السؤال الأول: هل يجوز نقد الأديان أم لا يجوز؟
كثيرا ما سمعنا كمسلمين منذ الصغر من أساتذتنا في المدارس خصوصا في مادة التربية الإسلامية أن الإنجيل محرف، وسمعنا الشيء نفسه من الخطباء والأئمة والشيوخ وحتى من العامة من الناس حتى صار من المسلمات التي لا يقبل المسلم الجدال فيها رغم افتقاره للدليل والحجة، ومع ذلك لم يقل أحد من المسيحيين أنتم تشتمون كتابنا وأنتم تشتمون عقيدتنا وينبغي أن تتوقفوا عن اتهام الإنجيل بالتحريف، لم تحرق السفارات ولم تطالب المنظمات والحكومات بمقاطعة بضائع المغرب مثلا احتجاجا على وصف الإنجيل بالتحريف على غرار ما فعل المسلمون في العالم كله كرد فعل على الرسوم الكاريكاتورية أو كرد فعل على تصريحات البابا بينيديكت تجاه نبي الإسلام. ولم أسمع واحدا من علماء الإسلام يقول للمسلمين لا ينبغي أن نتهم الإنجيل بالتحرف لأن ذلك يعد طعنا في عقائد الأديان ونحن لا نريد أحدا أن يطعن في عقائدنا فلا نطعن في عقائدهم،
ما الذي سيشعر مسلم مغربي حين أقول له أن القرآن محرف وأنه من تأليف محمد وليس من الله؟ هل سيقبل ذلك، هل ستقبل أي دولة إسلامية أن تدفع أمريكا من أموالها وفرنسا من أموالها لمدرسين يذهبون للمدارس الحكومية ليقولوا للناس أن القرآن محرف وأن المسلمين حرفوا كتبهم وأنهم يتبعون عقائد ضالة فاسدة؟ ومع ذلك فإن المغرب كحكومة يخصص أموالا كثيرة تنفق على كتب مدرسية تعلم رسميا هذه الأمور، وينفق على الخطباء والأئمة الذين يعلمون تحريف الإنجيل للناس وأن النصارى هم "الضالون" المقصودون في سورة الفاتحة وذلك في المنابر ودروس المساجد وخطب الجمعة، لماذا يثور المسلم حين أتحدث عن عقائده إن كان يسمح لنفسه بكامل الحرية أن ينتقد عقائد الآخرين؟
كثيرة هي النصوص القرآنية التي تنتقد عقائد الآخرين: فالقرآن يقول" لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" (المائدة 17) ويقول "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" (المائدة 73) ويقول الحديث "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (صحيح البخاري) هذه مجرد أمثلة أما القائمة فطويلة جدا، فلماذا يقرأ المسلم هذه الآيات والأحاديث التي تطعن في المسيحيين وتنتقد عقائدهم وتلعنهم أيضا ولا يجد أي حرج في ذلك، لكن حين يرى شخصا ينتقد عقيدته ينتفض ويدعي أنه ليس من حقه النقد، فهل الأمر حلال على المسلم وحرام على غير المسلم؟ هل هناك قاعدة تسري على الاثنين؟ أم أن الإسلام والمسلمين يحق لهم الحديث عن عقائد الناس والتعليق عليها وانتقادها بينما لا يحق لأي كان أن يقوم بذلك تجاه الإسلام وإلا فإنه سيتعرض للتهديد والوعيد بالقتل وتصب عليه الشتائم من كل صوب.
إن كان المسلم يقبل بمبدأ النقد ويحلله لنفسه فليقبله من الآخرين أيضا. وقد كتب المسلمون بالفعل كتبا كثيرة تباع في الأكشاك والأرصفة تتهم الإنجيل بالتحريف وتتهم أتباع المسيح بالتزييف وتتهم العقيدة المسيحية بالشرك والكفر، ولا تتحرك دور الرقابة لمنعها أو منع تداولها، لكن لو تحدثت أي جريدة عن العقائد الإسلامية أو أي مجلة لهبت هذه الجهات للتنديد والوعيد ولانتفض الرقيب مانعا بل ومطالبا بالاعتذار ولو كانت جرائد محلية لكان جزاؤها المحاكمة والإغلاق. لا أفهم هذه الازدواجية في المعايير، إن كان يحق للناس أن ينتقدوا الأديان فالقانون إذن يسري على الكل، وإن كان لا يحق لهم فالقانون يسري على الكل، فأي شيء سيختاره المسلم؟ لا شك أن الخيار الأسلم له هو أنه من حق الإنسان أن ينتقد أي عقيدة شاء،
لأن العقيدة التي لا تقبل النقد لا ينبغي أن تعرض للإيمان، فمادام هناك فكرة معروضة علي وأنا مطالب بالإيمان بها، فمن حقي تقييمها والتقييم يشمل النقد، لأن النقد يظهر العيوب. أما إذا اختار المسلم الخيار الثاني، أي رفض النقد بعمومه لأي دين كان فعليه أن يجد مخرجا للنصوص الكثيرة التي تطعن في عقائد المسيحيين واليهود، عليه إذن أن يرفضها لأنه نقد صريح موجه لعقائد الغير.
السؤال الثاني: ما هو الفرق بين سب رموز العقيدة وبين النقد المسموح؟
الكثير من المسلمين لا يفرقون بين نقد الآخر وبين الشتيمة، فكل نقد تجاه القرآن ومحمد يعتبرونه شتيمة، إن قلت أن محمدا ليس رسولا من عند الله يحتج متصل ويقول لماذا تشتم نبينا؟ كأني بين خيار أن أقبل محمدا كنبي أو أعتبر شاتما للرسول أستحق القتل،
ألا يحق لي ألا أؤمن بمحمد؟ يقول لي الكثيرون من حقك ألا تؤمن به لكن لا تعلن ذلك أمام الملأ! لماذا من حق المسلم أن يقول أنه لا يؤمن بأن المسيح رب ومن حقه أن يعلنها على الملأ؟ لماذا من حق المسلم أن يقول أنه لا يؤمن بالإنجيل الذي بين أيدي المسيحيين ويعلنها على الملأ؟ لماذا من حق المسلم ألا يؤمن بالوحدانية المثلثة للمسيحيين ويعلن ذلك على الملأ؟ هل هذا الحق مكفول للمسلمين وحدهم دون غيرهم؟ ألا يحق لي أن أكون إنسانا حرا لي الحق في التعبير عن رأيي بالوسائل السلمية تماما مثل أي مسلم يعلن عن عدم إيمانه بالعقائد التي تخالف إسلامه؟ هل من العدل أن أختار بين الإيمان بمحمد كرسول أو أن أصنف كشاتم للرسول؟ لماذا لا أصنف على أني غير مؤمن بمحمد أمارس حقي في إنكار نبوته.
أم أن الناس من حقهم فقط أن يؤمنوا بمحمد ويعلنوا ذلك بأصواتهم العالية ويشهدوا أمام الناس أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أما حقهم في إنكار هذا الإيمان والشهادة له أمام الناس فليس من حقهم؟ هل يمكنني أن أعتبر قول القرآن" لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم" شتيمة في حق الرموز المسيحية؟ هل من حقي أن أعتبر قول القرآن "غير المغصوب عليهم (اليهود) ولا الضالين (النصارى)" شتيمة في حق اليهود والمسيحيين؟ من حق أي إنسان أن يكذب القرآن وأن يكذب محمدا في نبوته لأن عدم تكذيبه له يعني الإيمان به. ومن حق أي إنسان أن يعلن عن رأيه في وسائل الإعلام دون أن يتعرض للتنكيل والتهديد والوعيد أو السجن أو القتل أو أي عقوبة كانت لأن الإعلام العالمي لحقوق الإنسان يكفل هذا الحق حيث يقول:
المادة 18 : لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.
المادة 19: لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.
النقد العلمي المبني على النصوص لا يدخل أبدا في إطار شتم الأشخاص، لأن محمدا شخصية عامة والإيمان به جزء من العقيدة الإسلامية، فلا بد من التعرض لحياته إن أردنا تقييما سليما للإسلام، وكل العقائد تتم دراستها وإبراز ميزاتها وعيوبها وتتم المناظرة بشأنها، وبالتالي ستجد المؤمنين بها وغير المؤمنين بها،
وكل يدافع عن رأيه بالفكر والقلم والحجج والأدلة، فعدم السماح بالنقد يعد تعديا على الحريات الشخصية للناس في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم، ويعتبر وصاية على تفكير الأشخاص وإرساء لمبدأ الفكر الواحد، وأقل ما يمكن أن يقال عنه أنه استبداد فكري تحت مسميات كثيرة.
والغريب أن تخترع دولة إسلامية مثل المغرب مصطلح "الأمن الروحي" إذ كرست أموال المواطنين (المؤمنين وغير المؤمنين بالإسلام) لحماية الإسلام تحت مسمى الأمن الروحي، ولا تسمح برواج أي فكر مخالف للمذهب الإسلامي الواحد الذي يتبعه المغرب "المذهب المالكي الأشعري" متى كان هناك شيء اسمه الأمن الروحي؟ هل من حق الدولة أن تعتبر كل المغاربة مسلمين؟ علما أن إسلام المغاربة أكثره إن لم أقل كله بالوراثة لا عن قرار واختيار، فكل مولود مغربي هو مسلم غصبا عنه ولو بلغ في يوم من الأيام سن الرشد وقرر الاختيار لنفسه بين العقائد السائدة في العالم لتصدى له النظام بكل طاقاته تحت مسمى "حماية الأمن الروحي"
ولو أن مواطنا خدم هذا الوطن بكل تفان طيلة سنوات عمره وبعد بحث قرر في يوم من الأيام اعتناق عقيدة مخالفة للإسلام لتنكر له هذه الوطن ولاعتقلته السلطات وحققت معه في الصغيرة والكبيرة، والغريب أن بعض الشيوخ خرجوا علينا بتشبيهات جديدة: مثل أن "الردة هي خيانة للوطن" ما رأي هؤلاء الذين يرددون هذه المقولة أنه بناء عليها ما كان على نبي الإسلام أن يأتي بدين جديد وسط قريش!! لقد كان من حق قريش أن تضطهد محمدا إذن بناء على نفس المبدأ "الأمن الروحي لقريش" وأن أي ردة عن دين الآباء هي خيانة للوطن أو للقبيلة، هل سيقبلون بتبعيات مقولتهم؟ أم أنهم سيجعلونها تسري فقط عليهم لا على غيرهم؟ هل المسلم الفرنسي الذي يصير مسيحيا يعتبر خائنا لوطنه فرنسا؟
هل المسلم الأمريكي الذي يرتد عن الإسلام ويصير ملحدا مثلا يعتبر خائنا لأمريكا؟ هل المسلم الذي يحمل جنسيتين مغربية وإيطالية مثلا وارتد عن الإسلام يعتبر خائنا للمغرب أم لإيطاليا أم للإثنين؟ أم أن الأمر ينطبق فقط على المرتدين في البلدان الإسلامية؟ لقد نص الحديث على أن من بدل دينه فاقتلوه، وبالتالي على الشيوخ أن يجدوا حلا لهذا النص، لأنه يسري على المرتدين من المسلمين في كل دولة، حتى في الدول العلمانية التي لا تفضل أي دين على آخر بل تعامل الأديان كلها بنفس المبادئ.
لذلك من هذا المنبر أقول للقراء (خاصة من المسلمين) أن يعيدوا النظر في المفاهيم، فالتاريخ يسير للأمام والحريات الفردية هي الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المتقدمة، وتأكدوا أنه لن يحصل هناك أي تقدم في بلداننا إن كنا لا نحافظ على الحريات الفردية للإنسان وأولهما حرية الرأي وحرية العقيدة، فحرية العقيدة وحرية الفكر تضمن لنا جميعا الحياة بكرامة.