الصلاة الربانية لقداسة البابا شنودة الثالث ] 31- اغفر لنا [
طلبة المغفرة ينبغي أن يقولها المصلي من كل قلبه.
لأنه في وقت السقوط، أو في ساعات التوبة، قد يصلي الإنسان من قلبه طالبًا مغفرة خطاياه. أما في أوقات العزاء الروحي والنعمة وفي أوقات الخدمة الناجحة والعمل لأجل الملكوت.. ربما في هذه كلها، لا يشعر المصلي بخطاياه ولا يذكرها، لأنه لا يتذكرها، البر الحالي الذي يعيش فيه، ينسيه الأخطاء التي وقع فيها..! ولذلك فلكي لا يقع في البر الذاتي، ويظن في نفسه أنه شيء وضع له الرب أن يصلي هذه الصلاة أنه خاطئ..
لذلك أجلس وحاسب نفسك..
تذكر خطاياك حتى تطلب من أجلها توبة. واذكر ان بولس الرسول قال " أنا الذي لست مستحقًا أن ادعي رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله " مع أن ذلك كان في الماضي، فعله لما كان شاول الطرسوسي.. ومع ذلك كانت خطيته أمامه في كل حين، تجلب له الاستحقاق والشعور بعدم الاستحقاق، فيقول كنت من قبل " مفتريًا".. ولم ينسها. وداود النبي أيضًا بكي علي خطاياه حتى بلل فراشه بدموعه، كل ذلك بعد أن أخذ وعدًا بالمغفرة، لأنه قبل ذلك ما كان يدري تمامًا ما هو فيه إلي أن نبهه ناثان.. وما أجمل قول القديس الأنبا انطونيوس في تذكر الخطايا:
إن ذكرنا خطايانا ينساها لنا الله. وإن نسينا خطايانا يذكرها لنا الله..
---------------------------------------------------------------------------
فما أعمق ذلك الإنسان الروحي، الذي مهما نال من مغفرة وخلاص، لا ينسي مطلقًا أنه خاطئ، ليس فقط بالنسبة إلي القديم، وإنما بالنسبة إلي الحاضر أيضًا. لأنه بهذا الأمر قد تبرر العشار دون الفريسي. الفريسي لم يقل مطلقًا في صلاته " اغفر لنا". بل قال ذلك العشار في طلبته المنسحقة. وقد ضرب الرب لنا هذا المثل حتى يكون لنا أنموذجًا في حياتنا الروحية.
بل مبارك من يشعر أنه أكثر خطية من غيره.
يري دائمًا الخشبة التي في عينه، قبل أن يتأمل القذي الذي في عين أخيه.. لذلك فإن الذي يصلي قائلًا "أغفر لنا "، لا يمكن أن يقع في إدانه غيره، أن كان يطلب هذه الطلبة من عمق قلبه.. إنه لا يدين غيره، إنما يطلب لغيره المغفرة كما يطلبها لنفسه. وبنفس الوضع لا يطلب النقمة لمن أساء إليه، بل المغفرة.. الإنسان الروحي يشعر أنه أكثر خطية من غيرة. علي الأقل لأن الذي يعرف أكثر يطالب بأكثر.. ربما غيره أخطأ عن جهل، أما هو فعن معرفه. ربما غيره أخطأ عن ضعف، أما هو فبلا عذر.
--------------------------------------------------------------------------
نلاحظ هنا أن المصلي لا يبرر دائما إنما يطلب المغفرة.
إن أمنا حواء لم تقل " اغفر لنا "، ولا قال أبونا آدم هذه الطلبة، بل حاول كل منهما أن يلتمس عذرًا لنفسه، أو يلقي بالمسئولية علي غيره أنما المصلي هنا لا يبرر ذاته. إنه يعترف تماما أنه مخطئ وأن ما يلزمه ليس العذار، وإنما المغفرة. لذلك فهو يطلبها دون أن يبرز ذاته، أو ينفي المسئولية عن نفسه..
--------------------------------------------------------------------------
ونحن نطلب المغفرة عن كل الخطايا، سواء التي أخطأنا بها غلي الله، أو إلي أخوتنا من البشر.
فالخطية موجهة أصلًا إلي الله.
والمرتل يقول في المزمور الخمسين " لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت " إن كل خطية هي عصيان لله، وعدم محبة له، وكسر لوصيته حتى التي طالبنا فيها بمحبة القريب. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فحينما نخطئ إلي البشر نكون قد أخطأنا إلي الله أيضًا. ولذلك فنحن نطلب منه المغفرة وليس منهم فقط. ونحن نطلب منه المغفرة وليس منهم فقط. ونحن بهذه الطلبة تتذكر صفه في الله وهي أنه غفور.
لولا أن الله غفور ما كنا نطلب منه المغفرة..
إننا نذكر وعوده التي قال فيها " من يقبل إلي لا أخرجه خارجًا " ونتذكر وعوده التي قال فيها "من يقبل إلي لا أخرجه خارجًا". ونتذكر وعوده في سفر أشعياء حينما قال "هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج.." (أش 1: 18). بل نحن واقفون أننا حينما نطلب المغفرة سنبيض أكثر من الثلج" (مز 50) ونذكر قول دواد النبي عن الرب: "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا. بل مثل ارتفاع السموات عن الأرض، قويت رحمته علي خائفيه. كعبد المشرق عن المغرب أبعد معاصينا. لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن" (مز 103).
ولكن كيف يغفر الرب؟ هنا توجد شروط:
منها شرط التوبة وشرط المصالحة والمغفرة للمسيئين.