لمسات يسوع .. 2- لمسة فهم

بقلم\ عماد حنا
لمسة فهم
"وَكَانَتْ لِهذِهِ أُخْتٌ تُدْعَى مَرْيَمَ، الَّتِي جَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ وَكَانَتْ تَسْمَعُ كَلاَمَهُ". لوقا 10: 39

من الطبيعي عند أي عائلة تستضيف شخصاً مهماً، أن تعد له أفضل ما لديها، وأن تنشغل السيدات في العمل، لكي تقدم أفضل ما لديها، ولكننا هنا نرى صورة مختلفة .. نرى مريم تترك كل شيء عليها القيام به، وتجلس عند قدمي السيد لتستمع له.
ما الذي دعى مريم أن تترك الخدمة .. على الرغم من أن السيد يحتاج إلى تلك الخدمات الجسدية .. فتلاميذه ومن تبعوه يحتاجون إلى الطعام والشراب .. وعدد أفراد المنزل القادر على الخدمة قليل .. إذن .. لماذا تركتِ مكانك يا مريم؟ الخدمة تحتاج اليكِ؟
بعيون الخيال، أتخيل مريم وهي ترد مدافعة عن نفسها قائلة نفس ما قالته عذراء النشيد من قبل: " كَالتُّفَّاحِ بَيْنَ شَجَرِ الْوَعْرِ كَذلِكَ حَبِيبِي بَيْنَ الْبَنِينَ. تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ، وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي.. "( نش 2: 3) هي أرادت أن تقول: شهوة قلبي أن أستمع إلى ذلك الحبيب .. لم أستطع تركه لعمل أي شيء آخر .. وجلوسي عند قدميه هو أقصى ما تشتهيه نفسي.
ولكن الخدمة .. خدمة السيد يا مريم .. خدمة السيد على مر العصور تحتاج إلى أيدي عاملة – الحقول ابيضت .. الحصاد كثير .. الفعلة قليلون .. نعم .. تحتاج مرثا إلى مريم .. الخدمة تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد .. ومن الترف الجلوس والمكوث في حضرة السيد، لذلك كان من الطبيعي أن تمكث مرثا في المطبخ لتقدم خدمتها للسيد، وأيضاً محبتها، ولكن مع كثرة الخدمة انزعجت مرثا، بل ارتبكت، ارتبكت من كثرة العمل، من سينجز كل هذا، ومتى سيُنجز؟ .. جبل كبير من المسؤولية، تئن مرثا تحت وطئته .. دعونا نقترب منها أكثر لنراها عن كثب .
***

" وَأَمَّا مَرْثَا فَكَانَتْ مُرْتَبِكَةً فِي خِدْمَةٍ كَثِيرَةٍ"
(لو10: 40)
            نعم الخدمة كثيرة .. وتسبب ارتباكاً .. ماذا أفعل وجدول أعمالي ممتلئ .. يجب إعداد الطعام وتنظيف المنزل .. والعمل على راحة السيد والضيوف وإعداد الأماكن اللازمة لمبيتهم.. نعم، الخدمة كثيرة وشاقة.
الخدمة كثيرة، وعلى مر السنين والعصور تجد اتباع السيد المسيح في كل مكان يشعرون بضغط الخدمة التي تسبب ارتباكاً.. اجتماعات .. لجان .. خدمات كرازية .. خدمات تكريسية .. خدمة شباب.. أطفال .. شيوخ .. سيدات.. خلوات .. مجالات واسعة للخدمة .. سمعية وبصرية .
كل هذا يسبب ارتباكا.. لأن الفعلة قليلون.. وبعضهم يريد أن يجلس عند قدمي السيد فقط .. لا يريد أن يذهب إلى حقل الخدمة .. هذا يسبب ارتباكا في الخدمة، والارتباك ينشيء تذمراً ونقداً للآخر، هذا لا يفعل شيئاً، هو من تلاميذ السيد، ولكنه لا يعمل، أنا أعمل كل شيء، أنا أفضل.
انظروا، جدول أعمالي مزدحم، وهو لا يساعد، لماذا لا يساعد؟ لماذا لا يخدم؟ لماذا هو جالس هكذا؟
تذمر .. دينونة للآخرين .. اضطراب .. لا وجود لوقت لنجلس عند قدمي السيد .. لا وقت.
هذا ما رأته مرثا، إنه لا وقت لديها للجلوس في محضر السيد، هذه رفاهية لا تستطيع أن تمارسها، ولكن أين مريم؟ لماذا لا تساعدها؟ .. تبحث عنها لتجدها جالسة في حضرة السيد، مما أثار غضبها واستياءها أكثر وأكثر. أستياءها على من؟!! على مريم، أم على السيد؟!!! .. وكانت المواجهة بعبارة موجهة إلى السيد .. تعلن فيه عن مشاعرها ..
" يارَبُّ، أَمَا تُبَالِي بِأَنَّ أُخْتِي قَدْ تَرَكَتْنِي أَخْدُمُ وَحْدِي؟" (لوقا 10: 41)

لسان حال مرثا يقول: أختي .. التي يجب أن تعمل معي .. هي صاحبة الدار مثلي .. ولكنها تركتني أعمل وحدي!!
لماذا تركتني أختي يا رب .. انظر .. إنها تجلس عند قدميك .. لا تفعل شيئا.. وتركتني أنا في هذه الأعمال.. تركتني وحدي وأنا أحتاج إلى شريك.. مساعد.. حتى لا أرتبك.
كانت هذه مشاعرها التي وضعتها للسيد، وكان رد السيد بسيطاً، وإن اختلف الناس في فهمه, لقد قال لها السيد الرب:
- الحاجة إلى واحد يا مرثا .
            قالها وكأنه كان يتمنى لو قالت " أريدك يا سيدي معي"، أو لنستخدم نفس ما استخدمته عذراء النشيد قديماً .. "أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إلى الْحَقْلِ، وَلْنَبِتْ فِي الْقُرَى لِنُبَكِّرَنَّ إلى الْكُرُومِ، لِنَنْظُرَ: هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟ هَلْ تَفَتَّحَ الْقُعَالُ؟ هَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ هُنَالِكَ أُعْطِيكَ حُبِّي" (نشيد 7: 10-12)
يريدها أن تقول مثلما قالت مريم .. وإن اختلف السلوك: أنا أحبك يا سيد. وان اختلفت لغة الحب عندي عن لغة الحب التي تعبر بها مريم، ومثلما تجدك مريم كالتفاح .. وتجلس تحت قدميك لتستدفئ بظلك.. أريدك أنا أيضا معي .. أنا مرثا.. ولكن في حقل الخدمة. وكما شاركت مريم عذراء النشيد في طلبتها بالجلوس معك, أنا أعبر عن محبتي أنا أيضا كعذراء النشيد بالعمل لأني أعطيك حبي هناك.. في العمل.
مريم تعبر عن محبتها عند قدميك.. وأنا أعبر عن محبتي في المطبخ. ومع رائحة الثمار الناضجة .. أعطيك باكورة خدمتي .. هناك حيث الخدمة والعمل أعبر لك عن حبي، أريدك معي سيدي في الحقل .. حيث العمل .. أريدك في الخدمة .."معي"..
أتخيل السيد وهو يقول لمرثا: "الحاجة إلى واحد". إنه أراد أن يستمع إلى هذه الكلمات "أحتاج إليك يا سيد." إن الحاجة إلى واحد.. نعم الخدمة مهمة ولكن بدون وجود السيد فيها لن تصبح خدمة ناجحة .. هي لمسة فهم .. هل نفهم؟
***
"فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَها:«مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ،" (لوقا 10: 41)
            نسمع عن كثير من القديسين .. قضوا أوقاتاً كثيرة في الصلاة ..فكانت أعمالهم عظيمة رغم أنها استغرقت وقتاً أقل .. وهناك آخرون .. لائحة أعمالهم كبيرة جداً.. ولا يجدون وقتاً للجلوس عند قدمي السيد .. وراحت خدمتهم في طي النسيان.
يسوع يقدس الخدمة .. فهذا "حَسَنٌ" .. ولكن عند قدمي السيد "حَسَنٌ جداً".. الحاجة إلى واحد يا مرثا.. اطلبي منه.. هو يجعلك لا تضطربين.. هو يجعلك تعملين بهدوء .. دون تذمر من الآخرين, ودون النظر إلى ما يفعلون وما لا يفعلون.. ذلك التذمر الذي يفقد العمل قيمته.
فماذا يعني التذمر؟
إنه تمجيد لأعمال الذات.. أما تبالي أن أختي لا تعمل معي .. ولسان حالها يقول: "أنا أفضل .. أنا أعمل بصورة أفضل من غيري" .... عملي له قيمة .. إنها ال (أنا) الشهيرة، التي تقتل أي عمل، وتزرع الكبرياء في القلوب، ولكن المسيح يعلن .. أن الحاجة إلى واحد .. يعمل معك .. وتستمع إليه.. يعلمك ويرشدك.
لا تتكلي يا مرثا على إنسان .. ولا تضعي رجاءك على إنسان .. لأن الحاجة إلى واحد فقط .. هو السيد .. لذلك اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها .. وضعت مريم رجاءها في ذلك الذي بدونه لا رجاء.. الخدمة ستبطل .. كما إنها بدون السيد لا طائل منها.. هل تفهمين يا مرثا؟.
***
هل نحتاج إلى مثل هذه اللمسة.. ؟ لمسة الفهم ..
كثيراً ما نضع معايير خاطئة للأمور.. مما يجعل الحياة تضطرب وتقلق .. رغم أن أهدافنا مقدسة .. ولكن نقع في أخطاء لا حصر لها.. يسوع يقول الآن أن الحاجة إلى واحد .. لذلك قبل أن نخرج إلى الحقل .. حقل السيد حيث الخدمة .. يجب أن نكون قد جلسنا عند أقدام السيد فترة كافية .. نتعلم وندرس ونصلي ونفهم..
هذه هي إرادة السيد , وهذه هي اللمسة التي يريدنا أن نعيها.. إنها لمسة فهم
السيد يريد أن يفهمنا كيف تكون خدمتنا.. على الرغم من أن الحصاد كثير والفعلة قليلون فهذا ليس سببا كافيا لنتصرف بمفردنا.. فنرتبك بأمور كثيرة وننسى أن نجلس عند قدمي السيد، وننسى أن الحاجة إلى واحد .. في كل أمر، حتى ولو كنا نعد فقط طعام السيد كمرثا.. لأننا بدونه لن نستطيع عمل شيء.. بدونه يحدث ارتباك واضطراب.
لن تقوى مرثا ولا مريم ولا أنت أيضا على اتمام العمل بدون السيد؟. هل تحتاج إلى لمسة فهم من السيد .. ليتك تطلبها.
صــــلاة
أعترف لك سيدي.
كثيراً ما ارتبكت في خدمتك..
وتذمرت ..
وإتهمت الكثيرين بالإهمال..
وصرخت .. ألا تبالي يا سيدي ..
أنا أخدم وحدي ..
أنا أفضل .. أنا أحسن ..
وكل هذا دون أن أطلبك..
ولكن شكراً يا سيدي..
إذ لمستني ..
لمسة الفهم تلك..
ففهمت أن الحاجة إلى واحد ..
نعم.. دعني أشتهِ أن أجلس معك ..
تحت ظلك ..
حتى عندما أخرج إلى خدمتك ..
أظل معك..
في الكرم .. في الحقل .. أبقى معك..
حتى تفوح رائحتك الذكية وعند هذا..
أكون قد اخترت ..
نصيبي وقسمتي ..
ذلك النصيب ..
الذي لن يُنزع مني ..
آمين.

موضوع اكتر من ممتاز اختى الغالية ربنا يبارك تعب محبتك

موضوع غاية فى الجمال والروووووووووووعة

نورتوا الموضوع شكرا ليكم