المحاضرة الرابعة القراءة النقية للشبهة
تكلمنا في المحاضرات السابقة عن بعض الأساسيات اللازمة، والتي سنستخدمها في الردود الفعليّة على الشبهات، واليوم تُعد هذه المحاضرة بداية للجزء الثاني من الدورة وهو الخاص بالتدريب على نقد الشبهة قبل بدء الرد الفعلي، أي أن المطلوب من هذه المحاضرة هو التدريب على القراءة النقدية للشبهة، وهذه الخطوة مهمة جداً ففي البداية ستعرف منها أن أكثر من 85% من شبهات المسلمين لا يرقى لمستوى القراءة أصلاً أي أنك لن تُكمل قراءة الشبهة إن كانت ضمن هذه النِسبة من الشبهات، ومن هنا تظهر اهمية هذه المحاضرة، فنحن في غنى عن الرد على مثل هذه الشبهات الساذجة، لانها بلا قيمة، ولكن لكي نعرف أي من الشبهات تقع داخل هذه النسبة وأيهما لا تقع، لابد ان نتدرب على كيفيّة تقييم الشبهة، في البداية ما هى الشبهة ؟الشبهة هى عبارة عن شيء يراه الآخر سيء في دينك ( انا هنا أتكلم عن المعنى الإصطلاحي للمسيحين ) مثل "التناقض"، "الخطأ العلمي"، "الخطأ التاريخي"، "التحريف"، "القانونية"، "الوهية المسيح"، "الثالوث القدوس"...إلخ، بعد هذا نريد أن نعرف مبدأ الرد على الشبهة، فما هو مبدأ الرد على الشبهات؟، الرد على الشبهات بشكل عام هو مقابلة الفكر الخاطيء بالفكر الصحيح، هذا الفكر الخاطيء يختلف من شخص لشخص، من حيث المادة ( أي محتوى الشبهة ) ومن حيث العمق ( أي تأصيل الشبهة ) ومن حيث الإتساع ( أي مشابكة العلوم المختلفة في بعض ) ومن حيث الدقة ومن حيث الهدف ومن حيث الترتيب ومن حيث العلم ..إلخ، كيف سنتعامل مع هذه الأنواع؟ كلشبهة لها سمات مُعينة لابد أن يعرفها المدافع ثم يستخرجها ثم ينقدها أثناء القراءة، هذه السمات هى :
1. العمود الفقري للشبهة : كل شبهة لها هدف واضح صريح ( إلا ما ندر )، مثل التشكيك في ألوهية المسيح أو الثالوث أو قانون الكتاب المقدس ( القانونية ) أو ما إلى ذلك، يجب اولا تحديد هذا العمود، ولعل أحدكم يفكر في أن هذا امراً طبيعيّاً لم يكون هناك حاجة لكتابته في المحاضرة، وهذا خطأ، لماذا؟ لأن المسلمين متخصصون في التشتيت، فتجد موضوع به عمود فقري واحد وتجد معه مواضيع جانبية لا علاقة لها بهذا الموضوع أو خيالات أو أوهام أو آراء ولعدم التشتيت يجب أن يعرف كل مِنّا ما هى الشبهة التي يرد عليها تحديداً في هذا الموضوع.
2. التفريق بين الأدلة والإقتباسات، هناك فرق بين "الدليل" و "الإقتباس" وهذه نقطة هامة وخطيرة، كما قلنا أن المصادر القانونية في الكنيسة – إلى الآن في الدورة – هى شقي التقليد ( المنقول شفاهاً والمنقول كتابةً )، وفقاً لهذا التعريف فإن كل ما عاداه هو قابل للفحص، بمعنى هل الإستشهاد – مثلا – بكلام قاله "الدكتور" كذا أو "القمص" كذا، أو "القس" كذا أو حتى - في بعض الأحيان – "القديس" كذا في غير التقليد، هو امر مُلزم؟ بالطبع لا، كل هذه الكتابات مع الأهمية القصوى العظمى الأساسية لكتابات الآباء، فهى تُعرض على التقليد الرسولي ومع الخط العام للآباء، لنرى هل هذا تفسيراً منفرداً أو مخالفاً ( اتكلم هنا عن الكل إلا الآباء ) أم ان هذا التفسير هو التفسير المُنتشر والمقبول في كل أرجاء الكنيسة ( العالمية )؟ إن كان منتشراً – بالادلة – في كل أرجاء الكنيسة فهو دليل، وإن كان غير منتشر في الكل فهو إستشهاد يخص فكر شخصي او فكر مجتمعي، وبالتالي فلا مشكلة في رفضه، فمثلاً عندما يأتي لي شخص ويقول " أنت تخالف كلام القمص الذي قال ... "، فماذا لو كان رأيه غير صحيحاً في وجهة نظري؟ الرد هو : الرفض، لماذا ؟ لانه ليس ملزم لي، لماذا؟ لأنه خارج التقليد، ربما يفهم البعض بالخطأ أني اتكلم عن تفاسير الآباء، هذا الكلام لم اقله وهو خاطيء، انا اتكلم عن التفاسير في غير العقيدة، مثلاً، عندما يكون هناك زمن ما في مجتمع ما كانت فيه العادة هى أرتداء ما يشبه الحجاب على الشعر بالنسبة للمرأة، ونجد ان قديس ما أمرَ بإرتداء هذا الحجاب، فهل يحق لمسلم أن يستشهد بهذا القول لهذا القديس لنرتدي هذا الحجاب كأمر من قديس؟ بالطبع لا يحق، لماذا؟ لان هذا أمر مجتمعي بحت ولأن " كل الاشياء تحل لي لكن ليس كل الاشياء توافق. كل الاشياء تحل لي لكن لا يتسلط علي شيء " فالقيد هنا هو "الموافقة" و "عدم التسلط" وأيضاً لأن التقليد المكتوب يقول لنا " امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن "، فالمسيحيّة لا تعرف تأليه البشر ولا تعرف العصمة المطلقة الآباء، لماذا انا تكلمت هنا عن الآباء؟ لكي تعرفوا أنه إذا كانت كتابات الآباء في الأمور المجتمعية ينبغي عرضها على التقليد فكم وكم كتابات "العالم" فلان، أو "القس" أو "القمص" أو "البطريرك" ..إلخ، فالحياة المسيحية بسيطة ولا يتسلط علينا شيء ( إلا التقليد بالطبع فهو إيماننا القويم )، لماذا كتبت هذه النقطة من الأساس؟!، كتبتها لأني وجدت بعض المسيحين يجدون حرجاً في رفض إقتباس قدّمه مسلم من أحد هذه "الألقاب" فهو يظن – أي المسلم – أن طالما الإقتباس مسبوقاً بأحدى هذه الألقاب فهو "حجة على النصراني"!، وهذا كلام خاطيء تماماً كما اوضحنا، السبب الثاني هو أني وجدت بعضً آخر يقتنع بالإقتباس طالما قدّمه "لقب" وبالطبع هذا خطأ آخر كما قلنا يستغله المسلم في الحوار ويجب علينا معرفته، ما هى أهمية هذه النقطة للإطالة فيها هكذا؟ أهميتها وببساطة أنك ستجد شبهات بكاملها قامت على إقتباس من أحدى هذه المصادر مع ندرة الإستشهاد بالآباء لأن الإستشهاد بهم من قبل المسلم سينهي على الشبهة أثناء كتابته لها!
3. ليس من حق المسلم التفسير!، هذه نقطة تكلمنا عنها سابقاً، وهى أن المسيحي من حقه التفسير مادام لم يعارض التقليد بشقيهِ لكن المسلم ليس من حقه التفسير في الأساس، فهو ليس كتابته، وهو خصم حواري ومُغرِض، ومن هنا ما الذي يجب ملاحظته أثناء قراءة الشبهة؟ أي تفسير شخصي لمسلم هو غير قابل للنقاش أصلاً، حتى ولو كان صحيحاً فالمبدأ هو أن تستشهد بما يخصني وليس أن تفسر على هواك، ومن هنا يجب الإلتفات إلى هذه التفاسير الشخصية بغرض طلب تأكيدها من مصادر مسيحيّة ويكون هذا هو الحد الادنى الذي يبدأ على أساسه الحوار وليس إضاعة الوقت في تفسير شخصي لمسلم، هذا المبدأ مهم للغاية، ويجب على المدافع ألا يمر عليه ويتساهل فيه، فلا ضرر إن إستمر الحوار لسنوات ولكن أن يكون مفيد، ولن يكون مفيداً بالتفسيرات الشخصية للمسلم، لماذا؟ دعونا نفترض، المسلم قام بالتفسير، وانت قمت بالتفسير، من الذي يحكم في صحة التفسير؟ في هذه الحالة طالما أن المسلم لم يستعن أصلا بالتقليد ولا بالآباء ولا بالبطارقة ولا بالأساقفة ولا بالقمامصة والقسوس ولا بالعلماء، فهو قد رفض الحوار العلمي أساسا وبالتالي فلا غاية من الحوار إلا ضياع الوقت وهذه تسمى مناقشات غبية والتقليد المقدس المكتوب قد نهى عنها، كيف سيساعدنا هذا بشكل عملي على المستوى القريب والبعيد ؟ على المستوى القريب سيساعدنا في الرد على أكبر كم من الشبهات في زمن قياسي صغير، لانه كما قلت ان الغالبية من الشبهات تكون هكذا وبالتالي، مجرد طلب الدليل ينهي الشبهة تماماً، وأما على المستوى البعيد، فهو سيجعل المسلم نفسه أكثر علمية وأكاديمية ومنطقية وبحثية وبالتالي لن يكتب مثل هذه الشبهات الساذجة، فلن يقتص صورة من هنا ويقوم بتلوينها ليخدع بها البسطاء، بل سيعرف أصول البحث العلمي الحر.
4. مراد طارح الشبهة، كل من يكتب شبهة له غرض مُعيّن، وكلهم لهم غرض كبير ثابت، وهذا الغرض هو إثبات أن المسيحيّة ليست هى "الديانة" الصحيح – بحسب فكره -، هنا يجب التعامل مباشرة مع هذا الـ"غرض"، فإن رددت على الشبهة في هذا الغرض فقط فأنت أنهيت على الشبهة، مثلاً، شبهة ان مجمع نيقيّة هو من قام بـ"تأليه" الرب يسوع المسيح، يمكن ان تجد شبهة تتكلم في وقائع المجمع وما الذي دار فيه، وإقتباس من هنا ومن هناك وتلوين من هنا وهناك وقول لهذا وذاك، لكن، ما الغرض من كل هذا؟، هذا هو الدافع وراء كتابة هذه الشبهة حتى وإن كانت مكتوبة في آلاف الصفحات، لكن لها غرض رئيسي تريد أن تصل له، ومن هنا، فالغرض هو ان المسيح لم يكن إلها وقام المجمع بتاليهه، فهنا على سبيل المثال، كيف يمكن الرد من منطلق "مراد طارح الشبهة"؟ الرد يكون بعكس ما أراده صاحب الشبهة وبأضعف الإقتباسات، بكلمات أخرى، أليس هو يريد أن يثبت أن المسيح لم يكن إلها قبل مجمع نيقية؟ حسناً، سأثبت أنا بإستخدام " الإقتباسات " في إثبات أن المسيح كان هو الإله قبل مجمع نيقية بل ومن وقائع مجمع نيقية نفسها أو في كتابة بحث عن لاهوت المسيح بل مجمع نيقية، وبهذا يكون كل "بحثه" لا قيمه له لان مراد البحث تم الرد عليه.
5. إستخراج الإستشهادات او الأدلة من البحث، هذه النقطة مهمة في بدايات المدافع المسيحي، فغالبا ما تكون الشبهات الإسلامية عبارة عن "حشو" لا قيمة له في اي شيء، ويتم كتابة شبهة طويلة عريضة مبنية على "إستشهادين" او أكثر ، ولكن يتم كتابة قبل وبعد كل إستشهاد مجموعة من الكلمات التي توجه عقل القاريء لفهم الإقتباس بطريقة مُعينة يريدها صاحب الشبهة، ومن هنا يجب على الكل في البداية التدريب على إستخراج الإستشهادات ثم قراءتها بمفردها أو التوجه مباشرة داخل الشبهة إلى الإقتباسات هذه، ثم إعادة قراءة الشبهة، وغالبا الذي يحدث بعد هذه العملية هو سؤال المسلم " من قال لك أن هذا الإقبتاس يعني كذا ؟ " سأخبركم بشيء طريق، منذ عدة سنوات كان المسلم لا يجرؤ أن يذهب لتفسير مسيحي ليقتبس منه لأن التفسير المسيحي في الغالب لن يضع ما يريده المسلم لأنه ما يريده المسلم هو شيء خاطيء وبالتالي لن يجده في أغلب التفاسير، ومع تقدمنا العلمي الكبير ( أقصد المسيحيين فقط ) إضطروا للإستشهاد بتفاسير المسيحيين ولكن فعلوا أشياء طريقة جداً ستجدوها بانفسكم، فعلى سبيل المثال، أصبحوا لا يفهمون التفسير نفسه! أي انهم يحتاجون لتفسير لتفسير التفسير الذي يُفسّر الكتاب المقدس! أو أنهم يقومون ببتر التفسير نفسه بما يوافق هواهم! صدقوني هذا يحدث بالفعل! وهذا ما يدفعنا للحصول على الكتب التي يستشهدون بها حتى نرى السياق العام للفهم وهل قاموا ببتر أي جزء من التفسير ام لا.
6. عدم التخصص!، وهذا خطأ شائع يقع فيه كلهم إلا نسبة قليلة جداً، حيث يقومون بالإستشهاد بـ" أسقف " مثلاً على شيء في علم النقد النصي فمع تقديرنا لرتبته الكنسية الكهنوتية ولكن هذه الرتبة للرعاية وليست للتقييم العلمي، فما علاقة " القس " فلان أو " القمص " أو الأسقف " أو " البابا " فلان بالنقد النصي كعلم خاص؟ أو بالقانونية؟ من هنا يأتي عامل " التخصصية "، وربما يتضح لدى الأقباط أكثر، فعلى سبيل المثال، كيف يصبح الشخص كاهناً؟ او كيف يصبح الشخص راهباً ؟ أو كيف يصبح الراهب " أسقفا "؟ أو كيف يصبح الراهب أو الأسقف " بطريركا "؟ هل بسبب علمه!! هل الرتب الكهنوتية هى رتب علمية بحسب الشهادات والمعرفة العلمية ام انها درجات كنسيّة رعوية خدمية؟ فمثلا، الشخص يتم إنتخابه من شعب الكنيسة ليكون " قسّاً " فهل إختاروه لأنه " عالم " أم لصفات أخرى رعوية؟ هل الشخص عندما يريد ان يعيش في حياة الرهبنة ويتم قبوله كراهب، هل يقبلونه لانه من فطاحل العلماء!!؟ وهل عندما يختار ليكون أسقفاً هل يكون هذا لأنه نبغ في العلوم وحصل على شهادات عالمية .. إلخ؟ بالطبع لا، فإذا كان الجواب هو " لا " فكيف يستدل المسلم بكلامهم علينا بحجة انهم ذو " لقب "..! فهل اللقب دليل؟ أو هل اللقب يعطي "عصمة" لكلمات صاحب هذا اللقب؟!، بالطبع لا، ومن هنا فلا أهمية ضرورية للقبول بقول " اللقب " مادام غير متخصص.
يتبع