى في المستقبل. ولكن بقى جانب آخر هام وهو علاج ما فعله الإنسان في الماضي حتى يغفر له.
دعني أوضح لك القصد من هذا الكلام بإعطاء مثال من واقع الحياة ثم أطبق ذلك على موضوع حديثنا. فمثلا إن حطم شخص سيارتك بعربته، فيأتي إليك ويعتذر لك قائلا أنا أتوب أن أحطم سيارتك فيما بعد، فهل هذا يكفي لتصفح عنه؟ وهل هذا الاعتذار سيعوض لك سيارتك؟ أم لابد له أن يعطيك اسم شركة تأمين سيارته لتقوم الشركة بعمل الإصلاحات اللازمة لسيارتك أو إعطائك مبلغ التأمين لتشتري غيرها إن كانت إصابتها شديدة؟!
والآن دعني أطبق الأمر على موضوع حديثنا، فالسيئة التي يرتكبها الإنسان لا يكفي أن يقدم عنها اعتذار أو مجرد توبة بل لابد من تقديم كفارة أو فداء أو ضحية حتى يمكن غفران الماضي. وهذا ما سوف نتكلم عنه فيما يلي:
الجانب الآخر
الكفارة أو الفداء أو الضحية
موضوع الكفارة والفداء أمر حتمي للمغفرة وهذا واضح في المسيحية والإسلام.
ففي المسيحية تقول الآية صريحة في الإنجيل في رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الثاني في الآية الأولى والثانية:”يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا.
ولكن ما هي أنواع الكفارة في الإسلام يا ترى؟
الواقع أن هناك أنواع عديدة من الكفارة في الإسلام، ذكرت بعضها في الآية التالية:
1ـ سورة المائدة آية 89 “لا يؤاخذكم الله باللغو (أي غير المقصود) في أيْمانكم (القَسَم أي الحلفان) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم (أي عن عمْد) الأيْمان(القسم) فكفارته إطعام عشرة مساكين… أو كسوتهمأو تحرير رقبة (تحرير عبد) فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيْمانكم…”
واضح من هذه الآية أنه لابد وأن تكون هناك كفارة للسيئات، فالسيئة المذكورة في هذه الآية هي تعمد الأيْمان، والكفارة المطلوبة لمغفرتها هي: إما إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو إطلاق عبد وتحريره، أو صوم ثلاثة أيام.
أما إذا كان الذنب من الكبائر فلابد أن الله هو الذي يكفر عنه بحسب ما جاء بالآية القرآنية التالية:
سورة التغابن آية9 قوله:”ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار….” من هذا يتضح أن الله لابد أن يكفر عن السيئات حتى يغفرها.
والواقع أن الكفارة الحقيقية للخطايا في الإسلام هي كما أشرنا إليها سابقا في صدد الحديث عن عيد الضحية، فدعني أذكرك بها ثانية:
2ـ ذبائح عيد الأضحى:
فعيد الأضحى يعرف باسم (عيد التضحية والفداء) والذبائح التي تنحر فيه هي بقصد الفداء أو الكفارة كما يتضح مما يلي:
+ كتاب دين الإسلام : يسمى عيد الأضحى في بلاد الفرس (عيد القربان) أي الذبيحة، ويقال أثناء الوضوء في هذا العيد هناك: (اللهم اجعل هذه الذبيحة كفارة عن ذنبي وانزع الشر منى. (ص367)
+ كتاب الفقه: روى مسلم عن أنس رضى الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده الكريمة (جزء1ص711)
+ كتاب مشكاة المصابيح: ذكر أن النبي وهو يذبح الكبشين قال: “اللهم هذا عنى وعمن لم يضح من أمتي” (ص42)
+كتاب إحياء علوم الدين: روى البزار وأبو الشيخ عن أبى سعيد قالا: “قال رسول الله (ص) يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فأشهديها، فان لك بأول نظرة من دمها أن يغفر لك ما سلف من ذنوبك. (جزء1 ص 243)
+كتاب إحياء علوم الدين: جاء فيه:”وأما ذبح الهدى (أي الضحية) هو تقرب إلى الله تعالى. فعليك أن تكمل الهدى (الضحية) واطلب أن يعتق الله بكل جزء منه (أي من الهدى أو الضحية) جزءا منك من النار. فكلما كان الهدى (أو الضحية) أكبر وأجزاؤه أوفر كان فداؤك من النار أعم”(جزء 1صفحة 243)
من كل هذا يتضح لك جيداً أن ذبائح عيد الضحية يقصد بها الفداء والتكفير وبهذا قد اتضح لنا إقرار الإسلام بفكرة الفداء.
وهكذا نرى أن مجرد التوبة لا تكفي للغفران، بل يلزم الفداء ، ولهذا جاء المسيح ليفدينا من خطايانا ويكفر عنها حتى تغفر لنا معاصينا.
—————————–
62- ما ذنب المسيح ليصلب عن الناس ؟
وقد يعترض أحدهم قائلا “ما ذنب المسيح البريء حتى يدفعه الله لأن يقتل؟ ألا يتنافي هذا مع حقيقة (الله محبة)؟”
الـرد
للرد على هذا الاعتراض نوضح أمرين هامين:
1ـ قتل الأنبياء الأبرياء.
2ـ قتل النفس الطاهرة (أي المسيح).
أولاً: قتل الأنبياء الأبرياء
لماذا يستغرب المعترض من قتل النفوس البريئة والقرآن مليء بالآيات القرآنية التي تشهد على ذلك. دعني أذكر لك آيتين فقط:-
(1) في سورة البقرة آية (60) “كانوا (أي اليهود) يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق”.
(2) وفي سورة البقرة آية 86 “أ فكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم (يقصد اليهود) استكبرتم ففريقاٌ كذبتم وفريقاٌ تقتلون”.
إذن فهناك نفوس نبيين تقتل بغير الحق أي لم يفعلوا شيئا يستحقون عليه القتل فهم أبرياء. وقد سمح الرب بذلك ليوضح مدى شر اليهود بقتلهم الأنبياء الأبرار الأطهار!!!.
وبالتأكيد سوف يعاقب الله هؤلاء القتلة الأشرار، في حين أنه سوف يكافئ الأنبياء على تضحياتهم وصبرهم وتحملهم القتل في سبيل الله.
ثانياً: قتل النفس الطاهرة
علاوة على ما ذكر عن قتل الأنبياء، نرى القرآن يذكر بمنتهى الصراحة قتل النفس البريئة الطاهرة، لذلك فإني أندهش من المعترضين على قتل المسيح الطاهر البريء!!!
اسمع ما يقوله القرآن في:
+ (سورة المائدة 32): “من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس ( أي من قتل نفساً بريئة لم تقتل نفسا ) أو فساد في الأرض (أي نفسا طاهرة لم تفسد في الأرض) فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.
الواقع أن هذه الآية توضح ثلاثة أمور هامة جدا هي:
الأمر الأول هو: قتل النفس البريئة الطاهرة. إذ يقول: “من قتل نفسا بغير نفس، أو فساد في الأرض”. والمقصود من ذلك كما سبق أن أوضحنا هو قتل نفس بريئة، أي لم تقتل نفسا أخرى. وأيضا المقصود هو أن هذه النفس البريئة هي كذلك نفس طاهرة أي لم ترتكب فسادا في الأرض.
والمسيح بشهادة القرآن وعلماء المسلمين هو هذه النفس الطاهرة البريئة، وإليك هذه الشهادات:
+ سورة مريم، التي سبق ذكرها من قبل يقول فيها الملاك: “قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا (أي طاهرا)” فالمسيح بشر طاهر. وفي:
+ سورة آل عمران “وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها(أي المسيح) من الشيطان الرجيم”.
+ وقال الإمام الرازى في تفسير كلمة (المسيح) “أنه مسح من الأوزار والآثام … مسحه جبريل بجناحه وقت ولادته ليكون ذلك صوناً من مس الشيطان ] (تفسير الرازى جزء 3 ص 676).
+ وعن أبى هريرة قال [ سمعت رسول الله (ص) يقول ما من مولود من بنى آدم إلا نخسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من لمسه إياه، إلا مريم وابنها ]
+ وجاء في صحيح البخاري ” ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ذهب (الشيطان) ليطعن فطعن في الحجاب. أي لم يمسه بشيء”.
من هذا يتضح لنا جلياً أن المسيح هو وحده النفس الطاهرة البريئة، والتي من قتلها فكأنما قتل الناس جميعا.
(2) الأمر الثاني هو: إحياء هذه النفس الطاهرة البريئة. يتضح ذلك من قوله: ” ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”. وهنا ينبغي أن نقف لنتأمل مليا، من هذه النفس الطاهرة البريئة التي قتلت ثم أحييت؟؟؟ أليس هو المسيح بحسب شهادة القرآن القائل: “سلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا” (سورة مريم 33)
ألم يشهد علماء المفسرين المسلمين لذلك؟ إليك بعض هذه الشهادات:
1ـ عن ابن حميد … عن ابن إسحق عن وهب ابن منبه أنه قال: “توفي المسيح ثلاثة ساعات ثم رفعه” (جامع البيان)
2ـ وقال محمد ابن اسحق: “توفي سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه”
3ـ والإمام البضاوي:
“قيل أماته الله سبع ساعات ثم رفعه إلى السماء “
ومن آراء علماء المفسرين المسلمين الأفاضل ما جاء في:
4ـ في تفسير ابن كثيرعن إدريس أنه قا ل: “مات المسيح ثلاثة أيام ثم بعثه الله ورفعه”
إذن يتضح من ذلك أن المسيح هو النفس البريئة الطاهرة التي قتلت ثم أحييت.
(3) الأمر الثالث هو: توجيه هذا الكلام لبني إسرائيل.
لماذا يوجه هذا الكلام لبني إسرائيل بالذات؟ لماذا لا يوجه لكل البشرية؟؟
أتدري لماذا؟ لأن بني إسرائيل هم الذين قتلوا النفس البريئة الطاهرة دون غيرهم!! هم الذين قتلوا السيد المسيح، الذي أقامه الله من الأموات.
فيكون موت المسيح هو موت للناس جميعا، وإحياء المسيح هو إحياء للناس جميعا!!!
رأيت إذن يا أخي المحبوب كيف أن المسيح قد تقدم بحب وتحمل هذا الموت لأجل جميع الناس. وهذا لا يتعارض مع محبة الله، بل إنها المحبة المضحية الباذلة، تلك التي تتحمل فدية الإنسان بدافع الحب لأجل الغفران. هذا هو المبدأ الذي نحن نؤمن به، وتؤمن به المسيحية في قضية الفداء والغفران.
—————————–