دمــوع في البستان
حديث الطريق
فرغ المسيح من العشاء المُقدّس، وبعد أن سبّح مع تلاميذه، وخفقت قلوبهم كالعصافير، غادر عليّة صهيون (مت26:30)، وها هو يعبر معهم وادى قدرون (يو1:18) الذي عبره من قبل داود الملك وهو يسير حافي القدمين، مُغطّى بمسوح ووجه منكساً، هارباً من بطش ابنه أبشالوم بسبب خطيته، التي أهان وجرح بها نفسه وأغضب الله (2صم30:15).
ويسير مُخلّصنا فى سكون الليل وظلامه، وأخيلة الأشجار تتحرك أمامه، كأنّها أشباح انبثقت من شقوق الأرض لتُخيفه، وأشعه القمر الضعيفة ترتعش بين الغصون، كما لو كانت سهام شيطانية تتجه نحو صدره لتُميته! يُرافقه تلاميذه وهم فى تأثر عميق لِما جرى فى العُليّة، وإعلانه المؤلم عن مُسلّمه.
وفي أثناء السير قال لهم: " كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ : أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ " (مت31:26)، فمنذ فترة وجيزة كشف لهم عن خيانة تلميذه يهوذا الإسخريوطيّ، ولكن يجب ألاَّ يطمئن الباقون، فإن كان لا يوجد سوى خائن واحد إلاَّ أنَّ الجميع سيهجرونه، ستتبدد خراف الرعيّة لأنَّ راعى الخراف قد ضُرب .
ثم يعطيهم فكرة عن لقاء سعيد يلتقون فيه مّرة أُخرى عقب هذه العاصفة فيقول: " وَلَكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ " (مت32:26) فهناك لن تكون كأس ألم يتجرعها ولا أتباعه يشكّون فيه، سيتقابل معهم مُمجداً وعلى رأسه تيجان كثيرة.. بعد أن اكتنفه الحزن طويلاً، فقد كان لابد أن يقوم ليغسل ما لحق به من إهانات وتعييرات وعذابات من اليهود والرومان، أولئك الذين شاطت عقولهم وصلبوه حسداً، وظنوا أنَّ القش يمكن أن يقف أمام اللهيب، فقام الجبَّار وازدرى بهم! لأنَّ الغبار لا يقدر أن يقف أمام الريح!
ويصر بطرس الرسول على أنَّه سيحتفظ بأمانته مهما حدث إذ قال " وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَداً " (مت33:26)، لا أجحدك فأنا مستعد لأمضى معك، إن بذلت ذاتك للموت ها أنا معك، وإن اخترت الصعود للصليب أصعد معك، فالموت معك ربح لى لأنه سيقودنى إلى الحياة الدائمة.. لكن يسوع بكل صراحة يُعلن أنَّه سيُنكره سريعاً " إِنَّكَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ " (مت26: 34)، ويعود بطرس يؤكد أمانته، مع التلاميذ ولكن دون جدوى، لأنَّ الجميع تركوه ساعة الصلب وحده وهربوا كل واحد إلى خاصته، وقد لبثت أُمه واقفة بجانب الجثّة الهامدة كأنّها تحرس طفلها!
هربت الخراف وبقى الراعى وحده يحيط به الذئاب الخاطفة! لأنَّ الظلمة لا تعانق النور فهناك عداوة قديمة بينهما! كما أن الشيخوخة الذابلة لا تستأنس بالشباب الغض، شأنها شأن الصباح لا يلتقي بالمساء إلاَّ ليبدده!
ويدخل رب المجد بستان جثسيماني، على ممر بين أشجار الزيتون لا ليحيا فيه متنعماً كآدم فى جنَّة عدن، بل متألماً! ففى هذا المكان جمعه الربيع فى قبضة الحُب، حيث كان يقضي أيامه في الصلاة، وفى نفس المكان جمعه خريف الأشرار المُلبّد بالزوابع أمام عرش الموت!
معصرة الزيت
تقع جثسيمانى على سفح جبل الزيتون، ومعناها معصرة الزيت، لأنَّهم كانوا يُحضرون الزيتون من أشجاره، التي تنمو هناك فى الحدائق المجاورة لتُعصر ويُستخرج منها الزيت.. وفـى المعصرة انداس المسيح وحده (إش3:63)، وقد سُر الله أن يسحقه لكى يخرج منه زيت جديد لكل من يؤمن به، لنشترك فى أصـل الزيتونة الجديدة ودسمها (رو11:17).
هناك كانت تنمو أشجار الزيتون، والمسيح قد جاء إلى جثسيمانى، لكي يغرس الزيتون الصغير بقوته الإلهية فهو الزارع السماويّ وكل غرس يغرسه فى الحقل الإلهيّ يُعلن " أمَّا أَنَا فَمِثْلُ زَيْتُونَةٍ خَضْرَاءَ فِي بَيْتِ اللهِ " (مز8:52).
والزيتون إن كان يرمز إلى الألـم لمرارته، إلاَّ أنَّه يرمز أيضاً إلى السلام، فالحمامة التى أرسلها نوح من الفُلك، عندما غطّت مياه الطوفان الأرض، عادت إليه وهى تحمل غصن زيتون أخضر فى فمها، فعلم نوح أنَّ المياه قلّت عن الأرض (تك8: 11)، فكان ذلك إشارة لحلول سلام الله على الأرض، ومنذ ذلك الوقت قد صار غصن الزيتون شعار السلام بين البشر، وشجرة الزيتون علامة تشير إلى النجاح والبركة الإلهية (مز52:
(هو14: 6).
وهذا يعنى: إننا لن نحيا فى سلام إلاَّ من خلال آلام المسيح، فعن طريق الآلام تم الفداء، ومن ثمار الفداء عودة السلام إلى الأرض مرة ثانية بعد أن سادها الرعب سنينَ طويلة، أتتذكرون يوم ميلاده عندما شق الملائكة ببهائهم ظلام الليل، فحوَّلوا الأرض سماء وملأوا الكون بذبذباتهم الروحية، وعزفوا على قيثارات الحُب تسبيح المجد والسلام والفرح " لْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ " (لو14:2).
قمة الألم
ما أن وصل يسوع إلى باب البستان حتى قال لتلاميذه: " جْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ " (مت36:26)، ويجلس التلاميذ عند مدخل البستان طاعة لأمر مُعلّمهم، بينما يصطحب المُعلّم بطرس ويوحنا ويعقوب ويتقدمهم إلى داخل البستان، ويلقى بنفسه بين يدي الآب فى تضرع ولجاجة.. ولا تزال كأس الأهوال لم تعبر عن المخلص الغارق فى الألم، بل تزداد مرارتها لحظة بعد الأُخرى، ويزداد الصراع وتعلو الزفرات.. وهل يستطيع الجالس على أجنحة الموت، أن يستحضر تغريد البلبل وهمس الزهور وحفيف الغصون؟! أيقدر الأسير المثقّل بالقيود والهموم أن يُلاحق هبوب نسمات الفجر؟!
وتصل الآلام النفسية إلى قمتها، وقد عبّر مُعلّمنا متى البشير عن هذه الآلام بعبارة " وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ.. نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ " (مت37:26،38)
وكلمة يكتئب تعبّر عن الحزن، الذى يجعل الإنسان غير صالح للاختلاط بالناس أو غير راغب فيه.
ويعطينا مُعلّمنا مرقس بوصفه الدقيق لتفاصيل المشهد الرهيب، فكرة أوضح عن الحزن الذى قد جاء علـى المسيح فى قوله: " وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ " (مر33:14)، وكلمة يدهش فى الأصل تتضمن رعباً مُفاجئاً، بسبب شئ مُخيف، فالبشير يريد أن يُعلن أن فزع يسوع، كان بسبب مناظر من الخارج اقتحمته وكانت تنذر بتمزيق أعصابه.
فما الذى جعل يسوع يحزن ويكتئب؟!
لابد أنَّه رأى كل خطايا البشرية أمام عينيه، رأى سقوط آدم وطرده من الجنَّة، وقايين الذي قام على أخيه هابيل وقتله حسداً وغدراً، وشر العالم الذى كثُر أيام نوح فاغرقهم بماء الطوفان، والفساد الذى عاش فيه أهل سدوم وعمورة فأحرقهم بالنار والكبريت.. وكان يعلم أنَّه بعد ساعات سيُعرى من الأشرار ويُجلد ويُتفل على وجهه ويُكلل بالشوك ويُسمّرعلى الصليب.. فهذه كلها أحداث تركت أثراً عميقاً فى نفس البار! حقيقة إنَّ الشهداء تألَّموا وماتوا لأجل المسيح، لكنَّهم لم يحزنوا كمخلصنا، لأنَّه على صليب القديسين ينطق الرب بالتطويب، الأمر الذي يجعلهم يفرحون أثناء حمل الصليب (مت10:5-12) أمَّا صليب المسيح فكان يقترن باللعنة " مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ" (غل13:3) الأمر الذى يجعله يحزن ويكتئب!
مدرسة الصلاة
بعد أن أعلم المسيح تلاميذه أن نفسه حزينة حتى الموت، ابتعد عنهم نحو رمية حجر ثم جثا على ركبتيه وخر على وجهه، وكانت تصعد أنات من نفسه المثقّلة بالحزن الشديد " يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتكَ" (لو41:22،42) وهكذا خر أيوب على الأرض وهو فى شدة الألم (أى20:1)، فالتمرغ فى التراب يُعبّر عن شدة الألم، كما يُعبّر أيضاً عن التواضع والانسحاق.
وفى هذا الجو المظلم نراه يدعو الله " أبتاه " ! فمهما تكاثفت السحب، وهاجت العاصفة، وأظلم الليل.. فإنَّه يستطيع أن يرى من خلالها الله أباً، وما أجمل ما يقول المؤمن " يا أبتاه " فى أوقات التجارب، لأنَّه لمن يذهب الطفل عندما يشعر بالضيقة إلاّ إلى أبيه!
وعلى الرغم من شدة آلامه إلاَّ أنّه عبّر عنها بالكأس! ومن هذا نتعلَّم أنَّ التخفيف من شدة الألم وقت الضيق وأنَّ شرب الكأس المرَّة التى يضعها الله فى أيدينا، مهما اشتدت مرارتها بشكر أفضل وسيلة للخروج من الضيقة.
كما أعطانا المسيح بصلاته أعظم درس ألا وهو: إنَّ الصلاة هى أعظم سلاح نستطيع أن نُحارب به، ففى جثسيمانى صار الألم كزلزال حبلت به الأرض فتمخضت متوجعة تريد أن تلد الخراب والشقاء! ولكنّها على غير عادتها لم تلد سوى الخلاص! فهل من سبيل للخلاص من المحن والشدائد غير الصلاة ؟ لقد صار المسيح للمؤمنين كالمرآة ينظرون فيها ويتعلمون!
عرق المحبة
كان يسوع يصلى بلجاجة، فتراءت له البشرية فى لحظة خاطفة فى جميع عصورها، تجرجر فى خزى إجرامها وقبح معاصيها! وطفقت جميع الخطايا تخرج من خفايا الزوايا وشقوق الضمائر، تفح كالأفاعى لتنفث سمها وتفرغ خبثها فى الحمل الوديع، قبل أن يقضى عليها ليمحوها! لقد هاله المنظر فصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض (لو22: 44)، فقدست هذه القطرات الطاهرة والمُطهّرة الأرض وباركت تربتها.
يقول مار إفرآم السريانيّ
" طوباك أيها المكان الذى تأهلت لأنْ يسقط فيك عرق الابن، إنَّ الابن بارك الأرض بعرقه ليُبطل عرق آدم الذى حل عليها، طوبى للأرض التى طيّبها بعرقه والتى كانت مريضة فشفاها لأنَّه نضح عرقاً عليها.
سقط آدم بزلته فكان إليه صوت الرب " بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً " (تك3: 19)، ومع أنه عـرق مرات إلاَّ أنَّه لم يُشف، وفى هذا يقول مار يعقوب السروجى: " وعرق أثناء الصلاة فشفى آدم من العذاب، بعرق الرب صارت الصحة للمريض، نظر آدم عرق ربوات ولم يُشف لأجل الخطية الممزوجة به، فبغير خطية عرق مُخلّصنا دفعة واحدة وكانت نتيجتها تخليص آدم من الموت ".
أما الذي جعل عرق يسوع يتصبب هكذا كقطرات الدم، وجسده كله يبكي عوض الد موع دماً.. هو المحبّة، فإن أشارت المحبّة إليكم فاتبعوها وإن كانت مسالكها صعبة! وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها وإن جرحكم السيف المستور بين ريشها! وإذا خاطبتكم المحبّة فصدقوها وإن عطّل صوتها أحلامكم! لأنَّ المحبّة إن كانت تكللكم فهى أيضاً تصلبكمّ وكما تعمل على نموكم، هكذا تستأصل الفاسد منكم! المحبّة تغربلكم لتحرركم من قشوركم، وتطحنكم لكى تجعلكم أنقياء كالثلج، وتعجنكم بدموعها حتى تلينوا، ثم تعدكم لنارها المقدسة لتصيروا خبزاً مقدساً يقّرب على مائدة الرب، كل هذا تصنعه المحبة بكم لتدركوا أسرار قلوبكم، فتصبحوا بهذا الإدراك جزءاً من قلب الحياة .
ولأنَّ دموع العين لم تكن كافية، بكى كل عضو من أعضاء المسيح حزناً على فساد أعضائنا التى دنّستها الخطية، فها هى عيناه تبكيان عوض أعيننا التى تلوثت برؤية المناظر القبيحة، وأذناه ويداه ورجلاه وفمه... والعجيب أنها لا تبكى ماءً بل دماً، لأنَّه كما قال القديس بولس الرسـول : " بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ ! " (عب22:9).
بكى يسوع حزناً على فساد البشرية، وقد كان لابد له أن يبكي، لأنَّ عينيه لم تتقنعا ببرقع السنين، أمَّا نحن فكثيراً ما نرفض البكاء، ليس على الآخرين فقط، بل حتى على أنفسنا لأننا ننظر ولا نبصر، ونصغي ولا نسمع، ونأكل ولا نتذوق، ولا نكرم ملوكاً بدون ممالك، ولا نراقب عودة الزارع من حقله إلاَّ إذا كان يهمنا، ولا ننصت لصوت مزمار الراعي وهو يقود قطيعه إلى العلف، إلاَّ إذا كان القطيع ملكاً لنا..
وفى كل هذا يقوم الفرق الشاسع بيننا وبين يسوع، فحواس المسيح تتجدد فيه دائماً، والعالم فى نظره جديداً على الدوام، والإنسان هو شاغله وموضوع حبه، ولم ينظر إلى تمتمة الطفل بأقل من نظره إلى صراخ الشيخ، فى حين أنها فى نظرنا تمتمة طفل لا أكثر ولا أقل.
نوم التلاميذ
صلى مُخلّصنا ثلاث دفعات، وبينما كان يصارع مع الموت فى جهاد لا يوصف، كان التلاميذ نياماً وقد غلب عليهم النعاس، ويوقظهم المُعلّم أكثر من مرّة لكي يسهروا معه ولو قليلاً ولكن دون جدوى! فأصبحوا أمامه كتاباً قرأ سطوره، وفسر آياته، وأخيراً عندما صل إلى نهايته إذا بعبارة " الضعف البشريّ " !!
لقد ناداهم فلم يقوموا من رقادهم، بل ظلوا يسيرون فى مواكب الأحلام! طلب منهم أن يصعدوا إلى قمة الجبل ليروا ممالك العالم فرفضوا، مفضلين أعماق الوادى حيث عاش أباؤهم، وفى ظلاله ماتوا ودفنوا فى كهوفه! ولكن لا عجب فقد مضت الأيام المفعمة بأنفاس الربيع وابتساماته المُحيية، وجاء الشتاء باكياً، منتحباً، لكى يبقى يسوع وحده، فالحمل الوديع قد جُرح ولابد أن يبتعد عن سربه ويتوارى حتى الموت!
لما بكى داود على جبل الزيتون أثناء هروبه من وجه أبشالوم ابنه، بكى معه جميع أتباعه (2صم30:15) أمَّا يسوع ابن داود عندما بكى على نفس الجبل، كان تلاميذه الذين يجب عليهم أن يسهروا ويبكوا معه، كانوا نياماً نياماً، فى حين أنَّ أعداءه الذين يترقبون خُطاه كانوا فى يقظة كاملة (مر14: 43)! ألم يعرفوا أن فى إناءه يمتزج الحلو والمر؟! ألم يدركوا أن قربهم منه يجعلهم يعيشون بين النور والنار؟!
كان يجب أن يجمعوا كل قواهم الروحية، حتى لا يخوروا أمام التجربة، ويتعرّضوا للشك والإنكار ثم الارتداد، خاصة وأن رئيس هذا العالم قد استعد بسلاحه وبكل قواته، لكنهم تثقلوا من الحزن الذى صفعهم، ولم يعد فيهم قوة ليتقدموا إلى الطلبة والتضرع.
أما الدافع الذى جعل الرب يسوع يوقظ تلاميذه هكذا، ليس فقط شعوره بالحاجة إلى من يواسيه بسبب نفسه المتألمة، بل كان أيضاً عطفه الشديد عليهم، إذ كانوا مثله تُحيط بهم قوات الظلمة، وقد حانت الساعة التى أشار عنها " هَذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَة " (لو53:22).
ولسنا نعلم إذا كانوا قد سهروا فما الذى كان ممكناً أن يقولوه فى صلاتهم؟! إن قالوا لا يجب أن يموت البار من أجل الأثمة فلن يسمع لهم الله! وإن قالوا فليمت الابن لتحيا البشـرية بموته فهذه جسارة عظيمة!! لأنَّه من يستطيع أن يقول للآب يُصلب ابنك أو لا يُصلب!
لذلك بطلت الصلاة من أفواهم ،
وقد كان هذا الصمت أفضل لهم!
عن كتاب رحلة الآلام للراهب كاراس المحرقى....