الفصل الثالث: تفسير الآيات التي تبدو مناقضة للإيمان بأن المسيح هو الله
يجب أن نعترف في بداية هذا الفصل أن في الكتاب المقدس آيات متناثرة تبدو للقارئ السطحي أنها مناقضة للإيمان بأن المسيح هو الله، ولكننا نقول في ذات الوقت أن وجود مثل هذه الآيات هو دليل قاطع على وحي كلمة الله.. فلو أن الكتاب المقدس من تأليف بشر لما وجدنا فيه آيات مثل هذه الآيات، لكن لأنه كلمة الله فقد جاءت فيه هذه الآيات لتدفع القارئ إلى البحث والدرس والمعرفة.
ولقد أكد بطرس الرسول أن في الكتاب المقدس آيات عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين لهلاك أنفسهم فقال: «لِذٰلِكَ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِذْ أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ هٰذِهِ، ٱجْتَهِدُوا لِتُوجَدُوا عِنْدَهُ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ عَيْبٍ، فِي سَلاَمٍ. وَٱحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصاً، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا ٱلْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضاً بِحَسَبِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي ٱلرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضاً، مُتَكَلِّماً فِيهَا عَنْ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، ٱلَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ ٱلْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ ٱلْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ ٱلثَّابِتِينَ كَبَاقِي ٱلْكُتُبِ أَيْضاً، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ» (٢ بط ٣: ١٤ - ١٦). ولذا أوصى بولس الرسول تيموثاوس قائلاً: «ٱجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ لِلّٰهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ بِٱلاسْتِقَامَةِ» (٢ تي ٢: ١٥).
ولكي نفهم الآيات العسرة الفهم، فهماً يتفق مع كل الكتاب المقدس علينا أن نتبع نصيحة الرسول فنفصل كلمة الحق بالاستقامة، ويقينا أننا لن نستطيع أن نفسر آية من الآيات المشار إليها، إلا على ضوء قوانين ثابتة وصحيحة للتفسير. فما هي قوانين التفسير الصحيح؟
- إن أول قوانين التفسير الصحيح للآيات العسرة الفهم هو: أن نفسر هذه الآيات بالآيات الموضحة لها من الكتاب المقدس، أي أن نفسر الكتاب المقدس بالكتاب المقدس. كما قال بولس الرسول: «وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ ٱلْعَالَمِ، بَلِ ٱلرُّوحَ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ، لِنَعْرِفَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، قَارِنِينَ ٱلرُّوحِيَّاتِ بِٱلرُّوحِيَّاتِ» (١ كو ٢: ١٢ و١٣).
- القانون الثاني: أن يكون التفسير موافقاً لكلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة كما قال بولس لتيموثاوس: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلصَّحِيحَةَ، وَٱلتَّعْلِيمَ ٱلَّذِي هُوَ حَسَبَ ٱلتَّقْوَى فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ وَٱلْخِصَامُ وَٱلافْتِرَاءُ وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ، وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِي ٱلذِّهْنِ وَعَادِمِي ٱلْحَقِّ، يَظُنُّونَ أَنَّ ٱلتَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ» (١ تي ٦: ٣ - ٥).
- القانون الثالث: هو أن نربط الآيات التي نريد تفسيرها بالآيات السابقة لها واللاحقة بها، وهو ما يسميه علماء التفسير بربط «ال TEXT أي الآية» ، «بال CONTEXT أي القرينة». إن سبب الخطأ في تفسير الكتاب المقدس هو انتزاع الآيات من موضعها، ومحاولة تفسيرها بالعقل البشري بعيداً عن قرينتها، والمناسبة التي قيلت فيها، وهذه الطريقة الخاطئة هي الطريقة التي لجأ إليها الشيطان حين اقتبس كلمات من سفر المزامير محاولاً أن يجرب بها المسيح إذ قال له: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ» (مت ٤: ٦)، وقد أخذ إبليس الكلمات الأخيرة من المزمور الحادي والتسعين عدد ١١ و١٢، وأبعدها عن قرينتها، فأفسد بذلك معناها ومدلولها.
- القانون الرابع: هو تفسير الآيات العسرة الفهم على ضوء الآيات السهلة الفهم.
- القانون الخامس: هو دراسة لغة الآية ذاته. هل هي مجازية أو حرفية؟ هل هي كلمات نطق بها الرب، أو كلمات نطق بها الشيطان أو الإنسان وسجلت في سياق حديث الكتاب؟ إنه على أساس فهمنا الدقيق للغة الآية، وقائلها، نستطيع أن نفهم فهماً صحيحاً الآيات العسرة الفهم.
- القانون السادس: هو دراسة الظروف التاريخية لكتابة الآية. أين كان الكاتب؟ لمن كتب؟ ما هي العادات التي سادت عصره؟ إلى غير هذا من دراسة الظروف التاريخية لكتابة السفر الذي كتبت فيه الآيات.
القانون السابع: هو أنه إن أمكن تفسير حرفي فالبعد عن الحرفي رديء للغاية.. هذه هي القوانين السبعة للتفسير الصحيح للكتاب المقدس، وعلى أساسها سنتقدم لتفسير الآيات التي تبدو مناقضة في ظاهرها للإيمان بأن المسيح هو الله. واضعين هذه الآيات بحسب ترتيب ورودها في الكتاب المقدس.