الحب: هو ذلك الرباط السحري الذي تتماسك به الأكوان… إنه روضة الحياة وأريجها الفوَّاح، وعطرها الذي تنتشي منه الأرواح، والحب كلمة واسعة المدلول.. ولكني أعني بها الحب بين الفتاة والفتى، بين الرجل والمرأة… والحب بهذا المعنى هو من العواطف الإنسانية التي لم يصادرها الإسلام، ولم يعمل على قمعها داخل النفوس لتولد الكبت، بل هو فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها.. وإلى هذه العاطفة السامية يشير رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “حُبب إليَّ من الدنيا النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة” رواه أحمد والنسائي. والحب يتجاوز الرغبة والشهوة للاتصال الجنسي؛ لأنه وسيلة النجاة من الوحدة، وللحب مثله العليا الخاصة به، ومعاييره الخلقية الكامنة فيه، فالحب والميل إلى الآخر عواطف ورغبات، وضعت في الفطرة البشرية دون إرادة للبشر فيها، ونجد هذا المعنى بارزاً في حديث النبي عن العدل بين نسائه، حيث يقول: “اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك” رواه أبو داود والترمذي.
فالذي يملكه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو العدل بين نسائه في النفقة والمبيت وسائر الحقوق المادية… والذي لا يملكه هو الميل القلبي.
والحب المثالي بين الرجل والمرأة (الراشدَيْن) عند العرب كان هو ذلك الحب المنزه عن احتياجات الجسد والمتسامي على دوافع الغريزة، فالمرء يُولد على الفطرة.. ثم تهديه تعاليم الدين والأخلاق والأعراف والتقاليد الاجتماعية.
ويقول محمد قطب: … عواطف الحب والإعجاب ليست حراماً في نظر الإسلام، وما يصاحبها من أعمال وأفكار وسلوك، إذا كانت تهدف إلى تحقيق هدف الحياة وارتباط نصفي الإنسانية في علاقة نظيفة مثمرة، فهي الحب الإيماني لشركاء العقيدة والمجتمع.
وللحب أسماء كثيرة، منها
الصِّبا: من الشوق: يقال تصَابا وصبا وأصل الكلمة في الميل والصبا في الصِّحَاح: رقة الشوق وحرارته.
الشغَف: يقال شغفه الحب أي أحرق قلبه.
الوجد: فهو الحب الذي يتبعه الحزن.
التـيم: هو التعبد ولا يصلح إلا لله: قال في الصحاح تَيْم الله: أي عبد الله، وأصله من قولهم: تيمه الحب أي عبده وذللـه.
العشق: هو من فرط الحب، وسمِّي العشق الذي يكون من الإنسان بسبب التصاقه بالقلب، وقال ابن الأعرابي: العَشَقةُ اللبلابة تخضَرّ وتصغر وتعلق بالذي يليها من الأشجار فاشتق من ذلك العاشق.
وقال قيس بن المُلَوَّح في وصف العشق:
العشق أعظـــــم ما بالمجانيــــنِ
قالــــت جُنِنت بمن تهوى فقلت لهـــا
وإنما يُصــــرع المجنونُ في الحيــنِ
العشـــــق لا يستفيق الدهرَ صاحبُه
وقيل: العشق أوله عناء، وأوسطه سقم، وآخره قتل.
المراهقون والحب
ومرحلة المراهقة التي يمر بها كل فتى وفتاة في مرحلة التهاب المشاعر وثورة العواطف… فترة الأحلام الوردية، والخيال المجنح، والنظرة الحالمة، وما إن تتفتح عيون الشباب وأسماعهم في هذه المرحلة على أغاني ومسلسلات وقصص الحب… حتى يظل الفتى شارد الفكر، مسلوب القلب، يريد أن يجرب… ويبدأ في تسجيل الأغاني وحفظها. ويشتري كتباً رخيصة، ومن هنا تبدأ حكايات الحب وتظهر أعراضها على المتيم من سهر، وأرق، وأحلام يقظة، وانصراف عن الاستذكار والتحصيل. وتبدأ الكلمات واللقاءات؛ ومن هنا قد يبدأ الانحراف، ولا يجني الفتى أو الفتاة من ورائه إلا تشتيت الذهن، وتبديد الطاقة والسهر والدموع والانصراف عن الدراسة وتحطيم المستقبل على صخرة العاطفة، إذا انقاد الفتى أو الفتاة لهذه العاطفة بدون وعي أو تفكير. ولقد أعجبني هذا الشاب الشاعر القوي العزيمة الذي لم يجعل لهذه الأفكار سلطاناً على قلبه وعقله، فتشغله عن الوصول إلى قمة المجد فيقول:
سلامٌ على مـــن تيمتني بظُرْفِهـــا
ولمعــة خديها ولمحــة طَرْفهــــا
سَـبَتنْي وأحْبَتْنِي فتــاة مليحــــة
تحيــرت الأوهــــام في كنه وصفها
فقلــت ذريني واعذرينـــي فإننـي
شُغفتُ بتحصيـــل العلـــوم وكشفها
وللعشق أنواع
يقسم ابن القيم الجوزية – رحمه الله – العشق ثلاثة أقسام، فيقول: وعشق قربة وطاعة؛ وهو عشق الرجل لامرأته… وهو عشق نافع وأدعى إلى المقاصد التي شرع الله لها النكاح، وأكف للبصر، والقلب عن التطلع إلى غير أهله.
– وعشق هو مقتٌ عند الله وبعد عن رحمته… وهو أضر شيء على العبد في دينه ودنياه وهو عشق المُرْدان (الذكور) فما ابتلى به إلا من سقط من عين الله، وطرده عن باب رحمته، وأبعد قلبه عنه، وهو من أعظم الحجب القاطعة عند الله، وكما يقول بعض السلف: “إذا سقط العبد من عين الله ابتلاه بمحبة المردان، وهذه المحبة التي جلبت على قوم لوط ما جلبت. وقال تعالى: “لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِيْ سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُوْنَ” سورة الحجر:72، ودواء هذا الداء الاستغاثة بمقلب القلوب، وصدق الملجأ إليه، والاشتغال بذكره، والتعوض بحبه وقربه، والتفكير بالألم الذي يعقبه هذا العشق، واللذة التي تفوت به وحصول أعظم مكروه له.
– والقسم الثالث من العشق: العشق المباح الذي لا يُملك كعشق من صدرت له امرأة جميلة أو رآها فأورثه ذلك عشقاً لها، ولم يحدث في ذلك العشق معصية، فهذا لا يملك ولا يُعاقب عليه، والأنفع له مدافعته والاشتغال بما هو أنفع له منه، والواجب على هذا أن يصبر ويعف ويطلب الرضا من الله سبحانه؛ فيحقق اللذة العقلية الروحانية، وهي كَلَذَّة المعرفة والاتصاف بصفات الكمال والجود والعفة، إنها لذة النفس الفاضلة الشريفة، فبهذه اللذة يحقق الإنسان إنسانيته، وليس باللذة الجسمانية التي يحققها بالجماع ومراضاة الجسد، وهذه اللذة ليست كمالاً؛ لأنه الإنسان أكمل المخلوقات، ولو أنها من الكمال لانفرد بها الإنسان، ولكنها لذة دنيوية يهذبها الإنسان ويُشَذِّبها؛ لتحقيق ما أمره الله منها، وليس لنشر الفاحشة والرذيلة.
هل لنا في العشق حيلة؟
اختلف الناس في العشق، هل هو اختياري أم اضطراري خارج عن مقدور البشر؟
قالت فرقة: هو اضطراري وليس باختيار، وقالوا: هو بمنزلة محبة الظمآن للماء البارد، والجائع للطعام، وهذا مما لا يُملك. وقال بعضهم: والله لو كان لي من الأمر من شيء ما عَذَّبت عاشقاً؛ لأن ذنوب العشّاق اضطر إليها، فإذا كان هذا قوله فيما تولد عن العشق من فعل اختياري، فما الظن بالعشق نفسه؟ قال أحدهم:
يلومــونني في حب ســـلمى كأنما
يَرَون الهــوى شيئاً تيممتُه عمــــدا
ألا إنما الحـب الذي صَدَع الحشــــا
قضـــاءٌ من الرحمن يبلــو به العبدا
وقالوا: العشق نوع من العذاب، والعاقل لا يختار عذاب نفسه.
– وقالت فرقة أخرى: بل هو اختياري تابع لهوى النفس وإرادتها، بل هو استحكام الهوى الذي مدح الله من نهى عنه النفس، قال تعالى: “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى” النازعات: 40-41.
وقالوا: لقد ذم الله تعالى أصحاب المحبة الفاسدة الذين يحبون من دونه أنداداً، ولو كانت المحبة اضطرارية لما ذُمُّوا على ذلك.
وعرفت الصحراء العربية بين رمالها أنواعاً من الحب ما زال ذكرها يصدح بين الناس إلى يومنا هذا، وما زال مجتمعنا يحمل بين طياته هذه الأنواع.
الحب العُذْري
وهو ذاك الحب المنزه عن احتياجات الجسد والمتسامي على دوافع الغريزة، قال ابن علاثة: دخلت على رجل من الأعراب خيمته وهو يئنّ، فقلت: ما شأنك؟ قال: عاشق، فقلت: ممن الرجل: قال من قوم إذا عشقوا ماتوا عِفَّة.
وقال عمر بن بكير: قال أعرابي: علقت امرأة كنت آتيها فأحدثها سنين، وما جرت بيننا ريبة قط إلا أنني رأيت بياض كفها في ليلة ظلماء، فوضعت يدي على يدها فقالت: مَهْ (بمعنى اكفف) لا تفسد ما بيني وبينك، فإنه ما نُكح حبٌ قط إلا فَسَد.
قال: فقمت وقد تصببت عرقاً وحياء، ولم أعد إلى شيء من ذلك.
ولم يزل الناس يفتخرون بالعفة قديماً وحديثاً، قال إبراهيم بن هَرمة:
ولــرُبَّ لــذةِ ليـــلة قــد نلتها
وحــرامها بحـــــلالها مدفــوع
وقال غيره:
إذا ما هَمَمْنــا صَـــدَّنا وازعُ التُّقَى
فَوَلَّــى علــى أعقــابه الهَمُّ خاسئا
وقال آخر:
منــه الحيــاء وخــوف اللهِ والحذر
كــم خــلوت بمــن أهوى فيمنعني
وإننا لنجد في تراثنا العربي شمم المرأة العربية، وأنفتها حين تقف قوية المراس أمام عواطفها .. فقد قيل لعتبة بعد موت عاشقها – ما كان يضرك لو أمتعته بوجهك؟
قالت: منعني من ذلك خوف العار، وشماتة الجار، ومخافة الجبّار، والله إن بقلبي أضعاف ما بقلبه – غير أنني أجد ستره أبقى للمودة وأحمد للعاقبة وأطوع للرب، وأخوف للذنب.
وقيل: نظر عاشق إلى معشوقته، فارتعدت فرائصه، وغُشِي عليه، فقيل لحكيم: ما الذي أصابه؟ فقال نظر إلى من يحب فانفرج قلبه. وتحرك الجسم بانفراج القلب. فقيل له: نحن نحب أهلنا وأولادنا ولا يصيبنا ذلك؛ فقال تلك محبة العقول. وهذه محبة الروح.
فهذا هو الحب العذري الذي لا تمسه شائبة، ولقد عرف التاريخ عدداً كثيراً من هؤلاء العشاق مثل كُثَيِّر عزة، حتى قيل: إن امرأة لقيته فقالت: كيف توزن بالقوم وأنت لا تُعرف إلاّ بعزّة؟ قال: والله لئن قلت ذلك فقد رفع الله بها قدري وزَيَّن بها شعري، وإنها كما قلت:
وقد أُوقدت بالندل الرطب نـــــارُها
بأطيـب من أرد أن عــزة موهنـــا
وإن غِبت عنها لم يَعُمَّك عــــــارها
فإن بــرزت كانــت لعينــيك قُـرّةً
أما جميل بثينة فقال في محبوبته:
ويحيــــا إذا فارقتها فيعـــــود
يموت الهــــــوى مني إذا ما لقيتها
وقال الزبير بن بكار عن عباس بن سهل الساعدي قال: بينما أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي فقال: هل لكم في جميل نعوده؟ فدخلنا عليه وهو يجود بنفسه، وما يخيل إليّ إلا أن الموت يكرثه (يشتد عليه). فنظر إلي ثم قال: يا ابن سهل، ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط، ولم يَزْنِ، ولم يقتل نفساً؟ ويشهد أن لا إله إلا الله فقلت: أظنه قد نجا، وأرجو له الجنة، فمن هذا الرجل؟ قال: أنا قلت والله ما أحسبك سلمت وأنت تَشَبَّب (تتغزل) منذ عشرين سنة في بثينة قال: لا نالتني شفاعة محمد (صلى الله عليه وسلم) إن كنت وضعت يدي عليها لريبة. فما برحنا حتى مات.
وها هو أيضاً قيس بن المُلَوَّح (مجنون ليلى) يعاقب قلبه الذي يأبى نسيان ليلى فيقول:
ألســت وعدتنــي يـــا قلبُ أنّـي
إذا مـــا تُبتُ عن ليلى تتــــوبُ؟
فهـا أنا تـائبٌ عن حُــبِّ ليلــــى
فمـــا لك كلمـــا ذُكرت تــذوبُ
وقيل لبعضهم وقد هوى إحداهن، فطال عشقه بها: ما أنت صانعٌ لو ظفرت بها ولا يراكما إلا الله؟ قال: والله لا أجعلنه أهون الناظرين إليّ، حنينٌ طويلٌ، ولحظٌ من بعيد، وأترك ما يسخط الرب، ويفسد الحب.
والحقيقة أن لهذه العفة في الحب أسبابًا كثيرة، منها الحياء وكرم الطبع وشرف النفس وعلو الهمة، أو ما تعقبه من اللذة المحرمة من المضار والمفاسد والفجور أو خوف العار، ولكن أقوى الأسباب على الإطلاق وأعلاها شأناً إجلال ومحبة الجبّار سبحانه وتعالى.
فالإنسان القوي عندما يقاوم شهوته، ويتحدى ضعفه، يرتفع ويسمو، ويحلق في أجواء الفضيلة، ويحقق إنسانيته؛ لذلك فإنه يشعر في أعماقه بلذة عظيمة، لذة الانتصار على النفس، لذة الانتصار على الضعف، لذة النجاح في قهر النشوة التي تستعبد الآخرين؛ فيَخِرُّون تحت وطأتها صرعى نتيجة ضعفهم ووهن عزيمتهم، وهذه اللذة التي يعبر عنها الحديث القدسي لذة الإيمان.
الحب الصريح
العاطفة هنا صريحة جدًّا، لا كبت فيها أو كبح على الإطلاق. فباسم الحب يتخلى الإنسان عن مبادئه، ويعبث بالقيم والتقاليد، ويعتقدون بذلك أن هذه هي الحرية والسعادة واللذة، وهذا النوع من الحب مرفوض شرعًا، ولا يُقِرُّ بأي حال من الأحوال؛ لأنه يؤدي إلى الفاحشة والفجور؛ فالحياة ليست جنساً خالصاً، ولا هي محصورة في هدف واحد، وهذه الفتاة الحارسة على عرضها، لا تملك التصرف فيه؛ لأنه ليس عرضها وحدها بل عرض والديها، وأسرتها ومجتمعها، إنه عرض الأمانة التي ائتمن الله عليها البشر، وينبغي أن يردوا له الأمانة نظيفة كما تلقوها. ولقد رأت طائفة أن الجماع يفسد العشق ويبطله ويضعفه واحتجت بأمور كثيرة منها: أن الجماع هو الغاية التي تطلب بالعشق، فما دام العاشق طالباً فعشقه ثابت، فإذا وصل الغاية وقضى وطره وبَردت حرارة قلبه، طفئت نار عشقه، قالوا: وهذا شأن كل طالب لشيء إذا ظفر به، كالظمآن إذا روي، فسبب العشق فكري، وكلما قوي الفكر زاد العشق وبعد الوصول لا يبقى الفكر؛ فالنفس مولعة بحب ما منعت منه، كما قال أحدهم:
أحبُّ شــيء إلى الإنســان ما مُنِــعَا
زادنـي كلفـاً فـي الحـب أن مُنِــعَتْ
ولقد خلق الله الإنسان وركب فيه الغرائز والعواطف، والإسلام ليس ديناً مجنحاً في آفاق عالم الخيال، ولكنه الدين القيم، لم يكن ليترك هذه الغريزة تشبع كما الدواب، فالله كرَّم الإنسان، وخلقه ونفخ فيه الروح، وأعطى لجانب الجسد المجال الذي يتحقق إشباعه فيه، وأعطى لجانب الروح المجال الذي تحقق انطلاقها فيه، وأي خلل في هذا التوازن يفسد صنع الله، ومن الغرائز التي وصفها الله في البشر الجنس، وقد جعلها الله هكذا لأهداف سامية وحقائق عالية، تستهدف عمارة الكون، وعبادة الخالق؛ لذا يجب أن تُهَذَّب هذه الغريزة لا أن تترك على الغارب، وهذا الطوفان الرهيب من صور ومجلات وكتب وقصص الجنس التي باتت تغمر الأسواق، وبتنا نجد شبابنا يتهافتون عليها تهافت الفراش على النار، يحسبها سبيلاً إلى النجاة، فيكون سبيله إلى الهلاك، ما هو إلا انحطاط ومذلة واستعباد الشهوات للإنسان باسم الحب تارة والحرية تارة أخرى، ولعل ما نلمسه ونجده في الحضارة الغربية المادية وفشلها فشلاً ذريعاً في تحقيق الأمن النفسي وملء الفراغ الروحي عند شبابها خير مثال على ذلك، وتحت عنوان طبيب العائلة تحذر مجلة أمريكية من أن الصحافة والتليفزيون حوَّلا اليوم الجنس إلى تجارة استغلالية وصلت إلى القمة… وتقول: مع أننا لسنا بحاجة إلى التذكير أيضاً بأمراض الجنس كالزهري والإيدز… وما إلى ذلك من تخريب للنسل.
وفي لوس أنجلوس كشف معهد أبحاث أمريكي عن فضائح أخلاقية مفزعة، وهي عشرات الآلاف من فتيات كاليفورنيا وحدها قد أنجبن أطفالاً غير شرعيين – بالإضافة إلى حالات الإجهاض العديدة…
فالجنس نقطة ضعف يُمكن للشيطان أن يتسلل من خلالها؛ ليخرب الكون ويقلب نظام الحياة رأساً على عقب، ويعطل رسالة الإنسان في الحياة، وهذا ما يثير الفاحشة، وحتى يتبين لنا معنى الفاحشة التي نقصدها فخير ما نرجع إليه في هذا الأمر هو القرآن الكريم، فقد ذكرت كلمة الفاحشة ثلاث عشرة مرة، كما ذكرت كلمة “الفواحش” أربع مرات، ومعنى “الفحشاء” هو كل ما استفحش ذكره وقبح سمعه. والفواحش جمع الفاحشة والفاحش، وذكر الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى: “وَالَّذِيْنَ إِذَا فَعَلُوْا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوْا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوْا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوْا لِذُنُوْبِهِم وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوْبَ إِلاَّ اللهُ…” سورة آل عمران: 135. قال: ومعنى الفاحشة الفعلة القبيحة الخارجة عمَّا أذن الله عز وجل فيه، وأصل الفحش القبح والخروج عن الحد والمقدار في كل شيء، وقيل الفاحشة في هذا الموضع مُعْنًى بها الزنا، ويقول الإمام القرطبي في تفسيره “الفاحشة”: تطلق على كل معصية وقد كثر اختصاصها بالزنا.
* خطورة انتشار هذه الظاهرة: لا شك أن انتشار الفاحشة في كل المجتمعات رهين بأن يحطم ذلك المجتمع بكل ركائزه وأصوله، ونعلم من التاريخ أن ما من حضارة قامت ثم تحطمت إلا وكان انتشار الفاحشة سبباً رئيسيًّا في زوالها، والأمم الشريفة لم تَزُلْ إلا عندما انتشرت الفاحشة والإباحية فيها بكل أنواعها؛ لذا نجد الإسلام قد وضع ضوابط وقنن القوانين، وعبَّد الطريق لهذه الغريزة؛ حتى تأخذ الطريق القويم لإشباعها.