لا نُنكر أنَّ كثيرين يقولون: لا للتجسد ولا مانع أن يُخلّص الله البشر بمجرّد الصفح عن الخطايا، وأصحاب هذا الاعتقاد يُنكرون لاهوت السيِّد المسيح، وهذا مخالف لتعاليم الكتاب المُقدَّس وضد لزوم الكفَّارة.. 
ويوجد أيضاً الَّذين يؤمنون بأنَّ التجسّد ضروريّ ولابد منه، باعتبار أنَّ الله يطلب التجسّد طبعاً، سواء استدعى ذلك أحوال البشر أم لا، أي أنَّ الله لم يكتفِ بالوجود المجرّد عن التجسّد، لأنَّه لا يُعرَف لديّ البشر، ولا تظهر كمال صفاته بدون أن يتجسّد..
آراء كثيرة تدور حول سر التجسّد!! ولكننا نتساءل: أيهما أفضل وأقرب إلى المنطق: أن يظل الله منعزلاً في سمائه، بعيداً عن خلائقه، يأمر وينهي ويُعاقب.. أم أن ينزل إلينا ويتعامل عن قرب معنا، ليُخلِّصنا ويرفعنا على أجنحة حُبّه إلى عرش مجده؟!
نعترف بأنَّ التجسّد كان ضرورياً لخلاص الإنسان من عبودية الخطيّة، والهلاك الأبديّ بسبب تمرُّده وعصيانه على الله.. فلولا التجسّد ما كان المسيح قد مات على الصليب ليخلصنا! ولكي تُعرَف القصة يجب أن نرجع إلى بداية الخلق ونقول:
لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، وقد أوصاه بأن يأكل من جميع شجر الجنّة ما عدا شجرة معرفة الخير والشر، فإن خالف فموتاً يموت (تك17:2)، فأكل آدم فكان لابد أن يأخذ العدل الإلهيّ مجراه، لأنَّ " اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ " (مت35:24).
ولكنَّ الله العادل هو الله الرحوم أيضاً، فما هو الحل؟ هل يترك الله جبلته الَّتي على صورته ومثاله خلقها؟ بالطبع لا، ولهذا تجسّد ابن الله لأنَّه الوحيد الَّذي يمكن أن يقوم بعملية الفداء، فخطيّة آدم موّجّهة ضد الله غير المحدود، فكان ولابد أن يكون الفادي أيضاً غير محدود، وبذلك التقت الرحمة والعدل وتحقق قول مُعلِّمنا داود النبيّ " الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا، الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا" (مز10:85).
وهكذا تم التكفير عن خطايانا، وفُتِحَ باب الرجاء الأبديّ، وصار المسيح لنا وسيط لدى الآب يشفع فينا، ومرشداً يُرشدنا إلى الحق، ومَلِكاً يحمينا ويدافع عنَّا إلى نهاية حياتنا، ويضمنا أخيراً إلى رعيَّته السماوية، لكي نتمتّع بحُبّه إلي دهر الدهور.