البابا شنودة الثالث
مثال ذلك أم فقدت وحيدها, فهي تبكي وتقرع صدرها أحياناً, وتصرخ, متذكرة علاقاتها بهذا الابن منذ أن كان طفلًا وإلي أن مات, هي حزينة لا تستطيع أن تتحكم في صراخها أو في دموعها.
مثال آخر, فتاة فقدت خطيبها, وقد ذهبت إلي المستشفي وتراه ميتًا, فأمسكت يده بيدها وهو ميت وترفض أن تترك يده, وهي تبكي بدموع غزيرة, شاعرة أنها قد فقدت الحب, وأنها فقدت القلب الذي كان يسعدها, وفقدت المستقبل السعيد الذي كانت تحلم به مع هذا الخطيب, إنها لا تستطيع أن تتحكم في مشاعرها, لأن موت خطيبها كان أكبر بكثير من تحملها.
مثال ثالث هو أسرة فقدت عائلها, وأصبحت تشعر بالضياع, وتري نفسها أمام مستقبل غامض لا تعرف كيف تتصرف فيه, فهي ما عادت تقدر أن تتحكم في بكائها أو حزنها أو الأفكار الصعبة التي تجول في خاطرها.
كل هذه الحالات قد حدثت فعلا أمامي, ورأينا كيف أن أصحابها لم يستطيعوا التحكم في مشاعرهم.
† أيضا في حالات الغضب الشديد, والثورة الداخلية الجامحة, إما بسبب أحداث وقعت عليهم, وأضاعت حقوقهم أو كرامتهم, هؤلاء قد لا يستطيعون أن يتحكموا في أعصابهم الملتهبة, ولا أن يتحكموا في تصرفاتهم وأقوالهم, وقد يصيحون ويثورون, وربما في ثورتهم يتلفظون بكلمات لا تليق, هذه الكلمات قد تثير غيرهم, وهنا توجد عدوي الإثارة, من الغضب الثائر, ومن الذي أثاره هذا الغضب, كل أولئك لا يستطيعون التحكم في مشاعرهم.
† أيضا في حالات الذين فقدوا الحرية, مثال ذلك بعض الذين تم إلقاؤهم في السجون, أيًا كانت أسباب ذلك, هم أيضًا قد لا يتحكمون في حالاتهم النفسية أو العصبية, والبعض منهم قد يعصف بهم الحزن علي ما وصل إليه, والبعض قد لا يستطيع أن يمنع البكاء أو الصراخ, أو أن يصبح صارخا من ظلم قد لحق به, ويقول أنا برئ! والبعض قد يدركه اليأس, وتفكير الوسواس, ولا يستطيع أن يتحكم في شيء من هذا, فهو يتساءل فيما بينه وبين نفسه, ما هو مستقبلي؟ وما مصيري؟ وماذا ينتظرني من أحكام؟ فلينتظرني حبس مشدد؟ أم سجن مدي الحياة؟ أو إعدام..؟ وماذا أيضا عن أسرتي وأقربائي وأحبائي الذين حرمت منهم؟ وهل هم أيضا سيتعرضون للمساءلة أو القضاء؟ هذا السجين قد لا يستطيع أن يتحكم في مشاعره أو في أفكاره.. وقد يفكر أحيانا بصوت عال ويسمعونه!
† نوع آخر تشغله فكرة تستولي علي عقله وعلي تفكيره وربما يكون أسيرًا لهذا وفي حماسه لتلك الفكرة, لا يستطيع أن يمنع عقله من التفكير في شيء آخر, هذا أيضا لا يتحكم في عقله.
† هناك أيضا حالة شخص قد يصاب بكارثة, وفيها يضيع كل ماله ومدخراته... ربما لأنه وقع في حالة نصب, أو أن شريكًا له كان يثق به, ولكن هذا الشريك خانه واستولي علي ماله وهرب إلي حيث لا يدري, وهكذا يشعر مثل هذا الشخص أن حياته قد تحولت إلي الضياع, وفي هذا الضياع قد لا يستطيع أن يتحكم في أعصابه, ولا في عقله, وقد يضطر إلي الاستدانة, وللأسف قد يكتب علي نفسه إيصالات أمانة, أو شيكات دون رصيد, وقد يقع في قروض لها فوائد خيالية وهو مضطر إلي ذلك, ثم تتكاثر عليه الديون, ويحاول أن يستغيث فلا يغيثه احد لفداحة الديون التي وقع فيها, وهنا لا يستطيع أن يتحكم في أعصابه وفي كلامه, وقد يشتم الكل! بل قد يصل به الأمر إلي أن يجدف علي الله نفسه, يقول للرب أين أنت؟! لماذا تتركني في هذا الضياع؟! إنه يخطئ في قلبه وفي فكره وبلسانه, دون أن يستطيع أن يتحكم في كل ذلك.
† وهنا كمثال اذكر ما حدث من الماركسيين الذين رأوا فارقا كبيرا بين حالات الفقر الشديدة عند البعض وحالات الترف الواسع عند البعض الآخر, فصاروا لا يمكنهم التحكم في أفكارهم.
فادعوا أن الله يعيش في برج عال لا علاقة له بالبشر ولا بمشاكلهم!! ثم تدرجوا إلي إنكار وجود الله ودخلوا في جو من الإلحاد في العالم الشيوعي, وصاروا يرغمون الناس علي الإلحاد أيضا وأصبح الذي يقدم علي احدي الوظائف, لابد أن يجتاز اختبارًا.. يسألونه ماذا تعرف عن الله؟ لابد أن يجيب لا يوجد إله, ثم مار أيك في الدين, فيجيب انه أفيون الشعوب إلا إنه يخدر الناس, فينسون متاعبهم من اجل التفكير في حياة أخري في السماء
يم يسألونه أيضا مار أيك في رجال الدين؟ فلابد أن يجيب إنهم كاذبون, وبهذا ينال الوظيفة واستمر هذا الأمر للأسف الشديد سبعين سنة إلي أن تدخل الله وانهي ذلك كله.
† ومن الذين لا يتحكمون في أنفسهم, أولئك الذين نالوا حرية لا يستحقونها, فتحولت الحرية عندهم إلي لون من التسيب, ووصف كثير منهم بعبارة البلطجة. هؤلاء ما عادوا يتحكمون في تصرفاتهم, التي قد تصل إلي الخطف, أو إلي القتل, أو الإيذاء, أو نهب الآخرين, وهم في كل ذلك يرون ما يفعلونه كلون من العظمة أو القوة, ولا يستطيعون التحكم في أخطائهم لأنها صارت طبعا من طباعهم!!
الوضع السليم أن الإنسان يتحكم في الضغوط الخارجية, ولا يدعها تتحكم هي فيه.