الحالة السياسية والعهد الجديد
الحالة السياسية والعهد الجديد ( 40 ق. م - 100 م )
الإمبراطورية الرومانية وفلسطين :
كانت روما أو رومية Roma في القرن الأول قبل الميلاد هي القوة الوحيدة في عالم البحر المتوسط، والخليفة لإمبراطورية الإسكندر الأكبر المترامية الأطراف. وفي الفترة بين القرنين الأول قبل الميلاد والأول بعده، زادت رقعة الإمبراطورية وبلغت أقصاها أثناء حكم Trajan تراجان ( 68 - 117 م)، فإمتدت من إسكتلندة في الشمال حتي السودان في الجنوب، ومن شواطئ المحيط الأطلنطي غرباً عند البرتغال حتي جبال القوقاز شرقاً، وضمت إليها بريطانيا وألمانيا وبارثيا , وفي هذه الإمبراطورية الشاسعة تجمع التراث الحضاري للعالم القديم، سواء كان اليوناني أو الشرقي أو السامي أو الغرب أوروبي، فإندمجت جميعها وإنتشرت بين ربوع الإمبراطورية، وقد أثر هدوء الحالة السياسية في إنتشار دعائم السلام، وإتجهت روما إلي مد الطرق الكثيرة التي كانت تربط أطراف العالم القديم. وقد كانت الأسفار عبر تلك الطرق في بدئها خطرة بسبب قطاع الطرق لكنها أصبحت آمنة بعد ذلك بفضل القائد الروماني بومبي Pompey (64ق.م) الذي نجح في القضاء علي قطاع الطرق في الطرق البرية وعلي القراصنة في البحر المتوسط، وفي ذلك الوقت سادت اللغة اللاتينية في الغرب واليونانية في الشرق. وهكذا، بترتيب العناية الإلهية، تجمعت كل تلك الظروف لتكون أنسب الأوقات لميلاد المسيح وإنتشار المسيحية في العالم.
الإمبراطور Emperor , Imperator
الإمبراطور Emperor , Imperator :
كان الإمبراطور الروماني هو الحاكم الأعلي وكانت له مطلق السيادة : فالجيوش تدين له بالولاء , ووكلاؤه يسيطرون علي الخزائن، وصورته مسكوكة علي العملة، أما البلدان التي كانت تابعة للإمبراطورية فكان يحكمها ولاة تعينهم روما ( مت 27 : 2 ؛ لو 2 : 2 ؛ أع 23 : 24 ؛ 25 : 1 ). كما كان هناك ملوك وولاة وطنيون مثل هيرودس الكبير وهيرودس أغريباس وكانوا يمثلون أمام الإمبراطور أو مجلس الشيوخ Senatus كلما دعت الضرورة.
قيصر Caesar
قيصر Caesar :
هو لقب رسمي للأباطرة إشتق من إسم يوليوس قيصر Julius Caesar ( الذي أغتيل عام 44 ق. م ). وقد ذكر هذا اللقب في العهد الجديد نحو 30 مرة، ولقب به أربعة أباطرة هم أوغسطس ( لو 2 : 1 )، طيباريوس ( لو 3 : 1 )، كلوديوس ( أع 11 : 28 ؛ 18 : 2 )، نيرون ( أع 25 : 8 ).
أولاً - السلالة اليوليوكلودية
أولاً- السلالة اليوليوكلودية
" أوغسطس - نيرون " ( 27 ق. م - 68 م )
أوغسطس Augustus ( 27 ق. م - 14 م )
أوغسطس Augustus :
( 27 ق. م - 14 م )
هو جايوس أوكتافيوس Gaius Octavius إبن أخ يوليوس وإتخذه له إبناً بالتبني، وبعد مقتل يوليوس إشترك أوغسطس مع أنطونيوس ولبيدوس في الحكم فترة من الوقت، لكن أوكتافيوس حارب بعد ذلك أنطونيوس وإنتصر عليه في معركة أكتيوم البحرية Actium عام ( 31 ق. م ) وعلي أثرها كان إنتحار أنطونيوس وكليوباترة بعد حصار الإسكندرية. وقد إنفرد جايوس بعد ذلك بالحكم وفي عام ( 27 ق. م ) منحه مجلس الشيوخ لقب أوغسطس وهو إسم لاتيني معناه ( الجدير بالإحترام كإله ) فاللقب يلمح بالألوهية ( لو 2 : 1 ؛ أع 27 : 1 ) وقد توارث القياصرة اللقب من بعده، وفي عام ( 23 ق. م ) أعلن الإمبراطور، ولم يكن طاغية في حكمه فإتجه إلي دعم قواعد الأخلاق وشجع الأدباء وعمل علي تنظيم إدارة العمل وبوجه عام إمتازت فترة حكمه بالرفاهية والسلام والسعي إلي توحيد الجنس البشري إلي اقصي درجة ممكنة في ذلك الوقت. وكثيراً ما تدخل في شئون فلسطين واليهود. وقد ولد السيد المسيح في فلسطين عام (4ق.م ،1 ميلادية بدء التاريخ الميلادي ) أثناء حكمه الذي إمتد إلي ما يقرب من 45 سنة حيث مات عام (14م).
طيباريوس Tiberius ( 14 م - 37 م )
طيباريوس Tiberius :
( 14 م - 37 م )
خلف أوغسطس علي العرش وكان إبناً له بالتبني وقدم خدمات جليلة للدولة في بداية حكمه ونظم مجلس شوري الإمبراطور، ولكنه كان حاد الطباع، وقد طرد اليهود من روما وقتاً ما. وقد بني الوالي هيرودس أنتيباس مدينة طبرية علي بحر الجليل إكراماً لإسمه. وبدأت خدمة المسيح في السنة الخامسة عشرة من حكمه ( لو 3 : 1 )، وكانت عملة الجزية التي قدمها اليهود للمسيح تحمل صورته والكتابة التي كانت عليها ترجمتها " طيباريوس قيصر إبن أوغسطس الإلهي " ( مت 22 : 20 ؛ مر 12 : 16 ؛ لو 20 : 24 ). وصلب المسيح في أيامه حيث كان بيلاطس البنطي والياً علي اليهودية وقد مال في آخر حياته إلي القسوة والديكتاتورية وقضي سنواته الأخيرة من حكمه في عزلة تامة وإبتهج الشعب الروماني لموته حيث عجل كاليجولا خليفته بإغتياله عام ( 37 م ) ورفض مجلس الشيوخ أن يغدق عليه ألقاباً مقدسة
جايوس ( كاليجولا ) Gaius ( 37 م - 41 م )
جايوس ( كاليجولا ) Gaius :
( 37 م - 41 م )
تربي جايوس بين معسكرات الجيش وأطلق عليه إسم مستعار هو كاليجولا Caligula ومن المؤكد تاريخياً أنه كان مضطرباً ذهنياً فكانت أعماله السياسية وكأنها صادرة من رجل مجنون، وكانت تتملكه فكرة أن العالم بأسره ملك له يفعل به ما يشاء، أما عن علاقته بفلسطين فكانت تتسم بالقسوة فقد أصر علي إقامة تمثال هائل له في أورشليم مدينة اليهود المقدسة، ذلك الإصرار الذي كان يجلب اليأس والحقد عند اليهود، وبوجه عام إنتقلت الإمبراطورية أثناء فترة حكمه إلي أسوأ مراحلها، وكانت راحة العالم منه عام ( 41 م ) حينما إغتاله الجنود.
كلوديوس Claudius ( 41 م - 54 م )
كلوديوس Claudius :
( 41 م - 54 م )
هو خليفة كاليجولا وبالرغم من أنه كان مصاباً بعاهات جسمية وتربي مهملاً من والديه، إلا أنه أقدر إمبراطور جاء في الفترة بين أوغسطس وفسباسيان، فإتجه إلي سياسة التوسع التي كان أوغسطس قد تخلي عنها في سنواته الأخيرة، ونجح في ضم موريتانيا Mauritania في أفريقيا وغزا بريطانيا وأعلن اليهودية Judea ولاية رومانية ( 49 م ). وكان يعطف علي اليهود في بداية حكمه، إلا أنه عاد فطردهم مع جماعة المسيحيين من روما ( أع 18 : 2، 3 ). وقد حدثت في فترة حكمه عدة مجاعات منها المجاعة العظيمة التي دامت ثلاث سنوات وتنبأ بها أغابوس ( أع 11 : 28 ). وقد وقع كلوديوس ضحية تآمر نساء القصر فقتلته الإمبراطورة أجريبينا عام ( 54 م ) لتضمن خلافة العرش لإبنها نيرون إذ كانت آمالها أن تتخذه أداة تحكم هي بها المملكة.
نيرون Nero ( 54 م - 68 م )
نيرون Nero
( 54 م - 68 م ) :
وصلت بعض الأسماء ولاسيما كاليجولا ونيرون إلي أوساط الجماهير علي أنها شياطين الفجور، وكان نيرون إبن كلوديوس بالتبني وقد بدأ حكمه بفترة من الحكم الصالح وذلك بتأثير معلمه الفيلسوف سينيكا Seneca، ولكن الشاب الصغير ( نيرون ) الذي صار سيداً للعالم وهو في سن السادسة عشرة سرعان ما إنقلب حكمه إلي كابوس مخيف حيث إنفرج الستار عن حالة من الفساد والفجور، فقد تملكته الرغبة في أن يبرع كمغني ولاعب قيثارة وسائق عربة حربية ودفعته هذه الميول للإندفاع إلي اللهو والفساد، فساد في مدة حكمه جو من الرعب بسبب كثرة المؤامرات والإغتيالات التي كانت من ضحاياها أمه ( أجريبينا ) التي ماتت وهي تلعن الجنين الذي حملته ( نيرون ) وأوكتافيا زوجته الأولي، كما أنه قتل معلمه سينيكا، أما أشهر جرائمه فكان حادث حريق روما الشهير سنة 64 م وما ترتب عليه من ماس، فقد شبت النيران في المقاعد الخشبية للسيرك العظيم وإندلعت النيران بشدة لمدة أسبوع وخربت عشرة أحياء من جملة أحياء المدينة الأربعة عشر إذ راوده خياله أن يعيد بناء روما. وبينما كانت النيران تتصاعد بعنف وصراخ الضحايا يرتفع إلي أجواء المدينة كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلي بمنظر الحريق وبيده آلة طرب يغني عليها أشعار هوميروس في وصف حريق طرواده ! وقد هلكت آلاف عديدة من البشر، وإتجهت أصابع الإتهام تشير إليه علي أنه هو المتسبب عمداً في إشعال الحريق بواسطة جواسيسه. وكان الشعب علي يقين من ذلك. وتزايدت كراهية الشعب نحوه، وأصبح الموقف يحتاج إلي كبش فداء. ولاشك أن المجتمع اليهودي في روما في ذلك الوقت كان يمكن أن يؤدي هذا الغرض لكنهم كانوا تحت حماية ( بوبياسبينا ) إحدي زوجات الإمبراطور، فألصقت التهمة بالمسيحيين وإتخذت الحادثة ذريعة لبداية إضطهاد دموي للكنيسة إستمر أربع سنوات تجرع فيها المسيحيون كل صنوف التعذيب الوحشية التي لم تنته إلا بموته. وكان من ضحاياه الرسولان بطرس وبولس اللذان إستشهدا سنة 67 م. وبصفة عامة سادت في عهده الفوضي والجريمة فأعلنه مجلس الشيوخ ( عدواً للشعب ) ولاقي حتفه منتحراً في عام 68 م مخلفاً وراءه حالة من الإفلاس والفوضي نتيجة بذخه الشديد وكثرة الحروب الأهلية في مدة حكمه. ونيرون هو القيصر الذي أشار إليه سفر الأعمال في ( أع 25 : 12 ؛ 26 : 32 ).