18 أيار مريم أم الكنيسة ((مريم الكلية القداسة هي أم
الكنيسة)) وأؤمن بأن مريم هي أمّ الكنيسة . يقول بولس السادس في خطبة
اختتام الدورة الثالثة للمجمع الفاتيكاني الثاني: "تحتلّ مريم في الكنيسة،
وبعد المسيح، المقام الأسمى معاً والأقرب إلينا"... "وإنّنا لمجدها
ولانتعاشنا، نُعلن أنّ مريم الكلّيّة القداسة هي أمّ الكنيسة، أي أمّ شعب
الله بأكمله، المؤمنين منهم والرعاة، أولئك الذين يدعونها بالأمّ الودود.
وإنّنا نريد، منذ الآن وصاعداً، أن يكرّمها الشعب المسيحيّ، ويبتهل إليها
بهذا اللقب." كما ويقول يوحنا بولس الثاني: "نعلم أن المجمع الفاتيكاني
الثاني قد حقّق تأليفاً رائعاً بين اللاهوت المريميّ واللاهوت الكنائسيّ...
ولقد أعطى تفسيراً نيّراً لحضور مريم في التدبير الخلاصيّ، من حيث إنّه
أداةٌ وقناةٌ مميَّزتان لتجسُّد الكلمة وحلوله في ما بيننا... "مريم متّحدة
بالمسيح. مريم متّحدة بالكنيسة... إنّها نموذج الكنيسة، بسبب أمومتها
الإلهيّة. وللكنيسة أن تكون، مثل مريم، أُمّاً وبتولاً (أُمّاً، لأنّها
بالكرازة والعماد تلد إلى الحياة الجديدة غير الفانية أبناء مولودين من
الله، بفعل الروح القدس... وبتولاً، لأنّها تحفظ إيمانها بعريسها، غير
منقوصٍ ولا مَشوب. فحياة الكنيسة في أن تحقّق هذا "الوجه المريميّ"، هذا
"البعد المريمي"... "هذا الوجه المريميّ هو للكنيسة، من حيث التأصُّل
والميزة، ما هو لها- إن لم يكن أكثر- وجهُها الرسوليّ والبُطرُسيّ، مع حفظ
الارتباط بينهما... "من هذا القبيل، فإنّ البعد المريمي للكنيسة يسبِق
بُعدها البطرسيّ. فالبريئة مريم تسبِق الجميع حتى بطرس نفسه والرسل..، إذ
إنّ مهمّة هؤلاء ليست إلاّ أن يربّوا الكنيسة في القداسة التي كُوَّنَتْ
سابقاً في مريم ورُمِزَ إليها بها. ولقد صدق اللاهوتيّ المعاصر "فون
بَلْتَسار لمّا قال إنّ مريم هي "سلطانة الرسل، ولو دون سلطةٍ رسوليّة. فهي
شيء آخر، وأكثر"... إنّ حضور مريم في العلّيّة- حيث هي إلى جانب بطرس
وسائر الرسل، مُصَلِّيَةً معهم ولهم، بانتظار الروح القدس- هو، من هذا
القبيل، بليغ جدّاً... فليتَ التمسُّك بمريم وبمَثَلِها يمنحنا المزيدَ من
الحب والحنان والانصياع لصوت الروح القدس! إذن لكان يغتني، من الداخل،
تفاني كلٍّ منّا في الخدمة "البُطرُسيّة" في أفسُس، سنة 431، أُعلِنتْ مريم
أُمّاً لله كعقيدةٍ مُلزمة. في روما، سنة 1964، أُعلنتْ مريم أُمّاً
للكنيسة، ولكن لا كعقيدةٍ مُلزمة. هل من علاقة بين هذين الإعلانين اللذين
يفصل الواحد عن الآخر خمسةَ عشر جيلاً؟ في أفسُس، لمّا انتصب كيريلُّس
الإسكندريّ في وجه نسطور الرافض لمريم لَقبَ "أمّ الله" (طيوتوكوس) وغير
المحتفظ لها إلاّ بلقب "أمّ المسيح" (كريستوتوكوس)، جعل الكنيسة كلَّها
تُدرك أنّ من يرفض لمريم لقب "أمّ الله"، إنّما يرفض وحدة الناسوت واللاهوت
في أُقنوم الكلمة الواحد، فيرفض بذات الفعل أن يكون ابنها يسوعُ إلهاً
لأنّها لم تعد إلاّ أمّ يسوع الإنسان وليست أمّ يسوع الإله... ولمّا أعلن
مجمع أفسُس أنّ مريم هي أمّ الله، أعلن الإيمان بالوحدة القائمة بين
الإنسان والله في أقنوم المسيح الإلهيّ الواحد. في روما، جعل بولس السادس
الكنيسة تُدرك أنّ من يرفض لمريم، أُمّ المسيح، لقب "أمّ الكنيسة"، إنّما
بَفسَخ الوحدة القائمة بين المسيح والكنيسة، بين الرأس والجسد، إذ إنّه
يجعل، من جهة، يسوع المسيح الرأس الذي أُمّه هي مريم، ومن جهة أخرى، كنيسة
المسيح الجسد الذي لا أُمّ له، تماماً كما أنّه، في أفسُس، كان رفض أُمومة
مريم الإلهيّة يجعل المسيح الإنسان من جهة، والمسيح الإله من جهة أُخرى...
وكما أنّ كيريلُّس الإسكندريّ، في مجمع أفسُس، جعل الكنيسة تُدرك أنّ لقب
"أمّ الله" أمرٌ أساسيّ للإيمان المسيحيّ بوحدة المسيح الأُقنوميّة من حيث
اللاهوت والناسوت، كذلك في الجمع الفاتيكاني الثاني، جعل بولس السادس
الكنيسة تُدرك أنّ لقب "أمّ الكنيسة" أمرٌ أساسيّ للإيمان المسيحيّ بوحدة
المسيح والكنيسة، وحدةٍ هي "حجر الزاوية لفهم سرّ المسيح والكنيسة فهماً
صحيحاً." فلمّا أعلن بولس السادس مريم أُمّاً للكنيسة، ختمَ وحدة الكنيسة
التي هي، حسب تعبير الأُسقف بوسّوِيه، "المسيح المُفاض والمبلَّغ". لمجده
تعالى