قصص وحكايات مثيرة يرويها الأزواج والزوجات عن معاناتهم نتيجة إحساسهم بالرتابة والملل في حياتهم الزوجية، وقد ينتهي هذا الإحساس في الأغلب بتصدع أركان الزواج أو انهياره في معظم الأحيان، والغريب أن بعض الزوجات والأزواج شعروا بنوع من الفتور والملل يحاصرهم في حياتهم الزوجية عقب انتهاء شهر العسل مباشرة، على الرغم من أن كثيراً من حالات الزواج هذه كانت تسبقها قصص حب عنيفة
بعض الزوجات والأزواج شعروا بالرتابة والملل بعد إنجاب الطفل الأول، وبعدها تفاقمت المشكلات، وانتهى أغلبها بالطلاق أو الانتحار، ومع ذلك فإن هناك زوجات وأزواج داهمهم هذا الإحساس في حياتهم الزوجية ولكنهم تصدوا له بقوة، ورفضوا الاستسلام وابتكروا أساليب وطرقاً جديدة لمواجهة هذا الملل، منها حث الأزواج للزوجات على عمل “نيولوك” جديد في محلات الكوافير وارتياد صالات “الجيم” للتريض وإنقاص الوزن وبعض الزوجات واجهن الرتابة والملل باستخدام أنواع معينة من العطور داخل غرف النوم لتعديل مزاج الزوج، والبعض الآخر اتجه إلى البحث عن وصفات سحرية على شبكة التواصل الاجتماعي وزيارة عيادات الطب النفسي.
علماء النفس والاجتماع وخبراء العلاقات الأسرية في بعض المراكز المتخصصة تحدثوا لـ “الصدى” عن أسباب وخطورة إحساس الزوجين بالرتابة والملل والفتور في حياتهم الزوجية، واستعرضوا نماذج لهذه المشكلات ورصدوا وسائل للعلاج، وأكدوا أن الرتابة والملل أضحيا الخطر الأكبر الذي يهدد الحياة الزوجية في مصر الآن، وهو ما يفسر انتشار أعداد كبيرة من مراكز الاستشارات الأسرية المجانية التي تعمل على تأهيل المقبلين على الزواج للحفاظ على الحياة الزوجية، وهو ما يجد دعماً كبيراً من جانب مؤسسات الدولة وبعض المنظمات الدولية المتخصصة في مجال رعاية وحماية الأسرة.
ضايقتني نعومته
بعض الزوجات شابات، ولكنهن تحدثن لنا عن مشاعر الرتابة والملل في حياتهن الزوجية، ومنهن “ابتسام” وهي طالبة جامعية يبدو أنها كانت مقبلة على الحياة، وتزوجت بعد قصة حب كبيرة، ولكن الإحساس بالملل من زوجها اقتحم حياتها عقب انتهاء شهر العسل مباشرة، وبعد وقت قصير تحول هذا الملل إلى كراهية وراحت تطالب بالطلاق، وعندما رفض زوجها طلبها بدأت تهدده بخيانته مع شخص آخر إن لم يقم بطلاقها، وقد أدت تهديدات الزوجة إلى إصابة زوجها بنوع من الاكتئاب والصدمة، لأنه لم يكن يتوقع أبداً أن يصدر مثل هذا التهديد المبتذل من الفتاة التي أحبها بكل جوارحه، وقد انتهت الحكاية بانعزال الزوج الحياة وعزوفه عن دخول منزل الزوجية، وقضاء أكبر وقت ممكن في المقاهي وفي الشوارع هائماً على وجهه. وعن سبب إحساسها بالملل والرتابة في حياتها الزوجية تقول ابتسام: بعد الزواج اكتشفت أن زوجي مصاب بالنرجسية الزائدة، ويمضي ساعات طويلة ينظر إلى صورته في المرآة، وعندما يخرج من البيت يعود من منتصف الطريق ليعاود النظر في المرآة وليتأكد أن تسريحة شعره لم تتأثر بخروجه إلى الشارع، وتواصل ابتسام: كان زوجي يكرر ذلك عندما يغسل يديه أو عندما يمسح حذاءه أو يرتدي ملابسه، وقد أصابتني تصرفاته بنوع من الرتابة والملل حتى رحت أفكر وأتصور كيف يمكنني مواصلة حياتي معه.
وكانت تراودني هواجس كثيرة عندما أختلي بنفسي، وكنت أتوقع أنه سوف يصبح أكثر استفزازاً في سلوكياته أو وساوسه أو نرجسيته عندما يتقدم به العمر، وفكرت أنه سوف يصبح رجلاً متصابياً في الكبر، وضايقتني نعومته، فقررت الخلاص منه لأنني اكتشفت أنني أكثر منه رجولة.
قصة مشابهة ترويها لنا زوجة جامعية شابة انتهى بها الشعور بالملل والرتابة في حياتها الزوجية إلى الطلاق، وتؤكد صاحبة الحكاية “سارة درويش” أن هناك أسباباً كثيرة تراها الزوجة في سلوكيات الزوج بعد الزواج تصيبها بنوع من الصدمة التي تفقدها مشاعرها العاطفية تجاهه، وتبدد أحلامها في مواصلة الحياة معه، ومن هنا فإن الزوجة غالباً ما تشعر بالرتابة والملل والفتور العاطفي في حياتها الزوجية، ويستولي عليها شعورغريب بعدم الانتماء لمثل هذا الزوج، وعن أبرز السلوكيات التي لاحظتها على زوجها وأدت بها إلى الشعور بالملل في علاقتها الزوجية معه، تقول سارة: بسبب تجربتي في الزواج قابلت حالات كثيرة مماثلة لمشكلتي، ووجدت زوجات كثيرات في معاناة شديدة مع الإحساس بالرتابة والملل في حياتهن الزوجية، والسبب كان سلوك الأزواج، فهناك الزوج الذي يحاول أن يثبت لزوجته أنه (سي السيد) في البيت، وأنه الآمر الناهي في مؤسسة الزواج. وتضيف سارة: وجدت أنه من الممكن أن يكون الزوج عديم التربية، ولكنه يريد زوجته على درجة عالية من التربية و”بنت ناس محترمين”، ووجدت أنه من الممكن أن يكون الزوج زير نساء وكل حياته أمضاها في صحبة البنات، ويريد زوجته أن تكون حبيسة الجدران ولا تفتح باباً ولا شباكاً، وتتحدث من وراء حجاب، ومن الممكن أن يكون الزوج جاهلاً بأبسط أمور الدين ولا يؤدي أبسط واجباته الدينية، ويريد من زوجته أن تكون عالمة وفقيهة ولا تترك من الدين شيئاً، ومن الممكن أن يكون الزوج أشبه بالقرد شكلاً ومضموناً ويريد من زوجته أن تكون ملكة جمال العالم. وتستطرد سارة: كل هذه السلوكيات تصيب الزوجة بالفتور العاطفي فتشعر بالملل في حياتها مع مثل هذا الزوج أو ذاك، ومن ثم تبدأ الزوجة التفكير في كيفية الخلاص من ورطة الزواج التي وقعت فيها، وكثرة هذا النوع من التفكير تدفع الزوجات أحياناً إلى الهرب أو الخيانة أو الانتحار.
الزوج الغراب
ليس الإحساس بالرتابة والملل في الحياة الزوجية مرضاً يصيب الزوجات فقط دون الأزواج، ولكن بعض الأزواج الذين قابلناهم يؤكدون إصابتهم بالملل من الحياة الزوجية بعد الزواج بوقت قليل، والسبب الرئيسي سلوكيات الزوجة مع زوجها، وتغيير معاملتها له بعد الزواج، وهنا يقول برسوم حليم عن حكاية إصابته بالشعور بالإحباط وإحساسه بالملل بعد أشهر قليلة من الزواج: للأسف تزوجت امرأة نكدية لا تحاول أن تبتسم حتى في اللحظات والمواقف التي ينبغي أن نضحك فيها بصوت عال، وطلباتها لا تنتهي وأحلامها كثيرة وتافهة، ولا تتناسب مع إمكاناتي، وهمومها لا يحلو لها أن ترويها لي إلا في اللحظات التي نستعد فيها لممارسة العلاقة الخاصة، فتصيبني بنوع من الإحباط وعدم الرغبة. ويواصل برسوم: حاولت إصلاحها ولكن في كل مرة أحاول توجيهها فيها كانت تستهزأ بنصائحي وتتمايل من كثرة الضحك وهي تضع يدها على وجهي وتردد قائلة: (غرد يا أبو العريف). ويتوقف برسوم للحظة ثم يواصل حديثه: كانت تقصد بهذه العبارة أن نصائحي لها تبدو تافهة من وجهة نظرها، وأنني لا يمكن أن أكون في موقف الناصح لها. ويحاول برسوم أن يسوق بعض النماذج السلبية لسلوكيات زوجته معه فيقول: عندما تناديني أو تطلب قضاء شيء من مصالحها تخاطبني من بعيد قائلة: (إنجز يا سبع البرمبة)، وكل هذه السلوكيات التي كانت تمارسها زوجتي ضدي جعلتني شخصاً انطوائياً مصاباً بالاكتئاب والرتابة والملل لدرجة أنني لا أحب العودة إليها عندما أخرج من عندها، وأنا لست قادراً على نسيان عبارتها اللاذعة عندما تلقاني داخلاً عليها بعد عودتي من عملي (جئت يا أبو السباع ياما نشوف أيش جاب الغراب لأمه).
ويتفق محمود كمال، مدير إحدى شركات الأجهزة الطبية بالقاهرة، مع ما ذهب إليه برسوم ويقول: الزوجة أيضاً ترتكب أخطاء كثيرة وتأتي بأفعال وسلوكيات تصيب الزوج بالصدمة، فهي ليست منزهة عن الخطأ، ومن أخطر السلوكيات السلبية التي ترتكبها الزوجة بعد الزواج أنانيتها الشديدة وحبها لنفسها واستيلائها على زوجها والعمل على قطع علاقاته بأمه وأبيه وأهله، والاستحواذ عليه لنفسها. ويستطرد: تصل الأنانية ببعض الزوجات إلى جعل أزواجهن يدورون في فلك اهتماماتهن فقط، فيحبون ما تحبه زوجاتهم ويكرهون ما يكرهنه، ويختتم محمود حديثه بقوله: هذه المعاملة الخاطئة التي تسلكها بعض الزوجات تؤدي في النهاية إلى خلافات زوجية وأسرية وعائلية كبيرة، وتنتهي بهروب كثير من الأزواج من بيت الزوجية بسبب تفاقم المشكلات مع الزوجات. ويلخص شريف سلطان، صحفي، أسباب شعور الزوجين بالرتابة والملل في حياتهما الزوجية بقوله: أبرز الأسباب الخيانات الزوجية والبخل وعدم القدرة لدى كل طرف على احتواء الطرف الآخر، مع عدم تحمل المسؤولية والانزلاق إلى تبادل الإهانات في أبسط المواقف، والشكوى الدائمة من صعوبة الحياة وعدم طاعة الزوجة للزوج.
الكوافيرة عندها الحل
على الرغم من أن زوجات وأزواجاً كثيرين رفعوا الراية البيضاء أمام الإحساس بالرتابة والملل في حياتهما الزوجية، وانفصلوا بالطلاق من أول إحساس بذلك، فإن بعض الزوجات والأزواج الذين راودتهم هذه الأحاسيس قد نجحوا في مواجهتها وصمدوا أمامها حتى تغلبوا عليها بالعقل والحوار والتفاهم، وهو ما تؤكده الزوجة سمية بقولها: الزوجة عليها واجب ومسؤولية في مواجهة الملل من خلال القيام بواجباتها تجاه زوجها، وتغيير حياتها النمطية في بيتها من وقت لآخر، كأن تهتم مثلاً بمظهرها حتى يشعر زوجها باهتمامها به، وليس من المقبول أن تنام الزوجة بجوار زوجها بثياب المطبخ أو أن تتغطى ببطانية وهو يتغطى بأخرى وهما ينامان على سرير واحد. وتستطرد: على الزوجة أن تولي ترتيب بيتها ونظافته جانباً من اهتمامها، وتعترف سمية بأن زوجها يشجعها على الذهاب إلى محلات الكوافير للزينة وعمل التمرينات الرياضية في صالات الجيم، كما يشجعها على تغيير نمط حياتهما الأسرية من وقت لآخر، وبالتالي فإنهما لا يشعران بأي نوع من الرتابة في حياتهما الزوجية.
وتتفق الكوافيرة سماح مع ما ذهبت إليه الزوجة سمية، وتقول: أغلبية الزوجات من عميلاتي يواظبن على تغيير تسريحات شعرهن من وقت إلى آخر بهدف إدخال السعادة على أزواجهن، ونيل رضاهم عنهن، والزوجة الذكية هي التي تحاول أن تغير من أسلوب حياتها في بيتها حتى لا يصاب زوجها بالملل والرتابة. وترى سماح أن تغيير الزوجة لتسريحة شعرها وتزينها لزوجها من وقت لآخر نوع من محاولة تغيير نمط الحياة الزوجية وتجديدها حفاظاً على سعادة الأسرة واستمرار الحياة الزوجية من دون مشكلات. وتضيف: بعض الزوجات اللاتي يجتمعن عندي في محل الكوافير يتبادلن الخبرات في كل ما يؤدي إلى تجديد أسلوب حياتهن الزوجية ويعيدها لمراحلها الأولى من الزواج ويبحثن عن كل ما هو جديد لتغيير أسلوب حياتهن للأفضل، فبعض الزوجات يتحدثن مثلاً عن أصناف من الملابس الخاصة التي اشترينها من المحل الفلاني بهدف استخدامها لإدخال نوع من السعادة على أزواجهن وأخريات يتحدثن عن نوع من العطور اشترينها خصيصاً لاستخدامها في مناسبة خاصة مع زوجها، وبعض الزوجات يتحدثن عن تسريحات الشعر الجديدة للفنانة الفلانية ويرغبن في تسريحة مماثلة لشعرها لأنها كانت قد أعجبت زوجها وهكذا.
عشر آفات
تجارب وخبرات متنوعة مرت بها رسمية عبدالله مديرة جمعية (معاكم) الخيرية من خلال تنظيم الندوات لحل الخلافات بين الأزواج والزوجات، وتعترف بأن الإحساس بالملل والرتابة في الحياة الزوجية من أكثر المشكلات التي أصبحت تهدد كيان الأسرة في مصر. وتؤكد أن أغلبية المشكلات الأسرية التي تعرضت لها الجمعية خلال السنوات الثلاث الماضية كانت تتعلق بالرتابة والملل حتى بعد فترة قصيرة من الزواج. وترى رسمية أن هناك عوامل أو آفات قامت برصدها وتسبب الرتابة والملل بين الأزواج وهي: توهم كل من الزوجين بعدم اهتمام الطرف الآخر به، وامتناع الأزواج عن ممارسة العلاقة في أيام الخصام، والتنابذ بالألقاب وتبادل الشتائم، وعدم اكتراث كل من الزوجين بمطالب أو بوجود الآخر، ومن ثمة إهماله، أيضاً وجود نوع من الخرس الزوجي والتمادي في ارتكاب الأخطاء، وتبادل النقد اللاذع ومحاولات تصيد الأخطاء، وانعدام روح الإيثار والأنانية الشخصية المفرطة. وتتفق مع هذا الرأي فاطمة المالكي، خبيرة العلاقات الأسرية والمسؤولة بمؤسسة صالون (أتجوز صح)، فتقول: من الأسباب الرئيسية لفتور العلاقة الزوجية الحالة الاقتصادية للأسرة، حيث تزيد نسبة الإحساس والشعور بالملل في الأسر الفقيرة أكثر من الأسر الغنية، كما تزيد هذه النسبة لدى الزوجين اللذين لا يعتدان بقدسية ورابطة الزواج، أو لم يحسن أحدهما اختيار الآخر من البداية. وتضيف المالكي بعداً آخر لفتور العلاقة الزوجية وهو غياب القدوة المتمثلة في الأمهات اللاتي يسدين النصائح لبناتهن المقبلات على الزواج، والآباء الذين يقدمون النصائح المفيدة للأبناء المقبلين على الزواج من أجل توطيد العلاقة الزوجية، والحرص على استمرارها، وتدعو المالكي كل زوجة أن تكون أماً وحبيبة وصديقة لزوجها، وأن تكون كل شيء بالنسبة لأولادها، وحينها لا يعرف إليها الملل طريقاً.
العلاقة الخاصة
الدكتور أحمد هارون، استشاري العلاج النفسي والإدمان، يرى أن هناك عدة أسباب متنوعة وراء شعور الزوجين بنوع من الرتابة والملل والفتور العاطفي في علاقتهما الزوجية، ومن أبرز هذه الأسباب انشغالهما بأمور وشؤون الحياة الاقتصادية واهتمام الزوجة أو الزوجين بمصالح الأولاد على حساب مصالحهما الشخصية، ووجود أعباء مادية أو مشكلات نفسية، وقد يؤدي ذلك إلى تضاؤل الرغبة المتبادلة بين الزوجين، وتتحول مشاعر الحب التي كانت بينهما قبل الزواج إلى روتين يومي.
وتعترف الدكتورة غادة الخولي، مستشارة الطب النفسي والعلاقات الأسرية، بأن منظومة الزواج والعلاقات الزوجية أصبحت معقدة لدرجة كبيرة ما جعل نسبة من الشباب المتزوجين حديثاً ينتهي بهم الأمر إلى الانفصال قبل أقل من مرور سنة على زواجهم بحسب إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والتي أكدت وقوع حالة طلاق كل 6 دقائق.
وتضيف الخولي: قبل أن نتعلم الحوار الزوجي لا بد أن نتعلم الحوار من الأساس، وندرك الفارق بين الحوار والجدل الذي غالباً لا يأتي بنتيجة، وعادة ما يصل إلى نهاية عقيمة لأننا من الأساس قد لا نقدر ثقافة الحوار أو الاختلاف الذي يفرض علينا الاستماع لوجهة نظر الآخر، فنعرض له وجهة نظرنا ونستمع لوجهة نظره ونشرح له مميزاتها وعيوبها، ونستمع لعيوب وجهة نظرنا ونتقبلها حتى نستطيع أن نصل لحل يرضي الطرفين.