يواجه عدد من سكان حي البلد (جنوب جدة) حرجا أمام أطفالهم حين لا يجدون إجابات شافية لأسئلتهم التي تتعلق بالمقبرة التي تعرف بمقبرة النصارى، وهم يرونها تفتح لاستقبال أموات نصارى لدفنهم.
الطالب الجامعي عبد الرحمن الغامدي أحد سكان المنطقة يقول "هذه المقبرة في الحي منذ زمن بعيد، حيث كنا في صغرنا نتسلل عبر أسوارها لكي نشاهد القبور بداخلها، ولا ننكر أننا نشعر بالخوف أثناء مرورنا جانبها، وخاصة في الأوقات المتأخرة من الليل".
لم يحدد الغامدي أسبابا للخوف لكنه يقول "أصبح كل من لا يعرف عنوان الحي يقال له عند مقبرة النصارى، فأصبحت علامة بارزة ودلالة للتعريف بالحي".
حارس المقبرة محمد يونس أكد على أنها قديمة، وتعود لعشرات السنين بل لأكثر من مئة عام، وهي مليئة بالمقابر التي كتب عليها أسماء الأشخاص وأعمارهم على بلاط من المرمر، وتوجد بعض الزهور على القبور، والمقبرة محاطة بسور مرتفع، ولا يتجاوز مساحتها ألف متر.
ويضيف يونس الذي يعمل حارسا للمقبرة منذ 14 سنة أن المقبرة تابعة لسفارات معينة، وعمرها أكثر من 100 سنة، وحينما يتوفى مسيحي في أي من مختلف مناطق المملكة يجلب ويدفن في هذه المقبرة، وكل أربعة أو ستة أشهر يدفن في المقبرة ما يقارب 3-4 أطفال مسيحيين، وخاصة من الجنسية الفلبينية، فيما يقوم كل شهر المسؤولون عنها من جهات مختصة بزيارتها ومعرفة ما تحتاجه هذه المقبرة.
ويوضح أن للمقبرة ميزانية خاصة من حيث نظافتها والتشجير والهاتف والمياه وراتب الحارس، كما تقوم عدة سفارات بالتناوب في الإشراف عليها.
ويلفت يونس الانتباه إلى وجود شواهد لقبور أشخاص من الحرب العالمية الثانية تم دفنهم في المقبرة، كما أن هناك جنديا بريطانيا مجهولا من الحرب العالمية الثانية مدفون في هذه المقبرة توضع على قبره أكاليل الورد عند زيارة أي قنصل بريطاني أو غربي للمقبرة.
وتاريخيا ارتبطت جدة بالمسيحيين حسبما يورد محمد يوسف طرابلسي في كتابه (جدة حكاية مدينة) حيث كانت تعيش في جدة جالية مسيحية صغيرة أغلبها من أصل يوناني قدموا إلى جدة في الغالب عن طريق مصر، وبالذات في العهد المملوكي، وكان يفرض عليهم ارتداء زي معين لتمييزهم مع عدم الاقتراب من منطقة باب مكة، غير إنه بقدوم العثمانيين للحجاز تم إلغاء ذلك. كما كانت لهم مقابر لدفن موتاهم بجنوب جدة خارج السور بالقرب من شارع الميناء حاليا.
وأضاف أن الرحالة الفرنسي ديديه أشار خلال زيارته جدة عام 1854م إلى تلك المقبرة، ولم يسمح في السابق بدفن المسيحيين بجدة شأن مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكان يتم دفنهم في أحد الجزر الصغيرة خارج جدة.
وأشار طرابلسي أنه في عام 1274 كان عدد النصارى الموجودين في مدينة جدة 100 شخص.
من جهته قال مدير عام السياحة والثقافة بأمانة محافظة جدة المهندس سامي نوار إن هذه المقبرة تأسست بعد حرب البرتغاليين على جدة. حيث توجد العديد من الخرائط التي تؤكد وجود هذه المقبرة منذ عهد البرتغاليين، حيث إن لها علاقة بحصار البرتغاليين أثناء محاولتهم الاستيلاء على مدينة جدة عام 1520م، وفيها العديد من الأشخاص الذين ماتوا ودفنوا بسبب هذا الحصار.
بينما يشير محمد درويش الرقام أحد معمري جدة إلى أن موتى النصاري سابقا كانوا يدفنون في الجزر القريبة من جدة، ولعدم توفر الموصلات في الماضي وصعوبة نقل الأموات إلى بلادهم أنشئت هذه المقبرة حفاظا على كرامة الأموات، وأن من أشهر من دفن في هذه المقبرة رجل يوناني يطلق عليه إيليا يني، وكانت لديه بقالة متسعة، كان يطلق عليها قديما اسم بنك الخواجة، وكان هذا الرجل محبوبا لدى الجميع، وبعد وفاة هذا الرجل عملت مراسم لجنازته من منزله إلى المقبرة. حيث تم إخراج جنازته من منزله، ويرافقها العديد من سيارات القناصل الموجودين في جدة وكبار الشخصيات.
وسارت الجنازة من الشارع الرئيسي حتى وصلت سور جدة الجنوبي، وحتى تم إيصاله ودفنه في المقبرة التي كانت تعتبر في الماضي خارج مدينة جدة من الجهة الجنوبية، وأما الآن فقد أصبحت وسط البلد بعد التوسع العمراني الذي شهدته المدينة.
موضوع: مقابر المسيحيين فى السعودية 
الأربعاء يناير 29, 2014 12:03 pm
