عُرف القمني طوال العقود الماضية بجرأته في تناول قضايا التراث الإسلامي والفكر الديني، وووقف في وجه كل مَن يحاول تقييد حرية التعبير بحجّة عدم المسّ بالمقدّسات. وفي هذا الحوار الذي أُجري قبل أسابيع، قال القمني لرصيف22 الكثير.
​اعلان
س: ما تعليقك على تصريحات شيخ الأزهر أحمد الطيب بعد لقائه رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه وقوله: "بفضل تدريس الإسلام من خلال منهج علمي وسطي لم يتخرج من الأزهر إرهابي واحد"؟
ج: معيب جداً أن تكونوا بوجهين. حضرتك تشعر بالعار من شيء ما فيك فتكذب وتمارس التقية، علماً أن التقية لم تعد نافعة، فما تقوله في الداخل يُرى في الخارج. فضحتمونا.
بعد لقائي مع يوسف الحسيني، أصدر الأزهر بياناً نسب إليّ أشياءً لم أقلها مما يعطي أيّ أحد الحق في قتلي. كتبت وقلت له: يا فضيلة الشيخ كيف وقّعت على هذا البيان الصادر من مكتبك؟ لقد صمتَّ من قبل على فتوى "علي جمعة" بأنني كافر حينما كان مفتياً للديار، لكنك موجود الآن في جهاز الدولة وكفرتني. وقلت له: ممكن تناظرني عبر التلفزيون، نتحدث والناس تسمعنا وتحكم. لكنه لم يرد عليّ فهو رجل ذو منصب كبير ولماذا يرد عليّ؟ حاولت استفزازه وقلت له: أنا يا شيخ، أنا كفرت من أفعالكم، أنا أدفع ضرائب تصل إلى جيب حضرتك على شكل مرتب، ومساهمتي في دفع مرتبك تُلزمك بأداء عملك، ألا وهو هداية الكافرين، وأطالبك بأن تهديني، لنخرج على التلفزيون نتحدث عن كفري وكيف يمكنك أن تهديني، إلا إذا كنت تعرف أنك لا تملك ما قلته في الخارج على الإطلاق وما أنتم سوى عنصريين وهادمي مجتمعات ومدمري حضارات.
س: هل ترى أن واحدة من أزمات الفقه الإسلامي الكبيرة أنه أغفل مسؤولية الفرد عن فعله أمام الله لمصلحة مسؤولية الفرد عن فعله أمام الناطقين باسم الله؟
ج: هم يقولون إن لدينا قانوناً وشريعة تصلح لكل زمان ومكان، وهذا كذب ومحاولة للسيطرة على الناس باسم الله. والله ليس في الموضوع بل هم. هم المكانة الاجتماعية والعيش الرغيد والمال السعيد وحياة شهريار. لن يتنازلوا عن ذلك بسهولة، لذا يتحدثون باسم الله طوال الوقت.
ليس لدينا قانون وضعه الله في قرآنه. في علاقة السماء بالأرض، التي امتدت طوال 23 عاماً نزل خلالها القرآن، كانت تصدر تشريعات اليوم وتنسخ غداً ويأتي تشريع جديد بدلاً عنها وتمضي شهور وأيام ويوضع تشريع ثم يلغى ويأتي بديل عنه. ولم يكن المسلم يعرف ما عليه أن يفعل أو لا يفعل صباحاً لأنه قد يُفاجأ بأن ما كان قانوناً خلال السنة الماضية قد تغيّر وجاء بدلاً عنه قانون جديد. وظل الأمر على هذه الحالة حتى وفاة النبي، فلم يجدوا بين أيديهم قانوناً واضحاً تشريعياً يتم تطبيقه.
الآيات الناسخة والمنسوخة بجوار بعضها البعض في المصحف العثماني. ورجل الدين يستخدم ما يعجبه منها. ويخرج أحمد الطيب في الخارج ليحدثهم بالقرآن المكي، ثم يجيء ويحدثنا نحن عن القرآن المدني ويطالب بتطبيقه علينا، علماً أنه لا يصلح إلا للزمان والمكان الذي نزل فيهما ولظروف خاصة فقط.
  سيّد القمني لرصيف22: المسلمون يهاجرون من بلاد الإسلام إلى "ديار الكفر" ليتمتّعوا هناك بحرية العبادة شاركغرد
وعندما ننظر إلى الحدود في القرآن لا نجدها تتجاوز خمسة حدود. واليوم لم تعد العقوبات البدنية مجدية إطلاقاً، يعني ماذا يعني أن تقطع يد إنسان؟ هذا كان أيام زمان، أما الذي يقول به اليوم فيكون إرهابياً فوراً. يجب أن نفكر جيداً، فهذه العقوبات كانت خاصة بزمانها ومكانها والدنيا تغيّرت. وإنْ كانوا يرون أنها لم تتغيّر نحن نوافق لكن أعطونا حقوقنا، أولاً حقوقي قبل حدودي.
لقد أخذوا "سلطات ربنا" وجلسوا مكانه بدليل أن الشريعة التي يقولون إنهم يريدون تطبيقها والتي تتضمّن حدوداً خمسة، أصبحت في الفقه تتضمّن 12 ألف حد ومسألة، مما يعني أنها شريعة وضعية وُضعت في القرنين الثالث والرابع الهجريين. فلماذا يصبغونها بالصبغة الإلهية وهي وضعية ومَن كتبها واجتهد فيها بشر؟ يجب أن يقتنعوا بأنه ليس هنالك شيء اسمه صالح لكل زمان ومكان بالمطلق.
القرآن المكي الجميل مثل "لا تزر وازرة وزر أخرى"، و"لست عليهم بمسيطر" يعلّمك الحرية حتى وأنت أمام النبي. "مَن شاء فليؤمن"، "لكم دينكم ولي دين". هذا كلام جميل صالح لكل زمان ومكان بالفعل. المشايخ لا يقولونه إلا للغربيين الذين لا يحتاجونه ويطبّقون علينا هنا القرآن المدني بحجة ناسخ ومنسوخ.
أنا لا أتصوّر أن هنالك مخرجاً لهذه البلاد للّحاق ربما بآخر خيط تجره آخر قاطرة نحو الحضارة، خاصة بعد الانهيار المرعب الذي حدث في العهد المباركي، انهيار أخلاقي، وانعدام ضمير. وأن يكون هذا معمماً بهذا الشكل في الوطن، يعطينا درساً هاماً جداً وهو أن العلمانية المكروهة منهم، أينما طُبّقت نجحت وحافظت على كرامة الإنسان ودينه ومسكنه وأمانه، وأينما طبّقوا تشريعاتهم حلّ الخراب. الكلام واضح أمام العيون، واختر يا شعب.
 
 
س: هل هذا الفقه هو ما أدّى إلى حادثة أبو قرقاص (تعرية السيّدة القبطية من ملابسها)؟
ج: نعم فهم يعتبرون أنفسهم الوحيدين "أصحاب ربنا" ومعهم القوة العظمى ويمثلونها على الأرض، وأنهم أسياد وأن المسيحيين عبيد بالضرورة وأنهم أصحاب الأرض وهؤلاء غرباء. لماذا؟ لأننا ونحن نعلّمهم في المدارس وهم صغار قلبنا لهم حقائق التاريخ، فأصبح عمرو بن العاص بطلاً مصرياً بينما هو محتل غازٍ، ومن هذه الكذبة الأولى توالت الأكاذيب في قلب تاريخنا ليصبح صاحب الأرض هو الغريب، والمحتل الغاصب الاستيطاني هو السيد. هؤلاء السادة يفكرون بعقلية الغازي المحتل الحجازي ولا يفكرون بعقلية المصريين. لقد تقرر خلال العقود السابقة، منذ الرئيس المؤمن (أنور السادات) حتى الآن إزالة الهوية المصرية، وإلباس مصر الثوب الوهابي الحنبلي.
س: في مسألة الحجاب والنقاب يدفعون بأن ذلك حرية شخصية مثلها مثل حرية خلعه، ما تعليقك على الأمر؟
ج: إلبسي ما يعجبك بما لا يحمل تمييزاً دينياً. ولو ارتديت ما يميّزك دينياً، فأنت تنتمين إلى فكر متعصب يريد أن يفرض وجوده في الشارع وسلطانه على الناس. إذا ارتديت الحجاب واخترت جزءاً من الشرع وأهملتِ جزءاً آخر "مش ها ينفع، والناس ها تتلخبط. انت مين فيهم بالضبط؟ اقعدي في البيت إذا تحدثنا صح". أليس المطلوب عدم فتنة الرجال؟ إذن اجلسي في بيتك. هذه هي الطاعة. ولو أردتِ الخروج، اخرجي بشروط المجتمع المدني الخالي من التمييز.
أحمد رشدي هو أعظم وزير داخلية مرّ على مصر. أذكر أنه قد حرّر لي محضر تمييز ديني لأنني كنت أعلّق سبحة في السيارة. عندنا الآن في طائرات مصر للطيران حينما يبدأ الإقلاع يُذاع الآتي: الحمد لله الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون.
س: إذن كيف نلحق بركب الحضارة؟
ج: سأختصر ما يجب أن يتخلّى عنه المسلمون كي يستطيع بعض أحفادهم اللحاق بعالم الحضارة. أولاً، عليهم التخلي عن فكرة أن الله خلقهم باعتبارهم خير أمة أُخرجت للناس وأنهم مميّزون في كل شيء، وأنهم وحدهم أهل الله والوحيدون الذين سيدخلون الجنة. ويجب عليهم أن يفهموا حق الآخر في الطريق، حق كبير السن وهو يعبر الشارع، حق عدم قطع الطريق بطريقة مخالفة والسير في الاتجاه المخالف، وفعل كل ما هو مخالف، فهذا يعني أن الشعب كله أصبح "بلطجياً"، ويحتاج إلى التربية من أجديد.
رصيف 22