بقلم فاطمة ناعوت
أخي المسلم السَّويّ، شكرًا لسوائك ومحبتك الناسَ، لأنك تنفّذُ مشيئة الله، وتُسْهمُ في استقرار المجتمع وبنائه. المقالُ ليس لك. فاكتفِ بما قرأتْ، واغتنمْ بقية يومك فيما يُرضى الله ويُطوّر الحياة، بارك اللهُ دينَك ودنياك، وجازاك عنّا وعن مصر من الجزاء أحسنَه. أخي المسلم المتعصّب هذا المقالُ لك، وأشكرك إن منحته دقائقَ من يومك المشحون بالتعب.
سأل الإعلاميُّ معتز الدمرداش الشيخَ حسّان سؤالا مباشرًا: "هل تحب المسيحيين؟" وكان كلامٌ كثيرٌ ليس من بينه: نعم، صريحةً، أو: لا، صريحةً! تهويماتٌ من قبيل: "لن أقول ما ينكأ الجراح!" ولستُ أعرف عن أي جراح يتكلم! وما ضرّه لو قال: "نعم أحبهم!"؛ فتبرأ نفوسٌ وتوئدُ فتنٌ؟! ولكن، "لا" الموجعةَ، خرجت، وإنْ مستترةً. ولا عجبَ، وقد صرّح بها من قبل الشيخ "ياسر برهامي" مُعلنًا "بُغضه" المسيحيين! نجّانا اللهُ من البغضاء، الكبيرة عند الله، آمرِنا بالرحمة والمحبة والتآخي.
وأسألُ الشيخ الكريم: لماذا يبغض شعبًا لم يتعلّم إلا المحبة بأمر كتابهم؟ فيمنحونها حتى لأعدائهم؟ علمًا بأنهم مأمورون بألا يعتبروا أيَّ بشريّ عدوًا لهم، حتى المُسيء إليهم لا يعتبرونه عدوًا! لأنه ليس إلا عصًا في يد الشيطان. وهذا هو العدو "الأوحد"، للبشرية، حسب شريعتهم القائمة على المحبة المطلقة. أخي المتعصب، إن اتّبعتَ السيد برهامي في بُغضه، فعلى رِسلك! فقط، اعلمْ أنك تعكّر صفوَ نفسك وتخسرُ ميزانك الروحيّ. أما أنا فأحبُّهم، ولديّ أسبابي أسوقُها في الأسئلة التالية.
هل تعلم أن مسيحيي "بني سويف" شاركوا المسلمين "تطوّعًّا" في بناء مسجد "أطواب"، ضمن قافلة جمعية "رسالة"؟ هل سبق وشاهدت مسيحيًّا يجاهر بتناول قدح قهوة في نهار رمضان أمام زملائه في العمل؟ لا أظن. هل تعرف أن أطفال الأقباط يشاركون أطفالنَا في تزيين الشوارع بالورق الملون والفوانيس احتفالاً بشهر رمضان كل عام؟ لماذا؟ لأنهم يحبوننا، بصدق.
أخي المسلم، المسيحيُّ يحبّك، لأن كتابه يأمره بمحبة الناس كافةً، حتى اللاعنين والطاردين: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم." فما بالك بحبه لنا، وما نحن بلاعنين؟ ويقول كتابُهم: "إن قال أحدٌ إني أحبُّ اللهَ، وأبغضَ أخاه، فهو كاذبٌ، لأن مَن لا يحبُّ أخاه الذي أبصرَه، كيف يقدر أن يحبَّ اللهَ الذي لا يبصرُه؟" كذلك يأمرنا رسولُنا الكريم: "لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه." هل تعلم أن المسيحيَّ يؤمن بمحبة الله للبشر كافة، ولا يكره أحدًا لأننا جميعًا خليقته؟ لذلك لا يكتمل إيمانُ المسيحيّ إلا بمحبته الناس، صنيعة الله. هو، جلَّ جلالُه، وحدَه، سيفصلُ بيننا بالحقِّ يومَ الحشر، فلماذا نجعل من أنفسنا ديّانين على الناس، وكلُّنا خطّائون فقراءُ إلى الله؟! هل تعلم أن المسيحيَّ لا يحلف أبدًا مهما أرغمته؛ لأن كتابه يمنعه من القَسم: "لا تحلفوا البتّة، لا بالسماء لأنها كرسيُّ الله، ولا بالأرض لأنها موطئُ قدميه، فليكن كلامُكم: نعم نعم، لا لا. وما زاد عن ذلك فهو من الشرير" (الشيطان)، وكذلك يأمرنا كتابُنا في سورة "البقرة": "لا تجعلوا اللهَ عُرضةً لأيمانكم."، لكننا نحلف! هل تعلم أن المسيحيَّ يتقن عمله لأن كتابه يأمره بذلك: "فمن يعرف أن يعملَ حسنًا ولا يعمل، فذلك خطيئة له". لذا أرقى التعليم في المدارس المسيحية، وأرقى التمريض ما تقدمه الراهباتُ في المشافي. وكذلك يحدثنا رسوُلنا: "إن اللهَ يأمركم إن عمل أحدكم عملاً أن يتقنه." وأيضًا: "إذا قامتِ الساعةُ، وفي يد أحدكم فَسيلةٌ، فليغرسْها." أخي المسلم الكريم، هل تعلم إن تحضّر الشعوب يُقاس بمستوى معاملة الدولة، والمجتمع، للأقليات الأجنبية الوافدة؟ وهل تعلم أن الأقلية المسيحية ليسوا وافدين، بل أصحاب بلد أصلاء، لأن مصر ظلّت قبطية العِرق، مسيحية الديانة ستةَ قرون حتى دخلها الإسلامُ في القرن السادس؟ وهل تعلم أن جدّك وجَدي كانا مسيحيين، وأسلما في لحظة ما؟ فيكون الفارقُ بينك وبين المسيحيَّ الراهن؛ أن جدّك اختار الإسلام، وجدّه اختار أن يظلَّ على دينه؟ وأنه بهذا أخوك بالنَسَب وبالقرابة، وليس فقط بالمواطنة؟ وهل تعلم إن شكسبير قال: "‫يمكننا عمل الكثير بالحقّ، لكن بالحبّ أكثر."
سؤال أخير: ألا يفكر الشيخان، مثلي، أن (المُحبُّ)، ربما يكون آخر أسماء الله الحسنى؛ رقم 100، ذاك الذي لن نعرفه إلا يوم القيامة؟