(٤) إنني أومن بأن المسيح هو الله على أساس علمه بكل شيء: يتميز الله عن سائر مخلوقاته بثلاث صفات هي: «العلم بكل شيء»... «القدرة على كل شيء»... «الحضور في كل مكان».. ولذا فنحن نراه يتحدى الناس في سفر إشعياء بالكلمات: «مَا هِيَ ٱلأَوَّلِيَّاتُ؟ أَخْبِرُوا فَنَجْعَلَ عَلَيْهَا قُلُوبَنَا وَنَعْرِفَ آخِرَتَهَا، أَوْ أَعْلِمُونَا ٱلْمُسْتَقْبِلاَتِ. أَخْبِرُوا بِٱلآتِيَاتِ فِيمَا بَعْدُ فَنَعْرِفَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ» (إش ٤١: ٢٢ و٢٣).
وكأن الله جل شأنه يقول: إن دليل الألوهية هو العلم بكل شيء، بالأوليات والمستقبلات، والعهد الجديد يرينا أن المسيح له المجد عالم بكل شيء.
فقد علم كل شيء عن الإنسان: وهذا واضح في الكلمات: «وَلَمَّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ ٱلْفِصْحِ، آمَنَ كَثِيرُونَ بِٱسْمِهِ، إِذْ رَأَوُا ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي صَنَعَ. لٰكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعَ. وَلأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ ٱلإِنْسَانِ، لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي ٱلإِنْسَانِ» (يو ٢: ٢٣ - ٢٥).
وقد علم كل شيء عن نثنائيل: والقصة مذكورة في إنجيل يوحنا الأصحاح الأول بالكلمات: «فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: وَجَدْنَا ٱلَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي ٱلنَّامُوسِ وَٱلأَنْبِيَاءُ: يَسُوعَ ٱبْنَ يُوسُفَ ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّاصِرَةِ. فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: أَمِنَ ٱلنَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟ قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: تَعَالَ وَٱنْظُرْ. وَرَأَى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ عَنْهُ: هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لاَ غِشَّ فِيهِ. قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟ أَجَابَ يَسُوعُ: قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ ٱلتِّينَةِ، رَأَيْتُكَ. فَقَالَ نَثَنَائِيلُ: يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» (يو ١: ٤٥ - ٤٩).
هل كان نثنائيل تحت التينة يصلي بعيداً عن عيون الناس فأدهشه أن عرف المسيح سره؟ أو هل كانت هناك ذكريات خاصة بطفولة نثنائيل كان مكانها تحت التينة، فلما أعلن المسيح معرفته بها صاح نثنائيل «يا معلم أنت ابن الله. أنت ملك إسرائيل».
إن ما يهمنا هو أن المسيح قد رأى نثنائيل تحت التينة، وأن هذه المعرفة العجيبة دفعت نثنائيل للاعتراف بأن المسيح هو «ابن الله».
وقد علم كل شيء عن المرأة السامرية: قابل المسيح هذه المرأة عند بئر يعقوب وبدأ معها الحديث قائلاً: «أعطيني لأشرب» (يو ٤: ٧) فقالت له المرأة السامرية «كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية لان اليهود لا يعاملون السامريين».
وفجأة أصبح طالب الماء هو نفسه معطي الماء الحي إذ قال المسيح للمرأة: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ ٱللّٰهِ، وَمَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً. قَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ: يَا سَيِّدُ، لاَ دَلْوَ لَكَ وَٱلْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ ٱلْمَاءُ ٱلْحَيُّ؟ أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، ٱلَّذِي أَعْطَانَا ٱلْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟» (يو ٤: ١٠ - ١٢).
أجل إنّ يسوع أعظم من يعقوب.. لأن يعقوب أعطاهم بئر ماء عادي ككل الآبار، لكن يسوع له المجد يعطي من يأتي إليه ماء حياً لا يستطيع نبع أرضي أن يخرج مثله، ولذا فقد أجابها قائلاً: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هٰذَا ٱلْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً وَلٰكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى ٱلأَبَدِ، بَلِ ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (يو ٤: ١٣ و١٤).
ودفعت كلماته المرأة إلى طلب هذا الماء العجيب، ولكنها بعقلها المادي المغلف بضباب الجهل ظنت أنه مجرد نوع جديد من المياه فقالت: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هٰذَا ٱلْمَاءَ، لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «ٱذْهَبِي وَٱدْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى هٰهُنَا» (يو ٤: ١٥ و١٦).
ورأت المرأة نفسها في موقف حرج، فهي امرأة ذات ماض، وهذا اليهودي الغريب الذي يتحدث إليها يقترب من كشف النقاب عن ماضيها الأسود الأثيم الأليم.. وأرادت أن تهرب من نظرات عينيه الفاحصتين، وأن تنهي حديثها معه فقالت له: «لَيْسَ لِي زَوْجٌ» (يو ٤: ١٧).
وعندئذ أعلن لها المسيح علمه بكل شيء، وفي أسلوب رقيق كشف لها عن ماضيها دون أن يجرحها فقال لها: «لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَٱلَّذِي لَكِ ٱلآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هٰذَا قُلْتِ بِٱلصِّدْقِ» (يو ٤: ١٨).
وأحنت المرأة رأسها فلا سبيل للإنكار أمام عيني فاحص القلوب والكلى، وأجدى من الإنكار الاعتراف الصادق في هذا المقام ولذا قالت المرأة «يا سيد أرى أنك نبي» وكأنها تقول له: «أنت تعلم كل شيء عني.. أنت تعرف آثامي وآلامي.. أنت نبي» لقد ظنت في جهلها أنه مجرد نبي، ولكن المسيح أعلن لها أنه «مسيا» وهو الاسم اليوناني للمسيح الذي ينتظره العبرانيون لأن «المسيح» هو الاسم العبراني «للمسيا» ولقد ذهبت المرأة بعد هذه المقابلة تنادي لأهل مدينتها: «هَلُمُّوا ٱنْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هٰذَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ؟» (يو ٤: ٢٩). ولما أثارت فضولهم وأتوا إْيه واستمعوا إلى حديثه «فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ... وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هٰذَا هُوَ بِٱلْحَقِيقَةِ ٱلْمَسِيحُ مُخَلِّصُ ٱلْعَالَمِ» ( يو ٤: ٣٩ و٤٢).
وقد علم المسيح بموت لعازر وهو بعيد عنه: أرسلت الأختان مرثا ومريم رسالة عاجلة إلى المسيح قالتا فيها: «يَا سَيِّدُ، هُوَذَا ٱلَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ» (يو ١١: ٣). «فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: هٰذَا ٱلْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ، لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ بِهِ. وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ» (يو ١١: ٤ - ٦).
هل مررت في اختبار كهذا؟ هل وقعت في ضيقة أردت منها مخرجاً شريعاً فأرسلت إلى الرب صلاة تلغرافية تخبره فيها بمحنتك وحاجتك للمعونة، وإذ بالرب يتأنى عليك ويتأخر - في تقديرك - في المجيء لمعونتك؟ إن محنتك في هذه الحالة ليست الدمار إنها لمجد الله، ليتمجد ابن الله بها.. أجل فالمجد الذي يعود إلى الله يشاركه فيه ابنه الوحيد، فهو واحد مع الآب.
بعد ذلك قال المسيح لتلاميذه: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لٰكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ». فَقَالَ تَلاَمِيذُهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى». وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ ٱلنَّوْمِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ عَلاَنِيَةً: «لِعَازَرُ مَاتَ» (يو ١١: ١١ - ١٤).
مات.. وكيف عرفت يا سيد؟
وكأنني أسمع الرب يجيب تلاميذه بالكلمات: أنا موجود هناك، كما أنا موجود معكم، أنا مع الأختين الحزينتين الباكيتين كما أنا معكم يا تلاميذي.. «لِعَازَرُ مَاتَ. وَأَنَا أَفْرَحُ لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا» (يو ١١: ١٤ و١٥). قال هذا لانه علم مسبقاً أنه سيقيم لعازر من قبره. لقد عرف المسيح بموت لعازر دون أن يخبره أحد، لأنه الله الموجود في كل مكان، العالم بكل شيء.
وقد علم المسيح بكل ما سيحدث له من آلام وأعلن كذلك قيامته نقرأ في إنجيل يوحنا هذه الكلمات: «أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ ٱلْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ إِلَى ٱلآبِ» (يو ١٣: ١) ونقرأ أيضاً: «فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ» (يو ١٨: ٤).
لم يأخذه أحد على غرة.
- لقد عرف أن يهوذا التلميذ الخائن سيسلمه، لذلك قال لتلاميذه «أَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلٰكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذٰلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ» (يو ١٣: ١٠ و١١).
- وعرف أنه سيذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم، وقد جاء إعلانه عن علمه بما سيأتي عليه من آلام بعد أن اعترف بطرس بلاهوته بكلماته الصريحة «أنت هو المسيح ابن الله الحي» وهنا نقرأ الكلمات: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لٰكِنَّ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ... مِنْ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ (أي بعد أن أعلن الآب لاهوت ابنه لبطرس) ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومَ» (متى ١٦: ١٦ - ٢١). أجل علم المسيح بكل ما سيأتي عليه من آلام وأخبر تلاميذه بما سيحدث له قبل حدوثه، كما أعلن معرفته بقيامته.
وقد علم المسيح أن الحواري بطرس سينكره وهذا ما نقرأه في إنجيل متى بالكلمات «حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ ٱلرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ ٱلرَّعِيَّةِ. وَلٰكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. فَقَالَ بُطْرُسُ لَهُ: وَإِنْ شَكَّ فِيكَ ٱلْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَداً. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: وَلَوِ ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» (مت ٢٦: ٣١ - ٣٥).
وقد صدقت النبوءة وأنكر بطرس المسيح، وها نحن نقرأ عن إنكاره هذه الكلمات: «وَبَعْدَ قَلِيلٍ جَاءَ ٱلْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: حَقّاً أَنْتَ أَيْضاً مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ! فَٱبْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لاَ أَعْرِفُ ٱلرَّجُلَ! وَلِلْوَقْتِ صَاحَ ٱلدِّيكُ. فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ ٱلَّذِي قَالَ لَهُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرّاً» (مت ٢٦: ٧٣ - ٧٥).
وقد علم المسيح بكل حوادث الضيقة العظيمة التي تسبق مجيئه مع قديسيه إلى هذه الأرض: وقد شرحها في إنجيل متى الأصحاح الرابع والعشرين، كما تحدث عنها لعبده يوحنا في سفر الرؤيا بتفصيل يذهل العقل.
ويكفي هنا أن نذكر كلمات قليلة من حديثه تاركين لمن يريد التوسع العودة إلى الكتاب المقدس لدراسة هذه التفاصيل لنفسه فقد قال بفمه المبارك «وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ، وَٱلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَٱلنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، وَقُّوَاتُ ٱلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُّوَةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (مت ٢٤: ٢٩ و٣٠).
أجل إن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد لأنه عالم بكل شيء، وأمام علمه نقول مع داود: «عَجِيبَةٌ هٰذِهِ ٱلْمَعْرِفَةُ فَوْقِي. ٱرْتَفَعَتْ، لاَ أَسْتَطِيعُهَا» (مز ١٣٩: ٦). وقد اعترف بطرس بعلم المسيح بكل شيء في هذه الكلمات: «فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هٰؤُلاَءِ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ لَهُ: ٱرْعَ خِرَافِي. قَالَ لَهُ أَيْضاً ثَانِيَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ لَهُ: ٱرْعَ غَنَمِي. قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱرْعَ غَنَمِي» (يو ٢١: ١٥ - ١٧). وكأننا نسمع بطرس يقول بهذا الاعتراف الواضح: أيمكن أن تُخفى عليك عواطف قلبي؟ أنت تعلم كل شيء.. أنت تعرف كل شيء.. أنت «الله» فاحص القلوب والكلى.
وهذا ما نقرأه في سفر رؤيا يوحنا في الكلمات: «فَسَتَعْرِفُ جَمِيعُ ٱلْكَنَائِسِ أَنِّي أَنَا هُوَ ٱلْفَاحِصُ ٱلْكُلَى وَٱلْقُلُوبَ، وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ» (رؤيا ٢: ٢٣).
وأمام علم المسيح بكل شيء أومن بأن المسيح هو «الله».