- اقتباس :
- [رابعاً] ملخص مفهوم الخطية في العهد القديم :
باختصار نستطيع أن نفهم المعنى الشامل للخطية ونستوعب خطورتها وشناعتها، عموماً في العهد القديم تأتي الخطية بعدة معاني هامة كما رأينا سابقاً وهي: ضلال، يضل [ كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه ] (إشعياء 53: 6)، إخفاق، يخسر نفسه، يُذنب، يتعدى الحدود، يغلط (عن جهل أو عن قصد )، وعموماً توصف الخطية بوجه عام كتحول عن الله وانتهاك العهد، والنتيجة الطبيعية للخطية هو الهروب من محضر الله كما فعل آدم وحواء حينما أخفوا أنفسهم لكي لا يراهم الله [ تك3: 9 ]، ونفس ذات الهروب يحدث لكل خاطي اليوم في هروبة من الصلاة والإنجيل...
وبسبب الخطية تغرب الإنسان عن الله الذي هو الحياة واختطف لنفسه قضية الموت، لأن أجرة الخطية هي موت، فالموت ملازم حتمي للخطية وأثاره تظهر في كآبة الإنسان وحزنه بعد ارتكاب الخطية التي تُسيطر عليه وتقيده وتفسد طبيعته: [ الشرير تأخذه آثامه وبحبال خطيتة يُمسك ] (أمثال 5: 22)، والخطية تجعل الإنسان يدخل في حالة تيه وتغرب عن الله وعن نفسه، مثلما تاه شعب إسرائيل في البرية بسبب التمرد وعدم طاعة وصية الله وتخطيها [ لماذا لا تطيعون وصية الرب ] (عدد14: 41)، وقد صارت الخطية خطيرة للغاية لأنها تفصل بين الخطاة وبين الله [ بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع ] (إشعياء 59: 2)، فالخطية باختصار هي عصيان وتمرد وكسر عهد، وإعلان خصومة... عموماً نجد ونلاحظ في العهد القديم أنه بالرغم من أنه ركز بشدة على مشكلة الخطية وفظاعتها وإظهار عواقبها الوخيمة وعلى الأخص أنها تجلب الموت لفاعلها، ولكنه يضع روح الرجاء الحي بالتوبة وتقديم ذبيحة للتكفير عن الخطية والتي تظهر وعد الله بالخلاص عن طريق الذبيحة الكاملة التي بابنه الوحيد الجنس الواحد معه في الجوهر، لأن منذ أول يوم ارتكب فيه الإنسان المعصية ودخل في شرك الموت التي نصبه له إبليس بالخطية نجد أن الله يعطي الوعد [ نسل المرأة يسحق رأس الحية ]، كما سوف نرى كيف قدم المسيح الرب نفسه ذبيحة خطية عن حياة العالم ...
- اقتباس :
- [خامساً] الخطية في العهد الجديد :
يستخدم العهد الجديد
(1) الاستخدام السائد [ άμαρτάνω – hamartano ]، وتصريف أفعالها في الترجمة السبعينية للعهد القديم كتعبير شامل عن كل شيء يُعارض الله، ويجد المفهوم الإنجيلي عن الخطية أشمل تعبيراته عند القديس بولس والقديس يوحنا، فقد وردت كلمة [ άμαρτία – hamartia ] حوالي 173 مرة، وكلمة [ άμαρτάνω – hamartano ] حوالي 42 مرة، وترد كلمة [ άμαρτημα – hamartema ] أربعة مرات فقط ويُشير إلى ارتكاب الفرد للخطية: [ اهربوا من الزنا كل خطية άμαρτημα يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد لكن الذي يزني يخطئ إلى جسده ] (1كورنثوس6: 18)، ويستخدم اللفظة أيضاً في سياق الغفران: أقول لكم أن جميع [color=red]الخطايا άμαρτηματα تغفر لبني البشر والتجاديف التي يجدفونها ] (مرقس 3: 28)، قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل [color=red]الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله ] (رومية3: 25)، أو تظهر كصفة توضح أنه لا يوجد من ليس له خطية لهم [color=red]من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر ] (يوحنا8: 7)، عموماً نجد في العهد الجديد أن لفظة [ άμαρτωλός، - hamartolos ] خاطئ، هي الصفة المعتاد استخدامها ... ومن الملاحظ أن هناك مزج ما بين لفظتين في العهد الجديد [ الجيل الفاسق والخاطئ ]، [ لأن من استحى بي و بكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فان ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين ] (مرقس8: 38)، وهذا يوضح أن الخطية هي رفض المسيح الرب ووصاياه وعدم الحياة بها والشهادة الحسنة بالتقوى لله الحي، لذلك فالخطية تفصل الإنسان فصلاً تاماً عن الله ويتم رفضه في اليوم الأخير، لذلك فأن التوبة أمر حتمي وضروري لينال الإنسان الغفران ويأخذ قوة الله وينال النعمة...
ونجد أن الرب يسوع تخطى المفهوم اليهودي للخطية ويوضح أبعادها ومشكلتها الحقيقية، لأنه أوضح أن الممارسات الشكلية ليس لها اعتباراً عند الله، بل الاعتبار عنده هو أن يحيا الإنسان بالوصية ما عدا ذلك فهو خطية واضحة [ ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط اذهبوا عني يا فاعلي الإثم ] (مت7: 21 – 23)، فواضح هنا أن التركيز على أن الخطية هي عدم عمل إرادة الله وهي الحياة بحسب وصاياه المُحيية وهي تُسمى حسب الكتاب المقدس : الطاعة
وسوف نوضح المفهوم الشامل في العهد الجديد بعد أن نشرح ذبيحة الخطية والتي يقصد بها إعادة الصلة بالله بعد أن عُرضت للخطر بسبب الخطايا الغير متعمدة أو بسبب حالة نجاسة كما سوف نرى بالتفصيل ...
- اقتباس :
- [سادساً] خلاصة مفهوم الخطية من العهدين :
عموماً وباختصار شديد: الخطية هي أي موقف من مواقف عدم المبالاة (اللا مبالاة) أو عدم الإيمان والثقة في محبة الله، أو العصيان لإرادة الله المعلنة في الضمير أو الناموس أو في الإنجيل، سواء ظهر هذا الموقف في الفكر أو في القول أو في الفعل أو في الاتجاه، أو السلوك أو النية ...
والخطية هي في الأساس قطع الصلة بالله ورفض مقاصد محبته من نحو خليقته، كما هي أيضاً علاقة خاطئة مع الآخرين أي ضد المحبة، وهي مقاومة الناموس الإلهي الذي أعطاه الله لخليقته، وانحراف لقوى الإنسان الشخصية مما يؤدي إلى الموت الروحي والأدبي ...
وتعتبر الخطية قناعة طائشة بمستوى أخلاقي هابط من الانغماس في اللذات المنطوي في أعماقه على تأليه الذات دون اعتبار لله أو لأخيه الإنسان ...